خطة إسرائيلية جديدة.. ما إمكانية نشر قوة عربية لإدارة قطاع غزة مؤقتا؟
"سيكون القرار الأكثر غباء في تاريخ العرب بنشر قوة عربية في غزة"
عادت إسرائيل لرمي ورقة التفافية من أجل تنظيم إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، عبر طرح إدخال قوة عربية متعددة الجنسيات إلى المنطقة المحاصرة.
وفي خطوة كانت تل أبيب تريدها عقب انتهاء العدوان المتواصل على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، زعمت إسرائيل حدوث تقدم في اقتراح إرسال قوات عربية إلى القطاع الذي بات سكانه على حافة المجاعة.
"قوات عربية"
ونقل إعلام إسرائيلي بأن وزير الجيش يوآف غالانت أبلغ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في 29 مارس/آذار 2024 بـ"حدوث تقدم" في محادثات مع الولايات المتحدة بشأن مقترح نشر قوة متعددة الجنسيات في غزة.
وذكرت القناة الـ"12" العبرية الخاصة أن غالانت "أجرى محادثات مع مسؤولين أميركيين، خلال زيارته إلى واشنطن في 26 مارس 2024، بشأن تشكيل قوة متعددة الجنسيات وإدخالها إلى غزة لتكون مسؤولة عن أمن المنطقة وإدخال المساعدات الإنسانية وتنظيم توزيعها".
وادعت أن هذه المحادثات أسفرت عن "حدوث تقدم" لم توضحه، لافتة إلى أن "عناصر تلك القوة ستكون من 3 دول عربية"، دون أن تسميها.
وأضافت أنه من غير المؤكد حتى الآن إذا ما كانت هذه القوة ستضم جنودا أميركيين من عدمه.
بدوره، ذكر موقع "أكسيوس" الأميركي نقلا عن مسؤولين إسرائيليين أن غالانت قدم هذا الاقتراح خلال زيارته الأخيرة لواشنطن.
ووفقا لهم، قد تبقى الوحدة الدولية في الجيب المحاصر خلال "الفترة الانتقالية"، لضمان القانون والنظام، ومرافقة القوافل الإنسانية، وتأمين الميناء المؤقت الذي ستبنيه الولايات المتحدة على ساحل غزة.
وستعمل هذه الوحدة على إيصال المساعدات، فضلا عن خلق بديل للقوافل الإنسانية البرية.
وقال مسؤول إسرائيلي كبير لوسائل الإعلام إن "مثل هذه الخطوة ستبني هيئة حكم في القطاع وستعالج مشكلة إسرائيل المتزايدة مع الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بالوضع الإنساني في غزة".
وناقش غالانت الاقتراح مع العديد من المسؤولين الأميركيين، بما في ذلك وزير الدفاع لويد أوستن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان.
وأشار موقع أكسيوس إلى أن غالانت طلب دعما سياسيا وماديا أميركيا لمثل هذه المبادرة ولكن ليس لمشاركتها المباشرة، مثل نشر القوات الأميركية.
وقال مسؤول أميركي كبير للموقع إن مثل هذه الفكرة قيد الدراسة ولكن من غير المرجح أن يتم تنفيذها.
وأوضح أن “الأمر يتطلب دعوة رسمية من السلطة الفلسطينية لإرسال قوات عربية إلى غزة، وأن يأتي ذلك في السياق السياسي لحل الدولتين، وهو ما قد يقابل بمقاومة من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو”. وأضاف أن مصر هي "الدولة الرئيسة التي تدرس الفكرة".
وضمن هذا الإطار، أوضح مسؤول عربي من إحدى الدول المذكورة لـ"أكسيوس"، أن إسرائيل يبدو أنها أساءت تفسير الموقف العربي.
وأشار ذاك المسؤول إلى أن الدول العربية ليست مستعدة لإرسال قوات لتأمين قوافل المساعدات الإنسانية في الوقت الحالي، لكنها قد تقدم قوات لحفظ السلام بمجرد توقف القتال في قطاع غزة.
وألمح المسؤول العربي لموقع أكسيوس، إلى أنه في هذه الحالة يجب أن تكون الولايات المتحدة مسؤولة عن المبادرة.
ووفقا للمسؤولين الإسرائيليين، سيتم إجراء محادثات متابعة حول هذا الموضوع بين إسرائيل والولايات المتحدة والمشاركين العرب المحتملين.
