نجل حفتر في تركيا.. تبادل مصالح أم رد على تجاهل مصر والإمارات؟

12

طباعة

مشاركة

بعد دعوات سابقة من اللواء المتمرد في شرق ليبيا خليفة حفتر، لمقاومة "الاحتلال التركي" وطرده من البلاد، وصل نجله "بلقاسم" إلى أنقرة والتقى مسؤوليها لبحث التعاون معهم.

ففي 25 يوليو/تموز 2024 وصل "بلقاسم حفتر" إلى العاصمة التركية أنقرة، والتقى وزير الخارجية هاكان فيدان، وذلك بعد 5 سنوات من العداء بين الطرفين.

وبدأ العداء منذ تدخل تركيا لدعم جيش حكومة طرابلس وقتها المعترف بها دوليا بطائراتها المسيرة (بيرقدار) ضد قوات حفتر عام 2019، وكانت سببا في هزيمتها.

ولكن يبدو أن اللقاء الجديد، يعكس رغبة كل من تركيا وأطراف متمردة في ليبيا، خاصة قوات حفتر، في تحسين العلاقات الثنائية وتجاوز الخلافات السابقة، بحثا عن مصالح مشتركة.

بلقاسم، الذي جرى تعيينه في منصب مدير "صندوق إعمار ليبيا"، أعلن عن توقيع عدة اتفاقيات مع تركيا تتعلق بالإعمار، بعدما أبرم اتفاقا مماثلا مع مصر عبر إبراهيم العرجاني، الرجل المقرب من الجيش ويدير أعماله في سيناء ومعبر رفح.

وبحسب البيان الذي نشره "صندوق إعمار ليبيا" ناقش بلقاسم نجل حفتر مع فيدان "سبل تطوير التعاون الثنائي بين البلدين".

وجاء وصوله إلى تركيا، في توقيت يشهد فتورا في العلاقات بين داعمي حفتر في مصر والإمارات تجاهه.

أهداف الزيارة

الباحث المصري المتخصص في الشأن الليبي، "علاء فاروق"، أوضح لـ "الاستقلال" أن زيارة بلقاسم حفتر إلى تركيا تأتي في إطار الانفتاح المتبادل بين الجبهتين.

أكد أن هذه الخطوة تتويج لمحاولات تجري منذ أكثر من عامين "لإيجاد ارضية مشتركة وتعاون بين أنقرة والشرق الليبي، بعد قطيعة لأكثر من 5 سنوات متتالية، بدلا من التصادم".

"فاروق" ذكر أن هذه الخطوة تحمل في طياتها الظاهرية تعاونا اقتصاديا خاصة في مشروعات إعادة إعمار المدن المتضررة من إعصار دانيال الأخير، ومشاركة الشركات التركية في هذا الملف ذي الميزانيات الضخمة والذي يشرف عليه مباشرة بلقاسم حفتر.

لكنه نوه إلى أن "الزيارة أيضا لها أبعاد وأهداف سياسية خاصة في ملف تشكيل حكومة ليبية جديدة موحدة تدير العملية الانتخابية".

وألمح إلى احتمال أن يكون هناك تنسيق بين أنقرة ومعسكر الشرق الليبي خاصة عائلة حفتر الحاكمة، بشقيها المدني والعسكري.

وذلك لضمان أن يكون لأنقرة نفوذ وتعاون وتحييد للحكومة القادمة خاصة لو كانت ميولها "شرقية"، أي تضم وزراء لهم ولاء لشرق ليبيا وحفتر.

لكن عضو مجلس الدولة الاستشاري "محمد معزب"، استبعد انعكاس زيارة بلقاسم حفتر لتركيا على المشهد السياسي خصوصاً ما يتعلق بتشكيل حكومة جديدة، وفق صحف ليبية.

ويقول الباحث المصري علاء فاروق إن الزيارة تحمل أيضا دلالة من حيث التوقيت، كونها تأتي قبل زيارة وزير الخارجية التركي إلى القاهرة (خلال أغسطس/آب) لبحث التعاون والتنسيق في الملفات العالقة وعلى رأسها ليبيا.

ويرجح أن تتبلور خلال الزيارة رؤية "تركية مصرية" لحل الأزمة في ليبيا، خاصة أزمة السلطة التنفيذية المنقسمة.

أكد أن أنقرة تريد معرفة وجهة نظر حفتر في حل أزمة الحكومة المقبلة والانتخابات، خاصة أن الأخير لا يزال حليفا للقاهرة.

