من دمشق إلى إسطنبول.. هكذا تحققت رؤية أردوغان وخابت مساعي المعارضة

"أردوغان رجل قوي وذكي جدا.. مفتاح سوريا الآن في يد تركيا"
النصر الذي حققته قوات الثورة السورية في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، بدخول العاصمة دمشق وإسقاط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، انعكس صداه قويا داخل الجارة الشمالية تركيا.
وكانت تركيا البلد المستضيف لأكبر عدد من اللاجئين السوريين في العالم، منذ اندلاع الثورة في مارس/ آذار 2011، بحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
ووفقا لإحصاءات دائرة الهجرة التركية في أبريل/ نيسان 2024، وصل عدد اللاجئين السوريين في تركيا إلى 3 ملايين و120 ألفا و430 شخصا.
وشكل ملف اللاجئين السوريين محور ضغط على الحكومة التركية بقيادة حزب العدالة والتنمية الحاكم والرئيس رجب طيب أردوغان.
ولعبت عليه المعارضة التركية عبر تغذية العنصرية والكراهية ضد اللاجئين حتى تحقق مكاسب سياسية.
ووصل الأمر أنه خلال الانتخابات الرئاسية التركية عام 2023، رفع مرشح المعارضة، رئيس حزب الشعب الجمهوري (آنذاك) كمال كليجدار أوغلو شعار "Suriyeliler gidecek" أي "السوريون سيرحلون".
لكن بعد انتصار الثورة انقلب السحر على الساحر، فبينما بدأت أنقرة تجني حصاد ما زرعته من دعم للثورة والشعب السوري، بدأت المعارضة تجد نفسها في مأزق، لا سيما أن الملف الذي قامت أجندتها عليه تم حله بشكل غير متوقع.
المهاجرون والأنصار
ومنذ أيام الثورة الأولى وبدء توافد السوريين إلى الأراضي التركية، تبنى الرئيس التركي أردوغان مبدأ "المهاجرون والأنصار".
في إشارة إلى القيم الإسلامية القائمة على إجارة المضطهد وإغاثة الملهوف، وهو ما عرضه لحملات شرسة من المعارضة التي رفضت ذلك المبدأ وطالبت بإعادة السوريين إلى أراضيهم، والمصالحة مع نظام الأسد.
وهو ما ذكر به أردوغان بعد انتصار الثورة، في كلمته يوم 13 ديسمبر 2024، خلال المؤتمر الإقليمي الثامن لحزب العدالة والتنمية الحاكم، في ولاية سكاريا شمال غرب تركيا.
وقال: “إن قيادات المعارضة التركية، كانوا يسألون دائما ماذا تفعل تركيا في سوريا؟ أقول لهم، هل عرفتم الآن، لماذا تركيا في سوريا؟ ولماذا كانت هذه مواقفها؟ وأين هو الأسد حاليا؟ وأين هم المعارضون الذين دعمناهم نحن؟”
وتابع: "حلب، والشام، وحماة، وحمص، تماما مثل غازي عنتاب وإسطنبول وباقي المدن التركية، ولو لم يتم تقسيم المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية، لكنا مازلنا في بلد واحد".
ولفت أردوغان إلى "أن عملية عودة السوريين لبلادهم بدأت بعد التغييرات الأخيرة، والسوريون الذين يرغبون في البقاء بتركيا، فهم ضيوفنا وسيبقون فوق رؤوسنا".
ثم قال: "السجون السورية في عهد نظام الأسد، تظهر بوضوح حجم الظلم الكبير الذي مارسه نظام الأسد بحقهم، والجواب عن سؤال لماذا لم يعد السوريون لبلادهم طوال السنوات الماضية، هو ما رأيناه في السجون السورية من مشاهد، والتي كانت عبارة عن مسالخ بشرية".
وتابع: "أنا أسأل الآن زعيم المعارضة التركية (رئيس حزب الشعب أوزغور أوزيل) لماذا كنت تدعم الأسد؟ وهو يمارس كل هذا الظلم ضد شعبه"
واختتم: "لقد استوفينا متطلبات قانون الأخوة لدينا، من خلال أخذ إخواننا السوريين تحت أجنحتنا، واحتضانهم.. لم نفعل ذلك عن طريق الشكوى، ولكن عن وعي بأننا أنصار للمهاجرين".
