يقتني أجهزتها ملايين العرب.. سر التعاون بين "سامسونج" والجيش الإسرائيلي
"سامسونغ" وقعت عقدا مع شركة إسرائيلية يتضمن تثبيت تطبيق خفي على هواتف الشركة
إذا كان لديك هاتف "سامسونج" من فئة A أوM، وتعيش في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فأنت غالبا مُراقب، ويجرى التجسس عليك من خلال الشركة الكورية المالكة، ولكن لصالح إسرائيل.
وذلك لأن "سامسونج" سمحت بتثبيت برنامج من شركة إسرائيلية (آيرون سورس) يجمع البيانات عنك، ما قد يعرضك لمخاطر، خاصة لو كان الاحتلال الإسرائيلي يستهدفك.
فبعد مجزرة "بايجر" في لبنان، جاء الدور على هواتف "سامسونج"، التي جرى الكشف عن تسريب برمجيات إسرائيلية لأجهزتها والتي يقتنيها ملايين المستخدمين العرب.
"سامسونج" وقعت عقدا مع شركة إسرائيلية، يتضمن تثبيت تطبيق خفي على هواتف الشركة، التي يجرى تصديرها للمنطقة العربية فقط (دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا)، دون معرفة أصحابها.
هذه الشراكة المشبوهة بين "سامسونج"، وشركة "آيرون سورس" الإسرائيلية تثير مخاوف من احتمالات شتى، تتضمن التجسس أو تنفيذ هجمات سيبرانية عبر اختراق هذه البرمجيات لأنظمة جميع الأجهزة في المنطقة العربية.
أو تسهيل شن هجمات مستقبلية تستهدف شبكات الاتصالات أو تعطيل أجهزة خاصة بعد كشف خبراء تقنية صعوبة إزالة هذا البرنامج الإسرائيلي أو تعطيله وحين يتم إزالته يعود تلقائيا.
وهذا رابع كشف عن استخدام الاحتلال تقنيات للتجسس أو قتل اللبنانيين والعرب عموما، بعد كشف تفخيخ وتفجير أجهزة الاستدعاء "بايجر" وأجهزة الاتصال اللاسلكي "ووي توكي" بعناصر حزب الله، والتشويش على أنظمة الملاحة الجوية وأجهزة تحديد المواقع.
جاسوس في الهاتف
كانت منصة "سمكس" SMEX اللبنانية، المعنية بالحقوق الرقمية، هي أول من كشف عن توقيع سامسونج عقد شراكة مع شركة "آيرون سورس" الإسرائيلية منذ عام 2022.
وتتيح الشراكة للأخيرة تثبيت تطبيق آب كلاود AppCloud مسبقا على هواتفها من فئتي A وM قبل وصولها إلى أيدي المستهلكين.
"سمكس" كشفت في 29 أكتوبر/تشرين أول 2024 عن اتفاق سامسونج Samsung الكورية وآيرون سورس Iron Source الإسرائيلية، لتحميل التطبيق على بعض هواتفها في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، ومن ضمنها لبنان.
أكدت أن التطبيق يسمح بتحميل برنامج AppCloud الذي يعمل على الوصول إلى المعلومات الشخصية لصاحب الهاتف ومعلومات أخرى.
وبدوره، يعمل هذا التطبيق على تنزيل برنامج يُدعى Aura، ينزل بدوره برمجيات إضافية من دون علم المستخدم، خصوصا على الأجهزة الموزعة في لبنان والمنطقة العربية.
تبين أن هذا التطبيق يسمح بالوصول إلى بيانات المستخدمين، متضمنا معلومات حساسة مثل عنوان IP وبصمة المستخدم ومعلوماته، ما يسمح بتحديد هوية صاحب الهاتف ومكانه الجغرافي، وربما التجسس عليه أو استهدافه وقتله.
وقد يفسر هذا أيضا "لغز" نجاح الاحتلال الإسرائيلي بالوصول لشخصيات من حزب الله في لبنان وسوريا ومناطق مختلفة وقصفها بكل سهولة، حتى بعد التخلص من أجهزة "البيجر" المتفجرة، ما يطرح ضرورة صنع الشرق نظم اتصالات مستقلة.
ويشير تقرير "سمكس" إلى أن الخطير في الأمر، هو إمكانية تحميل هذا التطبيق الإسرائيلي بدون معرفة صاحب الهاتف، والأخطر أن إزالته أمر صعب ويكاد يكون مستحيلا، نظرا للتعقيدات التقنية المطلوبة.