وقال خبير سياسي مصري لـ "الاستقلال" إن أهمية توقيت زيارة بلقاسم لتركيا بعد زيارته مصر، هو أن هناك معالم طبخة جديدة بين القاهرة وأنقرة تنضج معالمها تتعلق بمحاولة جمع الشرق والغرب معا في حكومة واحدة وإجراء انتخابات.

ولم يستبعد "فاروق" أن تكون الزيارة "تعني بداية فك الارتباط بين تركيا وحكومة عبد الحميد الدبيبة وكذلك معسكر الغرب الليبي المدني منه والعسكري نظرا لغياب الزخم الدولي والمحلي عن الأخير".

ويوجد حاليا في ليبيا حكومتان؛ وهي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة، ومقرها العاصمة طرابلس التي تدير منها كامل غرب البلاد.

والثانية حكومة أسامة حماد، كلفها مجلس النواب قبل ثلاثة أعوام ومقرها بنغازي وتدير كامل شرق البلاد ومدن بالجنوب.

وبين فاروق أن الزيارة تأتي في ظل تماهي المجتمع الدولي والبعثة الأممية مع فكرة تشكيل حكومة موحدة وإزاحة الدبيبة".

وقالت صحف ليبية إن حكومة الدبيبة وبقية القوى بالغرب الليبي، منزعجة من زيارة نجل حفتر إلى أنقرة.

المصالح أهم

وأكدت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية 27 يوليو 2024 أن زيارة حفتر أثارت تساؤلات حول تداعياتها على مستقبل العلاقة بين تركيا وحكومة عبد الحميد الدبيبة.

ونقلت عن وكيل وزارة الخارجية الليبية الأسبق "حسن الصغير" اعتقاده أن زيارة بلقاسم أزعجت بالفعل الدبيبة وحلفاءه، وإن عمدوا إلى تجاهل الإشارة إليها بدرجة كبيرة.

أكد أن الزيارة غُلِّفت بإطار اقتصادي، لكنها لا تخلو من أبعاد ومكاسب سياسية تحققت للشرق الليبي.

وقال الباحث المتخصص في الشؤون الليبية  جلال حرشاوي، لموقع "ليبيا برس" إن تقارب تركيا مع بلقاسم حفتر "تقف خلفه أسباب اقتصادية".

أشار في 27 يوليو، إلى أن هناك تنافسا بين الحكومتين المتنازعتين على السلطة في ليبيا حول المخصصات الضخمة لباب التنمية بالميزانية.

ورحب "الحزب الديمقراطي" برئاسة القيادي السابق بجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، محمد صوان، بلقاء بلقاسم حفتر مع وزير الخارجية التركي.

أكد خلال بيان في 26 يوليو 2024 على لسان الأمين العام للحزب، مصطفى البحباح، أن "تركيا تواصل البناء مع الأطراف الليبية في الشرق، لإنهاء الانقسام والمساعدة في بناء ليبيا الموحدة المستقرة".

ويؤكد الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي الليبي، محمود إسماعيل، أن تحركات تركيا نحو الشرق الليبي ومحاولتها كسب ود الجنرال حفتر تعكس مبدأ أن "السياسة هي ركض دائم وراء المصالح".

أوضح لموقع "أصوات مغاربية"، أن تحول لهجة الأتراك في الوقت الراهن "يعكس تغييرات إستراتيجية في علاقات أنقرة مع دول الخليج، لاسيما الإمارات التي تدعم حفتر وأبناءه بقوة".

أشار إلى أن أنقرة "تسعى لتحقيق مصالحها الاقتصادية، خاصة في ظل التقارب بين محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير، وسلطات شرق ليبيا".

شدد على أن تركيا "تسعى لتنفيذ مشاريع في الوسط والشرق والجنوب الليبيين الخاضعين لسيطرة حفتر، إضافة إلى أن أموال الشعب الليبي الخاصة بإعادة الإعمار تقع تحت سيطرة بلقاسم حصراً".

ويؤكد الباحث السياسي التركي مهند حافظ أوغلو أن لقاء بلقاسم حفتر مع وزير الخارجية التركي يعبر عن مصالح إستراتيجية للطرفين.

وأشار في لقاء تلفزيوني إلى ضرورة أن تكون "المصالح الإستراتيجية" مع شرق ليبيا وغربها على حد سواء، وبشكل متوازن في العلاقات.

