الحوثي يجند عناصر من تنظيم القاعدة في الأمن والمخابرات.. ما طبيعة العلاقة؟

"الاغتيالات والجماعات المتطرفة أداتين لعرقلة استعادة الدولة"
أثار تقرير محلي يمني عن استخدام الحوثيين، عناصر من تنظيم القاعدة ضمن شبكات عسكرية وأمنية، تساؤلات عن طبيعة العلاقة بين الجماعتين المتضادتين في التوجهات العقائدية، وما الذي تهدف إليه الجماعة الموالية لإيران في توظيف مثل هذه المجاميع.
العلاقة الملتبسة بين الطرفين، ليست من نتاج أفكار الحوثيين فحسب، وإنما حصيلة دمج بين تجربة محلية يمنية، وإستراتيجية دولة إقليمية، جرى تطبيقها في العديد من دول منطقة الشرق الأوسط، كانت الغاية منها تحقيق أهداف سياسية وأمنية واقتصادية، وفق محللين.

"إعادة تدوير"
في 22 سبتمبر/ أيلول 2025، اتهم تقرير مركز "P.T.O.C Yemen" (منصة تعقب الجرائم المنظمة وغسيل الأموال في اليمن) الحوثيين بتحويل السجون الواقعة تحت سيطرتها إلى مراكز لإعادة تدوير عناصر من تنظيم القاعدة، قبل دمجهم في شبكات عسكرية وأمنية واستخباراتية.
وأفاد التقرير بأن هذه الإستراتيجية تمثل "توظيفا مرحليا وتبادلا للمصالح" بين الطرفين، رغم التباين العقائدي بينهما، وأن جهاز الأمن والمخابرات الحوثي وضع خطة لتجنيد قيادات من القاعدة، تشمل قيادة خلايا سرية وتأسيس واجهات سياسية، وصولا لإنشاء وحدات عسكرية تحت إشراف قادة حوثيين بارزين.
وكشف المركز اليمني أن "من بين الأسماء المذكورة: علي سالم الفطحاني (أبو سالم) الذي جُنّد عام 2021، ورياض النهدي (أبو عمر)، وعبد الله المنذري (أبو عمار)، وسليمان الكندي (أبو داوود الصيعري)".
ولفت إلى تشكيل تيار سياسي باسم "التغيير والتحرير" في حضرموت عام 2025، واصفا إياه بأنه واجهة مدنية تعمل في الواقع على استقطاب عناصر من تنظيمي القاعدة والدولة، وإعادة دمجهم في معسكرات سرية في صعدة وعمران وذمار.
للمرة الأولى، يذكر التقرير تورط قيادات حوثية بارزة في هذه العمليات، من بينهم نائب رئيس جهاز الأمن والمخابرات عبد القادر الشامي، ووزير الداخلية عبد الكريم الحوثي، وقائد الاستخبارات العسكرية أبو علي الحاكم.
وبحسب التقرير، فإن العناصر المفرج عنهم، لم يقتصر دورهم على القتال، بل كُلّفوا بمهام تشمل تهريب أسلحة ومخدرات، جمع معلومات، تنفيذ اغتيالات وزرع عبوات ناسفة، مقابل رواتب بالدولار وامتيازات اجتماعية.
وأشار إلى أن الحوثي يخصص للعناصر التي يجندها "رواتب شهرية بالدولار تصل إلى 260 دولار أميركي، وأسلحة وسيارات حديثة، وامتيازات اجتماعية تشمل حماية أسرهم وترتيبات للزواج، إضافة إلى هويات مزورة وأسماء حركية لإخفاء هويتهم".
وحث المركز اليمني المجتمع الدولي على عد هذه الممارسات "جريمة حرب"، داعيا إلى إنشاء قاعدة بيانات للعناصر المفرج عنهم وتشديد الرقابة على السجون، مع فرض عقوبات على قيادات حوثية وتحميل إيران مسؤولية دعمها.
رغم الحديث سابقا عن وجود صفقة بين الحوثي والقاعدة بعدما أطلقت سراح سجناء منها، لكن يأتي تقرير المركز اليمني ليكشف بأدلة جديدة وجود نمط "إعادة التدوير"، موثقا أسماء قيادات وأدوارا محددة.
