تداعيات إبادة غزة.. لماذا قد تلحق ألمانيا بإسرائيل أمام "العدل الدولية"؟

9 months ago

12

طباعة

مشاركة

موقف جديد للتاريخ، وفي ثاني دعوة أمام محكمة العدل الدولية بسبب دعم الإبادة الجماعية في قطاع غزة، بعد الدعوى التي قدمتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في 26 يناير/كانون الثاني 2023، طالبت نيكاراغوا بمحاكمة ألمانيا بتهمة "دعم إبادة غزة".

نيكاراغوا أعلنت في الدعوى الرسمية الجديدة المقدمة لمحكمة العدل الدولية مطلع مارس/آذار 2024 أن برلين تسهل ارتكاب جريمة "إبادة جماعية" في غزة، بسبب مساعداتها العسكرية إلى إسرائيل ولذلك تطالب بمحاكمتها.

كما طالبت نيكاراغوا في دعواها، أن تأمر المحكمة الدولية من برلين بوقف مساعداتها لإسرائيل كـ"إجراء طارئ"، لأنها تنتهك اتفاقية منع الابادة في غزة بهذه الأسلحة المقدمة لإسرائيل.

وطلبت ألمانيا بـ"العمل على ضمان عدم استخدام الأسلحة التي تم تسليمها بالفعل إلى إسرائيل لارتكاب جرائم إبادة جماعية".

دعم متعدد
 

وأكدت محكمة العدل الدولية، أن نيكاراغوا تقدمت بالفعل بدعوى للمحكمة التابعة للأمم المتحدة ضد ألمانيا، لتقديمها مساعدات مالية وعسكرية لإسرائيل، ولتوقفها عن تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

وكانت ألمانيا من بين 16 دولة أوقفت تمويلها للأونروا في أعقاب مزاعم إسرائيلية بأن 12 من موظفي الوكالة متورطون في عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وتسببت هذه الدعوى الثانية ضد ألمانيا بعد إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية في فلسطين، في إطلاق نشطاء عرب تساؤلات غاضبة حول متى تتدخل الدول العربية وتقاضي إسرائيل؟ وسط تساؤلات عن التراخي العربي وعده تواطؤا واضحا.

PRESS RELEASE: #Nicaragua institutes proceedings against #Germany and asks the #ICJ to indicate provisional measures https://t.co/RtdImbNben pic.twitter.com/UdsKZmDdxS

— CIJ_ICJ (@CIJ_ICJ) March 1, 2024

وفي 12 يناير 2024، أعلنت ألمانيا دخولها كطرف ثانٍ للدفاع عن إسرائيل في محكمة العدل الدولية، ضد دعوى جنوب إفريقيا، فتصدت لها ناميبيا، ودخلت ضدها في المحكمة الدولية.

ناميبيا، التي رفضت دعم ألمانيا لإسرائيل ضد تهمة الإبادة الجماعية للفلسطينيين، عدت الدعم الألماني "استمرارا لممارسات برلين الاستعمارية"، وذكرتها بما فعلته من إبادة جماعية حين كانت تستعمرها في القرن العشرين.

ورغم فضح ناميبيا وقوف ألمانيا مع الإبادة الجماعية، وقيامها ضدها بأول إبادة جماعية في القرن العشرين، حين ارتكبت أعمال قمع وحشية ومجازر ضد الآلاف من قبائل "الهيريرو" و"الناما"، ورأت أن وقوفها مع إسرائيل في جرائمها يعد "استمرارا" للجرائم الألمانية.

عاودت ألمانيا دعمها لإسرائيل سياسيا وعسكريا بمدها بالسلاح وبحرمان الفلسطينيين من الغذاء عبر وقف تمويل منظمة أونروا الدولية، ما استدعى هذه المرة تدخل نيكارغوا ضدها أيضا.

نيكاراغوا اتهمت برلين في الدعوى الجديدة – كمتهمة ثانية بجانب إسرائيل في إبادة غزة- بـ"انتهاك" اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لسنة 1948، والتي وقعت عليها ألمانيا، فضلا عن عدم التزامها بقواعد القانون الدولي العرفي واتفاقيات جنيف لعام 1948.

