صعقهم طوفان الأقصى.. لماذا انتفض الذباب الإلكتروني السعودي ضد حركة "حماس"؟
عملية "طوفان الأقصى" العسكرية التي شنتها حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، على إسرائيل في محيط غلاف غزة يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مازالت تلقي بظلالها.
فمن أبرز متغيرات ما بعد العملية على منطقة الشرق الأوسط، يأتي مسار التطبيع السعودي مع دولة الاحتلال في المرتبة الأولى.
فقبل العملية بأيام وتحديدا في 21 سبتمبر/ أيلول 2023، خرج ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" الأميركية وأدلى بأول تعليق علني له بشأن المحادثات مع إسرائيل.
وقال ابن سلمان، إن المفاوضين يقتربون من التوصل إلى "اتفاق تاريخي"، وصفه بأنه "الأكبر منذ الحرب الباردة".
وكان ولي العهد السعودي يعلل صفقة تطبيعه بأنه سينتزع حلا للفلسطينيين، ولن يتنازل عن حقوق قضيتهم.
لكن جاء طوفان الأقصى، ليدفن مبدئيا الشكل الذي كانت ستنتجه صفقة تطبيع الرياض وتل أبيب، وتبرز تساؤلات عن إمكانية أن تستمر بمفردات جديدة أم تنتهي بلا دعوة؟
ولا شك أن ما أحدثته المقاومة الفلسطينية، عصف بمشروع ولي العهد السعودي، كوسيط محتمل قادر على أن يغير في معادلة الصراع، وربما تسبب ذلك في تململه ونظامه من الحالة برمتها.
ذباب الأمير
ظهر هذا من خلال رصد حملة إلكترونية سعودية منظمة، تستهدف المقاومة الفلسطينية عقب يوم من العملية العسكرية.
وفي 8 أكتوبر كشفت منصة التحقيقات الاستقصائية "إيكاد" على صفحتها بموقع إكس (تويتر سابقا)، عن تتبعها لحسابات سعودية، تشن حملة ممنهجة ضد حركة "حماس".
ووصفت "إيكاد" تلك الحسابات بـ "السعودية الصهيونية"، وأكدت أنها قدمت روايات وسردية متطابقة تماما، مرددة الجمل والعبارات ذاتها بكثافة بعد ساعات فقط من بدء عملية "طوفان الأقصى".
وركزت حسابات اللجان السعودية على ترويج مزاعم حول استهداف المقاومة لمن أسمتهم "المدنيين الإسرائيليين" ومعاملتهم بوحشية وأسرهم، مرفقين تغريداتهم بصور لنساء وروايات مضللة حولهن.
بعض هذه الحسابات مثل حساب موثق باسم "عبد الله الطويلعي" زعم أن ما يحصل مجرد مسرحية بين المقاومة وإسرائيل، وأن هدفها الرئيس جمع المال والدعم لا أكثر، وقال "الموساد (الاستخبارات الإسرائيلية الخاصة) يحبك السيناريو وحماس تنفذ" على حد زعمه.
حسابات أخرى مثل "حمد العتيق" و"الكعام" رددت أن الشريعة الإسلامية تحرم الحرب التي تشنها المقاومة لأنها تسبب مفسدة للبلاد والعباد، وفق تعبيره
بينما روجت حسابات لصفحات مثل "تمر" و"حضارات السعودية 1727" لوجود دور إيراني في عملية المقاومة لمنع إتمام صفقة السلام بين السعودية وإسرائيل.
وادعت أن إيران نفذت الحرب لمنع إتمام اتفاقية دفاعية بين السعودية والولايات المتحدة الأميركية، كانت ستبرم حال نجاح مساعي التطبيع بين الرياض وتل أبيب.
لجان إلكترونية
حلل قسم التحليل الفني بمنصة "إيكاد" الاستقصائية، الحسابات التي رددت تلك العبارات وروجت لسردية معادية للمقاومة.
وأكد أنها لجان إلكترونية ممنهجة ومترابطة مع بعضها بشكل واضح، تتفاعل وتغرد مع الحسابات المركزية السعودية وتردد العبارات نفسها.
