"تبطين الترع" نموذجا.. هكذا أصبحت مشروعات السيسي خطرا على الأمن القومي

9 months ago

12

طباعة

مشاركة

خلال مؤتمر جماهيري أقامه رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي في 27 سبتمبر/ أيلول 2021، وصف مشروع تبطين الترع بـ"القومي"، ما جعل نقده أو معارضته بمثابة "خيانة" لدى أجهزة الأمن والإعلام. 

لكن حجم الإخفاق الذي ظهر خلال تنفيذ المشروع، والحصاد "المر" الذي بدأ يتجلى من ورائه، جعل خبراء ونقاد يفردون عوامل الفشل، فضلا عن تحول المشروع "القومي" إلى خطر قومي على البلاد.

بدأ بغتة 

في 6 فبراير/ شباط 2024، كتب الروائي المصري "عزت القمحاوي" مقالة عن الأضرار الناجمة التي بدأت تظهر نتيجة مشروع "تبطين الترع" الذي حسب وصفه "بدأ بغتة" عام 2020. 

وقال: "ظهر حاليا أن تبطين الترع بلا جدوى في توفير المياه، ببساطة لأن الأرض الطينية قليلة التسريب، والأكثر أهمية أن ما يتسرب لا يضيع، بل يبقى خزانا جوفيا يمكن السحب منه". 

وأضاف: "لكن المضار البيئية مؤكدة؛ فالتبطين تسبب في جز الأشجار التي تظلل مجاري الماء فتقلل البخر".

وأتبع: "كذلك ضرب الثروة السمكية في الترع، وأصبحت الخرسانة خطرا على البهائم التي اعتادت النزول للشرب من الترع الطينية".

وأوضح: "بعد التبطين لن يعود هناك مجال لسقاية البهائم في الحقول، فليست هناك صنابير لتشرب منها".

ومضى يقول: "اختفاء الظل من فوق الجسور سيجبر الفلاح على زراعة شجرة ظل في طرف حقله لتظليل بهائمه. وأما السوء الذي سيبقى، وسيذكِّر دائما بسوء التدبير، فهو خطورة التبطين على حياة البشر، وخصوصا الأطفال الذين يشاركون في العمل دائما بالريف".

واختتم: "كان يجب قبل البدء في المشروع أن يستدعي نِقاشا موسعا لخبراء الري، ومدرسة الري المصرية هي الوحيدة المستمرة عبر عشرة آلاف عام، وكان من الواجب أن يتصدر رجالها المشروع قبل الإقدام على رمي كل هذه الخرسانة في ترع الدلتا والصعيد". 

وبحسب الموقع الرسمي لـ "رئاسة الجمهورية المصرية"، بدأت وزارة الري المصرية في نهاية 2020 تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع المخطط لتبطين الترع.

وكان مقررا أن يتم المشروع على مرحلتين، تشمل تأهيل ترع بإجمالي 20 ألف كيلو مترا في 20 محافظة، على أن ينتهي المشروع بالكامل عام 2024.

ويستهدف المشروع خفض 15 إلى 19 مليار متر مكعب من المياه التي يتم هدرها في الشبكة المائية على طول مجرى النيل، من الموارد المائية سواء من نهر النيل أو من الأمطار أو المياه الجوفية أو المعالجة.

وقدرت التكلفة الأساسية للمشروع بـ 80 مليار جنيه وفق تصريحات السيسي عام 2021. 

مشاكل وأخطاء 

بعد أقل من عامين على إطلاق المشروع وتسلم وزارة الري للترع المؤهلة بدأت تتكشف العيوب والأزمات.

ففي 13 فبراير/ شباط 2023، مثل وزير الري المصري هاني سويلم أمام البرلمان، للنظر في شكاوى تتعلق بظهور شروخ في ألواح الخرسانة واختلاف أطوالها بعد أسابيع من انتهاء تأهيلها. 

إضافة إلى تراكم القمامة في عدد من الترع، وانخفاض منسوب المياه في بعضها الآخر، ما يصعب من وصول المياه إلى الأراضي الزراعية.

واعترف الوزير في الجلسة بوجود مشكلات فنية وتقنية في مشروع تبطين الترع. 

