تعود لعهد ما قبل ثورة 1979.. ما سر علاقات إيران المستقرة مع إفريقيا؟
"تُدار السياسة الإيرانية تجاه إفريقيا في إطار الانفتاح الذي انتهجه خامنئي"
على عكس الصورة النمطية للسياسة الخارجية الإيرانية المرتبطة بالتوسع الإقليمي عبر المليشيات وأنشطة برنامجها النووي والنزاع مع الغرب، تمتلك إيران سياسة تتمتع بالاستقرار فيما يتعلق بالعلاقات مع إفريقيا، ترجع تاريخها إلى ما قبل نظام ثورة 1979.
ويرى مراقبون أن سياسة "الهدوء والصبر" التي تتبعها إيران مع إفريقيا سمحت لها بتطوير علاقات جيدة مع العديد من الدول الإفريقية في مختلف المجالات، لا سيما على المستوى الدبلوماسي والاقتصادي.
تطور لافت
وفي هذا الإطار، عقد في العاصمة طهران، الملتقى الدولي الثاني بين إيران وإفريقيا، في 26 أبريل/ نيسان 2024، بعد النسخة الأولى التي عقدت قبل عام.
وفي مطلع حديثه في الملتقى، وجه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي رسائل قوية فيما يخص العلاقات الإيرانية الإفريقية.
إذ أكد على أن هذا الملتقى خطوة أولى ترمز إلى إرادة لدى الجانبين بتعزيز العلاقات، بحسب وكالة "إرنا" الرسمية.
وأوضح أن نظرة إيران إلى إفريقيا "تختلف عن نظرة الدول الغربية لها"، لافتا إلى أن "الغرب يريد إفريقيا لنفسه، ولكن إيران تريد إفريقيا للأفارقة".
ووجه رئيسي رسالة إلى المشاركين مفادها بأنه "من المهم جدا بالنسبة لإفريقيا أن تعترف بالتقدم التكنولوجي الذي حققته إيران".
وكان لافتا أن جزءا كبيرا من خطاب الرئيس الإيراني كان يتعلق بالاقتصاد.
وبهذا الشأن، قال رئيسي: "إيران تطمح إلى تشغيل المناجم وإنشاء محطات توليد الطاقة في إفريقيا. والقدرات متوفرة في البلدان الإفريقية، والتكنولوجيا اللازمة لتشغيل ومعالجة هذه المناجم موجودة في إيران".
وشدد على أن "الخبراء الإيرانيين يتمتعون اليوم بالقدرة على بناء المصافي ومحطات الطاقة المتقدمة، وهي قدرة مهمة لتوسيع التعاون الثنائي".
وأضاف رئيسي: "يجب تنفيذ أعمال البنية التحتية الضرورية لتطوير العلاقات، بما في ذلك النقل البحري وتطوير وتعزيز شركات الطيران".
وجاء هذا الملتقى عقب جولة أجراها رئيسي إلى إفريقيا شملت كينيا وأوغندا وزيمبابوي في يوليو/ تموز 2024، في إطار مساعي توطيد العلاقات مع القارة الإفريقية.
الأسباب والوسائل
يقف عدد من الأسباب وراء جهود إيران تجاه إفريقيا، في مقدمتها "رغبتها في تعويض الضرر الاقتصادي الناجم عن الحصار الذي فرضته أميركا وحلفاؤها عليها بسبب نشاطها النووي".
ورغم أن إيران تقيم علاقات تجارية مع العديد من الدول الإفريقية، إلا أن هذه العلاقات لم تصل قط إلى مستوى تغطية خسائر إيران الاقتصادية.
وسبب آخر لمبادرة إيران واهتمامها بإفريقيا هو "الحصول على الدعم التصويتي للدول الإفريقية في المنظمات العالمية، مثل الأمم المتحدة".
وبهذا الشأن، تعمل إيران على ضمان ألا تبقى علاقاتها مع إفريقيا على مستوى العلاقات بين الحكومات فحسب، بل تريد من الشعوب الإفريقية أن تظهر التعاطف والمحبة لإيران.
وفي هذا الصدد، تنفذ إيران عملها تحت عنوانين رئيسين؛ الخطاب المناهض لأميركا والمشاريع الأيديولوجية".
وعند النظر إلى عملية تاريخية واسعة تشمل فترة ما قبل الثورة الإسلامية، نجد أن إيران من بين الدول التي تستخدم القوة الناعمة على أفضل وجه.
لذلك، تعمل إيران على تطوير علاقات اقتصادية وسياسية جيدة مع الدول الإفريقية، وكذلك تحاول أن يكون لها حضور قوي من خلال مؤسسات القوة الناعمة التي تشمل التعليم والمساعدات والدين، وذلك للوصول إلى الشعوب الإفريقية وضمان شكل من العلاقات يجعلها أكثر ديمومة وأثرا.
وفي هذا السياق، توجد إيران في جميع بلدان إفريقيا تقريبا في المساجد والمدارس ومنظمات الإغاثة والمكاتب الجامعية.
حيث تقوم لجنة الإمام الخميني للإغاثة، ومقرها طهران، بأنشطة فعالة في معظم البلدان الإفريقية.
