تهم جاهزة.. كيف تنتقم إيران من الصحفيين والنشطاء السياسيين المعارضين؟

2 months ago

12

طباعة

مشاركة

يواصل النظام الإيراني التضييق على الصحفيين والنشطاء السياسيين الذين ينتقدون أداء الحكومة الخاطئ أو السياسات الداخلية تجاه حرية التعبير وقمع الحريات وفضح سلوكيات الأجهزة الأمنية.

وفي أحدث وسيلة "عقابية" لهؤلاء بسبب أنشطتهم عبر الإنترنت، أفادت تقارير صحفية إيرانية بقيام "بعض الجهات" بقطع وتعطيل بطاقات الاتصالات الخاصة بعدد من الصحفيين والنشطاء السياسيين في إيران.

"متاهة القمع"

وأكدت صحيفة "شرق" الإيرانية في 20 سبتمبر/ أيلول 2024 أن هؤلاء الأفراد لديهم سجل سابق في النشاط السياسي أو الاعتقالات من قبل السلطات.

ونُشر تقرير تحت عنوان “العقاب بقطع بطاقة SIM”، دون ذكر أسماء هؤلاء الصحفيين والنشطاء، وجرى استخدام أسماء مستعارة؛ حفاظا على سلامتهم، خشية مواجهة المزيد من الملاحقات القضائية.

وتضمن التقرير شهادات لعدد من الصحفيين، الذين تعرضوا لهذه الإجراءات، حيث أشارت إحدى الصحفيات إلى أنها تلقت اتصالا من جهة غير معلومة، طالبتها بحذف منشورات سياسية وصور من حساباتها، وتعهدت بعد ذلك بالتوقف عن النشاط على وسائل التواصل، ليتم إعادة تفعيل خط هاتفها بعد عدة أسابيع.

وفي هذا السياق، ذكر المحامي الإيراني المدافع عن حقوق الإنسان، بهمن درفشان، أن “هذه القيود ليست جديدة، حيث كانت هناك حالات سابقة من العقوبات المشابهة، بما في ذلك تجميد الحسابات البنكية وقطع الاتصالات الهاتفية، قبل حتى رفع القضايا القانونية بشكل رسمي”.

وأضاف درفشان أن قطع بطاقات "SIM" قد يؤدي إلى انتهاك واسع للحقوق المدنية والأساسية، ومنها الحق في الحياة والعلاج.

وفي السياق نفسه، أكدت المحامية شهلا أروجی أن القانون الإيراني لا يسمح للجهات القضائية بفرض مثل هذه العقوبات، مشيرة إلى أن هذا الإجراء غير قانوني، ولا يمكن عده عقوبة ضمن النظام القضائي.

وبات "السجن" يمثل قلب المعارضة المناهضة لسياسات النظام الإيراني، لشدة استسهال السلطات في اعتقال النشطاء والصحفيين والحكم عليهم لسنوات عديدة لمجرد كتابة رأي على منصات التواصل الاجتماعي أو نشر أخبار تنتقد أداء الحكومة وتعري أخطاءها أمام الشعب أو جراء تغطية الاحتجاجات في البلاد والسلوك الأمني تجاهها.

وأعلنت منظمة "مراسلون بلا حدود" في مايو/ أيار 2024 أن إيران تحتل المرتبة 176 من حيث مؤشرات حرية الإعلام، تليها كوريا الشمالية وأفغانستان وسوريا وإريتريا في أسفل الجدول.

ورغم تعقيد هذه المتاهة من القمع التي صممتها السلطات الإيرانية لاضطهاد الصحفيين، فإنها تتلخص في صيغة بسيطة للغاية “إما أن يمارس الصحفيون الرقابة على أنفسهم أو يُحتجزون”.

لكن  الاعتقالات والمضايقات المستمرة دليل على حقيقة مفادها أن بعض الصحفيين والناشطين يواصلون تحدي حالة القمع لحرية التعبير، لا سيما أنه في 16 سبتمبر 2024 حينما حلت الذكرى الثانية لمقتل الشابة الكردية مهسا أميني، على يد شرطة الأخلاق، شنت السلطات الأمنية حملة اعتقالات متواصلة شملت العشرات من الناشطين الذين أطلقوا دعوات لإحياء الاحتجاجات داخل البلاد وخارجها.

