خرج من نسل الإمام "ابن عبدالوهاب".. كيف أنهى تركي آل الشيخ تاريخ قومه؟
حين ألقى تركي آل الشيخ مستشار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، افتتاحية موسم الرياض في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كانت غزة تحت وابل القصف الإسرائيلي، يتعرض شعبها للإبادة الكاملة والتهجير على مرأى ومسمع من العالم وفي مقدمتهم الدول العربية والإسلامية.
وحين كانت الرياض ترقص طربا على أنغام الحفلات بتنظيم ورعاية آل الشيخ المستشار في الديوان الملكي بدرجة وزير، ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه، كانت غزة تهتز بفعل القنابل والصواريخ.
وزيادة في الإمعان ارتكب تركي آل الشيخ، المقرب من ابن سلمان، مجموعة من الحوادث أثارت سخطا وغضبا عارمين في الأوساط العربية بشكل عام، والسعودية على وجه الخصوص.
على رأسها ما فعله في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، عندما نشر مقطع فيديو عبر حسابه الرسمي بموقع "إكس" يروج لوجبات مجانية من مطعم "ماكدونالدز" ويدعو الناس لزيارة المطعم خلال فعاليات موسم الرياض.
وجاء موقف تركي بالتضاد مع ما يشهده العالم العربي من حملة مقاطعة لكل المنتجات والمطاعم التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي.
ومطعم ماكدونالدز كان من أوائل المطاعم التي جرت مقاطعتها، بعد نشر صور تظهر توزيعهم وجبات على جنود الاحتلال الذاهبين للتوغل البري في غزة.
وسلطت تلك الحوادث الضوء أكثر على شخصية تركي آل الشيخ وعائلته ونسبه، وكيف خالف نهج قومه، ومسار جده الأكبر.
حفيد الإمام
اسمه بالكامل "تركي بن عبدالمحسن بن عبد اللطيف آل الشيخ"، ويرجع أصله إلى ذرية الإمام محمد بن عبدالوهاب مؤسس المذهب الوهابي الديني، وصاحب كتاب "التوحيد" مرجع الفكر السلفي المعاصر.
والإمام ابن عبد الوهاب جد "تركي" هو الشريك الديني للإمام محمد بن سعود في تأسيس الدولة السعودية الأولى في الدرعية.
إذ كان الحكم في المسائل السياسية وإدارة شؤون الدولة لابن سعود وفي المسائل الدينية والشرعية لابن عبدالوهاب.
ولا تزال الشراكة الدينية السياسية بين أسرة آل الشيخ وأسرة آل سعود مفعلة إلى اليوم.
فمفتي المملكة هو الشيخ عبدالعزيز بن عبد الله آل الشيخ، ووزير الشؤون الدينية صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ.
كما يحصل أفراد عشيرة آل الشيخ على مخصصات شهرية من المملكة مثلهم مثل أفراد العائلة الحاكمة تصلهم أول كل شهر.
ويذكر أنه رغم طابع أسرة آل الشيخ المحافظ خرج من صلبهم من هم على النقيض تماما من الفكر السلفي.
مثل الصحفي محمد آل الشيخ والكاتبة حصة آل الشيخ، وأخيرا تركي آل الشيخ الأكثر إثارة للجدل والأزمات.
تلويث آل الشيخ
لكن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة أمام حالة "تركي آل الشيخ" هو: لماذا خصه ابن سلمان بذلك الدور دون غيره؟
وبالعودة إلى علاقة الأمير السعودي بعائلة "آل الشيخ" والوهابية الذين هم رعاتها، سنجد أن هناك تناقضا فجا.
إذ إن محمد بن سلمان منذ صعوده إلى ولاية العهد في 21 يونيو/حزيران 2017، سعى بكل ما أوتي من قوة إلى كبح جماح آل الشيخ، وتقويض الفكر الوهابي.
وسرعان ما سحب كل صلاحيات أفراد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي كانت مركزا لقوة آل الشيخ.
واقتصر دور عناصرها على إبلاغ الشرطة عن المخالفات، ثم فرض بعد ذلك مزيدا من القيود على أفراد الهيئة، فسحب السيارات الرسمية المخصصة لهم، ومنعهم من الوجود في أي تجمع رسمي.
وقد وصل الأمر إلى الهجوم المباشر على الوهابية في التلفزيون السعودي، ومن علماء بارزين مقربين من القيادة السياسية.
كما حدث يوم 19 يوليو/تموز 2018، عندما شن المستشار بالديوان الملكي عبد الله المنيع هجوما على الوهابية في برنامج "فتاوى" المذاع على التلفزيون الرسمي.
وقال وقتها إن الوهابية هي وصف يسيء إلى المملكة، وما هي إلا وهم وخيال ليس لها من الواقع شيء.
ومن هنا بدأت أسرة آل الشيخ بالأفول، إذ وجه ابن سلمان دعما كاملا للتغيير الذي لم تألفه البلاد ولا المجتمع من قبل.
وتمثلت مركزية التغيير بسلب آل الشيخ سلطتهم، التي كانت تفرض من خلالها على المجتمع الجانب المحافظ.
لكن المثير هو اختيار "تركي" لقيادة الاتجاه المضاد، حيث بقي لقب "آل الشيخ" بارزا من خلاله، كصاحب سلطة وسطوة ونفوذ، لكن هذه المرة من خلال الترفيه والغناء والحفلات.
