إخوان الأردن.. 80 عاما من التوتر مع النظام الملكي

“مع اندلاع طوفان الأقصى استعادت الجماعة حضورها الشعبي”
على مدار 80 عاما، شهدت العلاقة بين الإخوان المسلمين والدولة الأردنية العديد من الهزات والتوترات التي وصلت أخيرا إلى إعلان السلطات حظر الجماعة وعدها “جهة غير مشروعة”، رغم مراحل طويلة من الانسجام بين الطرفين.
وأعلن وزير الداخلية الأردني، مازن الفراية، في 23 أبريل/ نيسان 2025، "حظر جميع نشاطات جماعة الإخوان المسلمين المُنحلة وعدها جمعية غير مشروعة"، عادّا الانتساب لها والترويج لأفكارها “أمرا محظورا، ويقع تحت طائلة المساءلة القانونية”.
ويأتي القرار بعد أسبوع واحد من إعلان المخابرات الأردنية في بيان اعتقال خلية مكونه من 16 شخصا ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين، ادّعت أنها كانت لديها "مخططات تخريبية" تهدف إلى المساس بالأمن الوطني و"إثارة الفوضى" داخل المملكة.
انسجام البدايات
الجماعة التي تأسست عام 1945، على يد الشيخ عبد اللطيف أبو قورة، سجّلت في البداية بشكل رسمي كجمعية خيرية في الأردن عام 1946، وحضر الملك عبد الله الأول الاجتماع التأسيسي لها، الأمر الذي يؤكد العلاقة الوثيقة بين الطرفين في تلك المرحلة.
وعام 1953رفعت الحكومة وضعها من جمعية خيرية إلى "جماعة إسلامية متعددة الوظائف"، وهذا دفع الأخيرة للانخراط في العمل السياسي؛ إذ قدّمت مرشحين باسمها رسميا عام 1956، بعدما كانت تقدمهم كمستقلين بين عامي 1951 إلى 1954.
وبقيت العلاقة منسجمة بين الجماعة والدولة الأردنية طيلة عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، ثم تولى بعض قادتها مناصب حكومية رفيعة، وأسهموا في وضع مناهج التعليم الحكومية.
وفي تلك المرحلة، تولى القيادي إسحاق الفرحان إدارة وزارتي التربية والتعليم والأوقاف عام 1970، وعيّن القيادي عبد اللطيف عربيات أمينا عاما لوزارة التربية والتعليم في الفترة (1982-1985).
وتوسع عمل الجماعة في اتحادات الطلاب والنقابات المهنية خلال تلك المرحلة وباتوا القوة المهيمنة عليها، ثم حققوا فوزا بثلاثة مقاعد من أصل 8 شاغرة عندما استؤنفت الحياة البرلمانية عام 1984 بعد توقف دام 14 عاما.
وبعد ذلك، وقعت حادثة شكلت إشارة إلى تحول في العلاقة بين الجماعة والسلطات، وهي الاحتجاجات الطلابية -التي شهدتها جامعة اليرموك الأردنية عام 1985- ضد رفع الرسوم الجامعية بتأثير وحضور من الإخوان، والتي قمعتها قوات الأمن بعنف.
كما برز في عقد الثمانينيات أيضا، تباين داخل الإخوان بشأن العلاقة مع النظام، وتوترات في العلاقة معه على خلفية الموقف من القضية الفلسطينية، وأصبحت الجماعة أكثر صراحة في معارضتها سياسات النظام، ولكن الطرفين تمكنا من تجنب الصدام.
ووقتها، لم تتحدّ الجماعة الشرعية الملكية، في المقابل سمح النظام للإخوان بالعمل العلني والواسع في المساجد والجمعيات الخيرية والخدمية، وهذا مكَّنها من بناء قاعدة جماهيرية أهَّلتها للاستفادة من الانفتاح السياسي نهاية ثمانينيات القرن الماضي.
وكانت ذروة الحضور السياسي للإخوان عام 1989، والتي أكَّدت الانتخابات البرلمانية فيها الشعبية الجارفة للتيار الإسلامي في البلاد عموما، وللإخوان المسلمين خصوصا.
ودخل الإخوان حينها بقائمة واحدة رافعين شعار "الإسلام هو الحل" ليحققوا فوزا بـ22 مقعدا من أصل 80، كما حصل عدد من الإسلاميين المستقلين على 4 مقاعد؛ إذ عُدت النتائج انتصارا إسلاميا كاسحا مقابل الأداء الضعيف للقوميين واليساريين.
