تطبيع محتمل مع إسرائيل..هل تنتصر إندونيسيا لفلسطين أمام إغراءات الاقتصاد؟
"خطوة التطبيع قد تتحول إلى عملية انتحار سياسي للحكومة الإندونيسية"
تسريبات عبرية تشير إلى وجود محادثات سرية بين إندونيسيا وحكومة الاحتلال الإسرائيلي لتطبيع العلاقات بينهما، مقابل الموافقة على انضمام جاكرتا إلى "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية".
وزعمت مصادر إعلامية عبرية، ومنها صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 11 أبريل/ نيسان 2024 أن جاكرتا مطالبة بإقامة علاقات دبلوماسية مع جميع الدول الأعضاء في المنظمة، بما فيها إسرائيل، لقبول عضويتها.
لكن إندونيسيا نفت هذه الادعاءات بشدة، وأكد المتحدث باسم وزير الخارجية، لالو محمد إقبال، أنه "في الوقت الحالي، لا توجد خطط لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل خاصة في ظل الوضع الحالي للفظائع الإسرائيلية في غزة".
عقود من الدعم
وعلق معهد دراسات إيطالي بالقول إن خطوة التطبيع قد تتحول إلى "عملية انتحار سياسي للحكومة الإندونيسية".
وقال معهد "الدراسات السياسية الدولية" إن "اتخاذ مثل هذا القرار من شأنه أن يضر بشكل كبير بنسبة الإجماع حول الحكومة الإندونيسية بالنظر إلى الدعم السكاني القوي للقضية الفلسطينية خاصة في هذه المرحلة".
لكنه يلاحظ أن الحصول على العضوية في هذه المنظمة "التي تضم بعضا من الاقتصادات الأكثر تقدما في العالم، قد تتطلب وربما بصفة حتمية، نوعا من تطبيع العلاقات مع إسرائيل".
ونوه المعهد الإيطالي إلى أن إندونيسيا "أظهرت على الدوام دعما قويا للقضية الفلسطينية من خلال إجراءات رمزية وملموسة وكانت من الدول الأولى التي اعترفت باستقلال فلسطين".
وفي هذا الصدد، يذكر توقيع الطرفين في 19 أكتوبر/ تشرين الأول 1989، البيان المشترك بشأن بدء العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء.
وتابع أن التضامن الإندونيسي مع القضية الفلسطينية ظهر جليا من خلال "لفتات سياسية مهمة"، منها على سبيل المثال رفض الرئيس السابق أحمد سوكارنو منح تأشيرات دخول للرياضيين الإسرائيليين للمشاركة في دورة الألعاب الآسيوية عام 1962.
وفي عام 2023، جرد الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" جاكرتا من حقها في استضافة بطولة كأس العالم للشباب تحت سن 20 عاما، بعد اعتراض مسؤول إندونيسي على مشاركة المنتخب الإسرائيلي بالبطولة.
كما دعمت إندونيسيا علنا الفلسطينيين منذ الأيام الأولى لبدء العدوان الإسرائيلي، وانتقدت بشدة رد حكومة نتنياهو على عملية المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وأكدت الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا على حق فلسطين في تقرير المصير وانتقدت بشدة سياسات الاحتلال الإسرائيلي.
وفي أساس هذا التضامن، نوه المعهد الإيطالي إلى أن "هناك رابطة دينية قوية"، مؤكدا أن "الهوية والبعد الديني يلعبان في كلا البلدين دورا مهما في السياسة".
كما يتشارك الإندونيسيون الشعور بالتضامن مع القضية الفلسطينية على نطاق واسع، وهو ما يتضح من الاحتجاجات العديدة ضد إسرائيل التي خرجت في المدن الرئيسة في البلاد بعد 7 أكتوبر.
وأضاف المعهد أن "الدعم الإندونيسي يتجاوز مجرد التصريحات الشفهية، ويمتد إلى إرسال المساعدات والاستثمارات في البنية التحتية في فلسطين، على غرار بناء مستشفى في بيت لاهيا الذي تعرض للقصف الإسرائيلي".