وبموازاة ذلك، تجري وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” مناقشات أولية حول نشر قوة لحفظ السلام في غزة، ولكن لا تتضمن خططها حاليا نشر أي قوات أميركية في غزة.
وبدلا من ذلك، فهي تبحث في احتمالات إنشاء مهمة حفظ سلام متعددة الجنسيات أو بعثة فلسطينية، حسبما ذكر موقع بوليتيكو الأميركي، نقلا عن أربعة مسؤولين لم يذكر أسماءهم، من بينهم اثنان من البنتاغون.
ويتضمن التخطيط الأولي تمويل وزارة الدفاع قوات الأمن الأجنبية، وفقا لاثنين من المسؤولين. وقال مسؤول آخر إن الأموال يمكن أن تستخدم أيضا في إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية واحتياجات أخرى.
وأدى العدوان الإسرائيلي إلى استشهاد أكثر من 32 ألف فلسطيني، وجرح ما يزيد على 75 ألفا آخرين إلى جانب دمار هائل في البنية التحتية.
وتفرض إسرائيل على القطاع الفلسطيني حصارا مطبقا منذ 17 عاما، وتتّهمها منظمات غير حكومية وكذلك الأمم المتحدة بعدم توفير التسهيلات الكافية لتوصيل مساعدات إنسانية يعتمد عليها غالبية سكان غزة البالغ عددهم الإجمالي نحو 2,4 مليون نسمة.
وأمام إعاقة إسرائيل دخول المساعدات الحيوية بشكل كافٍ عبر المعابر البرية لغزة، لجأت الولايات المتحدة ودول عربية وغربية لعمليات الإنزال الجوي للمساعدات الدولية، إلا أنها لم تكن كافية لتجنب المجاعة بل أظهرت فشلها وتسببها في وقوع شهداء أثناء قيامهم بجمعها.
طريق غامض
لكن ما هو لافت، أن اقتراح "القوة العربية" يعد تراجعا إسرائيليا عن منحها في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2023 موافقة مبدئية للولايات المتحدة بشأن نشر قوات دولية في قطاع غزة، ولكن بعد انتهاء الحرب الحالية، حسبما ذكرت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلية "كان".
وقالت حينها شبكة "كان"، إنه جرى إخطار مبعوث البيت الأبيض للشرق الأوسط بريت ماكغورك بالقرار الإسرائيلي.
وجل ما يدور في عقل الحكومة الإسرائيلية حول المساعدات، هو أن تكون ضابط الإيقاع فيها دون أن تنظم توزيعها حركة المقاومة الإسلامية حماس.
ففي فبراير/شباط 2024، قدم نتنياهو خطة لغزة ما بعد الحرب تتصور احتفاظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية مع "مسؤولين محليين" غير مرتبطين بحركة حماس المسؤولة عن الشؤون المدنية.
وتتضمن الخطة أيضا استبدال وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين “أونروا” بمنظمات مساعدات دولية مسؤولة.
ولهذا ربط البعض "شيطنة الأونروا" من قبل إسرائيل وقطع علاقاتها معها ورفضها لأي تعاون مستقبلي معها، بالخطط المستقبلية التي تحاك في الكواليس حول اليوم التالي للحرب.
ورغم حديث إسرائيل والولايات المتحدة عن "اليوم التالي" للحرب على غزة، إلا أن الطريق إلى الأمام ما يزال مليئا بالأسئلة.
إذ لم تتمكن قوات الاحتلال منذ اجتياحها لغزة بريا في 27 أكتوبر أن تقوض وجود حركة حماس على الأرض.
وضمن هذه الجزئية، يلفت الأستاذ في العلاقات الدولية طارق فهمي، إلى أن "تشكيل أي قوة عربية في هذا التوقيت بغزة لا بد أن يكون محدد المهام".
وطرح فهمي في حديث تلفزيوني عددا من الأسئلة منها: "هل ستكون هذه القوات العربية هي لفصل مناطق تماس إستراتيجية أم لتوزيع المساعدات أم إعمار القطاع؟".
ورأى فهمي أن "مثل هذه المبادرة هي بمثابة جس نبض للدول العربية للتعامل مع مثل هذه المقترحات التي تسوق لها شخصيات إسرائيلية ومراكز أبحاث".