ولطالما شدد أردوغان في كلمات متعاقبة على عدم تخليه عن السوريين، ففي 9 مايو/ أيار 2022، وخلال فعالية بمناسبة الذكرى الـ32 لتأسيس جمعية رجال الأعمال والصناعيين المستقلين الأتراك (موصياد).
قال: "نحن أبناء ثقافة تدرك جيدا معنى المهاجرين والأنصار، وبإمكان اللاجئين السوريين العودة إلى بلادهم متى أرادوا، أما نحن فلن نطردهم من بلادنا أبدا".
وأكمل: "سنحمي حتى النهاية إخواننا المطرودين من سوريا بسبب الحرب.. لن نطردهم أبدا من هذه الأرض".
وتابع: "بابنا مفتوح على مصراعيه وسنواصل استقبال (السوريين)، ولن نعيدهم إلى أفواه القتلة"، في إشارة إلى نظام الأسد، وفي رسالة مستنكرة دعوات المعارضة التركية إعادة السوريين إلى هناك.
حضور قوي
حاليا مع تلك المتغيرات الشاملة والقوية في سوريا التي تشهد حقبة ما بعد الأسد، بدا أن الحضور التركي قويا ومؤثرا.
ومن أكثر المواقف التي توضح بشائر المكاسب السياسية التركية في سوريا، تعيين عزام غريب، محافظا لحلب، من قبل حكومة تصريف الأعمال السورية.
وعزام من الشخصيات المرتبطة بقوة بتركيا على المستوى السياسي والشخصي.
فهو إضافة إلى كونه قائد الجبهة الشامية، أحد فصائل الفيلق الثالث في الجيش الوطني السوري.
لكنه حصل على درجة الماجستير في كلية الإلهيات بجامعة بينغول التركية، عام 2019.
وهو ما جعل السياسي التركي البارز أحمد داود أوغلو، رئيس حزب المستقبل المعارض، ورئيس وزراء تركيا الأسبق، يغرد عبر منصة "إكس" معلقا: "محافظ حلب المعين حديثا هو عزام غريب، وهو خريج جامعة بينغول".
وأضاف: “هل سيعتذر السياسيون المحرضون الذين كانوا يريدون طردهم (يقصد السوريين) من الجامعات وقطع المياه عن منازلهم ونقلهم عبر الحدود بالحافلات؟”
وتابع: "على أية حال، دعوهم يزوروا حلب ويشربوا القهوة التركية التي يقدمها لهم المحافظ، الذي سيستقبلهم باللغة التركية الجميلة".
واختتم: "عليهم أن يعلموا أن تلك القهوة ستكون رمزا للذاكرة والأخوة التي لن تدوم أربعين عاما، بل أربعين قرنا".
قوة ناعمة
ويعد عزام غريب نموذجا لآلاف الأتراك الذين تلقوا تعليمهم داخل المدارس أو الجامعات التركية على مدار السنوات الماضية.
ونقلا عن وكالة الأناضول التركية، في 7 مارس/ آذار 2019، صرح ضياء سلجوق، وزير التربية الوطنية التركي آنذاك "أن تركيا رفعت من نسبة تعليم السوريين بنسبة 70 بالمائة، حتى بلغ عددهم ما يقارب الـ 700 ألف طفل".
ودخل قرار دمج الطلاب السوريين في النظام التعليمي التركي حيز التنفيذ مطلع العام الدراسي 2017-2018.
وبحسب آخر إحصائية معلنة، بلغ عدد الطلاب السوريين المسجلين في عموم الجامعات التركية خلال العام الدراسي 2021 - 2022، 37 ألفا و326 طالبا مقابل أكثر من 200 ألف طالب أجنبي، وفقا لأرقام مجلس التعليم العالي التركي (YÖK).
وبحسب البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية التركية في ديسمبر 2023، حصل حوالي 238 ألف لاجئ سوري على الجنسية التركية.
ولا شك أن هذه الأرقام، تأتي في مصلحة الدولة التركية مستقبليا، فهي تستثمر في قوة بشرية هائلة من السوريين، تمتلك معها الآن روابط دينية وثقافية واجتماعية ولغوية كبيرة.
