"تعقد العلاقات".. هل يفرض الغرب عقوبات على جورجيا بسبب قانون "العملاء الأجانب"؟

منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

بعد إقرار قانون “العملاء الأجانب”، أصبحت جورجيا "بين مفترق طرق"، فإما أن تنضم إلى المعسكر الغربي، أو تتجه نحو الحاضنة الروسية.

هكذا يبدو المشهد في البلد الواقع بمنطقة القوقاز جنوب شرق أوروبا وغرب آسيا، وفق ما تقول صحيفة "إزفيستيا" الروسية.

ويعيش المجتمع الجورجي حالة من إثارة الجدل والانقسام عقب إقرار القانون الذي يتطلب من المنظمات غير الربحية ووسائل الإعلام، التي تتلقى أكثر من 20 بالمئة من تمويلها من الخارج، أن تسجل نفسها كـ "عملاء أجانب"، وأن تقدم تقارير مفصلة عن تمويلها.

وأعاد حزب "الحلم الجورجي" الحاكم طرح القانون الذي يقيد عمل المنظمات المدنية المتعاملة مع الجهات الأجنبية، ما أثار احتجاجات واسعة.

ورأى منتقدو القانون والغرب كذلك أنه “تشريع تستخدمه روسيا لإسكات المعارضة”. وقد هدد الاتحاد الأوروبي تبليسي باتخاذ إجراءات ضدها.

وتناقش الصحيفة الروسية الإجراءات الغربية العقابية المتوقعة ضد جورجيا، كما تبرز أيضا وجهة نظر موسكو حيال هذا القانون، متحدثة في ذات الوقت عن خيارات جورجيا للتعامل مع التهديدات الأوروبية.

عقوبات محتملة 

في 3 يونيو/ حزيران 2024، أُسدل الستار على إحدى أكثر القضايا الشائكة داخل جورجيا، لكن رغم ذلك يبدو أن المعركة لم تنته بعد، بل بدأت للتو.

إذ "نجح البرلمان في تمرير قانون العملاء الأجانب المثير للجدل، وقد وافق عليه رئيس المجلس شالوا بابواشفيلي، بعد أن تمكن النواب من التغلب على الفيتو (الاعتراض) الذي فرضته رئيسة البلاد سالوميه زورابيشفيلي".

في المقابل، "أثار القانون موجة انتقادات من المعارضة المؤيدة للغرب والاتحاد الأوروبي". ورصدت الصحيفة ما وصفتها بـ “تناقض التصريحات الأوروبية بشأن فرض عقوبات على جورجيا”.

وأكد كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي في 24 مايو/أيار 2024 أن الكتلة لا تخطط لمعاقبة جورجيا بسبب قانون واحد. 

ولكن بعد 4 أيام، أصدر الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل والمفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، بيانا قالا فيه إن كتلة بروكسل والدول الأعضاء يدرسون جميع الخيارات للرد على تصرفات السلطات في تبليسي. 

وتنقل الصحيفة عن عضو البرلمان الأوروبي إيفان ديفيد اعتقاده بأن "الاتحاد يستعد لفرض قيود على الإعفاء من التأشيرة مع جورجيا، وكذلك على إمكانية انضمام تبليسي إلى الكتلة الأوروبية".

وصرح: "قد يعلق الاتحاد الأوروبي نظام الإعفاء من التأشيرة مع جورجيا وقد لا يجدد وضعها كمرشحة للانضمام إلى الكتلة".

ووفقا للصحيفة، يرى عضو البرلمان الأوروبي إيفان فيليبور سينشيتش أن "الاتحاد لن يتوقف عند هذا الحد، وسيفرض عقوبات شخصية ضد بعض السياسيين الجورجيين".

وقال في حديثه للصحيفة الروسية: "أعتقد أنهم سيفعلون الأمرين معا، كما سيفرضون عقوبات على أشخاص محددين".