ومضى يقول: "إن المرجعية لدخول أي قوة عربية لغزة في هذا التوقيت يجب أن يكون بتفويض من الجامعة العربية أو بقرار من مجلس الأمن الدولي لتحديد مهامها التي ستكون لفترة محددة ولا تتعدى لتكون لمرحلة نزع سلاح الفصائل في غزة".
"قوة احتلال"
ورغم أن أيا من الدول العربية المذكورة آنفا، لم تعلن رسميا عن أي دور لها في فكرة "القوة العربية"، إلا أنه من غير المرجح وفق المراقبين أن تتمكن القوات المتعددة الجنسيات من أداء مهمتها حتى لو حظيت بتمويل سخي ودعم لوجستي دولي، في حال اعترض حماس على دخولها.
وقد رأت فصائل فلسطينية، أن أي قوة دولية أو عربية تدخل قطاع غزة "مرفوضة وغير مقبولة" وبمثابة "قوة احتلالية".
جاء ذلك في بيان للجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية (تضم معظم الفصائل الفلسطينية)، نشرته حركة حماس عبر منصاتها الرقمية، بمناسبة الذكرى الـ48 ليوم الأرض الفلسطيني.
وقالت الفصائل، إن "حديث قادة الاحتلال حول تشكيل قوة دولية أو عربية لقطاع غزة وهم وسراب وإن أي قوة تدخل لقطاع غزة مرفوضة وغير مقبولة وهي قوة احتلالية وسنتعامل معها وفق هذا التوصيف".
وأضافت الفصائل: "نثمن موقف الدول العربية التي رفضت المشاركة والتعاون مع مقترح قادة الاحتلال حول تشكيل القوة".
من جانبه قدم الباحث في العلاقات الدولية، علي أبو رزق، مقاربة حول حال القوات العربية إذا انساقت وراء الفكرة الإسرائيلية ودخلت إلى غزة.
وكتب أبو رزق قائلا: "معظم المصادر البحثية التي أرخت للمقاومة الفلسطينية، خصوصا القسام ما بعد الانتفاضة الثانية، تقول إن السلاح الذي حصلت عليه المقاومة من عتاد وذخيرة من مواقع السلطة الفلسطينية بعد سيطرتها على غزة في 2007، لم تكن تحلم بالحصول على مثلها لو بقيت في غزة مائة عام".
وأضاف أبو رزق قائلا في منشور على حسابه في "إكس": المقصود، إذا كان شباب غزة قد تعاملوا مع أبناء جلدتهم، أبناء عمهم وإخوتهم وأبناء عشيرتهم، كقوة معادية بعد توجيهها السلاح إلى صدورهم، فما بالك إذا كانت القوات الغازية هي قوات عربية وجاءت بمباركة إسرائيلية أو أميركية".
وراح يقول: "سيكون القرار الأكثر غباء في تاريخ العرب، فالكلفة ستكون اثنتين، واحدة من غزة عبر مقاومة الشعب لهذه القوات كاحتلال، وأخرى من شعوبهم التي ستنظر لجيوشها بافتراض أنها تم تدريبها لحماية إسرائيل، وفقط".
وفي الوقت الراهن، هناك اعتقاد إسرائيلي بأن تقديم اقتراح قوة أمنية دولية في غزة، سيقوض من وجود حركة حماس في غزة، لا سيما أن إسرائيل استبقت فعليا ذاك المقترح بمحاربة جميع الجهود الفلسطينية لمحاولة تنظيم أنفسهم لتوزيع المساعدات في القطاع.
كما يمكن ربط قيام إسرائيل أخيرا باغتيال مسؤولين فلسطينيين من لجان الطوارئ العاملة بتوزيع المساعدات في قطاع غزة، لتدعيم فكرتها حول تشكيل قوة أمنية متعددة الجنسيات.
وخاصة أن تل أبيب زعمت أن هؤلاء ينتمون لحركة "حماس" ويساعدون جناحها العسكري "كتائب القسام" على استمرار سيطرتها ميدانيا بغزة.
فضلا عن عمل إسرائيل بشكل ممنهج على تفكيك جهود وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا عبر قتل أكثر من 171 من موظفيها بغزة ومنع الوكالة من تقديم مساعدات للفلسطينيين.