بعد 20 عاما على تأسيسها.. سبب إغلاق قناة "الحرة عراق" مالي أم سياسي؟
"القناة أصبحت أداة أميركية عاجزة عن التأثير في العراق"
في خطوة حملت العديد من التفسيرات، اتخذت السلطات الأميركية قرارا بإغلاق قناة "الحرة عراق" التابعة لوزارة خارجية الولايات المتحدة، والتي أنشأتها عام 2004، أي بعد عام واحد من الاحتلال، وكانت موجهة إلى الرأي العام العراقي.
إغلاق القناة الأميركية، أثار تساؤلات عن مدى تحقيق الولايات المتحدة أهدافها من إنشاء هذه المؤسسة الإعلامية، أم أنها فشلت في الوصول إلى الرأي العام العراقي والتأثير فيه، طيلة 20 عاما بثت خلالها الكثير من نشرات الأخبار والبرامج السياسية.
"تقليص مالي"
وعن أسباب غلق القناة وتسريح العاملين فيها، أعلن جيفري غدمن، الرئيس التنفيذي لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (إم بي إن)، الذي يتولى إدارة قناة "الحرة" الرئيسة، أن تقليص الأموال التي تصلهم من السلطات الرسمية الأميركية كانت وراء القرار، حسب بيان نشر على موقع القناة في 2 سبتمبر/ أيلول 2024.
وقال غدمن، إنه "يوم حزين، اليوم ودعنا 160 زميلة وزميلا، وخفضنا عدد موظفينا بنسبة 21 بالمئة"، مؤكدا أنه جرى "دمج قناة تلفزيون الحرة الرئيسة وقناة الحرة عراق لتقديم أفضل ما في الشبكتين للمشاهدين مع ضم وحفظ العلامتين في قناة واحدة بحلة جديدة وفعالة".
وأشار إلى أن "العراق يظل أولوية وجزءا أساسيا من منطقة ومنظومة (إم بي إن)"، مبينا أن "التغييرات التي نقوم بها فرضتها علينا الظروف.. استدعت تخفيضات الميزانية التي أقرها مجلس الشيوخ تقليص مصاريف الشركة بنحو 20 مليون دولار".
وأوضح غدمن أن "رواتب ومزايا الموظفين أكثر من 70 بالمئة من مصاريف المؤسسة"، لافتا إلى أن "كل أقسام الشركة خضعت للمراجعة دون استثناء".
وأردف: "نحن إذ نتخلص من المكاتب التقليدية مثلا، فإننا نتبع في ذلك توجها مهنيا شائعا، ولن نضطر بعد الآن لدفع الإيجارات والفواتير وتكاليف الأمن والتنظيف، وما يتبعها من الرسوم القانونية والإدارية والضريبية".
ولفت غدمن إلى أنه "من خلال إعادة التفاوض مع الشركة التي نستخدمها للترجمة الفورية سنخفض النفقات لتتناسب مع واقعنا المالي الجديد.. وفرنا حتى في أبسط المصاريف، وألغينا كذلك ميزانية التسويق".
وبدأت بث القناة الفضائية، ومقرها في الولايات المتحدة في 14 فبراير/ شباط 2004 وتصل إلى 22 بلدا عبر الشرق الأوسط، لكنها ممنوعة من البث داخل الولايات المتحدة نفسها بسبب قانون "سميث موندت 1948"، كونها تبث دعاية دبلوماسية إلى دول أخرى.
الأب المؤسس لقناة الحرة هو نورمان جويل باتيز الذي كان عضوًا حينها في مجلس إذاعة المحافظين (بي بي جي). إذ أشرف على خدمات الإذاعة الحكومية الدولية غير العسكرية مثل إذاعة صوت أميركا، وإذاعة راديو أوروبا الحرة، وإذاعة راديو آسيا الحرة.
ميزانية السنة الأولى للقناة الرئيسة كانت 62 مليون دولار، وأكثر من 40 مليون دولار لقناة خاصة بالشأن العراقي، والتي أطلق عليها اسم “الحرة عراق” عام 2006، وطُلبت ميزانية أخرى بقيمة 652 دولارا للتغطية التي تشمل العرب والأوروبيين.
أداة هزيلة
وبخصوص الأسباب الحقيقية وراء القرار، رأى الكاتب العراقي، هيثم الهيتي، أن "إغلاق الحرة عراق يعود إلى سبب سياسي إضافة للاقتصادي المعلن، بعدما أصبحت هذه القوة الإعلامية الناعمة لا تؤدي مهمتها في تحسين صورة أميركا داخل العراق، وهو مؤشر على دبلوماسية جديدة للتعامل مع البلد".
وأوضح الهيتي لموقع "جريدة" العراقي في 3 سبتمبر، أن "هذه القناة تأسست عام 2004 وكانت لها أهداف سياسية بحتة بعد حرب العراق، بتكوين صورة عن الأميركي في العراق أو بناء فكر سياسي عراقي بتحسين صورة الولايات المتحدة داخل البلد".
وأشار إلى أن "التخلي عن القناة الفضائية رغم أنها أداة دبلوماسية أميركية وقوة ناعمة تستخدمها تجاه العراق، يعني أن هذه الأداة أصبحت عاجزة أو لم تنجح في أداء دورها السياسي، أو أن البلد أصبح في مكان آخر مختلف عن الرسالة التي تؤديها هذه الأداة الدبلوماسية".
