في ظل التحولات الجيوسياسية العالمية.. هل تخلى الغرب عن المعارضة التركية؟

لم تعد الولايات المتحدة بحاجة إلى أدواتها القديمة في تركيا
تشهد الساحة السياسية التركية تغيرات جوهرية في ظل التحولات العالمية التي تؤثر بشكل مباشر على توازن القوى داخل البلاد؛ فالمعارضة التركية، خاصة حزب الشعب الجمهوري وبعض الشخصيات البارزة مثل أكرم إمام أوغلو، لم تتمكن من التكيف مع هذه التغيرات، مما أدى إلى تراجع تأثيرها السياسي.
ووفق مقال نشرته صحيفة "الصباح" التركية للكاتب "بيرجان توتار" ذكر فيه أنه مع تراجع الدعم الغربي وغياب أدوات التدخل الإمبريالي، أصبحت المعارضة التركية في موقف ضعيف.
حيث تجد نفسها دون دعم حاسم من الخارج، في وقت تحتاج فيه إلى كل دعم ممكن لتحدي الحكومة. إنّ هذه العزلة تجعل من الصعب على المعارضة أن تحقق نتائج سياسية كبيرة.
انتهاء الصلاحية
واستدرك الكاتب التركي: لقد انهارت كل الرهانات التي كانت تعوّل عليها المعارضة. فالغرب الذي كان يُنظر إليه لسنوات على أنه المرجع والداعم الأساسي، بات منشغلا بأزماته الداخلية وصراعاته الجيوسياسية الكبرى، ولم يعد مهتما بمد يد العون إلى أطراف فقدت القدرة على تقديم أي قيمة إستراتيجية.
ولذلك فإنّ المعارضة التركية التي طالما اعتمدت على دعم خارجي غير مباشر، تجد نفسها اليوم بلا سند، مع انتهاء صلاحيتها السياسية وتراجع تأثيرها الداخلي والخارجي.
وتابع: لم يعد الجمود السياسي للمعارضة يشكل عائقا فقط أمام تركيا الجديدة، بل أصبح أيضا عبئا على القوى الغربية التي كانت تدعمها في السابق. فلم يعد الغرب يرى فيها حليفا فعالا، فقد انتهت صلاحيتها سياسيا ولم تعد تلعب الدور المطلوب منها.
وإنَّ هذا الفشل لم يعد مقتصرا على حزب الشعب الجمهوري، بل امتد ليشمل كل الشخصيات السياسية التي كانت تحاول تمثيل النفوذ الغربي في تركيا.
ومن الأمثلة البارزة على ذلك رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، الذي سوّقته وسائل الإعلام الصهيونية على أنه "أمل إسرائيل"، لكنه يجد نفسه اليوم خارج الحسابات الجيوسياسية الجديدة، وفق المقال.
بالإضافة إلى ذلك، وفي ظل التغيرات العميقة التي يشهدها النظام العالمي لم تعد الولايات المتحدة بحاجة إلى أدواتها القديمة في تركيا، وبدأت في تفكيك برامجها التقليدية لدعم من كان يعرف بـ"الأغبياء النافعين" في الدول البعيدة.
وأشار الكاتب إلى أنه في ظل هذا المشهد الجديد يبدو أن أولى ضحايا التحولات السياسية والاجتماعية الثقافية هم أولئك الذين فشلوا في إدراك أن تركيا أصبحت واحدة من الأقطاب الجيوسياسية الفاعلة عالميا.
سواء كان ذلك من خلال تنظيمات مثل فتح الله غولن، أو حزب العمال الكردستاني، أو حزب الشعب الجمهوري، أو شخصيات سياسية مثل إمام أوغلو، فإن جميع هذه الأطراف تجد نفسها اليوم خارج المعادلة، وغير قادرة على التأقلم مع الواقع الجديد.
وبينما يتجه العالم نحو إعادة تشكيل مراكز القوى، تثبت تركيا أنها لاعب رئيس في المشهد الدولي، في حين تتخبط المعارضة في تصورات قديمة لم تعد صالحة لعصر لم يعد ينتظر المتأخرين.