وزاد على ذلك بالقول: "لا يمكن تبطين كل هذا الكم الترع المرصودة بالخرسانة، لأنه إهدار للمال العام، ولكن الأهم أن تقوم الترعة بوظيفتها". 

يذكر أنه من بين طلبات الإحاطة التي واجهها الوزير، ما قدمته النائبة البرلمانية هالة أبو السعد.

حيث أوضحت أن مشروع تبطين الترع أضر ببعض المنازل في عدد من القرى بسبب عدم وجود وسيلة للصرف الصحي ما أدى لتخزينها أسفل المنازل التي تصدع بعضها، وطالبت بإيجاد حل سريع لتلك المشكلة.

وكان المتحدث باسم وزارة الري محمد غانم قد أقر بوجود أخطاء فنية وإهمال في مناطق بعينها.

وأوضح لصحيفة "المصري اليوم" في 17 يناير/ كانون الثاني 2023، أنه جرى إحالة بعض المسؤولين والمشرفين على المشروع للتحقيق لمعاقبة المخطئ.

 

"لا يؤمن بالدراسات"

هذا الكم من الإخفاق في مشروع "تبطين الترع" الذي أعلن عنه كمشروع قومي، أعاد للأذهان فكرة عدم إيمان السيسي بضرورة دراسات الجدوى. 

ففي ديسمبر/ كانون الأول 2018، أطلق مقولته الشهيرة عن عدم لجوئه لدراسات الجدوى وإنه ما كان ليحقق 25 بالمئة من مشروعاته لو التزم بها، وتتوالى المواقف التي تؤكد خطأ مقاربته في "عدم جدوى دراسات الجدوى".

ومن أبرز أمثلة الإخفاق "مجمع الإنتاج الحيواني" بمحافظة بني سويف، الذي افتتحه السيسي  في 25 ديسمبر 2019، على مساحة 458 فدان بطاقة استيعاب 18 ألف رأس من الماشية.

لكن المجمع أغلق بالكامل بعد أقل من ثلاث سنوات من افتتاحه باستثناء جزء يعمل في التغليف، بعدما تكبد خسائر فادحة. 

كذلك في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، افتتح السيسي المرحلة الأولى من مشروع بركة غليون للاستزراع السمكي بتكلفة 14 مليار جنيه على مساحة أربعة آلاف فدان.

وكان الهدف سد الفجوة الغذائية من الأسماك على أن يدير المشروع الشركة الوطنية للثروة السمكية التابعة لجهاز الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة.

واستهدف أن يكون المشروع على مرحلتين تنفذهما شركة "إيفرغرين" الصينية والمتخصصة في الاستزراع السمكي.

بحيث يضم المشروع 1359 حوض أسماك في المرحلة الأولى كل حوض بطاقة تسعة آلاف طن سنويا، لكن بعد خمس سنوات من افتتاح المشروع لم يتجاوز الإنتاج الألف طن من التسعة المخطط لها.

العاصمة الإدارية 

لكن سيظل المثل الأكبر على الإخفاق هو مشروع "العاصمة الإدارية الجديدة".

ففي 13 مارس/ آذار 2015، أطلق السيسي مشروع "العاصمة الإدارية" بمساحة إجمالية تصل إلى 170 ألف فدان بين إقليم القاهرة الكبرى وقناة السويس.

مخططا لأن تكون تلك المدينة، مقرا للبرلمان والرئاسة والوزارات الرئيسة، وكذلك السفارات الأجنبية ويتضمن المشروع أيضا متنزها رئيسا ومطارا دوليا.

وفي ظل تأزم الوضع الاقتصادي للدولة، أعلنت الحكومة وقتها أن تكلفة العاصمة الجديدة، تصل إلى نحو 45 مليار دولار.

تضم العاصمة مجمع أديان بداخله مسجد الفتاح العليم على مساحة 250 ألف متر مسطح، ويتسع لنحو 12 ألف مصل، لكنه وسط صحراء جرداء، وبعيد عن أماكن العمران.

تكتمت الحكومة عن ذكر تكلفة المسجد لكنها تأرجحت بحسب تقارير غير رسمية ما بين 400 مليون ومليار جنيه مصري.

