مخطط خبيث.. هل يفضي التعداد السكاني إلى تغيير ديمغرافي في العراق؟

يوسف العلي | 2 months ago

12

طباعة

مشاركة

في خطوة لم تحصل منذ 27 عاما، أعلنت الحكومة العراقية انطلاق عمليات الترقيم والحصر للتعداد العام للسكان في البلاد، الذي يتزايد فيه معدل النمو السكاني بنسبة تفوق 2 بالمئة سنويا، وسط تحذيرات من تغييرات ديمغرافية في التركيبة السكانية، قد تطال مدنا ذات غالبية سنية.

وأطلقت وزارة التخطيط العراقية في الأول من سبتمبر/ أيلول 2024، عمليات الترقيم والحصر للتعداد المقرر يومي 20 و21 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، بعد آخر تعداد جرى عام 1997، والذي لم تتمكن السلطات الحاكمة عقب الاحتلال الأميركي في 2003، من تكراره.

وتؤكد الوزارة أن العراق يشهد زيادة مضطردة في عدد سكانه، بنسبة تفوق المليون نسمة سنويا، بمعدل يصل إلى أكثر من 2 بالمئة، إذ وصل سكان العراق في نهاية العام 2023 إلى أكثر من 43 مليون نسمة، مع توقعات بارتفاع إلى 44 مليونا نهاية 2024.

"الفرصة الأخيرة"

ورغم أن المجمع الفقهي العراقي (أكبر مرجعية دينية للسنة)، حث أبناء المكون للتعاون مع الفرق الجوالة التابعة لوزارة التخطيط وإعطاء المعلومات لهم، لكنه حذر في الوقت نفسه من تهميش قد يقع عليهم في مدن عدة.

وقال نائب رئيس المجمع، الشيخ عبد الستار عبد الجبار، خلال خطبة الجمعة بالعاصمة بغداد في 20 سبتمبر، إنه "في العشرين عاما الماضية وقفنا (السنة) موقفا سلبيا وكنا نظن أننا نستطيع أن نجرف مسيرة العراق لنا بعد الاحتلال، لكن الذي حصل خلاف ما كنا نرجو".

وأضاف: "عارضنا كتابة الدستور وكُتب، وعارضنا تشكيل الحكومة وشُكلت، وعارضنا الانتخابات وأجريت بعدها، وفاز القوم (الشيعة) ومضوا بعد فوزهم، ونحن ضيعناه وإلى اليوم نعيش التيه ولم نحقق شيئا".

وأكد عبدالجبار أن التعداد الذي تجريه وزارة التخطيط في 2024 له أهمية كبرى، فهو آخر تعداد للسكان في العراق، وأنه سيرسم الخريطة السكانية للعراقيين من خلال مشاركتهم فيه، لذلك، فإن الموقف السلبي سيضّر بنا ويجعل مكاننا على الخريطة مهمّشا".

وأشار إلى أن "هذا التعداد للسكان ممكن أن تجادل به وتستحصل على حقوق كثيرة، ومنها على سبيل المثال، أن منطقة الطارمية (السنية) شمال بغداد، حتى اليوم تسجل عدد نفوسها 200 ألف فقط، بينما عدد نفوسها الحقيقي أكثر من  500 ألف نسمة". 

وأكد عبد الجبار أن "هذا الأمر يترتب عليه استحقاقات كثيرة، من بينها الاستحقاق البرلماني وغيره، فلماذا نضيّع هذه الأمور، وأن التعداد العام للسكان لن يكلفكم كثيرا، وإنما يأتي الموظف إلى باب الدار لأخذ المعلومات الصحيحة التي تنفعك ولا تضرك".

واستطرد: "إذا تريدون أن يكون لنا ثقلا حقيقيا في البلد فساهموا بإعطاء المعلومات بدقة متناهية، لأنه بعدها سيتم إيقاف التعداد بالطريقة اليدوية في الأعوام المقبلة، وأن برامج الكومبيوتر بالمستشفيات هي من ستقوم بتحديثه، فساهموا في الفرصة الأخيرة للتعداد".

لكن عبد الجبار حذر في الوقت نفسه، قائلا: "كان على الدولة أن تتريث قليلا في إجراء التعداد السكاني، لأننا نخشى ألا يكون هذا التعداد عادلا، فما هو مصير المناطق المتنازع عليها وكيف ستحسم".

