برفض مرشح حزب الله.. هل ينجح جبران باسيل في حلحلة ملف الرئاسة في لبنان؟
"ترفض البطريركية المارونية انتخاب رئيس من دون حصوله على دعم القوى المسيحية"
يكثف زعيم التيار الوطني الحر في لبنان جبران باسيل، بشكل علني حراكه سعيا لخلق تفاهمات مع أحزاب وتكتلات سياسية لتعويم فكرة "الرئيس اللبناني التوافقي".
و"التيار الوطني الحر" المسيحي الذي كان لفترة قريبة أحد أشد حلفاء حزب الله، بات على مسافة بعيدة من تنصيب رئيس "مطمئن للمقاومة" كما يريد زعيم الحزب حسن نصر الله.
فمنذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2022، فشل البرلمان 12 مرة في انتخاب رئيس على وقع انقسام سياسي يزداد حدة بين حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في البلاد، وخصومه.
وتتمثل عقدة الملف الرئاسي بعدم حظوة أي فريق سياسي في هذا البلد بأكثرية تمكنه منفردا من إيصال مرشحه إلى قصر بعبدا الرئاسي في بيروت.
"رئيس توافقي"
وأمام حالة الشغور الرئاسي في لبنان، عقد النائب جبران باسيل المتزوج من شانتال ابنة الرئيس اللبناني السابق ميشال عون، عددا من اللقاءات مع شخصيات وكتل لبنانية لبحث ملف الرئاسة.
وخلال لقاء جمعه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة ببيروت في 10 يونيو 2024، قال باسيل إن "من ينتظر تسوية ويقول إنها آتية فهذا انتظار غير عقلاني"، مشيرا إلى أنه يسعى للعمل مع الجميع "لتتميم الاستحقاق الدستوري".
ورأى جبران (54 عاما) أن "التسوية الحقيقية هي التفاهم بين اللبنانيين ولا يمكن أن ننجح بانتخاب رئيس إلا بالتوصل إلى تفاهم والتفاهم يكون على رئيس توافقي".
وإلى الآن لا يوجد رئيس تتوافق عليه جميع الأحزاب اللبنانية لملء الشغور الرئاسي، إذ ما يزال حزب الله يتمسك بمرشحه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وهو الاسم الذي يرفضه باسيل وغالبية القوى اللبنانية الأخرى.
ومن هنا يعمل باسيل على تشكيل "تحالف وسطي" قادر على طرح اسم مرشح رئاسي وإيصاله لسدة الرئاسة.
إذ التقى باسيل في 7 يونيو 2024 تكتل "الاعتدال الوطني" في قرية اللقلوق شمال شرق مدينة بيروت لبحث ملف الرئاسة.
ويضم التكتل المذكور سبعة نواب (من مختلف المذاهب اللبنانية) وقد أطلقوا مبادرة تقول بضرورة حدوث تشاور يسبق الدعوة إلى جلسة مفتوحة لانتخاب رئيس بدورات متتالية وهو الأمر الذي أيده نحو مئة برلماني لبناني.
وبحسب صحيفة النهار اللبنانية، “طرح باسيل على نواب الاعتدال تشكيل نوع من تحالف أو تكتل أو لقاء يجمعهم مع التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي، يكون بمثابة بيضة القبان”.
وبذلك "يكون تجمعا نيابيا كبيرا وسطيا يهدئ من جموح الطرفين (الثنائي- والمعارضة)، ويلزمهما بالتخلي عن حديثهما والتلاقي معهما في الوسط نظرا لعدم إمكانية تحرك الفريقين منفردين".
وقالت الصحيفة في 7 يونيو 2024 إن "وجود كتلة كهذه وسطية كبيرة جدا يعطيها أريحية العمل وإمكانية الوصول إلى نتيجة أفضل مما لو تحرك كل فريق منفردا، وخصوصا أن مبادرات الكتل الثلاث متقاربة".
وبات واضحا أن تحركات جبران باسيل تهدف إلى تسريع انتخاب رئيس جديد للبنان عبر تقريب مواقف الكتل وجمعها نحو "رئيس توافقي" تدفع به الأصوات لسدة الرئاسية، بعد فشل البرلمان في انتخاب "رئيس إصلاحي وسيادي ووطني".
ويفرض الدستور اللبناني انتخاب رئيس الجمهورية من الطائفة المسيحية المارونية بأكثرية الثلثين في الدورة الأولى، أي 86 نائبا، وبأغلبية النصف زائد واحد، أي 65 نائبا في الدورات اللاحقة.
ومع عدم تأمين تصويت "65 نائبا" على مرشح رئاسي في جلسات البرلمان السابقة، طرح باسيل على حسابه في موقع "إكس" في 23 أبريل 2024 آلية لانتخاب رئيس.
وقال باسيل حينها: "في حال تعذر وصول أي مرشح إلى سقف الـ65 صوتا خلال هذه الدورات البرلمانية، أعطينا أفكارا لكيفية ضمان حصول ذلك في الأسبوع الذي يليه".
وأضاف قائلا: "يبقى الأهم هو الالتزام العلني والواضح من المشاركين: أولا بالسعي إلى التوافق، وثانيا بعدم مقاطعة جلسات الانتخاب، وثالثا بالالتزام بالتصويت المتفق عليه في الأسبوع .. هكذا إذا صدقت النوايا، يكون لنا رئيس للجمهورية".
