تكسير عظام داخل "الشعب الجمهوري" التركي.. من يقود الحزب بعد المؤتمر العام؟

منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

يقف حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض على أبواب “انقسام كبير”، وذلك مع تضاؤل فرص رئيس بلدية إسطنبول المسجون أكرم إمام أوغلو قانونياً وسياسياً، وصعود زعيم الحزب أوزغور أوزيل كمرشح رئاسي فعلي له.

وتقول صحيفة يني شفق التركية في مقال للكاتب "بولانت أوراك أوغلو"، إن أوزيل يحاول إحكام السيطرة على الحزب قبل المؤتمر العام الحاسم له في 28-30 نوفمبر/تشرين الثاني 2025.

صراع النفوذ 

واستدرك الكاتب: يدخل حزب الشعب الجمهوري مرحلة شديدة التعقيد، إذ تتصادم داخله ثلاثة محاور رئيسة يقودها أكرم إمام أوغلو، وأوزغور أوزيل، ورئيس الحزب السابق كمال كليتشدار أوغلو، بينما يشكّل رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش ثقلاً إضافياً في معادلة النفوذ. 

غير أنّ تطورات الأشهر الأخيرة قلبت موازين القوى، بعدما تعرّض إمام أوغلو لسلسلة ضربات قانونية وسياسية؛ شملت ملفات فساد، وإلغاء شهادته الجامعية، وقضية تجسّس لصالح جهات أجنبية، ثم ظهوره من داخل سجن سيلفري شاكياً: "دفنوني تحت الإسمنت". 

وأوضح الكاتب أن هذه التطورات دفعت إلى تشكّل قناعة متزايدة، سواءً داخل الحزب أو خارجه، بأن فرص ترشح إمام أوغلو لرئاسته "انتهت فعلياً"، وأن الساحة تتجه نحو إعادة تشكيل مركز القيادة.

في هذه الأجواء، يتحرك أوزغور أوزيل ببراغماتية لافتة، فهو يحاول احتواء غضب القواعد عبر خطاب التضامن مع إمام أوغلو، بالقول: "حتى اللحظة الأخيرة نحن معه"، ومن جهة أخرى يستخدم اسم منصور يافاش كورقة مزدوجة.

ويرى الكاتب أن هذه أداة لإضعاف إمام أوغلو أمام الجمهور الداخلي، ووسيلة لقطع الطريق على صعود يافاش نفسه.

وبهذا فإنّ هذا التوازن الخطابي يمنح أوزيل فرصة لكسب الوقت وترتيب أوراقه من دون الاصطدام المباشر مع القاعدة.

ولدى ظهوره عبر قناة "تي لي 1" المقرّبة من الحزب، قدّم أوزيل رواية مرنة عن مستقبل الترشيح الرئاسي، إذ قال إن "الشعب صاحب القرار النهائي إذا تعذر ترشح إمام أوغلو".

وفي مارس/آذار 2025، رشّح حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو رسمياً للانتخابات الرئاسية التي ستجري عام 2028، وذلك بعد توقيفه عن العمل وصدور قرار بسجنه بتهم الفساد والتزوير.

بالإضافة إلى ذلك، قال أوزيل في السياق نفسه: طوال هذه المرحلة كان الجميع داخل الحزب، ومن بينهم منصور يافاش، يقولون: "نحن إلى جانب إمام أوغلو بكل قوتنا، والعدالة ستتحقق أولاً".

وأردف: "إذا اقتربت الانتخابات وظهر مانع قانوني يحول دون ترشحه - عدم القدرة على استعادة شهادته الدراسية مثلاً، أو صدور قرار بالسجن من الاستئناف - فعندها سيكون لدينا جميعاً، أنا والحزب وإمام أوغلو، مرشح جديد نقف خلفه، ونربح الانتخابات".