في 16 سبتمبر/ أيلول 2022، تعرضت مهسا أميني (22 عاما) إلى الضرب المبرح من شرطة الأخلاق، بدعوى عدم التزامها بالزي المحتشم، ما أدى إلى إصابتها بجروح بالغة نقلت على إثرها إلى مستشفى "كسرى" في العاصمة طهران، ثم فارقت الحياة بعد ثلاثة أيام.

وعلى إثر ذلك اندلعت احتجاجات واسعة في مختلف مدن البلاد أطلق عليها ثورة "المرأة، الحياة، الحرية"، لا سيما في المناطق الكردية، التي عُدت أوسع مظاهرات منذ الإطاحة بالنظام الملكي عام 1979، ما أدى إلى مقتل أكثر من 500 شخص وأصيب المئات واعتُقل الآلاف.

رد انتقامي

وسلطت منظمة "مراسلون بلا حدود" الضوء على حملة القمع التي شنتها الحكومة الإيرانية على الصحفيين بسبب تغطيتهم لموجة الاحتجاجات التي اندلعت بعد وفاة مهسا أميني، من الاعتقالات التعسفية والمحاكمات بتهم زائفة. 

ودخلت البلاد في متاهة من القمع الحكومي حيث شهدت اعتقال 79 صحفيا، لا يزال 12 منهم في السجن، أما بالنسبة لأولئك الذين تم إطلاق سراحهم، فإن حريتهم لا تزال مقيدة.

لكن التهمة الرئيسة هي نفسها دائما "الدعاية المناهضة للدولة". 

و"كرد انتقامي" وفق منظمات حقوقية، غالبا ما يجرى إضافة ظروف مشددة، مثل "التجمع المحظور" و"التواطؤ ضد أمن الدولة" وحتى "التعاون مع دولة معادية" على الصحفيين والناشطين المسجونين حاليا في إيران.

فمن بين 79 صحفيا اعتقلوا منذ بدء الاحتجاجات، حُكم على 24 منهم بالسجن لمدة تتراوح بين ستة أشهر وست سنوات بتهمة "الدعاية المناهضة للدولة".

واتجهت السلطات الإيرانية لمطاردة الصحفيات اللاتي كن يغطين حركة الاحتجاج "المرأة-الحياة-الحرية" التي أعقبت وفاة مهسا أميني.

ووفقا لإحصاءات “مراسلون بلا حدود”، من بين 79 صحفيا تم اعتقالهم، كان هناك 31 امرأة، وبذلك أصبحت إيران واحدة من أكبر سجاني الصحافيات في العالم.

وبمجرد اعتقالهم، يجد معظم هؤلاء الصحفيين أنفسهم محاصرين في الممرات المظلمة للعدالة الإيرانية، حيث يمارس ضدهم "العنف الجسدي والنفسي والفساد القضائي والخلل البيروقراطي في حبسهم".

وفي بعض الأحيان، يختفي الصحفيون ببساطة لساعات قبل أن يعلم أحباؤهم أنهم وضعوا في الحبس الانفرادي. 

وعندما يتم تحديد جلسة استماع، يمكن الإعلان عن التاريخ ثم إلغاؤه، أو عقده دون إخطار محاميي الصحفيين، أو إخطارهم فقط في اللحظة الأخيرة، وسط التعتيم على الإجراءات المتخذة بحقهم.

كما تعمل السلطات الإيرانية على تشديد قبضتها على الصحفيين من خلال زيادة عدد الأحكام مع وقف التنفيذ أو تشديد شروط الإفراج، وفق تقرير لمنظمة "مراسلون بلا حدود" نشر في سبتمبر 2023.

"تهم جاهزة"

وسجنت السلطات الإيرانية نيلوفر حامدي (31 عاما) وإلهه محمدي (36 عاما) في طهران لمدة 17 شهرا تقريبا لأنهما أسهمتا في نشر خبر وفاة مهسا أميني عام 2022.

ثم حُكم على محمدي، وهي مراسلة لصحيفة "هام ميهان" عام 2023 بالسجن ست سنوات بتهمة التخابر مع الولايات المتحدة، وخمس سنوات بتهمة التآمر ضد أمن البلاد، وسنة واحدة بتهمة "الدعاية ضد الجمهورية الإسلامية".