ولاحظ أن "تصاعد التوتر في الأشهر الأخيرة أعاد الانتباه إلى الأوضاع الفلسطينية، وأثار تضامن الإندونيسيين مع المدنيين في غزة بعد أن حدثت عملية تقارب مع إسرائيل خاصة في المجال الاقتصادي قبل السابع من أكتوبر".
لذلك، جزم المعهد بـ"عدم توفر أي ظروف مواتية لتطبيع العلاقات بين الطرفين رغم إمكانية تحسن الروابط في المجال التجاري".
طموحات دولية
وبدأ مجلس منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تضم حاليا 38 عضوا من الاقتصادات الكبرى في العالم، المفاوضات بشأن قبول عضوية إندونيسيا.
وللإشارة فإن عملية الحصول على العضوية طويلة في المتوسط، ويتعهد فيها العضو الجديد بإجراء سلسلة من التعديلات على السياسات الاقتصادية والبيروقراطية بحيث تتوافق مع معايير الأعضاء الآخرين.
إلا أن أكبر عقبة أمام قبول عضوية الدولة ذات الأغلبية المسلمة، تظل، بحسب المعهد الإيطالي، "حتى الآن إسرائيل سواء بسبب غياب العلاقات الدبلوماسية أو بسبب موقف جاكرتا المساند لفلسطين على مر السنين".
وقال إن "إندونيسيا التي تملك أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا، تأمل من خلال الانضمام إلى هذه المنظمة في جذب المزيد من الاستثمارات والاتفاقيات التجارية".
في نفس السياق، يذكر أن حكومة جاكرتا وضعت هدفا طموحا يتمثل في أن تصبح دولة ذات دخل مرتفع بحلول عام 2045، ويهدف الرئيس المنتخب حديثا سوبيانتو برابوو إلى تحويل البلاد إلى قوة صناعية دولية.
ومن المنتظر أن تعطي العضوية في هذه المنظمة الاقتصادية، "زخما إضافيا" لهذه الطموحات ما سيسهم في مزيد من الإصلاحات الاقتصادية وتسهيل التجارة والاستثمار في البلاد.
بدورها، ستستفيد المنظمة من عضوية جاكرتا "لأنها أول من تقدم بطلب في هذا الصدد بين دول منطقة جنوب شرق آسيا التي توفر فرصا استثمارية كبيرة وسوقا للعديد من الدول الأعضاء في المنظمة".
علاوة على ذلك، شرح المعهد أن البلد الآسيوي يُخير هذه المنظمة التي يقودها الغرب بدلا من السعي إلى أن يكون عضوا في مجموعة "البريكس" التي تضم الاقتصادات الرئيسة في ما يسمى بالجنوب العالمي.
وعلى المستوى السياسي، شدد على أن انضمام جاكرتا إلى هذه المنظمة الاقتصادية "يشكل إشارة مهمة".
وتابع أن الدولة الآسيوية تعد أيضا أكبر منتج للنيكل في العالم، معدن ذي فوائد كبيرة، لذلك يتوقع أن تسهم عضويتها في منح الدول الصناعية داخل المجموعة امتيازات في هذا القطاع.
ورغم هذه الإغراءات، يرى المعهد أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل عضوية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية سيكون بمثابة "انتحار سياسي" للحكومة الإندونيسية، خاصة في هذه المرحلة التي تشهد تزايد المشاعر المعادية لإسرائيل بسبب عدوانها على المدنيين في غزة.
وقال إن حكومة جاكرتا "تخاطر بفقدان مصداقيتها" إذا خالفت عقودا من السياسة الخارجية الداعمة لفلسطين، لا سيما مع ما أظهره الشعب الإندونيسي من دعم قوي لهذه القضية العادلة.
وفي الوقت نفسه، يرى المعهد أنه "من الصعب أن تقبل إسرائيل انضمام إندونيسيا إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية دون فتح مسبق للقنوات الدبلوماسية، وذلك بالنظر إلى وضعها الدولي الصعب وكذلك التداعيات التي قد تترتب على تطبيع العلاقات مع دولة ذات أغلبية مسلمة".