وأردف: "وما مصير المهجرين (السنة) في جرف الصخر (شمال بابل) وديالى ومناطق من محافظات الأنبار وصلاح الدين وغيرها، هذه كان ينبغي أن تحسم قبل التعداد، لكن لأننا مهمشون ولأن سياسيينا لا يبحثون عن مصالحنا، لذلك لم تتم مناقشة هذا الأمر".

ودعا عبد الجبار "مجلس محافظة ديالى لإيقاف التعداد إلى حين عودة القرى (ذات الغالبية السنية) المهجرة بكاملها والخالية حتى اليوم، وكذلك الأمر في صلاح الدين وجرف الصخر".

وسيطرت المليشيات الشيعية الموالية لإيران على منطقة جرف الصخر  (مساحتها 283 كيلومترا مربعا)، بعد استعادتها من سيطرة تنظيم الدولة عام 2014، وجرى تهجير أهلها من السنة والبالغ عددهم نحو ربع مليون نسمة.

"مخطط خبيث"

وبخصوص الإجراءات التي تقوم بها وزارة التخطيط الحالية، لا سيما عملية الإحصاء والحصر، فقد حذرت مصادر سياسية عراقية مطلعة من "مخطط خبيث" تعمل عليه بعض مفاصل الوزارة في اقتطاع مناطق مدن ذات غالبية سنية وإلحاقها بأخرى شيعية.

وأكدت المصادر السياسية لـ"الاستقلال" أنه "جرى خلال عملية الإحصاء والحصر، اقتطاع أجزاء كبيره من بعض المدن وإضافتها إلى مناطق أخرى، ومنها اقتطاع أجزاء كبيره من مناطق اليوسفية".

ولفتت إلى أن "ما اقتطع من منطقة اليوسفية (ذات الغالبية السنية)، هي جزء من مقاطعة 12 (مكيطيمة) وجزء من مقاطعة 15 (الرضوانية الشرقية) ومقاطعة 13 (الكشل الأميري) وجزء من مقاطعة 14 (أبو حصوة)، وجرى إضافتها حاليا إلى منطقة المعالف التابعة إلى منطقتي العامل والبياع (ذات الغالبية الشيعية)". 

وأكدت المصادر أن "سندات الأراضي للمقاطعات هذه، تعود إلى منطقة اليوسفية، وحتى سجلات القيد (النفوس) وبطاقة التموين مسجلة في المنطقة ذاتها، ولكن الترقيم الجديد التابع للتعداد السكاني، أضافها إلى منطقتي البياع وحي العامل". 

وأوضحت أن "كل المناطق شمال طريق الخط السريع القادم من جنوب باتجاه العاصمة بغداد، وهي مناطق ذات غالبية سنية، جرى اقتطاعها وإضافتها إلى منطقة سويب (ذات الغالبية الشيعية)".

وأشارت المصادر إلى "اقتطاع أجزاء كبيرة من منطقة أبو غريب غرب بغداد (غالبية سنية) وإضافتها إلى مدينة الشعلة (غالبية شيعية)، وجرى الشيء نفسه مع مدينة التاجي (غالبية سنية)".

وبينت أن "التمثيل السني سيكون طبقا للأغلبية في المناطق، وحسب التعداد السكاني لها، فعلى سبيل المثال إذا اقتطع نحو 47 ألف نسمة من اليوسفية وهي تستحق أصلا مقعدين في البرلمان، فإن استحقاقها في مرحلة ما بعد التعداد سيخصص لها مقعد واحد".

وأردف: "الأمر الآخر، إذا كان التعداد الحقيقي لمدينة أبو غريب يشكل حاليا 680 ألف نسمة، فإنه بعد الاقتطاع يكون 340 ألفا، ويكون استحقاقه 4 مقاعد برلمانية بدلا من 7 مقاعد، ويذهب استحقاقها المقتطع إلى مدينة الشعلة، والتي سيكون لها 5 نواب بدلا من واحد".