بالإضافة إلى أن جامعة "المصطفى" توفر دورات اللغة الفارسية والتعليم الديني ولها مكاتب مفتوحة في إفريقيا. وتنشط جامعة "المصطفى"، المسؤولة عن نشر المذهب الشيعي والفكر الرسمي للدولة الإيرانية، في جنوب إفريقيا وتنزانيا ونيجيريا وتوغو.
وعلى صعيد آخر، تعمل جمعية الهلال الأحمر الإيراني بنشاط في الجغرافيا الإفريقية، وهي تمتلك مراكز صحية في 14 دولة إفريقية.
التحديات والعقبات
وفي مقابل ذلك، تواجه إيران بعض العقبات في جهودها الرامية إلى تحسين علاقاتها مع الدول والشعوب الإفريقية لتصبح دائمة في المنطقة.
حيث تهدف أنشطة المراكز الثقافية التابعة لجامعة المصطفى إلى "نشر التشيع" في بعض الدول، مما يضغط على هذه المؤسسات.
ولذلك، قرر السودان إغلاق العديد من المراكز الثقافية الإيرانية على أساس أنها تنشر المذهب الشيعي في عهد الرئيس السابق عمر البشير.
علاوة على ذلك، تثير علاقة إيران بالتنظيمات الانفصالية خلال الأزمات التي تشهدها المنطقة قلق بعض الدول.
ومن الأحداث الأخيرة المتعلقة بهذا الأمر علاقة إيران بجبهة البوليساريو التي تدعو إلى استقلال الصحراء الغربية، وهو ما تسبب في قطع العلاقات الدبلوماسية بين إيران والمغرب.
حيث سحب المغرب سفيره من إيران على أساس أن إيران تدعم جبهة البوليساريو من خلال حزب الله اللبناني ودبلوماسييها في الجزائر.
وكان وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، قد زعم في خطابه عام 2021 أن "إيران تغذي عدم الاستقرار في إفريقيا، وخاصة في المغرب، من خلال قواتها الوكيلة".
أما التحدي الآخر الذي تواجهه إيران في إفريقيا يتمثل في "تنافسها مع السعودية والإمارات".
وفي الواقع، يمكن عد المنافسة بين إيران والسعودية والإمارات في الجغرافيا الإفريقية بمثابة استمرار للمنافسة في الشرق الأوسط.
وجدير بالإشارة إلى أن أكبر داعمي السعودية والإمارات في تنافسهما مع إيران هي الصومال والسودان وجيبوتي.
علاقات قديمة
يعود اهتمام إيران بإفريقيا إلى فترة حكم الشاه محمد رضا شاه، إذ بدأت إيران، التي كانت أقوى حليف لأميركا في الجغرافيا الإسلامية خلال الحرب الباردة، في إظهار اهتمامها بالمنطقة في إطار "سياسة أميركا في إفريقيا".
وفي عهد الشاه، كانت إيران أكبر داعم للسياسات الأميركية في الجغرافيا الإفريقية، وذلك لمنع الدول الإفريقية التي حصلت على استقلالها خلال الحرب العالمية الثانية من الوقوع تحت نفوذ الاتحاد السوفيتي، ولمنع الشيوعية من الانتشار في جميع أنحاء المنطقة.
وبعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، اكتسبت سياسة إيران في إفريقيا بعدا مختلفا، حيث بدأت إيران تهتم بالجغرافيا الإفريقية ضمن إطار أكثر أيديولوجية على أساس المذهب الشيعي.
فقام خامنئي بجولة إفريقية شملت موزمبيق وأنغولا وزيمبابوي وتنزانيا في عام 1986، ووقع العديد من الاتفاقيات مع الدول التي زارها في مجالات مختلفة.
كما سعت إيران إلى الوجود العسكري في المنطقة، وفي هذا السياق دعمت عمر البشير بالأسلحة في الانقلاب الذي وقع في السودان عام 1989.
وفي فترتي رئاسة آية الله هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، لم تتغير السياسة الإيرانية تجاه إفريقيا بشكل كبير، لكنها أصبحت أقل زخما ضمن إطار السياسة البراغماتية.
وفي عهد أحمدي نجاد، اكتسبت السياسة الإيرانية تجاه إفريقيا زخما جديدا من خلال إستراتيجية الجنوب-الجنوب التي هدفت إلى تقوية العلاقات مع إفريقيا وأميركا الجنوبية.
في حين يعد عهد حسن روحاني فترة "التجذر الهادئ"، حيث تبنت إيران سياسة إفريقية أكثر هدوءا واستقرارا، على الرغم من أن إفريقيا لم تكن تبدو كأولوية واضحة لإيران.
وفي عهد إبراهيم رئيسي، الذي أصبح رئيسا لإيران في انتخابات عام 2021، ومع وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان الذي شغل منصب نائب وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمدة خمس سنوات في فترة رئاسة حسن روحاني، تُدار السياسة الإيرانية تجاه إفريقيا في إطار الانفتاح الذي انتهجه خامنئي، وسياسة "تصدير الثورة" التي اعتمدها روح الله الخميني .