وحتى من ينجح في تعطيله يجد أنه عاد إلى هاتفه تلقائيا، ما يؤكد أنه برنامج تجسس عالي التقنية.
ويبدو أن هذا التطبيق الذي تتسلل منه إسرائيل وهو "AppCloud" موجود داخل هواتف سامسونج منذ أكثر من عام، حيث نشر مستخدم تقريرا على موقع للشركة بعنوان "كيف يمكنني التخلص من AppCloud؟" يرجع تاريخه إلى 4 أغسطس/آب 2023.
وهو ما قد يعني أنه مُخزن في الهواتف منذ ما قبل عملية طوفان الأقصى والحروب الحالية.
لجمع بيانات أم القتل؟
وفتحت الحرب الإسرائيلية على لبنان العيون على مسألة التجسس والتشويش، وجاء تفجير الاحتلال أجهزة "بيجر" في آلاف اللبنانيين، كجزء من الحرب العدوانية.
لذا أثيرت تساؤلات حول أسباب زرع برامج التجسس في "سامسونج" وهل الهدف جمع بيانات أم القتل مثلما حدث مع حادثة البيجر؟
وقد أكد مدير برنامج الإعلام في منصة "سمكس" عبد قطايا، لموقع "المدن" اللبناني 29 أكتوبر 2024 أن هذا التطبيق مثبت في الجهاز بشكل مسبق قبل الشراء، كما يجرى تحديثه من دون موافقة صاحب الهاتف.
أوضح أن هذه العملية "منتشرة في أكثر من 50 سوقا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، ما يعني أن عملية جمع البيانات ليست محصورة فقط في لبنان.
وأشار إلى أن تطبيق "آب كلاود" يعمل على تثبيت برنامج يدعى "أورا" Aura يقترح بدوره على المستخدِمين تنزيل بعض التطبيقات على هواتفهم.
وكلها تسمح بجمع البيانات والمعلومات الشخصية ومعلومات تتعلّق بالجهاز وأمور أخرى مثل بصمة صاحب الجهاز، ما يسهل تحديد هوية المستخدم.
ويؤكد "قطايا" أن الأغرب هو "عدم إمكانية وقف نشاط التطبيق أو رفض أي أذونات يطلبها"، مع أنه يدعي حفاظه على سياسة الخصوصية التي تعطي المستخدم خيار وقف جمع البيانات، عبر تعطيل "آب كلاود".
"لكن لدى التوجه لحذفه من الجهاز، يتبين وجوب ملء نموذج غير موجود فعليا، كما أن حذف التطبيق يتطلب مهارات تقنية"، وفق قول خبير التقنية اللبناني.
أوضح أن المستخدم يمكنه الدخول إلى قائمة إعدادات جهازه ثم إلى خانة التطبيقات والبحث عن تطبيق "آب كلاود" وضغط زر التعطيل "إلا أنه قد لا يتمكن من حذف التطبيق كليا عن الجهاز، رغم تعطيله".
وهذا الأمر يزيد الشكوك حول أسباب استمرار عمل التطبيق رغم تعطيله، أي أنه قد يتعطل ظاهريا ولكنه يستمر بالعمل فعليا!
رأى أن ارتباط سامسونج مع شركة إسرائيلية، وفق عقد محصور بمنطقة يعرف العالم خصوصيتها والتوتر الحاصل فيها، يعني تورط الشركة الكورية عن قصد أو غير قصد، وتسهيلها تجسس إسرائيل على العرب.
وطرح كشف هذا البرنامج تساؤلات حول كيف يمكن أن تستغل إسرائيل الشراكة بين "سامسونج" و"آيرون سورس" في تنفيذ هجمات سيبرانية أو ربما وقوعها بالفعل، مثل عملية بايجر، ضمن ما يُعرف بـ"هجمات سلسلة التوريد".
وتعتمد هذه الهجمات على اختراق أنظمة موثوقة، مثل الأجهزة والبرمجيات المستخدمة على نطاق واسع، بهدف جمع المعلومات أو زرع أدوات تجسس
وقد أشار موقع "المدن" إلى "سعي العدو الإسرائيلي لاستغلال كل الفرص لتحقيق التفوق التكنولوجي، والقيام بخطوات استباقية على المستوى التكنولوجي والأمن السيبراني تحضيرا للحرب التي اندلعت في لبنان والمنطقة".
