رغم التحذيرات من هواجس التشيع.. لماذا يهرول قيس سعيّد للتقارب مع إيران؟

داود علي | 5 months ago

12

طباعة

مشاركة

قفزة نحو الأمام اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد في ملف التعاون مع إيران على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية، وسط تحذيرات من هذا التقارب المتصاعد.

وهذه القفزة تتوافق مع الإستراتيجية الإيرانية الرامية إلى تطوير علاقاتها مع تونس لما هو أبعد من "البروتوكولات المنمقة" إلى إيجاد "موطئ قدم حقيقي" لها هناك.

وظهر ذلك في الزيارة المفاجئة غير المسبوقة التي قام بها سعيّد إلى طهران لحضور جنازة إبراهيم رئيسي في 23 مايو/ أيار 2024، كأول رئيس تونسي يزور الأراضي الإيرانية منذ ثورة الخميني (1978-1979). 

وخلال الزيارة، أبلغ المرشد العام للثورة الإيرانية علي خامنئي، الرئيس التونسي، بطريقة دبلوماسية، بـ"خيبة أمل" طهران من توقف المشاريع بين البلدين لسنوات.

مراحل أولية

وفي 19 يونيو/ حزيران 2024، ذكرت مجلة "أفريكا إنتيليجنس" الفرنسية، أن أولوية سعيّد باتت تتمثل في تحديث وتطوير اتفاقيات التعاون بين البلدين، والتي ظلت معلقة لمدة 10 سنوات كاملة.

وأضافت أنه “رغم أن التعاون الاقتصادي بين تونس وإيران لا يزال في مراحله الأولية، إلا أنه يتوقع أن ينمو قريبا، حيث يتماشى الموقف السياسي والأيديولوجي للرئيس سعيد مع مواقف طهران”.

كما أن سعيد يعتمد في تحركاته على قاعدة قديمة ولن يبدأ من جديد، فبعد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران وتونس عام 1990، وقعت حكومتا الجانبين أكثر من 18 اتفاقية ومذكرة تفاهم.

تلك الاتفاقيات تغطي التعاون الصناعي وقواعد المنشأ والازدواج الضريبي والحماية المتبادلة للاستثمارات ومسائل أخرى، لكن أيا منها لم يأت بالنتائج المرجوة، وهو ما يسعى سعيد إلى استكماله. 

ومع أنه يستبعد أن يعاد إحياء تلك الخطط اليوم، لكن إيران قد أكدت مجددا اهتمامها بنقل خطوط إنتاج المركبات والجرارات إلى تونس.

وهي التي تحدثت عن مثل هذه الخطط في عام 2013 عندما سعت شركة "إيران خودرو"، شريكة مجموعة "PSA" التونسية، إلى بيع نماذج مجمعة في إيران داخل السوق التونسية. 

وتهتم طهران كذلك بالتعاون مع تونس في مجالات النقل البحري والجوي، والمعدات الطبية والتعدين، وخاصة قطاع الفوسفات الذي يعاني في إيران منذ سنوات. 

من جانبها، تريد تونس أن تصبح مركزا لإعادة تصدير المنتجات الإيرانية إلى دول جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى.

وبدأت مؤشرات اتخاذ خطوات جادة في تطوير العلاقات الإيرانية التونسية، قبل زيارة سعيد لطهران.

المؤشر الأول أواخر فبراير/ شباط 2024، في لقاء جمع سفير تونس لدى طهران عماد الرحموني، ونائب وزير الصناعة الإيراني رئيس منظمة تنمية التجارة مهدي الزغمي، وتم خلاله الحديث عن ضرورة بناء جسور جديدة في التعاون بين البلدين.

المؤشر الثاني في معرض إيران الدولي الذي استضافته طهران بين 27 أبريل/ نيسان و1 مايو/ أيار 2024، عندما التقى الزغمي أيضا، برئيسة ديوان وزيرة التجارة وتنمية الصادرات التونسية لمياء عبروق، وذهب إلى نفس مضمون اللقاء مع الرحموني. 

وبعد زيارة سعيد إلى إيران، ترأست الوزيرة عبروق اجتماعا تنسيقيا للدورة 13 للجنة المشتركة التونسية الإيرانية (في 23 مايو 2024)، كان هدفه الأساسي إزالة الحواجز أمام التبادل التجاري وإرساء أسس الاتفاقيات المستقبلية بين الجانبين. 

ودعت عبروق بأمر من سعيد، إلى تنفيذ اتفاق العام 2003 المبرم بين الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعة التقليدية وغرفة التجارة والصناعة والمناجم والزراعة الإيرانية، لإحداث مجلس أعمال تونسي- إيراني.

يذكر أنه في مقابل إجراء مماثل اتخذته طهران في 1 فبراير 2024، أعلنت تونس في 14 يونيو 2024، أنها سترفع متطلبات الحصول على التأشيرة للإيرانيين ابتداء من 15 يونيو.