وتابع: "قد يحدث هذا قبل نهاية العام 2024، بعد تشكيل المفوضية الأوروبية الجديدة".

واستنكرت الصحيفة موقف الاتحاد الأوروبي من القرار، حيث إنه "يتدخل على نحو متزايد في السياسة الجورجية الداخلية".

ونقلت عن وسائل إعلام غربية نهاية مايو 2024، أنه تجرى مناقشة العقوبات ضد جورجيا في الاتحاد الأوروبي.

وأوضحت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية أن "إلغاء نظام الإعفاء من التأشيرة -الذي أدخل عام 2017- يلقى دعما خاصا من إستونيا وهولندا والتشيك والسويد".

أما مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، فكتبت: “قد يسحب السياسيون الأوروبيون من جورجيا وضع المرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي”.

وأردفت: "إذا لم يُلغَ قانون العملاء الأجانب، لن تؤكد المفوضية الأوروبية وضع تبليسي كمرشحة للانضمام للاتحاد في تقرير توسيع العضوية السنوي في أكتوبر/ تشرين الأول 2024".

وحصلت تبليسي على الضوء الأخضر لبدء مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي نهاية عام 2023.

أميركا وروسيا

وبدورها دخلت الولايات المتحدة الأميركية على خط الأزمة، حيث "هددت بفرض عقوبات على جورجيا بشكل واضح".

ففي 24 مايو 2024، حذر وزير الخارجية أنتوني بلينكن من أن واشنطن بدأت في "مراجعة شاملة" للتعاون الثنائي مع تبليسي.

ثم في 3 يونيو 2024، أعلنت وزارة الخارجية "أن واشنطن تعتزم البدء فورا في فرض عقوبات تأشيرة ضد جورجيا بسبب دخول قانون العملاء الأجانب حيز التنفيذ".

في ذات الوقت، تشير الصحيفة الروسية إلى أن الجانب الأميركي "لم يوضح بعد العقوبات المستقبلية التي قد تُفرض، رغم وجود مشروع قانون لفرض عقوبات شخصية على قادة البلاد في الكونغرس".

"من جهتهم، لا يشعر السياسيون الجورجيون بقلق إزاء القيود الغربية المحتملة"، بحسب ما أفاد به الأمين الدولي لحزب "التضامن من أجل السلام" الجورجي، ماموكا بيبيا، لصحيفة "إزفيستيا".

ويعود ذلك، حسب وجهة نظره، إلى "اهتمامهم الأكبر بجيرانهم، وشركائهم الاقتصاديين الرئيسين، وأكبرهم روسيا وتركيا وأذربيجان وأرمينيا، حيث يأتي معظم السياح إلينا من هناك".

وأضاف: "أعتقد أن جيراننا، خاصة روسيا، سيدعموننا، نحن متفائلون للغاية بهذا".

على الجهة الأخرى، وردا على وصف العديد من وسائل الإعلام الغربية القانون الجورجي الجديد بأنه "قانون موال لروسيا"، تؤكد موسكو مرارا أنها "غير متورطة في هذا الأمر".

وأشارت الصحيفة إلى تصريحات المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف: "هذا ليس عملا روسيا بأي حال من الأحوال، إنه متبع حاليا بشكل طبيعي في العديد من الدول، حيث تعمل هذه الدول جاهدة لحماية نفسها من التأثيرات الخارجية والأجنبية على السياسة الداخلية".

ولفتت إلى أن "المسؤولين في جورجيا يؤكدون أن تبليسي تتبع سياسة عملية واقعية تجاه موسكو، مبنية على الإدراك بأن روسيا هي الشريك الاقتصادي الأساسي".

ويدللون على ذلك بأنها "تحتل المرتبة الثانية بين أكبر شركاء جورجيا بعد تركيا، إذ بلغت قيمة تجارة السلع بين البلدين عام 2023 ما يقدر بـ 2.401 مليار دولار. إضافة إلى أن موسكو تحتل المرتبة الأولى من حيث حجم صادرات تبليسي".