أشار إلى أن هذا أتاح لإسرائيل جمع المعلومات عن اللبنانيين لفترة من الزمن سبقت الحرب الراهنة، وتجهيز صفقة أجهزة الاتصالات التي أتاحت لها استهداف عناصر حزب الله.
ولفت الموقع إلى أن "العدو لجأ لنشر التطبيق عبر سلسلة A وM من هواتف سامسونج، نظرا لسعرها الذي يعد في متناول الشريحة المتوسطة والفقيرة من الناس، ما يسهل انتشارها ومن ثم جمع المعلومات عن شبكة أوسع من الناس".
ولكن هل يمكن أو يتوقع أن يلجأ الاحتلال لتفجير أجهزة وضع عليها برامج ضارة خاصة أنها متصلة بالإنترنت عكس أجهزة بيجر وويكي توكي؟
خبير تقنية استبعد لجوء الاحتلال لعملية تفجير جماعية للهواتف النقالة التي تحمل هذا البرنامج أو غيره في المنطقة العربية، ليس لعدم رغبته ولكن لأسباب اقتصادية تتعلق بتداعيات ذلك لو حدث على التجارة الدولية.
وكذلك بسبب علاقات إسرائيل التجارية مع الشركات الدولية، ومنها شركات أميركية حليفة له.
يرى أنه إذا فجرت إسرائيل بطريقة ما، أجهزة شركة سامسونج أو هواوي أو آيفون، فإن ذلك سيؤدي إلى أزمة تجارية عالمية تخل بموازين صناعة الهواتف ولا يمكن للولايات المتحدة الأميركية أو الصين أو كوريا الجنوبية القبول بها.
هناك أسباب أخرى استخبارية، إذ إن الهدف من زرع برامج التجسس والمراقبة هو جمع المعلومات، وتفجيره الهواتف يحرم الاحتلال من وسيلة اتصال يخترق بها من يريد ويتنصت عليه.
شركات تدعم الاحتلال
يثير التسلل الإسرائيلي تساؤلات عن كيفية حصول ذلك، ولماذا تقبل الشركات العالمية العبث بأجهزتها أو تقنياتها بما قد يضرها اقتصاديا؟
لكن الحقيقة أن ما يحدث هو أن هذه الشركات، وأغلبها أميركية، أو موالية لأميركا، تدعم دولة الاحتلال وتتعاون معها لأسباب تتعلق بتقدم شركات الاحتلال في مجال البرمجة وحدوث شراكات اقتصادية معها، أو خشية ضغوط صهيونية عالمية.
ووفقا لتقارير أجنبية، يجرى اختراق شركات التقنية العالمية أو شركات الهواتف إسرائيليا، عبر الوصول إلى الموظفين الذين يسمحون بتسريب البيانات والمعلومات، أو بالتعاون المباشر مع الشركات الداعمة لتل أبيب.
فقد كشف عن ذلك، احتجاجات نفذها 300 موظف في شركة جوجل، و90 في أمازون، وقعوا رسالة داخلية، في أكتوبر 2021، تطالب الإدارة بالانسحاب من مشروع "نيمبوس"، الخاص بتزويد الجيش الإسرائيلي بـ "تكنولوجيا خطرة" تستخدم في إيذاء الفلسطينيين.
وتعرض هؤلاء العاملين للفصل، بدلا من إيقاف مشروع "نيبموس"، وهو عقد قيمته 1.2 مليار دولار، ويهدف إلى توفير خدمات سحابية إلكترونية للجيش والحكومة في إسرائيل وفق موقع "انترسيبت" الاستقصائي الأميركي 15 نوفمبر/تشرين ثان 2023.
وكانت آخر واقعة في أبريل/نيسان 2024 هي طرد شركة جوجل 28 موظفا اعترضوا على مشروع "نيمبوس" حين احتج مزيد من العمال؛ لأن هذه المشاريع العسكرية استخدمت في جرائم الإبادة في غزة.
فقد كشف تقرير لمجلة "تايم" الأميركية 12 أبريل/نيسان 2024 أنها اطلعت على وثيقة داخلية تؤكد أن شركة "جوجل" توفر خدمات الحوسبة السحابية لوزارة الجيش الإسرائيلية، وتفاوضت على تعميق شراكتها معها رغم حرب الإبادة المتواصلة في غزة.