غير أنّ الكواليس تكشف إستراتيجية أعمق: فالأزمة القانونية التي يواجهها إمام أوغلو مقترنة بضعف البنية التنظيمية التي يعتمد عليها يافاش؛ حيث تمنح أوزيل مساحة للمناورة تُسهِّل عليه إعادة توجيه مركز الثقل داخل الحزب لصالحه.

فنجد أنّ أوزيل يؤكّد في تصريحاته أنّ الحزب سيجتمع خلف أي مرشح بديل إذا فُرض المنع القضائي، وأنه هو نفسه سيكون ضمن خيارات القيادة، وفق الكاتب.

وذكر أن المعلومات المسرّبة من داخل الحزب تشير إلى خطوة أكثر حسما يتهيأ لها أوزيل، وهي فرض انتخابات تمهيدية على منصور يافاش، وهذا الإجراء يمكن أن يظهر الأخير بوزن تنظيمي أقل مما تظهره استطلاعات الرأي العامة. 

في مثل هذه النتيجة سيتعزّز موقع أوزيل بوصفه الخيار الأكثر "استقراراً" أمام أجهزة الحزب وقياداته الوسيطة، ما يمهّد لإعلانه مرشحاً رئاسياً توافقياً.

وتتداول الأروقة الحزبية معلومات تفيد بأن أوزيل ينوي فرض شرط "الانتخابات التمهيدية" على منصور يافاش، وذلك لقياس حجم دعمه، وفي حال جاء الدعم ضعيفاً فسيعزز هذا من فرص رئيس الحزب الحالي نفسه. 

وهذا كله يُقرأ على أنه إعلان غير مباشر بأنّ فرصة إمام أوغلو انتهت وأن مرشح الحزب الجديد سيكون أوزغور أوزيل.

عاصفة قبل المؤتمر

واستدرك الكاتب التركي: قبيل المؤتمر العام، يعيش الحزب حالة من الفرز الداخلي. فأوزغور أوزيل يحاول فرض سيطرته من خلال حملة واسعة من قرارات الإقصاء والفصل. 

وتشير التسريبات إلى أن أقسى خطوة سيقوم بها أوزيل ستكون موجهة نحو أكرم إمام أوغلو نفسه.

فبسبب ملف شهادته المشكوك فيها وقضايا الفساد وإهانة رجال القضاء وقضية التجسس، أصبح من الواضح أن إمام أوغلو غير قادر على الترشح.

لذلك يُتوقع أن يتم "إبعاد المقربين منه" إلى "مكتب مرشح الرئاسة" خارج مقر الحزب، وذلك لكسر تأثيره على المجلس الحزبي  والهيئة التنفيذية.

وإذا فاز أوزيل مجدداً، فمن المتوقع أن يُجري تغييرات واسعة تشمل ما لا يقل عن نصف أعضاء المجلس الحزبي والهيئة التنفيذية، خصوصاً من دخلوا عبر “كوتة إمام أوغلو”.

كما يظهر داخل الحزب تيار ثالث يعلن أنه لا ينتمي لا إلى كليتشدار أوغلو ولا إلى أوزيل، ويخطط لفرض وجوده في انتخابات المجلس الحزبي.

وتشير تقارير صحفية مقربة من الحكومة إلى أن أوزيل الذي أحال نحو 400 عضو إلى التحقيق الحزبي خلال 9 أشهر، بدأ أخيراً حملة فصل جديدة ضد من ينتقد الحكم القضائي بحق إمام أوغلو أو قيادة الحزب، وذلك في محاولة لإسكات المعارضة الداخلية قبل المؤتمر.

وتشير مصادر الحزب إلى أن أوزيل يعتزم تشكيل قوائم جديدة تراعي تمثيل المرأة والشباب والأقاليم، في إطار “تجديد داخلي شامل”. ومع ذلك، لا يُتوقع حدوث تغيير كبير في فريقه الأساسي.