"اتفاقيات السلام"
لكن ما شكّل نقطة تحوّل وبداية التصدّع بين الإخوان والنظام، هي مفاوضات السلام العربية الإسرائيلية عام 1991، والتي كانت بمثابة المحطة المفصلية في تاريخ العلاقة بين الطرفين، حسبما رأى الكاتب ووزير الشباب الأردني الأسبق، محمد أبو رمان.
وبحسب "أبو رمان" في كتابه المشترك مع الباحث الأردني حسن أبو هنية بعنوان "الحل الإسلامي في الأردن" صدر عام 2012، فإن "القوى الإسلامية رأت في اتفاقيات السلام مساسا بهوية الدولة، وعبَّأت الشارع برفض السلام والتطبيع، وأصدرت الفتاوى بحرمة ذلك".
وبدأت الدولة حينها بتنفيذ إجراءات سياسية وتشريعية تهدف إلى تحجيم نفوذ الإخوان في الحياة العامة، وكان من أبرزها إقرار قانون الصوت الواحد عام 1993، الذي وُصف بأنه مفصل لتقليص تمثيل الإخوان في البرلمان بعد أن كانوا قد حصلوا على كتلة كبيرة في انتخابات 1989.
وكان الهدف من سلسلة الخطوات الإدارية والتنظيمية التي اتخذتها السلطات الأردنية، الحد من تأثير الجماعة في النقابات والجامعات والمساجد، والتي تمثل ساحات تقليدية لنفوذها في المجتمع.
وكانت هذه الإجراءات، جزءا من سياسة إعادة هيكلة العلاقة مع الجماعة، لينتقل الإخوان من موقع "شريك سياسي محتمل" إلى "قوة يجب تحجيمها واحتواؤها" ضمن منظومة أمنية تتعامل مع التهديدات السياسية للاستقرار والنظام في الأردن.
لكن ومع هذا التضييق من الدولة، أحرز الإخوان 17 مقعدا في انتخابات عام 1993، والذي لم يحل دون التصديق على معاهدة "وادي عربة" بين الأردن والاحتلال الإسرائيلي، رغم معارضة كتلة الجماعة لها مع بعض النواب المستقلين.
ورغم أن الجماعة أبدت موقفا واضحا برفض اتفاقيات السلام ومعاهدة "وادي عربة" بين الأردن والاحتلال الإسرائيلي، لكنها لم تدخل في مواجهة مباشرة مع النظام، وإنما فضّلت التعبير عن اعتراضها من داخل البرلمان بالتصويت ضدّها دون الاستقالة.
ولم تكن هذه التحولات معزولة عن السياق الإقليمي والدولي، فقد جاءت اتفاقية “وادي عربة” في سياق ترتيبات ما بعد أوسلو، وبدا واضحا أن الضغوط الأميركية والإسرائيلية لعبت دورا في صياغة تصور الدولة الأردنية لمصالحها الأمنية والسياسية، وهو ما انعكس على موقفها من الإسلاميين.
وبعدها اتخذت الدولة سياسات لتقييد عمل الإخوان في الجامعات والمؤسسات العامة، الأمر الذي دفع الجماعة إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية عام 1997، واستمرَّ توتر العلاقة إلى حين وفاة الملك حسين عام 1999.
هزات متواصلة
ومع وصول الملك عبد الله الثاني إلى الحكم عام 1999 خلفا لوالده، اتخذ قرارا بإبعاد قيادة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" من الأردن في العام نفسه، الأمر الذي أظهر تغيرا إستراتيجيا في سياسة الأمر بالتعامل مع جماعة الإخوان المسلمين عموما.
إبعاد قيادات "حماس" من الأردن، أحدث أزمة داخل جماعة الإخوان، خاصة بعد اتهام بعض قياداتها بالصمت على القرار، وبدأت تظهر بوادر انقسام تنظيمي بشأن أولوية "الهم الأردني أو الفلسطيني" وعلاقة الجماعة بحركة المقاومة الإسلامية.
هذه الأزمة، أدت إلى صعود تيار داخل الإخوان كان أكثر قربا من "حماس"، مما أحدث إعادة هيكلة داخلية في الجماعة واستقطابا حول العلاقة مع الدولة ومع حماس نفسها.
وفي خطوة تصعيدية أخرى، حلّت الحكومة الأردنية البرلمان في الفترة (2001-2003) وأصدرت في غيابه أكثر من 200 قانون مؤقت عدّتها الجماعة تراجعا في مسار الحياة السياسية وتقييدا للحريات، خصوصا قوانين الاجتماعات العامة والجمعيات.