وحذرت من أن "الاقتطاع السكاني ستكون له تداعيات مالية لكل وحدة إدارية، لأن الأموال تخصص حسب تعداد هذه الوحدات، وأن توزيع المشاريع والوظائف والتمثيل البلدي يكون على حسب النسب السكانية لكل وحده إدارية، طبقا للدستور". 

وكشفت المصادر ذاتها أن "عدد المجنسين في العراق من الإيرانيين، والأكراد يصل إلى ما يقارب الخمسة ملايين"، مع دعوة "محمد تميم وزير التخطيط الحالي، القيادي في حزب (تقدم) السني، إلى التدخل وإيقاف هذه الخروقات الخطيرة، والمخطط الخبيث للتغيير الديمغرافي".

تزييف مستمر

وطالما، أعربت القوى السياسية السنية في العراق عن اعتقادها أنه ثمة أبعادا طائفية وراء تأخر إجراء التعداد السكاني بعد عام 2003، إذ سبق أن طالب النائب السني السابق محمد الكربولي، بإجراء تعداد سكاني يذكر فيه اسم الطائفة من أجل بيان النسب الحقيقية للمكونات.

وقال الكربولي، خلال مقابلة تلفزيونية في 8 أغسطس/آب 2021، إن "نسبة الجمهور السني اجتماعيا يبلغ من 35-40 بالمئة، ومن لا يرضى بهذا الكلام فعليه أن يعمل تعدادا سكانيا وليكتب الطائفة سنة وشيعة، فلا توجد لدينا مشكلة في هذا".

وشدد النائب السابق على ضرورة أن "يكتب في التعداد السكاني أن الأكراد أنهم قومية كردية سنية"، مشيرا إلى أن "السنة العرب نسبتهم 40 بالمئة من دون الأكراد، وإذا احتسبوا معهم ترتفع النسبة من 55 إلى 60 بالمئة".

وفي هذه النقطة تحديدا، يقول الباحث في الشأن العراقي، حسين صالح السبعاوي، إن "الولايات المتحدة وعلى لسان رئيسها الأسبق جورج بوش الابن هي من أوجدت رواية أن الشيعة غالبية في العراق، حينما صرح عام 2003 أن عددهم من 60 إلى 67 بالمئة من سكان البلد".

وأكد السبعاوي في حديث سابق "الاستقلال" نشر في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 أن "النسب السكانية في العراق حسب الإحصائيات الرسمية إلى ما بعد عام 2003 كلها كانت تشير إلى وجود أغلبية سنية".

وأوضح الباحث أنه "في آخر إحصائية جرت عام 2003، فإن نسبة العرب السنة 42 بالمئة، والشيعة 41 بالمئة، والأكراد (غالبيتهم سنة) 13 بالمئة، والأقليات 4 بالمئة".

وأشار إلى أنه "في عام 2004، وهذا بعد الاحتلال الأميركي وإسقاط النظام السابق، أحصت وزارة التخطيط بالتعاون مع وزارة التجارة سكان العراق وكانت السُنة 52 بالمئة، ومع أنه أول تلاعب بالنسب السكانية، لكنهم بقوا أغلبية، رغم أن وزير التخطيط حينها هو مهدي الحافظ (شيعي)".

ولفت السبعاوي إلى أن "الإحصائيات التي لا تستند إلى أي دليل علمي ومستند قانوني جعلت من الشيعة أكثر من 60 بالمئة، وفجأة تناقصت نسبة السنة إلى أقل من 20 بالمئة بعد تقسيم السنة إلى أكراد وعرب، ومع هذا التقسيم يبقى السنة العرب أكثرية".

وكان مقررا أن يجري تعداد شامل في العراق عام 2007، لكنه تأجل منذ ذلك الحين لأسباب مجهولة ولم تستطع الحكومات المتعاقبة  إجراءه، غير أن الحكومة الحالية طالبت أخيرا بتمويل لإجرائه، ما أثار ردود الفعل الغاضبة من جديد.

وسعت الحكومات المتعاقبة منذ عام 2005 إلى إجراء التعداد السكاني، لكنها عزت الأسباب إلى أن الأوضاع السياسية والأمنية غير المستقرة حالت دون ذلك، إضافة إلى أن حكومة مصطفى الكاظمي عام 2021 تذرعت بالعجز المالي في عدم الشروع في التعداد.