"تايم" أكدت أن الوثيقة أظهرت أنه لدى وزارة الحرب الإسرائيلية ما وصفته بـ "منطقة إنزال" خاصة بها داخل "جوجل كلاود".
وهي نقطة دخول آمنة إلى البنية التحتية للحوسبة التي توفرها "جوجل"، تسمح للإسرائيليين بتخزين البيانات ومعالجتها والوصول إلى خدمات الذكاء الاصطناعي.
ويظهر العقد أن "جوجل" تقدم فواتير لوزارة الحرب الإسرائيلية بأكثر من مليون دولار مقابل خدماتها الاستشارية.
وفي 5 أبريل 2024 أشار تقرير لموقع "انترسيبت" للاحتجاجات ضد جوجل، لمدها الاحتلال بتكنولوجيا لتنفيذ "جرائم روبوتية" تتمثل في قتل أهالي غزة.
ووقتها استلقى عشرات المتظاهرين على الأرض ملفوفين بملاءات بيضاء عليها نسخة معدلة من شعار جوجل مكتوب عليها "إبادة"، مطالبين بإنهاء عمل الشركة مع الحكومة الإسرائيلية.
وأكد موقع "إنترسيبت" أن جيش الاحتلال استغل برامج جوجل لمسح للتعرف على وجوه الفلسطينيين أثناء تحركهم في محاولة للفرار من القصف المستمر والبحث عن لقمة العيش لعائلاتهم واعتقال الكثير منهم وتعذيبهم وقتلهم.
وقال مسؤول إسرائيلي لصحيفة "التايمز" البريطانية إن صور جوجل عملت بشكل أفضل من أي تقنية بديلة للتعرف على الوجه، مما ساعد الإسرائيليين على إعداد "قائمة اغتيالات" لمقاتلي حركة المقاومة الإسلامية حماس.
أيضا عطلت خرائط موقعي جوجل وويز، تحديثات حركة المرور المباشرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة بناء على طلب الجيش الإسرائيلي، وذلك قبيل الاجتياح البري على قطاع غزة، وفقا لشبكة بلومبيرغ الأميركية.
وحسب تقرير نشرته مجلة 972+ الاستقصائية الإسرائيلية فإن إسرائيل تستخدم الذكاء الاصطناعي في استهداف وقتل الفلسطينيين.
وقد استند التقرير إلى مقابلات مع ستة من ضباط الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الذين يستخدمون برامج الذكاء الاصطناعي في الوحدة 8200 المسؤولة عن إدارة شبكات التجسس والأمن السيبراني في الجيش.
وحسب التقرير فإنه ومنذ بدء الحرب على قطاع غزة جرى تطوير برنامجين يعملان بالذكاء الصناعي لاستهداف وقتل الفلسطينيين.
الأول" هو برنامج "لافندر" الذي تم من خلاله إعداد "قائمة قتل" ضم ما يقرب من حوالي 37 ألف فلسطيني لاستهدافهم دون التحقق من هويتهم.
والثاني: هو برنامج "أين أبي" أو ?Where's Daddy وهذا النظام قام بعملية مسح لسكان قطاع غزة بالأسماء والهويات والعناوين عبر ما يسمى بالبيج داتا Big Data وقد استخدم في إبادة عائلات فلسطينية بأكملها خلال الحرب الحالية.
أيضا سبق أن كشف مختبر "سيتيزن لاب" الكندي 11 أبريل 2023، عن برنامج تجسس إسرائيلي جديد يشبه برنامج "بيغاسوس" سيئ السمعة، اشترته حكومات دول منها السعودية والإمارات والمغرب، وجرى استخدامه لاستهداف صحفيين وسياسيين معارضين في عدة دول.
والبرنامج الجديد صممته شركة إسرائيلية غير معروفة تحمل اسم "كوادريم ليمتد" أسسها مسؤول عسكري إسرائيلي سابق وموظفون مخضرمون سابقون في شركة "إن إس أو" التي أنتجت "بيغاسوس".
وتمكن "سيتيزن لاب" الذي يرصد إساءة استخدام الأجهزة الإلكترونية الحديثة من تحديد لائحة الضحايا وهم "صحفيون وشخصيات سياسية معارضة، وأحد العاملين في منظمة غير حكومية"، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية 12 أبريل 2023.