ورأى أن القفز على الشرق الليبي غير قابل للتحقيق وأنه يجب التعاون معه، مبررا انفتاح أنقرة على التعامل مع حفتر ضمن ما وصفه بـ "التوازن في العلاقات الخارجية".

ولفت إلى أن بلاده ليست مع طرف ضد آخر في ليبيا، ورأى أن الدعم الذي قدمته أنقرة في السابق لغرب البلاد كان لأسباب أمنية.

قال إن حفتر يسعى لمحاصرة حكومة الدبيبة بفتح المجال أمام الشركات التركية للعمل في بنغازي، مما يسمح بحدوث تقارب سياسي واقتصادي أوسع مع أنقرة.

تقارب أنقرة وحفتر

كانت التصريحات التي صدرت من كل من بلقاسم وهاكان 25 يوليو/تموز 2024 تشير إلى أن هذا اللقاء هو حصيلة سلسلة تقارب سابقة.

وقد ذكرت وكالة "الأناضول" التركية في تقرير لها، مطلع يوليو 2024 أن "انفتاحا" بات يحكم العلاقة بين أنقرة والشرق الليبي، مما يمهد الطريق أمام مرحلة جديدة تختلف جذريا عن السابق.

وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان: "لدينا تواصل مع السيد حفتر ونجري مباحثات مع أبنائه ونعمل مع مصر والإمارات وقطر لتحقيق الاستقرار في ليبيا وعلاقتنا معه الآن ممتازة ونسعى لجعل ليبيا موحدة".

وقال وزير الخارجية التركي، قبل يوم واحد من زيارة بلقاسم لتركيا، في تصريحات تلفزيونية، إن "بلاده ترغب في إعادة إحياء دولة ليبيا المستقلة المتحدة التي يتوحد فيها الشرق والغرب"، مؤكدا وجود علاقات مع الجهتين.

وأشار فيدان إلى عدة زيارات أجراها رئيس مجلس النواب في الشرق الليبي، عقيلة صالح إلى تركيا.

وتحدث عن "تواصلات مع السيد خليفة حفتر" وعن محادثات يجرونها مع أبنائه"، وأنه "جرى افتتاح القنصلية التركية في شرق ليبيا"، وبصدد تشغيلها.

وقال بلقاسم حفتر في مقابلة مع قناة "تي في 100" التركية إن لقاءه مع هاكان فيدان كان مفيدا للغاية، مشيرا إلى أنهما ناقشا بشكل شامل التعاون المستقبلي والخطوات التي يتعين اتخاذها بين البلدين، من الناحية التجارية والسياسية.

وبعد شهرين فقط من تعيينه في منصب مدير "صندوق إعمار ليبيا"، في فبراير/شباط 2024 أعلن بلقاسم عن إبرامه اتفاقية مع شركة تركية (سلاحتار أوغلو)، بهدف تنفيذ أعمال صيانة وتطوير المكتبة المركزية لجامعة بنغازي. 

وفي أبريل/نيسان 2024 وقع بلقاسم حفتر عقود عمل مع شركات تركية لتنفيذ عدة مشاريع في مجال المقاولات العامة والتجهيزات والبنية التحتية في مدينة بنغازي، وذلك تمهيدًا لمباشرة أعمالها بالمدينة.

ويُعتقد أن تعاون تركيا مع شرق ليبيا جزء من إستراتيجية أنقرة لتعزيز نفوذها في ليبيا ومن بعدها إفريقيا، حيث تسعى السلطات التركية للاستفادة من علاقاتها مع إفريقيا، بصورة كبيرة لأسباب تتعلق بالتجارة والسلع الخام الرئيسة.

ويري محللون ليبيون وأتراك أن اللقاء يشير لنجاح تركيا في فرض نفوذها في شرق وغرب ليبيا واضطرار حفتر للتعامل معها، وخاصة مع احتمالات إجراء انتخابات قريبا وبهدف إزالة فيتو أنقرة على خليفة حفتر.

كما يأتي في ظل عزوف الإمارات ومصر وتجاهلهم لحفتر في الآونة الأخيرة مما دفعه للتحرك صوب الطرف الفاعل في ليبيا خارجيا وهو تركيا لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.

وقد كان للتقارب التركي مع دول الخليج ومصر، الحليفة للجبهة الشرقية الليبية، أثره في الاقتراب من جبهة شرق ليبيا، بحسب مدير المركز الليبي للدراسات ورسم السياسات، السنوسي بسيكري، في مقال نشره بموقع "عربي 21" 27 يوليو 2024.