نهج دموي.. ما رسائل الاحتلال الإسرائيلي من تدمير 89 بالمئة من مساجد غزة؟

غزة - الاستقلال | منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

اشتهرت مدينة غزة بمساجدها العامرة، ومآذنها التي تعلو مناطق القطاع كافة، ومراكز تحفيظ القرآن التي تستقطب أغلب الأطفال الغزيين. 

لكن مع اندلاع حرب الإبادة الجماعية منذ 7 أكتوبر / تشرين الأول 2023، عدت إسرائيل تدمير المعالم الإسلامية في القطاع أحد الأهداف غير المعلنة للحرب، وحققت دمارا هائلا، بعد عقود من التحريض الديني اليهودي.

واستهدفت قوات الاحتلال المساجد ودور تحفيظ القرآن الكريم في قطاع غزة، بأشكال القصف كافة، وشتى أنواع القنابل، كما نفذت مجازر بشعة، بقصفها العديد من دور العبادة، أثناء وجود المصلين داخلها.

وبمجرد وصول قوات جيش الاحتلال لأي نقطة في القطاع، يقتحم الجنود المساجد، ثم تبدأ مجموعاته الهندسية مباشرة بتفخيخ ونسف المساجد غير المستهدفة مسبقا.

دمار هائل

وخلال العدوان المستمر، دمر الاحتلال ما نسبته 89 بالمئة من مساجد القطاع، حيث استهدف 1109 مساجد تدميرا كليا أو جزئيا، من أصل 1244، حيث بلغ عدد المساجد المدمرة كليا 834 مسجدا، سويت بالأرض وتحولت إلى أنقاض.

وتضرر 275 مسجدا بأضرار جزئية بليغة، مما جعلها غير صالحة للاستخدام، حسب إحصاء وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في غزة.

وعملت قوات الاحتلال بطريقة ممنهجة على تدمير المعالم الإسلامية التاريخية، والأثرية في القطاع، منذ الأشهر الأولى للإبادة، من بينها المسجد العمري الكبير بمدينة غزة، أحد أهم المعالم الإسلامية في فلسطين. 

بجانب مسجد السيد هاشم، والذين يعتقد باحتضانه قبر جد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هاشم بن عبد مناف، ومسجد كاتب ولاية، والجامع الكبير في جباليا.

وبجانب المساجد، دمر الاحتلال 643 عقارا وقفيا إسلامية كمراكز تحفيظ ومقار دعوية، بجانب العديد من مؤسسات التعليم الشرعي حيث استهدف قرابة 30 مؤسسة شرعية.

واستهدف الاحتلال أيضا 30 مقرا إداريا تابعا لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، من بينها مقر الوزارة، كما أحرق جنود الاحتلال المكتبات والمخازن المخصصة لطباعة وتخزين أجزاء القرآن الكريم للأطفال الذين يرتادون حلقات التحفيظ، إضافة إلى آلاف الكتب الدينية، والنشرات الدعوية.

كما قصفت إسرائيل وسائل الإعلام الدعوية والدينية، من بينها إذاعة القرآن الكريم، والتي اغتالت العديد من العاملين فيها، بجانب مئات الدعاة، الذين ارتقوا شهداء أثناء الحرب المستمرة.

وارتكبت قوات الاحتلال جرائم دامية بحق رواد المساجد، كان أبرزها مجزرة مسجد التابعين، أو ما عرفت إعلاميا بـ"مجزرة الفجر"، حيث استهدفت قوات الاحتلال في 10 أغسطس/آب 2024، المصلين في مسجد مدرسة التابعين بثلاثة صواريخ حربية حارقة، ما أسفر عن ارتقاء أكثر من 100 شهيد وإصابة المئات.

كما استهدفت المصلين في مسجد “إحياء السنة” بحي الصبرة جنوب قطاع غزة، في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، ما أدى إلى ارتقاء أكثر من 50 شهيدا. 

وكذلك مسجد شهداء الأقصى في دير البلح، فجر 6 أكتوبر / تشرين الأول 2024، والذي استهدف فيه 21 مصليا، كما استهدف المسجد الأبيض في مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة في 13 يوليو /تموز 2024، وارتقى جراء القصف، أكثر من 10 شهداء.

دمار هائل

وبجانب النهج الدموي للاحتلال تجاه المصلين، يفرغ جنود الاحتلال حقدهم الديني في المساجد، من خلال تدنيسها، والإساءة للقرآن الكريم، بممارسات قذرة، تسبق تدمير المسجد. 

ويتفاخر جنود الاحتلال بجرائمهم بحق المساجد في قطاع غزة، حيث نشروا العديد من مقاطع الفيديو لعمليات نسف مساجد، بالتزامن مع صلوات توراتية، وكذلك صوروا مقاطع لاقتحامهم مساجد وتدنيسها. 

"الاستقلال" تجولت في عدد من مساجد مدينة غزة، ووقفت على حجم الدمار الهائل، الذي أصاب البنية الدينية الإسلامية، كما رصدت كتابة جنود الاحتلال عبارات بالعبرية على قبب المساجد المدمرة، ورسم شعار ما يعرف بنجمة داوود عليها.

وقال أحمد أبو عبدو، أحد سكان مدينة غزة، إن جنود الاحتلال كانوا يقتحمون المساجد، وينفذون فيها فظائع ضد الدين الإسلامي، قبل إحراقها، ثم نسفها.