التنظيمات الانفصالية
لعل واحدة من أهم المكاسب السياسية والإستراتيجية التي حصلت عليها تركيا من انتصار الثورة السورية، هي حصار التنظيمات الكردية الانفصالية داخل الأراضي السورية.
تحديدا حزب العمال الكردستاني "PKK" وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" ففي 25 ديسمبر 2024، قال الرئيس أردوغان، خلال اجتماع الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية، "أحيي بكل احترام أشقاءنا السوريين الذين حققوا نصرا عظيما ومؤزرا بعد نضال دام 13 عاما".
وأورد: "سنحقق هدفنا المتمثل في جعل تركيا خالية من الإرهاب خلال الفترة المقبلة باستخدام جميع الأدوات المتاحة لدولتنا".
وتابع: "سنقضي على التنظيم الإرهابي الذي يحاول بناء جدار من دم بيننا وبين أشقائنا الأكراد، وإذا كانت لديه حسابات فنحن أيضا لدينا حساباتنا".
وشدد: "على أولئك المسلحين الإرهابيين إلقاء السلاح وإلا فسيدفنوا في الأراضي السورية".
وكان الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، قد أعلن في تصريحات يوم 20 ديسمبر 2024، "لا أحد يعرف حقا من الرابح، لكنني أعتقد أن تركيا هي الرابح.. أردوغان رجل ذكي وقوي جدا.. كان الأسد جزارا. رأينا ما فعله بالأطفال.. مفتاح سوريا الآن في يد تركيا".

قوة عسكرية
وإذا كان الحديث عن مكتسبات تركيا في سوريا قد تطرق إلى القوة الناعمة، فلا يمكن إغفال القوة العسكرية السورية الرادعة التي لها ارتباطات بأنقرة.
ففي 5 ديسمبر 2024، نشر موقع "دويتشه فيله" الألماني، تقريره عن الدعم العسكري التركي لقوات المعارضة.
وقال: "تركيا كانت على علم بالهجوم، فبدون موافقتها أو حتى دعمها، لم يكن لمعارضي الأسد أن يحظوا بأي فرصة".
كما أوضح للموقع خبير شؤون الشرق الأوسط، مايكل لودرز: "من المؤكد أن أنقرة لم تكن فقط على علم بهذا التقدم، بل تدعمه عسكريا، لأنه من الواضح أن المتمردين كانوا بحاجة إلى الأسلحة المناسبة والتي كان لا يمكن الحصول عليها إلا من تركيا بسبب الموقع الجغرافي".
وأكد على هذا الأمر الكاتب والمحلل التركي "كمال أوزتورك" في مقالة دوّنها لموقع "الجزيرة نت" في 20 ديسمبر 2024، تحت عنوان “ماذا فعلت تركيا في سوريا؟”
وأورد فيها: "نفذت تركيا مشروعها لضمان الأمن في مدن شمال سوريا، حيث دعمت تأسيس الجيش الوطني السوري، وقدمت الدعم في التدريب العسكري، وتوفير الأسلحة".
وأكمل: "قامت أيضا بإنشاء قوات شرطة في المدن، ووفرت الدعم لضمان الأمن".
وقال: "إنه مع مرور الوقت، وبمساعدة الحكومة التركية، سيطر الجيش الوطني السوري على آلاف الكيلومترات المربعة التي يقطنها ملايين الأشخاص".
وتابع: "عندما بدأ الهجوم ضد الأسد في 17 نوفمبر، بدأ الجيش الوطني السوري أيضا في السيطرة على المناطق التي كانت تحت سيطرة المليشيات الانفصالية الكردية في الشمال، بمساعدة الطائرات المسيرة التركية، التي أمنت الموقف إلى درجة كبيرة".
المصادر
- أردوغان: عودة السوريين لبلادهم بدأت أما من يرغبون في البقاء بتركيا فهم ضيوفنا
- ماذا فعلت تركيا في سوريا؟
- أردوغان: أشقاؤنا السوريون ناضلوا 13 عاما وحققوا نصرا عظيما
- تركيا تعلن عدد السوريين العائدين إلى وطنهم
- طلاب سوريون يحصدون المراكز الأولى في الجامعات التركية.. تعرف إليهم
- ما دور تركيا في هجوم فصائل مسلحة معارضة ضد قوات الأسد؟
- كليتشدار أوغلو يثير جدلا حول "ترحيل السوريين".. أردوغان يعلق