وأصبح اسم "آل الشيخ" يتردد مع كل ما يخص الترفيه ومواسم الرياض الصاخبة، لذا فإنه من المرجح أن محمد بن سلمان استخدم نظرية "صاحب الشجرة الوحيد القادر على قطعها".
فجعل من تركي سلاحا يلوث من خلاله "آل الشيخ" ورمزيتهم، بل عمد إلى منطقة "الدرعية" مركز الدعوة الوهابية، والعاصمة الدينية للبلاد، التي تحمل مدلولات إقامة الدولة وتحكيم الشريعة، فأقام تركي فيها الحفلات والفعاليات، حتى أصبح اسم المنطقة مقترنا بسباق "الفورمولا" بعدما كانت مقترنة بجده الإمام محمد بن عبد الوهاب ودعوته.
لماذا تركي؟
ومع ذلك، هناك العديد من الأسباب التي جعلت محمد بن سلمان، يحرك تركي آل الشيخ وفق إرادته وسياسته، على رأسها أنه كان من المقربين له بشدة، قبل صعوده إلى سدة الحكم.
فبحسب ما نشر حساب الناشط السعودي المتخصص في نقل الأخبار من داخل القصور السعودية "مجتهد" في 31 ديسمبر/كانون الأول 2017، فإن تركي كان عسكريا بمرتبة صغيرة، تخرج في كلية الملك فهد الأمنية.
لكنه كان متزوجا من ابنة ناصر الداوود أحد المقربين من الملك سلمان بن عبد العزيز عندما كان هذا الأخير أميرا للرياض.
وهو الذي توسط لتركي للعمل مع الأمير سلمان كمرافق قبل أن ينال ثقة ابنه محمد الذي كان يعمل مع والده مستشارا .
دخل تركي بعدها إلى ديوان ولي العهد كمعاون لـ "محمد بن سلمان"، ثم كان في الديوان الملكي بعد أن أصبح الملك سلمان ملكا عام 2015.
وقتها لم يكن لتركي ذكر في الإعلام السعودي الرسمي رغم ما كان يشاع حول علاقته الخاصة مع ولي ولي العهد آنذاك محمد بن سلمان.
حتى إنه لم يكن معروفا إلا في دوائر صغيرة من المشتغلين في كرة القدم السعودية، والذين كانوا يعرفونه كمتبرع ثابت لنادي النصر، أحد أشهر أندية الرياض.
لكن مثّل الصدام مع قطر فيما عرف بالأزمة الخليجية، نقطة انطلاقه الأهم، خصوصا دوره في إصدار بيان البراءة من أسرة آل ثاني، والتي تعد أحد أفرع أسرة الشيخ محمد بن عبدالوهاب.
بعدها كتب أغنية "علّم قطر"، التي هددت الدوحة وكل من يساندها ومن يقف خلفها بالعنف، من قبل النظام السعودي.
لم يمض على نشر هذه الأغنية أيام حتى كافأ ولي العهد محمد بن سلمان، تركي آل الشيخ وعينه في منصب رئيس الهيئة العامة للرياضة، في 7 سبتمبر/ أيلول 2017.
وبذلك بدأ مسيرته في إقرار التوجه الجديد للبلاد، الذي دهس التراث الديني لـ "آل الشيخ" واستبدل به الترفيه.
إسقاط الرمزية
حمدي فتوح أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر، والذي عمل لسنوات في جامعة "أم القرى" بمكة المكرمة، يرى أن "ما يفعله تركي آل الشيخ لا يجلب السخط فقط عليه أو على ولي العهد السعودي، بل على منظومة الحكم بكاملها".
فهناك غضب كامن يمكن أن ينفجر في أي لحظة أمام هذا التحدي غير المسبوق لشعائر الدين، التي أسست عليها المملكة لعقود طويلة، وفق ما قال فتوح الأكاديمي المصري لـ"الاستقلال".
وأضاف: "آل الشيخ تحديدا لهم رمزية كبيرة في المملكة كعلماء دين ودعاة ومتنفذين في هذا الجانب داخل مؤسسات الدولة من أول الإفتاء إلى الوعظ والإرشاد".
"وهذا بموجب العقد الذي أقامه الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله مع الأمير محمد بن سعود، فكان للأخير الحكم وللأول الإمامة، وهو العقد الذي استمر حتى يومنا هذا".
وأكمل: "لذلك فإن آل الشيخ يزعجهم ما يفعله (تركي) لأنه لا يحط من قدرهم ويولد مشاعر الحنق تجاههم فقط، ولكنه ينزع عنهم لباس عقدهم الاجتماعي والسياسي داخل الدولة، كرجال الدين والعلماء".
وهو برأيه، أمر بالغ الخطورة بالنسبة لهم لأنه مع الوقت بفقدان تلك الميزة، فلا قوة ولا معنى لوجودهم، فسيصبحون كعامة الناس أو بقية العشائر.
ولم يستبعد الأكاديمي المصري أن وجود تركي آل الشيخ في الساحة السياسية السعودية للقيام بهذا الدور هو عن عمد وقصد، وبغرض حلحلة وتقزيم آل الشيخ، كي لا يكونوا ندا أو مركز قوة في بداية العهد الجديد الذي سيحكم فيه أحفاد الملك عبد العزيز، تحديدا عهد محمد بن سلمان.