في عام 2015، تحدثت تقارير أممية عن إطلاق الحوثي سراح عشرات من عناصر القاعدة من السجون التي سيطروا عليها، الأمر الذي أثار شبهات عن وجود صفقة بينهما، خصوصا بعدما عاد عدد من هؤلاء للقتال في صفوف الجماعة أو لعبوا أدوارا في تهريب الأسلحة والمخدرات.

"خطة مزدوجة"
وبخصوص حقيقة العلاقة بين الحوثي والقاعدة، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني، عبد الباقي شمسان، إن "إيران وأذرعها توظف الجماعات المتطرفة وتحديدا من السُنة، وهذا يخلق الحاجة لها ويدخلها في نوع من التحالف الدولي ضد هذه المجاميع".
وأوضح شمسان أن "إيران فعلت ذلك بشكل واضح عندما وظفت تنظيم الدولة لصالحها ثم قاتلت إلى جانب التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ضد هذا التنظيم".
ولفت إلى أن "هناك جهات متطرفة تمت صناعتها، وفي اليمن توجد خبرة تراكمية في هذا المجال، فقد كان رئيس البلاد السابق علي عبد الله صالح يخترق جماعات القاعدة وداعش ويوظفها لتحقيق مصالحه، وفي الوقت نفسه يتلقى الدعم الدولي لمكافحة هؤلاء".
وبين الكاتب أن "الحوثيين إضافة إلى الإستراتيجية الإيرانية بخلق الحاجة لمواجهة هذه الجماعات، فإن الجماعة أيضا لديها الخبرة اليمنية خاصة في الاستخبارات، والاستفادة من الجماعات التي تمت صناعتها، والشخصيات الوسيطة وناقلة الرسائل بين الطرفين (الحوثي والقاعدة)".
وأكد شمان أن "هذه الجماعات المتطرفة يجري توظيفها، وأنها قد تحدث فراغات وتقوم بأعمال مشابهة في بغداد وسوريا (تفجيرات وهجمات)، مما يجعل المجتمع الدولي يخفف الضغط على الحوثي بتقدير أنهم أداة لمواجهة المتطرفين، لكن حصيلة الخسائر ستكون من الشعب اليمني".
بحسب الكاتب، فإن "بعض دول الإقليم الموجودة على الأراضي اليمنية منخرطة في هذه الإستراتيجية (الإيرانية)، وهي أن وجودها يحقق نوعا من ملء الفراغات، وعندما يجرى الضغط عليها تتحجج بأن اليمن أرض خصبة لتوسع الجماعات المتطرفة، وذلك حتى تشرعن بقاءها".
وأشار إلى أن "الاغتيالات والجماعات المتطرفة أداتان لعرقلة استعادة الدولة، وبالتالي الحوثيون يتحركون في إطار التراكم اليمني والإستراتيجية الإيرانية التي تعتمد على إيجاد الحاجة لمواجهة الجماعات المتطرفة".
ولكن رغم ذلك، يضيف شمسان، أن "هناك توجها دوليا لإضعاف حد الاختفاء لأذرع إيران في المنطقة، وأنها مسألة وقت لاستهداف مشروع الحوثي كوكيل محلي للمشروع الإيراني في اليمن".
وعلى هذا الأساس، يرى شمسان، أن "دعم الجماعات المتطرفة وتزويدها بالسلاح يُعد نوعا من المواجهة مع دول الإقليم والمجتمع الدولي، لأنها ستستهدف البحر الأحمر ومناطق خارج الجغرافيا اليمنية وستترك فراغات أمنية لتربك المشهد، كواحد من خيارات المواجهة".
وخلص الخبير اليمني إلى أن "الحل هو بدعم الجيش الوطني والمؤسسة الأمنية اليمنية، وإيجاد قوة شرعية وليست جماعات خارج المؤسسات الرسمية لملء الفراغات، لأنه كلما كان هناك تعدد للجهات الحاملة للسلاح وفرت أرضا خصبة للجماعات المتطرفة".

إستراتيجية إيرانية
منذ احتلال الولايات المتحدة الأميركية أفغانستان في أكتوبر عام 2001، وإسقاط حكم حركة طالبان، بحجة إيواء تنظيم الدولة المتهم باستهداف برجي التجارة العالميين في نيويورك في 11 سبتمبر من العام نفسه، استقطبت إيران عناصر وقادة تنظيم القاعدة، وجرى توطينهم مع عائلاتهم، وإنشاء معسكرات خاصة بهم.