وما أحدث أزمة أكبر بين الدولة والجماعة، هو مشروع قانون طرح في العام 2004، لتقييد أنشطة النقابات المهنية التي كانت تمثل ساحة نفوذ للقوى الإسلامية، وهذا دفعهم إلى الانخراط في اعتصامات وإضرابات وصولا إلى تعليق مشروع القانون.
وبعد فوز "حماس" في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، وقبيل موعد زيارة محمود الزهار وزير خارجية الحكومة الفلسطينية التي كان يرأسها إسماعيل هنية، أعلن الأردن في 20 أبريل/ نيسان من العام نفسه، عن ضبط خلية مرتبطة بالحركة كانت تخطط لعمليات داخل البلاد.
إعلان السلطات الأردنية هذا، فجّر توترا سياسيا مع جماعة الإخوان التي شككت في الرواية الرسمية، وهو ما عدته الحكومة انحيازا لصالح حركة "حماس"، ودفعها أيضا إلى وضع يدها على جمعية "المركز الإسلامي الخيرية"، التي تعد الذراع الاجتماعية للجماعة.
وعلى وقع السياسات الحكومية الأردنية والتعديلات التي أجرتها على قوانين الانتخابات، أعلنت الجماعة عام 2007 مقاطعة الانتخابات البلدية، ثم المشاركة في الانتخابات النيابية على مضض ما أدى إلى خسارتها كونها لم تحصل إلا على 6 مقاعد فقط.
حظر جديد
ومع اندلاع الربيع العربي في السنوات 2011 إلى 2013، طالبت الجماعة بإجراء تعديلات دستورية تحدّ من صلاحيات الملك في تشكيل وحل الحكومات، وتعزيز دور مجلس النواب في تشكيل السلطة التنفيذية، وتشكيل مجلس الأعيان بالانتخاب أو بإلغائه.
وبناء على هذه المطالبات، قادت الجماعة احتجاجات زادت على ألف مظاهرة عام 2011، ورفضت المشاركة في "إصلاحات شكلية"، أو الدخول في لجنة "الحوار الوطني" بصفتها المباشرة.
وأجرى الملك حينها تغييرات متتالية في الحكومات، وإنشاء محكمة دستورية وتعديلات في قانون الانتخابات.
وفي تعبير على أنها غير كافية، قرر الإخوان مقاطعة انتخابات البرلمان عام 2013 واستمروا في التظاهرات السلمية وعدم رفع شعار إسقاط النظام.
وفي محاولة لإحداث انشقاقات التي كانت بوادرها تظهر داخل الجماعة، أعطى النظام عام 2015، رخصة لكيان يحمل اسم "جمعية الإخوان المسلمين" بقيادة المراقب العام الأسبق للجماعة عبد المجيد الذنيبات، بصفتها كيانا قانونيا بديلا عن الجماعة الأصلية.
وعزز النظام خطوته هذه عام 2020، بإصدار حكم قضائي بحل الجماعة ونقل ممتلكاتها إلى الجمعية الجديدة، بينما حاول الإخوان امتصاص الضغوط الرسمية من خلال المشاركة في الانتخابات عبر حزبهم المرخص "جبهة العمل الإسلامي"، بتحقيق 5 مقاعد فقط.
لكن ومع اندلاع "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، استعادت الجماعة حضورها الشعبي، والذي بدا واضحا في الميادين بخروج مظاهرات مستمرة تدين حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
وانعكاسا للزخم الذي استعادته الجماعة في الشارع الأردني، حقَّقت "جبهة العمل الإسلامي" فوزا كاسحا في الانتخابات البرلمانية، بـ31 مقعدا من إجمالي 138، والذي لايزال مصيرها مهددا بعد قرار حظر “الإخوان المسلمين”، والمحاسبة القانونية لكل من ينتسب لهم ويروّج لأفكارهم.
المصادر
- "الأخطر تاريخيا".. ما تداعيات انقلاب النظام الأردني على جماعة الإخوان المسلمين؟
- إخوان الأردن والنظام.. 80 عاما من علاقة متقلبة
- "السمّ والترياق" في علاقة النظام الأردني بالإخوان المسلمين
- نهاية تنظيم "إخوان الأردن" رسميًا بعد 80 عامًا من النشاط "الدعوي والسياسي"
- الخطّ البياني المتصاعد بين الإخوان والنظام الأردني
- كيف ترسم الحكومة الأردنية معالم "جماعة الإخوان المسلمين" في البلاد