ومن المشروعات التي أثارت جدلا داخل تلك المدينة، عمل نهر صناعي، تحت مسمى "النهر الأخضر" بتكلفة تصل إلى 35 مليار جنيه وفق بيانات وزارة الإسكان. 

أما عن وهم التسويق لأن تكون عاصمة السيسي، بديلا للقاهرة، وأن تكون مدينة من طراز عالمي، فقد بددتها المشكلات والأزمات التي تعصف بالمشروع.

ففي ديسمبر/ كانون الأول 2019، كشف يزيد صايغ الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط أن شركة "إعمار الإماراتية" انسحبت من العاصمة الإدارية بمصر، لأن الجيش أصر على الحصول على نسبة من الأرباح لم تقبل بها.

وأورد صايغ خلال تقريره "أولياء الجمهورية: تشريح الاقتصاد العسكري المصري"، أن "عبد الفتاح السيسي لم يستطع إجبار شركات دولية كبرى على قبول شروطه للعمل في العاصمة الإدارية الجديدة".

فيما قال ديفيد سيمز مؤلف كتاب "أحلام الصحراء المصرية"، عن مشروع العاصمة الإدارية، "أن يكون لديك جيش من العمال وكثير من الآلات في مشروع يزيلون تلال الرمال فهذا أمر.. لكن أن يكتمل المشروع بصورته النهائية فهذا أمر آخر".

ولم يتحمل الاقتصاد المصري المتأزم تلك التكاليف الهائلة للعاصمة الإدارية، فلجأت الدولة إلى حلها الأثير، وهو الاقتراض،

في 28 أبريل/ نيسان 2019، حصلت الحكومة على قرض من بنك إكزيم بقيمة 1.2 مليار دولار.

وفي نفس اليوم أعلن وزير الإسكان المصري، من العاصمة الصينية بكين، عن توقيع اتفاقية قرض تمويل تصميم وإنشاء منطقة الأعمال المركزية في العاصمة الإدارية، مع مجموعة من البنوك الصينية الممولة للمشروع بقيادة بنك ICBC، بإجمالي 3 مليارات دولار.

كما سبق وقدمت 3 بنوك ألمانية تمويلا بقيمة 4.1 مليارات يورو، للحكومة، بغرض إنشاء 3 محطات كهربائية، تعمل بنظام الدورة المركبة، داخل العاصمة الجديدة.

 

المصريون يدفعون الثمن 

وفي 29 ديسمبر 2023، نشر موقع "الحرة" الأميركي تقريرها عن إهدار النظام المصري لمليارات الدولارات في مشروعات بلا جدوى.

وقال: "يمكن للسيسي أن يدعي أنه وحكومته لا يتحملان المسؤولية عن الأزمة العالمية التي هزت الاقتصاد المصري".

لكن عندما يوجه مبالغ ضخمة لمشاريع باهظة مثل العاصمة الإدارية الجديدة التي تقدر تكلفتها بـ85 مليار دولار، أو مشاريع الكهرباء والقطارات وتوسيع مترو الأنفاق بتكلفة مليارات الدولارات.

فلا عجب أن المستثمرين والمؤسسات المالية متشككون وقلقون من أن مصر لن تكون قادرة على سداد مدفوعات ديونها، والتي توشك على الوصول إلى 95 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. 

وفي حديثه لـ"الاستقلال" قال الباحث الاقتصادي أحمد يوسف: "المصريون يدفعون وحدهم ثمن مشروعات السيسي الفاشلة، سواء من ناحية الاقتصاد أو من الناحية التنموية، فهي مشروعات بلا طائل من جميع الاتجاهات كـالعاصمة الإدارية والعلمين الجديدة وتبطين الترع وغيرها". 

وأضاف: "هي مبالغ تستقطع من ميزانية الدولة ومن أموال المصريين، تحت غطاء الاستثمار في البنية التحتية وبناء الجمهورية الحديثة كما يروج الإعلام"، مشيرا إلى أن "تلك الإستراتيجية المتبعة منذ صعود السيسي عام 2014، التهمت موارد مصر المالية وأثقلتها بديون ستدفع لأجيال قادمة".