سجالات سياسية
وضمن هذا السياق، قال عضو "كتلة الاعتدال الوطني"، النائب أحمد الخير، خلال تصريحات صحفية في 8 يونيو 2024 "إن اللقاء مع جبران باسيل كان في سياق اللقاءات التي نمضي بها كتكتل (الاعتدال)، وكان تأكيد من قبلنا على ضرورة الذهاب للتشاور بهدف التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية لكل اللبنانيين، يحظى بقبول من جميع الأطراف".
وأضاف قائلا: "نعول على التقاء المبادرات وتكاملها من أجل الوصول إلى مساحات وطنية مشتركة يمكن البناء عليها لإنضاج توافق ينهي الفراغ الرئاسي ويؤدي إلى انتخاب رئيس للجمهورية".
وعن السبب الأساسي الذي لا يزال يحول دون انتخاب رئيس، قال الخير: "الشيطان يكمن في التفاصيل، ولا يزال لدى البعض ملاحظات نحاول العمل على تذليلها وتجميد السجالات السياسية التي لا تخدم ما نبذله من جهود لتحرير رئاسة الجمهورية من الفراغ".
وبحسب موقع صحيفة "نداء الوطن"، فإن جبران باسيل "قرر التمايز عن أطراف المعارضة التي رفضت دعوة نبيه بري إلى الحوار كشرط لدعوة النواب إلى جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية، لأنها تشكل سابقة غير دستورية".
وترى الصحيفة أن باسيل يوافق بري على إجراء حوار يسبق دعوة النواب إلى جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية.
وذكرت الصحيفة، أن "أوساط الثنائي الشيعي (حزب الله - حركة أمل بقيادة نبيه بري) أكدت أن الحوار لن يغير موقفه إذا تبين أن جلسة الانتخاب ستؤدي إلى فوز مرشح غير رئيس تيار المردة سليمان فرنجية. وسيعمد الثنائي إلى تعطيل نصاب الجلسة في الوقت المناسب".
لكن في المقابل، تصر قوى المعارضة، وعلى رأسها حزب "القوات اللبنانية" خصم حزب الله، على وجوب الدعوة مباشرة لجلسة انتخاب الرئيس.
كما ترفض تكريس أعراف لجهة وجوب أن يسبق أي عملية انتخاب طاولة حوار أو تفاهم مسبق على اسم الرئيس، ما يتناقض مع النص الدستوري المرتبط بعملية الانتخاب.
فيما يربط "الثنائي الشيعي" أي دعوة للانتخابات بحوار مسبق يرأسه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ويدفع لأن ينتهي الحوار إلى توافق على اسم رئيس للبلاد ويجرى التوجه بعدها للهيئة العامة لانتخابه.
"لا للحصرية"
ولعل تمسك الثنائي الشيعي بمرشحه سليمان فرنجية، لم يمنع باسيل للقول لصحيفة "لوبوان" الفرنسية في 17 مايو 2024، بأن التفاهم بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" لا يزال "قائما بخيط رفيع للغاية".
وعن سبب عدم دعم سليمان فرنجية للرئاسة، رأى باسيل أن "هذا مثال نموذجي على عدم احترام هذه الشراكة".
ومضى يقول للصحيفة الفرنسية: “فهل كلّف أحد حزب الله بتعيين رئيسنا بمفرده، من دون موافقة شركائه في الوطن على الأقل؟”
ويحظى باسيل الذي شغل منصب وزير الخارجية والمغتربين بين فبراير/شباط 2014 و30 أكتوبر/تشرين الأول 2019 بقبول جزء من المسيحيين اللبنانيين، كما تجمعه علاقة مميزة مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، ومع العديد من المرجعيات الكنسية على أنواعها.
ولهذا يرى بعض المراقبين أن ما يفعله جبران باسيل في هذا الوقت هو فقط لقطع الطريق أمام وصول سليمان فرنجية للرئاسة.
وهذا ما أشار إليه الكاتب اللبناني وجدي العريضي، بقوله خلال تصريح تلفزيوني في 10 يونيو 2024: "إن مبادرة جبران باسيل تركز على هدفين، الأول: لا لحصرية ترشيح حزب الله وحركة أمل لسليمان فرنجية والثاني هو الدعوة لفتح المجلس النيابي أبوابه وفق الدستور لانتخاب رئيس".
ومضى العريضي يقول: "ما يقوم به باسيل هو في الوقت الضائع إذ لا يوجد حاليا طبخة دولية إقليمية لتسوية حول رئاسة لبنان".
وفي الإطار ذاته، تشير صحيفة "نداء الوطن" إلى أن اجتماع باسيل مع البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي في 9 يونيو 2024 تمحور حول نقاط المبادرة الرئاسية الجديدة التي يطلقها، وركز على عدم استثناء أحد والحديث مع الجميع.
والأكثر أهمية كما تنقل الصحيفة "هو عدم الدخول في اصطفافات جديدة أو استغلال أي فريق للمبادرة من أجل فرض مرشحه"، في إشارة واضحة على اعتراض البطريرك على فرض مرشح "الثنائي الشيعي".
خاصة أن البطريرك شدد على باسيل بالقول "إنه لا يجوز أن ينتخب رئيس من دون حصوله على دعم القوى المسيحية"، وفق الصحيفة.