سقوط الأقنعة
وأردف توتار: إن حبس أكرم إمام أوغلو بتهم الفساد والرشوة، واستمرار التحقيقات في علاقاته بشبكات إرهابية لم يكن مجرد حدث عابر، بل مؤشرا على تغيير ميزان القوى داخل تركيا. فقد انتهى الدعم الغربي المنظم للمعارضة التركية؛ حيث إنّ القوى الغربية التي كانت تناهض أردوغان وتقدم دعما مكثفا للمعارضة باتت تتراجع.
السبب الرئيس لهذا التحول ـ وفق المقال ـ هو خروج إدارة جو بايدن، التي كانت المهندس الأساسي لمشروع "تركيا بدون أردوغان"، من المشهد السياسي. أما الرئيس الجديد دونالد ترامب فهو يعيد تشكيل النظام السياسي الأميركي من جذوره، ويبدو أنه لا يكترث كثيرا بالشؤون الداخلية لتركيا. وهو ما يضعف موقف المعارضة التركية أكثر فأكثر.
وأضاف: إن إحدى أبرز الخطوات التي اتخذها ترامب منذ عودته كانت إنهاء سياسة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في دعم المعارضة السياسية في الدول الأجنبية، وتقليص نفوذ صوت أميركا، إلى جانب تفكيك مؤسسات إمبريالية أخرى مثل مؤسسة البلدان الأميركية التي كانت مسؤولة عن التدخلات الأميركية في أميركا اللاتينية.
لكن الأمر لم يقتصر على أميركا اللاتينية؛ إذ شملت هذه الإجراءات تفكيك العديد من المؤسسات التي كانت تستهدف مناطق أخرى، مثل أوروبا، وآسيا، والشرق الأوسط، والمحيط الهادئ. ومن بين الكيانات المتأثرة كانت مؤسسة التنمية الإفريقية، التي يُتوقع أن تكون القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا الهدف التالي لترامب.
ولم يكن هذا الإجراء معزولا، بل جاء ضمن نهج متكامل يشمل إنهاء تمويل العديد من المنظمات التي طالما استخدمتها واشنطن كأدوات ضغط، مثل وكالة التجارة والتنمية الأميركية، ومعهد السلام الأميركي، ووكالة الإعلام العالمية الأميركية وغيرها.

تراجع النفوذ
كما أن الولايات المتحدة بدأت تتخلى عن دعمها التقليدي للسجناء السياسيين حول العالم، مما يشير إلى انسحابها من سياسات التدخل المباشر التي طالما استخدمتها للتأثير على الأنظمة السياسية في الدول الأخرى.
وفي ظل هذه التطورات لم يعد مستغربا أن تقوم واشنطن بمراجعة موقفها من حلف الناتو، بل والتخلص التدريجي من أدواتها الدعائية و"وكلائها المحليين" في مختلف الدول، ومن بينها تركيا.
واستدرك الكاتب التركي: مع تراجع النفوذ الأميركي يجد العديد من اللاعبين الذين كانوا يعتمدون على واشنطن أنفسهم في موقف صعب. فمن أوكرانيا إلى تركيا يبدو أن القوى التي راهنت على الدعم الخارجي تعيش أسوأ أيامها.
في النهاية ستجد الولايات المتحدة طريقها الجديد، ولكن الخاسرين الحقيقيين هم من اعتمدوا عليها، مثل زيلينسكي في أوكرانيا، ومنظمة فتح الله غولن، وحزب العمال الكردستاني، وحزب الشعب الجمهوري. إضافة إلى شخصيات سياسية مثل أكرم إمام أوغلو، الذي بات يُوصف بأنه "غوايدو تركيا"، وذلك في إشارة إلى زعيم المعارضة الفنزويلية خوان غوايدو، الذي خسر الدعم الأميركي بعد أن كان يُنظر إليه كبديل جاهز للحكم، وفق المقال.
وبينما تجد أنقرة نفسها في موقع أقوى من أي وقت مضى بفضل إستراتيجياتها المستقلة، يواجه أكرم إمام أوغلو مصيرا مشابها للوجوه السياسية التي استخدمت كأدوات في مشاريع الغرب الفاشلة.
وختم الكاتب التركي مقاله قائلا: مع كل هذه المتغيرات، يتضح أن مستقبل المعارضة التركية بات أكثر غموضا، وأن إستراتيجياتها القائمة على الدعم الغربي لم تعد صالحة في المشهد السياسي الجديد.