وتسعى تبيليسي كذلك للحفاظ على جاذبية البلاد للسياح الروس، الذين احتلوا المرتبة الأولى في قائمة الزوار عام 2023.

 فقد جاء ما يقرب من ربع السياح إلى جورجيا من روسيا، مما سمح باستئناف الرحلات الجوية المباشرة معها.

أهمية جورجيا

ومن جانب آخر، تكمن أهمية جورجيا للاتحاد الأوروبي بصفتها نقطة عبور مهمة، حيث تمر من خلالها خطوط الأنابيب التي تمد الكتلة بالطاقة من بحر قزوين، بالإضافة إلى ذلك، تعد هذه الدولة في القوقاز مهمة من الناحية الجيوسياسية بسبب قربها من روسيا.

وهو ما جعل الأوروبيين، وفق الصحيفة، "عازمين بشكل واضح على الحفاظ على تأثيرهم في منطقة القوقاز".

ولا يبدو أن تصريحات القيادة الجورجية بشأن محافظة البلاد على سياستها للتقارب مع الاتحاد الأوروبي، طمأنت الأوروبيين، وفق ما ترى الصحيفة.

وأردفت: ماذا لو فشل الغرب في التأثير على الرأي العام، وبقي حزب "حلم جورجيا" الحاكم مسيطرا على السلطة؟.

فبحسب فاديم موخانوف رئيس قسم القوقاز في المعهد الروسي للشؤون الدولية والاقتصادية (IMEMO)، "فإن الحزب الحاكم منذ عام 2012 لديه كل الفرص للفوز من جديد في الانتخابات".

ويوضح الخبير الروسي: "يتميز الحزب الحاكم بامتلاكه قاعدة جيدة بما فيه الكفاية"، إنه يتحكم في البرلمان، وهو ما أظهره اعتماد قانون العملاء الأجانب المثير للجدل".

وأكمل حديثه للصحيفة قائلا: "حتى إذا نظرنا إلى الاستطلاعات الشعبية العديدة، سنرى أن جزءا كبيرا من المواطنين يفضلون حزب (حلم جورجيا)".

وترى الصحيفة غياب الساحة السياسية من أي خصوم محتملين أمام الحزب الحاكم. وتابعت: "المعارضة الجورجية مفتتة، حيث تنقسم أكبر قواها (الحركة الوطنية الموحدة) -حزب الرئيس السابق للبلاد ميخائيل ساكاشفيلي- إلى عدة أجزاء".

وأردفت: "أسس أعضاء المعارضة السابقون وأنصارهم أحزابهم الخاصة، لكن ليس لديهم دعم جماهيري، كما لا يوجد لديهم قادة يتمتعون بالكاريزما".

ويرى الخبير الروسي أنه "بالرغم من أن القمة البروكسلية غير راضية عن القانون الجديد بشأن العملاء الأجانب، إلا أن الاتحاد الأوروبي لن يفرض أي عقوبات قبل الانتخابات في جورجيا المقررة في أكتوبر/ تشرين الأول 2024".

وينوه إلى "أن الاتحاد الأوروبي، ابتداء من عام 2022، عبر عن عدم رضاه على عدم انضمام جورجيا إلى العقوبات الموجهة ضد روسيا، لكنه مازال يواصل الحوار حول الانضمام إلى التكتل".

ويؤكد "أنه استنادا إلى نتائج الانتخابات المرتقبة، قد يرغب الاتحاد الأوروبي في إعادة النظر بموقفه تجاه جورجيا، ولكن حتى الآن، لا يمكن الحديث عن ذلك بشكل مسبق".

وتختتم الصحيفة بالإشارة إلى "غياب التوافق داخل الاتحاد الأوروبي بشأن فرض القيود على جورجيا.

إذ إن كلا من المجر وسلوفاكيا على وجهه الخصوص، تعارضان بشدة القيود المفروضة على تبليسي.