وكشفت "إيكاد" أن جميع هذه الحسابات تمثل لجنة واحدة، والسبب هو تاريخ إنشائها، فمعظمها أنشئ في أكتوبر والشهرين السابقين له.
وبينت أنها تتفاعل مع الحسابات ذاتها، وتروج كذلك للسرديات نفسها في التوقيت ذاته وبالطريقة نفسها مع اختلافات بسيطة.
وضربت مثلا بحساب "الكعام" الذي يروج للعنصرية العرقية السعودية ويهاجم جميع الدول العربية الأخرى، ويصف شعوبها بأنها ليست عربية، وهو أحد أهم الحسابات المركزية في السعودية.
وفي حديثه لـ"الاستقلال" قال الأكاديمي المتخصص في علم الاجتماعي السياسي إياد طه، إن "اللجان الإلكترونية" المستخدمة عبر مواقع التواصل الاجتماعي باتت تمثل الجيوش الدبلوماسية للأنظمة لا سيما القمعية منها.
وأكد أن معركة السوشيال ميديا والإعلام لا تقل أهمية عن الحروب والصراعات على الأرض بل أحيانا تفوقها تأثيرا وقوة.
وشدد على أن التحكم في سلوك الجماهير وتوجيههم بات ضرورة ملحة للأنظمة، لهذا تشكل فرقا إلكترونية تنفق عليها مبالغ طائلة وتشرف أجهزة استخباراتية وتقنية على تدريبها.
وأتبع: "يحدث هذا حاليا في السعودية والإمارات بكثافة وبطريقة ملحوظة، كما يجرى في مصر والمغرب، لكن الأكثر خطورة هو اللجان الصهيونية التي تنتشر منذ سنوات، وأسهمت بقوة في عمليات التطبيع الشعبي، وتحارب روايات المقاومة، وتشيطن الشعب الفلسطيني".
ولاحظ طه ظهور هذه اللجان السعودية بكثافة وبقوة بعد دخول النظام السعودي إلى صفوف المطبعين.
مساع مبددة
سبب هجوم اللجان الإلكترونية السعودية على حماس في هذا التوقيت له دوافعه، منها ما ذكره موقع "جيوبوليتيكا فيوتشرز" الفرنسي، في 9 أكتوبر 2023.
وقال الموقع: "آخر شيء يريده السعوديون هو أن تستغل حركة حماس هذا الوضع وتوسع سيطرتها خارج قطاع غزة، الأمر الذي من شأنه أن يعمل لصالح الخصم الرئيس للرياض، وهو طهران".
وأضاف: "ابن سلمان يدرك أن محاولة الحصول على حكم ذاتي محدود للسلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، سيكون أمرا صعبا للغاية".
وأتبع: "لذلك فإنه يحاول التوصل إلى ترتيب يقلل من قدرة حماس على الاستفادة من الوضعية القائمة، إضافة إلى حالة الفوضى الناشئة في الضفة الغربية، والتي من المؤكد أن إيران ستستغلها".
وتحدث موقع "فرانس 24" الفرنسي، أن عملية طوفان الأقصى بددت مساعي التطبيع السعودية الإسرائيلية التي استمرت لشهور.
ووصف الحالة الراهنة بأنها عرقلت التطبيع المحتمل للعلاقات بين إسرائيل والسعودية، في إشارة واضحة للضربة التي وجهتها عملية "طوفان الأقصى" للمفاوضات.
وأورد الموقع الفرنسي أن الصراع الدائر أعاد تركيز الأنظار على القضية الفلسطينية، كما أطاح بجهود الرئيس الأميركي جو بايدن في اتجاه الاتفاق بين الرياض وتل أبيب لما كان سيشكله من مكسب دبلوماسي يعزز حملته للانتخابات الرئاسية في 2024.
وأطاح في نفس الوقت بتطلعات محمد بن سلمان لإبرام اتفاقية تطبيع سعودية إسرائيلية، تحقق له ثقلا دبلوماسيا فريدا في المنطقة.