قلق أوروبي 

وظهر عديد من الأسئلة التي بحثت عن أسباب تقارب سعيد من طهران، وسعيه القوي إلى مد جسور معها. 

منها ما أورده مركز "المستقبل" للأبحاث والدراسات المتقدمة (مقره القاهرة)، في 28 يونيو 2024، حيث ذكر أن الخلافات بين تونس والاتحاد الأوروبي، كانت سببا أساسيا في توجه قيس سعيد نحو المحور الشرقي (الصين - روسيا - إيران). 

وذكر أنه منذ صعود سعيد إلى الحكم في خريف 2019 لم يترك لحظة واحدة عن توجيه رسائل مباشرة إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بعدم التدخل في شؤون تونس، بسبب انتقادات موجهة له تتعلق بـ"الانفراد بالسلطة".

ورأى المعهد أن هذه العلاقات الحثيثة مع إيران، أصبحت بالفعل محل قلق مزعج لدى مسؤولي الاتحاد الأوروبي.

واستشهد بحديث مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل، الذي صرح بأن وزراء خارجية الاتحاد ناقشوا في اجتماعهم ببروكسل في 25 يونيو 2024، التقارب التونسي مع الشرق، خاصة طهران.

اختيارات محكومة 

وكانت صحيفة "لوموند" الفرنسية، قد ناقشت في تقرير أصدرته يوم 25 مايو، ديناميكية قرار سعيد بالمضي نحو إيران. 

وقالت الصحيفة إن اختيارات سعيد محكومة بعوامل ذاتية وأخرى موضوعية.

وترى أن محيطين بالرئيس ومن بينهم شقيقه نوفل ومستشاره في الكواليس، يقيمون علاقات طويلة الأمد مع إيران.

ولفتت الصحيفة إلى أن شقيقه الذي ينحدر تاريخيا من "اليسار الإسلامي" وهي حركة وفق نفس المصدر، متأثرة بكتابات علي شريعتي الذي يعد أحد الذين مهدوا للثورة الإسلامية في إيران عام 1979، معروف بمساندته للمواقف الإيرانية.

أما من الناحية الموضوعية فترى لوموند أن الاختيارات ليست كثيرة أمام الرئيس التونسي الذي طلب المساعدة من عدد من دول الخليج لمواجهة الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها البلاد، خاصة بعد رفضه توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي يمنح تونس بموجبه قرضا بقيمة 1،9 مليار دولار بسبب شروطه غير المقبولة.

لكنه اصطدم برفع هذه الدول بدورها أمامه شروطا للاستجابة لمطالب المساعدة، معرجة بنفس المناسبة على مسألة تصادم العلاقات بين بعض بلدان المغرب العربي التي انعكست سلبا على المصلحة التونسية وعطلت حصولها على بعض المساعدات الخليجية.

وبينت الصحيفة الفرنسية أن السعودية تشترط للدعم المالي قبول الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي، فيما تطالب قطر بتسوية مع حزب النهضة الإسلامي.

أما بالنسبة للمساعدات المقدمة من الإمارات، فإنها ستواجه معارضة من الجزائر، وذلك لأن العلاقات بين أبوظبي والرباط، على خلفية تطبيع البلدين مع تل أبيب، تثير أزمة مفتوحة بين الجزائريين والإماراتيين.

كل ذلك دفع الصحيفة للاستنتاج أن تونس ماضية في توجهها للاصطفاف في المحور الذي يضم إيران وروسيا وبقية الحلفاء.

ومع ذلك لم تخف أطراف داخلية تونسية قلقها من توجه سعيد شطر طهران تحديدا. 

ففي تقرير نشره موقع "الحرة" الأميركي في 16 يونيو 2024، تحدث أنه بلغ عدد السكان في تونس وفق المعهد الوطني للإحصاء نحو 11.8 مليون نسمة نهاية عام 2023، أغلبهم من المسلمين السنة.

ولفت إلى أن "السنوات القليلة الماضية شهدت تزايدا ملحوظا في أعداد أبناء الطائفة الشيعية بتونس".

واستشهد الموقع برأي السياسي التونسي صلاح الدين الجروشي، الذي أشار إلى أن "الحديث عن أفكار مثل المد الشيعي في تونس يجب أن تؤخذ في الحسبان، مع هذا الانفتاح الكبير من قبل سعيد على طهران".

وأضاف أن "هناك بالفعل تخوفا بالأوساط السنية المالكية والقيادات الدينية في تونس، وحتى من بعض المثقفين الذين لا تربطهم علاقة بالأفكار الدينية، الذين لفتوا الانتباه أخيرا إلى هذه النقطة".

وأكد أن "تأثير ذلك على ديمغرافية البلاد في المستقبل والمدى الطويل يمكن أن يتسبب في شقوق ليس فقط على المستوى المذهبي بل على المستوى السياسي".

وشدد الجروشي على أن "تونس، بلد صغير لا يحتمل صراعات مذهبية، لهذا يجب الأخذ في الحسبان إلى هذه الاحتمالات والتداعيات ذات البعد الإستراتيجي المستقبلي".