وأضاف أبو عبدو لـ"الاستقلال" أنه “خلال نزوحنا في إحدى المدارس، غرب غزة، نتيجة العملية البرية، سمعنا صوتا صادرا من أحد المساجد القريبة، وتحدث أحد الجنود، وكان يطلق ألفاظ نابية ضد الإسلام والذات الإلهية”. 

وتابع: "الجندي بدأ يصف الفلسطينيات بألفاظ نابية، ثم شرع في تقليد الأذان بسخرية، وتحريف بعض الكلمات، مع صوت قهقهات الجنود حوله، كانت أوقات عصيبة، وكان الغضب يعتري النازحين كافة في المدرسة".

وأوضح أبو عبدو أنه بعد انسحاب قوات الاحتلال، تجول في حي الشاطئ، ومنطقة الميناء، ومنطقة الشاليهات، وهناك شاهد ما فعله جنود الاحتلال بالمساجد، حيث دمروها تماما، وألقى الجنود المصاحف في الطرقات، ورسموا على ركامها رسوما مسيئة، وخطوا كتابات باللغة العبرية.

وشدد على أن "الأمر لم يتوقف عند تدنيس وتدمير المساجد، بل إن قوات الاحتلال ترسل طائرات الكواد كابتر المسيّرة، لتطلق النار على المصليات الجديدة، وتلقي عليها القنابل المتفجرة والحارقة أثناء وجود المصلين فيها، لمنعهم من الصلاة".

"عبادة" التدمير 

وأتى الدمار الهائل للمساجد، والمجازر البشعة بحق المصلين، بعد سلسلة طويلة من التحريض الديني، والفتاوى الحاخامية، وشكلت حرب الإبادة بيئة خصبة لهذه الحملات ضد المساجد.

وتولت المرجعيات الدينية اليهودية منذ عقود، إصدار الفتاوى التي تحث على تدمير المساجد، كان أبرزها فتوى الحاخام يسرائيل أرئيل، مسؤول مؤسسة "معهد الهيكل"، التي دعت لتدمير المساجد كافة في فلسطين.

كما دعا الحاخام مئير بينتسكوبتشين خلال مقابلة مع قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية إلى حرق المساجد، ومحو الآثار الإسلامية.

وتقابل هذه الجرائم بحق المقدسات الإسلامية بصمت عربي وإسلامي، وحديث الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أكثر من مناسبة، عن تطبيع عربي واسع النطاق، قريبا. 

من جانبه، قال الداعية بشار البلايمة، إن جنود الاحتلال أحرقوا المساجد والمصاحف، وعبثوا بقدسية دور العبادة، وهو أمر مبرر لهم من حاخاماتهم، ويرون في هذا الأمر عبادة وتطبيقا لتعاليم دينهم المحرف.

وأضاف لـ"الاستقلال" أن "حربهم مع الإسلام والمسلمين، حرقوا وهدموا مساجدنا، قصفوا المآذن، دنسوا المصاحف، ولكن لم تغضب أمة الإسلام، ومجرم الحرب نتنياهو مع كل مجزرة يذكر نصا يهوديا يبرر فيه إجرامه، إنها حرب دينية قبل كل شيء".

واستهجن البلايمة، الصمت العربي والإسلامي جراء هذه الجرائم بحق الدين الإسلامي، وهو ما جعل الاحتلال أكثر جرأة ووقاحة في انتهاكاته القائمة على الحقد الديني، حسب وصفه.

وتابع: "كنا نشعر بالفخر عندما نرى الغضب الإسلامي جراء حرق كتاب الله في عواصم غربية، ولكن حصل في غزة ما هو أكثر قسوة وبشاعة، ولم نسمع تنديدا ولم نر غضبا، ومرت آلاف الأحداث المسيئة للإسلام، ولم يحرك العالم الإسلامي ساكنا، ولعل من هان عليه دم أخيه، سيهون عليه دينه أيضا".

احتفاء كبير

وتحظى مشاهد تدنيس وتدمير المساجد والمقدسات الإسلامية، باحتفاء كبير داخل كيان الاحتلال، والذين يرونها تنفيذا لـ"تعاليم يهودية ووصايا إلهية".

وتضج الصفحات العبرية في منصات التواصل الاجتماعي، بفيديوهات الجنود وهم يحتفلون بنسف المساجد، وهو ما يشهد تفاعلا احتفاليا من قبل الجمهور الصهيوني.  

وفي 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، احتفى المتخصص في الاستشارات الإستراتيجية إيغال مالكا، عبر منشور على منصة "إكس"، بنسف الجيش الإسرائيلي، في اليوم نفسه لمسجد الفاروق في خان يونس.

واستشهد بالنص 12 من سفر الخروج بالتوراة: “إياك أن تعقد معاهدة مع سكان الأرض التي أنت ماض إليها لئلا يكونوا شركا لكم. بل اهدموا مذابحهم، واكسروا أصنامهم، واقطعوا أشجارهم المقدسة”.

وعقب قائلا: "نسعى جاهدين، عبر قواتنا الجوية، لتنفيذ الوصية الإلهية في خان يونس".

فيما وصف الناشط الاستيطاني ليشع يارد، في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، إذاعة مساجد بالضفة لكلمة صوتية للمتحدث باسم كتائب القسام، الجناح المسلح لحركة حماس، أبو عبيدة، بأنها "شراكة كاملة في الحرب"، داعيا إلى قصف تلك المساجد فورا.