ونوه الكاتب إلى أن "العراق حاليا ووفقا للتقارير هو مختلف جذريا عن هذه الأهداف بل أن الصورة الأميركية السيئة في البلد تفاقمت أكثر من السابق".
وأردف: "لذلك، هناك سبب سياسي يضاف إلى السبب الاقتصادي المعلن بوجود مبالغ كبيرة تبذل في أوكرانيا، لذلك كانت هناك حاجة لتقليل النفقات، لأن الوضع الاقتصادي على المواطن الأميركي ودافعي الضرائب أدى إلى تضخم هائل وصعوبة اقتصادية".
وتابع: "قد يكون السبب الاقتصادي كما ذكر، لكن هناك سببا ثانيا بأنها كأداة سياسية لا تصلح للتعامل مع العراق كقوة إعلامية ناعمة، لذلك تم التخلي عن هذه الأداة التي لا تؤدي مهمتها، وهو مؤشر على دبلوماسية جديدة للتعامل مع العراق".
ورأى مراقبون للشأن العراقي، أن "أميركا مثلما احتلت العراق وسلّمته على طبق من ذهب للمليشيات والعصابات التابعة لإيران، كررت ذلك بأنها سلمت قناة (الحرة عراق) في بداية تأسيسها- التي يفترض أنها ضد إيران-، لإعلاميين طائفيين مثل سالم مشكور".
ولفت المراقبون إلى أن "نتيجة ذلك، كانت الحرة عراق قناة هزيلة كل طاقمها من الأحزاب الشيعية أغلقت كما افتتحت بلا تأثير، إذ لم نشعر يوما أنها فضائية أميركية تطرح الملفات بكل جرأة، وإنما كانت لا تختلف أبدا عن فضائيات الأحزاب والمليشيات الشيعية بالعراق".
تغيّر بالسياسة
لكن قرار القناة الأميركية لم يكن الأول من نوعه تجاه العراق، إذ قررت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، إنهاء خدمة 34 إعلاميا عراقيا، وذلك بعد تسليم إدارتها إلى شخصيات إعلامية جديدة تدير المحتوى العربي للقناة من الإمارات.
وجاء القرار بعدما عيّنت إدارة القناة، الكوبي ألبيرتو فرنانديز عام 2017 رئيسا لشبكة (MBN)، تلاه انضمام الإعلامي الأردني، نارت بوران، إلى الشاشة في عام 2018، وتبوؤه منصب نائب المدير العام ومدير المحتوى، الذي كان مديرا لقناة "سكاي نيوز عربية".
وبعد تسلم كلا الرجلين، فرنانديز وبوران، أصبح المكتب الرئيس لقناة الحرة في الإمارات، وتم تعيين موظفين جدد في مكتب دبي، أغلبهم من مصر، وعلى رأسهم الإعلاميان إبراهيم عيسى وإسلام البحيري.
وبعد تسلم الإدارة الجديدة مهام عملها، تغيّرت سياسة القناة بشكل كبير تجاه المليشيات وإيران سواء في العراق أو المنطقة، وتناولت ملفات حساسة تتعلق بالفساد السياسي، وسطوة الجماعات المسلحة على المنافذ الحدودية وبتهريب النفط والأموال.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2018، بثت قناة "الحرة عراق" تحقيقا تلفزيونيا عن تورط مليشيا "عصائب أهل الحق"، المنضوية تحت قوات "الحشد الشعبي، والمعروفة بولائها اللامحدود لإيران، في تهريب نفط البصرة.
وقال التحقيق، الذي جاء بعنوان "نفط البصرة المنهوب على يد المليشيات"، إن 40 ألف برميل من النفط الخام ومشتقات البترول، يتم تهريبها من العراق، وتحديدا من البصرة الغنية بالنفط إلى دول الجوار.
وحسب القناة الأميركية، فإن أرقاما متضاربة وصلت بعض تقديراتها إلى 300 ألف برميل يوميا من النفط المهرب إلى خارج العراق، لقاء مئات ملايين الدولارات تدخل إلى جيوب المليشيات وقادة الأحزاب الدينية التي تحكم قبضتها على البصرة.
ونقلت عن سكان محليين من البصرة، أن "عصائب أهل الحق" بقيادة قيس الخزعلي، هي إحدى المليشيات التي تنشط في تهريب النفط من البصرة بأوراق وأختام رسمية ومواكبة من الحرس الثوري الإيراني.
وأوضح تحقيق القناة الأميركية، أن غالبية شحنات النفط التي تقوم المليشيات بتهريبها تذهب إلى ميناء بوشهر في إيران، حيث أنشأت طهران من أموال النفط المهرب ميزانية مالية للمليشيات والأحزاب الموالية لها بالعراق.
واستمرت سياسة القناة بهذا الاتجاه، حتى أعلنت قناة "الحرة عراق" في 13 يناير 2020، إغلاق مكتبها في بغداد، وتسريح موظفيها، وذلك بعدما أصدرت بيانا أفاد فيه مدير القناة ألبرتو فرنانديز، بأن "الشبكة تلقت معلومات جدية عن احتمال شن المليشيات هجوما على المكتب في بغداد".