وحكم على حامدي، المصورة في صحيفة "شرق"، بالسجن سبع سنوات بتهمة "التخابر مع الولايات المتحدة، وخمس سنوات بتهمة التآمر ضد أمن البلاد، وسنة واحدة بتهمة الدعاية ضد الجمهورية".

وأعلنت نرجس محمدي الحائزة جائزة نوبل للسلام والمسجونة منذ العام 2021 في طهران، أن 34 سجينة أضربن عن الطعام في سجن إوين في منتصف سبتمبر 2024.

وقالت الناشطة عبر حساب على منصة “إكس” تديره عائلتها "نؤكد من جديد التزامنا بإرساء الديمقراطية والحرية والمساواة وهزيمة الاستبداد الثيوقراطي، واليوم نرفع أصواتنا أعلى ونعزز إرادتنا".

وحُكم على الناشطة الإيرانية في يونيو/ حزيران 2024 بعقوبة جديدة بالسجن لمدة عام بتهمة "الدعاية ضد الدولة"، وهي تضاف إلى قائمة طويلة من التهم الأخرى، فقد حُكم عليها بالسجن لمدة 12 عاما وثلاثة أشهر، و154 جلدة، وبالنفي لسنتين، وبعقوبات اجتماعية وجنائية مختلفة.

ما هو لافت إصدار محكمة إيرانية في يناير 2024 بسجن صفا ايلي (30 عاما) وهو خال مهسا أميني، لأكثر من خمس سنوات بعد إدانته بالإدلاء بآراء مناهضة للحكومة خلال تظاهرات عام 2022.

وتشمل التهم الموجهة إلى “ايلي” المشاركة في الاحتجاجات التي تنتهك الأمن الداخلي ونشر دعاية مناهضة للحكومة وإهانة المرشد علي خامنئي.

حتى الصحفيون الذين يعيشون في الخارج يواجهون تهديدا دائما، فهم غالبا ما يتلقون تهديدات من السلطات، التي تذهب أحيانا إلى حد الاعتقال التعسفي لأقارب مقربين مازالوا يعيشون في إيران.

وهذا ما حدث لمحررة موقع “إيران واير” الإخباري الناطق بالفارسية، شيما شهرابي.

فبعد فرارها من البلاد، اعتُقل شقيقها، الصحفي الإذاعي سجاد شهرابي في مايو/أيار 2023، واستُجوب بشأن عمل شقيقته، وسُجن لأكثر من شهر.

"ترهيب الأصوات"

وأمام ذلك، يبدو جليا أن إيران تميل إلى معاقبة الذين يقولون الحقيقة من الصحفيين ويظهرون عدم كفاءة الحكومة، بدلا من مواجهة عيوبها التي يكشفون عنها.

وعلى سبيل المثال، أصبح صحفي إيراني كشف عن ثغرة أمنية في نظام إلكتروني حكومي رئيس هدفا لإجراءات قانونية أطلقتها وزارة الطرق والتنمية الحضرية ضده في نهاية أغسطس 2024.

إذ إنه بدلا من معالجة نقاط الضعف الخطيرة التي جرى الكشف عنها في النظام الوطني للعقارات والإسكان، اختارت وزارة الطرق والتنمية الحضرية تقديم شكوى ضد الصحفي الذي كشف عنها، ولم يتم الكشف عن اسم الصحفي لوسائل الإعلام.

وبدأت الحادثة عندما أجرى موقع "اقتصاد أونلاين"، وهو منفذ إخباري إيراني، تحقيقا في نظام العقارات والإسكان الوطني الذي روجت له الحكومة على نطاق واسع -وهي منصة من المفترض أنها مصممة لتحقيق الشفافية والمساءلة فيما يتعلق بملكية العقارات-.

وما اكتشفوه لم يكن مجرد خلل، بل فشلا أمنيا، إذ كان بإمكان أي شخص لديه معلومات أساسية مثل الرمز البريدي والهوية الوطنية أن يسجل أي ممتلكات، حتى تلك التابعة للوزارة نفسها، على أنها ملك له.

ولإثبات هذه النقطة، أدرج الصحفي مقر الوزارة للبيع على موقع إلكتروني شهير يسمى "ديفار"، مما حوّل القضية إلى مادة للسخرية والضحك العام.