وأضاف: تُظهِر أنماط العمل داخل الحزب تحركاً نحو إعادة تشكيل القيادات والمجالس، وذلك تحضيراً للمؤتمر الـ39 المقرر في نوفمبر، مع وجود مؤشرات على عمليات تأديب وإقصاء لنهج السيطرة على أجهزة القرار الحزبي. 

وهذه الحملة التنظيمية تهدف إلى تقليص نفوذ محاور إمام أوغلو داخل هياكل الحزب، وتشكيل أغلبية جديدة قادرة على فرض خريطة طريق بديلة حال تغيّر مرشح الرئاسة.

وتابع: إن الإلغاء أو الطعن في شهادة أكاديمية إلى جانب استمرار فتح قضايا تتعلق بالفساد والتجسّس، لا يقتصر تأثيره على الملف القضائي فحسب؛ بل يستهدف قاعدة شرعية انتخابية أساسية؛ وهي شرط المؤهل الأكاديمي والقدرة على المنافسة القانونية. 

هذه الضغوط القضائية تُحوّل النقاش من ساحة السياسات إلى ساحة الأهلية القانونية، فتُجبر الحزب على الاستجابة بسرعة، إما عبر الدفاع القضائي المكثف أو التحضير لبدائل انتخابية، حتى لو ترتب على ذلك مخاطرة بتفكك الائتلاف الداخلي أو فقدان رأس قائمة الحشد الشعبي.

ولهذا فإن تحرك أوزيل نحو فرض آليات داخلية مثل الانتخابات التمهيدية أو شروط تصويت محددة على مرشحين محتملين لا يهدف فقط إلى اختبار شعبية المنافسين، بل أيضاً إلى خلق سرد يبرّر التحول القيادي أمام قواعد الحزب.

وسواء نجحت تلك الآليات أم فشلت، فإنها ستحدد بسرعة من يملك القدرة على تعبئة القاعدة في مواجهة الضغوط الإعلامية والقضائية، وستقرّر إن كان حزب الشعب الجمهوري سيحتفظ بمرشح موحّد أم يدخل انتخابات رئاسية بمشهد داخلي مشوَّه.

واستدرك الكاتب: إن التحليل الإستراتيجي يبيّن أن الحزب يواجه مفترق طرق. 

فالاستمرار في الدفاع القانوني الشرس عن إمام أوغلو قد يعزز التعاطف الشعبي ويقوي سردية "الظلم السياسي"، إلا أن هذا النهج ينطوي على مخاطرة حقيقية تتمثل في أن تجد القاعدة الحزبية نفسها من دون مرشح في اللحظات الحاسمة.

أما الانسحاب التكتيكي المبكر أو الانتقال السريع إلى مرشح بديل فسيمنح الحزب قدرة على المناورة الانتخابية، لكنّه سيكلفه ثمن فقدان جزء من الحماسة الشعبية والتماسك الرمزي الذي يمثله إمام أوغلو. 

من هنا فإن الخيار الأمثل سيحتاج إلى موازنة دقيقة بين التقديرات القانونية، والشرعية الأخلاقية لدى الناخبين، والقدرة على الحشد التنظيمي خلال أسابيع.

وثمة سيناريوهان بارزان في الأفق القريب؛ الأول يتمثّل في انتصار الإستراتيجية القانونية وإبقاء إمام أوغلو رمزاً وحيداً للمنافسة، ما يعيد للحزب وحدة راهنة لكنه يخاطر بتفاقم المواجهة القانونية.

والثاني يتمثّل في نجاح إعادة التموضع التنظيمي داخل حزب الشعب الجمهوري وظهور مرشح بديل قادر على المنافسة، ما قد يحافظ على قابلية الحزب للفوز لكنه سيضعف البعد الرمزي للمعارضة الموحدة. 

وفي كلتا الحالتين سيبقى تفاعل القضاء والسياسة والشارع المحورَ الحاسم، الذي سيحدّد مصير حزب المعارضة وترتيبات التحالفات في تركيا خلال الشهور القادمة.