ضغوط أميركية
الأزمة الأخرى التي جعلت ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للبلاد محمد بن سلمان متحفزا، هي الضغوطات الأميركية التي تمارس عليه للعب دور الداعم لإسرائيل كما تفعل الإمارات، وهو ما يصطدم بالحملة الإنسانية والشعبية الضخمة لدعم الشعب الفلسطيني.
وفي 13 أكتوبر أكدت وكالة "رويترز" البريطانية نقلا عن مصدرين مطلعين، أن واشنطن ضغطت على الرياض لإدانة هجوم حركة حماس، لكنه قال إن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، رفض ذلك.
وبررت أن هذه الخطوة تشير إلى مسارعة الرياض إعادة التفكير في أولويات سياستها الخارجية، في ظل تصاعد الحرب بقطاع غزة، وتفاقم المعاناة الإنسانية لأكثر من مليوني شخص محاصرين داخل القطاع.
ومع ذلك شددت الوكالة البريطانية على أن ابن سلمان لن يسمح بعرقلة مساعيه لإبرام اتفاق الدفاع مع الولايات المتحدة، حتى إن لم تقدم إسرائيل تنازلات ضخمة للفلسطينيين في مسعى إقامة دولتهم.
واستشهدت بتصريحات مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، خلال إفادة بالبيت الأبيض، بأن جهود التطبيع "لم ترجأ"، ثم أتبع أن التركيز منصب على تحديات عاجلة أخرى.
ولعل الغرض السعودي الأساسي من اتفاقية التطبيع، غير الانتصار الدبلوماسي لولي العهد، هو عقد اتفاقية دفاعية متقدمة مع واشنطن.
لذلك فإن الرياض ربما رأت أن عملية طوفان الأقصى حطمت جهودها وشروطها التي تفاوضت عليها كثيرا لإتمام التطبيع.
شروط الرياض
وفي 9 أغسطس/ آب 2023، نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" الأميركية تقريرا عن "خطة بايدن" وقالت: "إن الإدارة الحالية للبيت الأبيض تسعى بقوة لتشكيل الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط، من خلال العمل على تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل".
وذكرت أن خطة بايدن تواجه عقبات كثيرة، من أهمها الشروط التي يجرى إصدارها بشكل مستمر من النظامين، وأن السعودية لها شروطها، والكيان المحتل له شروطه الموازية.
وأتبعت أن الرياض لها مطالبها وتريد إذا ما طبعت، أن تحصل على أكبر مكتسبات سياسية وأمنية ممكنة.
فعلى سبيل المثال تريد الرياض من واشنطن دعم برنامج نووي مدني والحصول على أسلحة متطورة.
النقطة الثانية وهي الأهم في الاشتراطات والعوائق ما يتعلق بملف التسليح السعودي، وحصول الرياض على صفقات أسلحة متطورة من واشنطن.
ورأى المحلل الإسرائيلي البارز المختص في شؤون الأمن، يوسي ميلمان، في مقال نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية، أن "التحركات الأخيرة تظهر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لديه استعداد واضح للتضحية بالأمن القومي وتعريض بقاء إسرائيل للخطر، لتحسين وضعه الشخصي داخليا وخارجيا، حتى لو كان ذلك بامتلاك السعودية أسلحة متطورة".
وفي 31 مايو/أيار 2023، قال موقع "عرب 48" الفلسطيني استنادا إلى مصادر إسرائيلية، إن طلب السعودية الحصول على أسلحة أميركية متطورة "يعد عائقا أساسيا أمام مسارات التطبيع".
وأضاف أن تزويد السعودية بأسلحة متطورة "من شأنه أن يستهدف التفوق النوعي العسكري الإسرائيلي في الشرق الأوسط".
وبالتالي فإن ما تعرضت له إسرائيل من ضربة عسكرية محكمة يوم 7 أكتوبر قد يزيد وفق مراقبين من تمسكها بشروطها ويضعف من موقف ابن سلمان.
ولذلك يرون أن هذا كان سببا رئيسا لموقفه من تلك العملية، ودافعا لتحريك اللجان الإلكترونية لمهاجمة المقاومة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.