ومع الدخول الأميركي للعراق واحتلاله وإسقاط نظام حزب البعث، زجت إيران بعناصر وقيادات التنظيم، وعلى رأسهم "أبو مصعب الزرقاوي" الذي كان يتزعم "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين"، حتى مقتله بغارة جوية أميركية استهدفته بمحافظة ديالى العراقية عام 2006.
وفي هذا السياق، يكشف قاسم داود السياسي المتحدث الأسبق باسم الحكومة العراقية عام 2004، في كتاب مذكرات أصدره في أغسطس 2025، بعنوان "سنوات الاشتباك"، عن تفاصيل لقاء جمعه بقائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني.
وقال داود إنه في إحدى زياراته إلى طهران (لم يذكر التاريخ) التقيت مع سليماني، وسألني الأول عن أسباب رغبتي ببقاء القوات الأميركية في العراق لمدة عشرين عاما، حين سُئلت خلال مقابلة مع قناة "الحرة" الأميركية عن رأيي بالانسحاب الأميركي من البلاد.
وأضاف داود: "أجبت سليماني، أن الولايات المتحدة دمرت كل شيء ولم يبق جيش للعراق يحميه إذا حصل هجوم إرهابي، وهل سترسلون الحرس الثوري للقتال دفاعا عنا؟، لكن الأخير أطرق وابتسم، وقال: أنتم بالملايين ماذا سيحصل لو قتل مليون عراقي في سبيل الدفاع عن العراق، لأرد عليه بأن الدم العراقي ليس رخيصا إلى هذا الحد".
ويكمل داود، قائلا: "إن بثينة شعبان مستشارة رئيس النظام السوري السابق بشار الأسد، كتبت مقالا (لم يذكر أين) قالت فيه إن الأخير أخبرها بأنه ندم كثيرا لأنني رضخت لضغوط قاسم سليماني، حين طلب مني فتح معسكرات لتنظيم القاعدة بعد أشهر على احتلال العراق".
وتابع: "الأسد سأل سليماني حينها كيف تتعاملون مع تنظيمات متطرفة وأنتم شيعة؟، لكنه رد أننا نتعامل معهم وندعمهم ولدينا بعض أفراد عائلة أسامة بن لادن (زعيم القاعدة السابق). وبعدها فتحت معسكرات للقاعدة في سوريا، وبدأت التفجيرات الانتحارية في العراق تخرج من سوريا".
ولفت داود في مذكراته إلى أن "ألف عنصر من عتاة قادة تنظيم القاعدة الذين فروا من سجن أبي غريب غرب العاصمة بغداد عام 2016، وكانت في انتظارهم باصات لنقلهم، والذين كانوا نواة لتشكيل تنظيم الدولة لاحقا، وهذا كان أمرا مخططا له".
ويُتهم رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي بالتعاون مع نظام بشار الأسد والحرس الثوري الإيراني، بالوقوف وراء صناعة تنظيم الدولة، الذي سيطر على محافظة نينوى (مركزها الموصل) العراقية في 10 يونيو/حزيران 2014، ثم إعلانه عما أطلق عليه "دولة الخلافة" في سوريا والعراق.
وأكد حسن الشمري الذي كان وزيرا عام 2013، في حكومة المالكي المقرب من إيران، خلال مقابلة تلفزيونية في يناير 2014، أن هجوم عناصر القاعدة على السجنين (التاجي أبو غريب) بعملية أطلق عليها التنظيم "هدم الأسوار"، كانت مدبرة وتورط فيها رؤوس كبار في الدولة العراقية.
وأوضح، أن "رؤوسا كبيرة في الدولة سهلت هرب سجناء تنظيم القاعدة من سجني أبي غريب والتاجي في بغداد"، ويرى أن ذلك يهدف "لتقوية النظام السوري من خلال تقوية التنظيم، وتخويف الولايات المتحدة من أي ضربة عسكرية ضد نظام بشار الأسد، ستكون القاعدة هي البديل".
المصادر
- الرئيسية - تقارير - التفاصيل مركز PTOC Yemen يكشف تحويل الحوثيين عناصر القاعدة وداعش إلى أذرع لجهاز الأمن والمخابرات
- تقرير: الحوثيون يستخدمون عناصر من القاعدة بعد إعادة تدويرهم في السجون
- أدلة دامغة.. هكذا فضحت "وثائق الأسد" جرائم ساسة عراقيين بحق السوريين
- تحت غطاء “التدوير الإرهابي”.. الحوثيون يستخدمون عناصر القاعدة بعد تدويرهم في السجون