كما أنه في مايو 2024 حكمت المحكمة في سنندج غربي إيران على الصحفية زينة مدرس كورجي بالسجن لمدة 21 عاما بسبب دفاعها عن حقوق المرأة.

وذكرت بوابة حقوق الإنسان الكردية "كوردبا" أن القاضي محمد كرامي أصدر حكما منقسما في القضية، حيث حكم على كورجي بالسجن 10 سنوات بتهمة “تشكيل مجموعة غير قانونية تهدف إلى الإطاحة بالنظام”، و10 سنوات أخرى بتهمة "التعاون مع مجموعات وحكومات معادية". بالإضافة إلى ذلك، حكم عليها بالسجن لمدة عام بتهمة "الدعاية ضد النظام".

وبموجب القانون الإيراني، يتم تنفيذ أطول عقوبة في الحالات التي يتم فيها فرض عقوبات متعددة، مما يعني أنها ستقضي 10 سنوات في السجن، ومع ذلك، فرضت المحكمة أيضا فترة نفي لمدة 10 سنوات بعد ذلك.

والحكم صدر رسميا في 23 مايو 2024، فيما تقدم فريقها القانوني باستئناف، وطلب محاموها إعادة المحاكمة، ويطعنون في ما يعدونه “حكما قاسيا للغاية وذا دوافع سياسية يهدف إلى ترهيب الأصوات داخل البلاد”.

وقال محللون إن الجزء الخاص بالنفي من العقوبة يظهر إلى أي مدى ستستمر السلطات الإيرانية في قمع المعارضة في أعقاب الاضطرابات التي اندلعت على مستوى البلاد بسبب وفاة مهسا أميني.

وقد جرى اعتقال كورجي أول مرة أثناء الاحتجاجات عقب مقتل أميني، لفترة احتجاز أولية استمرت 40 يوما بتهمة "التجمع والتواطؤ ضد النظام"، ثم جرى الإفراج عنها مؤقتا بكفالة.

وأعيد اعتقالها في أبريل/ نيسان 2023 وقضت نحو شهر في الحبس الانفرادي قبل نقلها إلى جناح السجن العام.

وخلص تقرير  أعده خبراء من الأمم المتحدة، في مارس/ آذار 2024 إلى أن القمع العنيف للتظاهرات في إيران و"التمييز المؤسسي" أديا إلى "جرائم ضد الإنسانية".

وقال الخبراء إنهم لاحظوا إن "الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الاضطهاد على أساس الجنس ترافقت مع الاضطهاد على أساس الدين أو العرق".

وأوضحوا أن "الأقليات العرقية والدينية في إيران، خصوصا الأقلية الكردية والبلوش، وكذلك الأتراك الأذربيجانيون وعرب الأهواز، وبينهم كثر من الأقليات السنية في دولة ذات أغلبية شيعية، طالها بشكل غير متناسب قمع الحكومة للمتظاهرين منذ عام 2022. ما يشكل نتيجة مباشرة للتمييز منذ زمن طويل".

وأكدوا أن العديد من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي وثقها الخبراء "تشكل جرائم ضد الإنسانية"، بما في ذلك "القتل والسجن والتعذيب والاغتصاب وغيرها من أشكال العنف الجنسي والاضطهاد والاختفاء القسري وغيرها من الأعمال غير الإنسانية".

وفي مثال على شدة الملاحقة لمنتقدي أخطاء الحكومة الإيرانية، تمكن المخرج الإيراني محمد رسولوف في مايو 2024 من مغادرة إيران "سرا" بعد أيام من صدور حكم بسجنه ثماني سنوات خمس منها قابلة للتنفيذ بتهمة "التواطؤ ضد الأمن القومي".

وكتب رسولوف في منشور على “إنستغرام” إنه انضم إلى ملايين الإيرانيين الذين يعيشون في منفى "إيران الثقافي" خارج "حدود إيران الجغرافية" التي تعاني “تحت وطأة طغيانكم”.

واعتُقل محمد رسولوف (51 عاما) في يوليو 2022 بتهمة التشجيع على تظاهرات اندلعت بعد انهيار مبنى سكني في مايو من العام نفسه جنوب غرب إيران، ما أسفر عن مقتل أكثر من 40 شخصا، وأُطلق سراحه أواخر عام 2023.