وقالت: "بتصرفاتها وفشلها في التصرف، فشلت ألمانيا في الوفاء بالتزاماتها كطرف في العديد من الاتفاقيات المتعلقة بقانون النزاعات المسلحة واتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، فضلا عن التزاماتها بموجب قواعد القانون الدولي العرفي".

وحسب الدعوى التي تقدمت بها نيكاراغوا، فـ"كل طرف من الأطراف المتعاقدة في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها مطالب بموجب هذا الصك ببذل كل ما في وسعه لمنع ارتكاب الإبادة الجماعية".

وقالت في الملف القانوني الذي قدمته إن "خطر وقوع ضرر لا يمكن إصلاحه والحاجة الملحة لحماية حقوق الشعب الفلسطيني، وخاصة في قطاع غزة، أمر معروف جيدا وقد حددته المحكمة في أمرها الصادر في 26 يناير 2024".


 

وتتهم نيكاراغوا ألمانيا بانتهاك هذه المعاهدة وذلك من خلال تقديم الدعم السياسي والمالي والعسكري للكيان الإسرائيلي، ووقف تمويل وكالة "الأونروا".

وأوضحت محكمة العدل الدولية، في بيانها، أن نيكاراغوا طلبت إصدار إجراءات مؤقتة تلزم ألمانيا بتعليق مساعداتها لإسرائيل واستئناف تمويل الأونروا "بوصفها مسألة ملحة للغاية".

وتعد ألمانيا واحدة من أكبر مصدري الأسلحة إلى إسرائيل إلى جانب الولايات المتحدة.

ورغم أن المحاكم أو الحكومات في 5 دول أوروبية علقت تصدير السلاح وقطع الغيار لإسرائيل، امتثالا لقرارات العدل الدولية، ترفض برلين وقف تسليح إسرائيل.

وانتقد حقوقيون الارتفاع الكبير في صادرات الأسلحة الألمانية لإسرائيل، بعدما كشفت وكالة الأنباء الألمانية أن الأذونات التي أصدرتها حكومة برلين لصادرات الأسلحة إلى إسرائيل قُدرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 بمبلغ 303 ملايين يورو.

وهو ما يقرب من "عشرة أضعاف" صادرات الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل عام 2022، والتي كانت 32 مليون يورو فقط، بحسب التلفزيون الألماني في 8 نوفمبر 2023

وتستند دعوى نيكاراغوا إلى القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا والتي تتهم إسرائيل بـ"انتهاك القوانين الدولية المتعلقة بالإبادة الجماعية"، وهو ما نفته إسرائيل، وتشير نيكاراغوا إلى حكم المحكمة في تلك القضية الذي يأمر إسرائيل بـ"اتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية في غزة".

ماذا بعد؟

عندما يُطلب اتخاذ تدابير طارئة، تحدد محكمة العدل الدولية عادة موعدا لجلسة استماع خلال أسابيع من رفع القضية، كما حدث في حالة قضية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل.

وتستند قضية نيكاراغوا إلى "قضية منفصلة" رفعتها جنوب إفريقيا في ديسمبر/كانون الأول 2023 واتهمت إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وفق التلفزيون الألماني مطلع مارس/آذار 2024.

وكانت نيكاراغوا أكدت في الدعوى المرفوعة أمام المحكمة الدولية، أن ألمانيا تسهل ارتكاب جريمة "إبادة جماعية" في غزة، بسبب مساعداتها العسكرية إلى إسرائيل، التي تتهمها جنوب إفريقيا أيضا بارتكاب "إبادة جماعية" في عدوانها على غزة، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 30 ألف مدني.

أيضا سبق لنيكاراغوا تقديم طلب لمحكمة العدل الدولية في 11 فبراير/شباط 2024 للانضمام إلى جنوب إفريقيا في دعواها التي رفعتها ضد إسرائيل وتتهمها فيها بارتكاب إبادة جماعية في غزة، ما يعني أنها ستترافع ضد ألمانيا وإسرائيل بتهمة الإبادة للفلسطينيين.


 

وذكرت المحكمة حينئذ، في بيان، أن نيكاراغوا يعد سلوك إسرائيل "انتهاكا لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها".

ولوحت عدة دول أخرى بإمكانية التدخل في دعوى الإبادة الجماعية في غزة، لكن أيا منها لم تفعل ذلك بصورة رسمية إلا نيكاراغوا.

وأحكام محكمة العدل الدولية ملزمة قانونا، لكن المحكمة ليس لديها آلية تنفيذ، ما يثير شكوكا حول من يجبر الاحتلال أو ألمانيا على وقف الإبادة والمشاركة فيها.

وقالت منظمتا العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش أواخر فبراير/شباط 2024 إن "إسرائيل تتجاهل الأمر المؤقت لمحكمة العدل الدولية من خلال الحد من المساعدات الإنسانية لغزة".

دلالات الدعوى 

هذا التطور يشير إلى أن العدوان على غزة سيتسبب في معاقبة العديد من البلدان الغربية المتورطة في دعم إسرائيل بالسلاح ومن ثم تشاركها في جريمة الإبادة التي تحاكم بموجبها وفق دعوى جنوب إفريقيا أمام العدل الدولية.

كما تشير إلى انتفاضة عالمية وخاصة من جانب قارتي إفريقيا وأميركا اللاتينية، حيث أغلب دولها تنتقد إسرائيل بالتبعية بوصفها ولاية أميركية استعمارية.

سياسيون وقانونيون يرون أن هذه التحركات من جانب دول العالم الثالث "مؤشر جيد" للاستفادة من الأدوات الدولية المتاحة لمحاكمة القتلة الاستعماريين، حتى ولو لم تنته بإدانات إجرائية بحكم سيطرة الغرب على هذه المحاكم.

لكن المحاكمة في حد ذاتها فرصة لفضح ازدواجية المعايير في الغرب وكشف التضليل.

محللون ونشطاء أفارقة انتقدوا ألمانيا، وقالوا إنها بتاريخها "الدموي" والمُشبع بالإبادات الجماعية، تتبنى حاليا دورا يمكن وصفه بـ"العهر السياسي والقانوني" لإسرائيل. 

وعدوا نزول ناميبيا الحلبة ضدها هي وإسرائيل رسالة تستهدف تذكيرها بأن شعورها بالذنب تجاه المحرقة، يجب ألا يكون سببا لدعمها الاحتلال الصهيوني في تنفيذ إبادة جماعية ضد شعوب أخرى، كالشعب الفلسطيني.

وأكدت نيكاراغوا في الدعوى المرفوعة أمام المحكمة الدولية، أن ألمانيا تسهل ارتكاب جريمة "إبادة جماعية" في غزة، بسبب مساعداتها العسكرية إلى إسرائيل، التي تتهمها جنوب إفريقيا أيضا بارتكاب "إبادة جماعية" في عدوانها على غزة، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 30 ألفا من المدنيين.

ورغم مرور أكثر من شهر على قرارات العدل الدولية لإسرائيل، قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بفلسطين، فرانشيسكا ألبانيز، إن إسرائيل تنتهك أوامر محكمة العدل الدولية بشأن قطاع غزة.

وذكرت ألبانيز في 2 مارس، أن إسرائيل انتهكت القرارات الصادرة عن محكمة العدل الدولية والتي تطالبها باتخاذ الخطوات اللازمة لحماية حقوق الفلسطينيين، وتجنب جميع الإجراءات التي يمكن أن تشكل جريمة إبادة جماعية.

وأوضحت المقررة الأممية أن محكمة العدل الدولية "قضت بوجوب امتناع إسرائيل عن جميع الأعمال التي يمكن أن تشكل جريمة إبادة جماعية".

وسبق أن عزا المستشار الألماني أولاف شولتز، دعمهم غير المشروط لإسرائيل بعد 7 أكتوبر 2023 إلى "مسؤولية بلاده التاريخية عن المحرقة بحق اليهود في فترة النازية".

صورة منتشرة لخريطة تقسم ألمانيا إلى قسمين: الأول لإسرائيل والثاني لألمانيا، ومكتوب عليها "حل الدولتين"، وهذا بسبب دفاع ألمانيا عن إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية. https://t.co/ZSqeZQ6eYf

— عمار علي حسن Ammar Ali Hassan (@ammaralihassan) January 13, 2024

ودفع هذا نشطاء للسخرية من ألمانيا بنشر خريطة تقسم ألمانيا إلى قسمين، الأول لإسرائيل والثاني لألمانيا، ومكتوب عليها "حل الدولتين"، ليقولوا ضمنا للألمان: "خذوا إسرائيل عندكم طالما تدافعون عنهم بهذه الحرارة".