سلاح ضغط.. لماذا تسهل روسيا عبور المهاجرين على الحدود الشرقية لأوروبا؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

ارتفع صوت إستونيا وفنلندا التحذيري من استخدام جارتهما روسيا، الهجرة كسلاح عبر تسهيل عبور المهاجرين على حدود أوروبا، حيث عد وصول مئات الأشخاص إلى حدود الدولتين خلال الفترة الأخيرة بمثابة عملية "تنظمها الدولة الروسية بالكامل".

وفي إشارة إلى التهديد المحتمل الذي تمثله جارتها الشرقية، أعلنت إستونيا في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أنها "مستعدة" لإغلاق حدودها مع روسيا في أعقاب خطوة مماثلة اتخذتها فنلندا قبل يوم.

حرب هجينة

ووصف وزير الخارجية الإستوني مارغوس تساهكنا، الوضع على الحدود مع فنلندا والذي شهد أخيرا ازديادا في أعداد المهاجرين غير النظاميين، بأنه "هجوم هجين صارخ أدارته روسيا".

وقال تساهكنا وفق بيان لوزارة الخارجية الإستونية، إن الدولة الواقعة في منطقة البلطيق "مستعدة لإغلاق حدودها مع روسيا والدفاع عن نفسها ضد أي هجمات هجينة".

وأصبحت إستونيا، الجمهورية السوفياتية السابقة، من أشد المؤيدين لأوكرانيا التي تصد الغزو الروسي لأراضيها منذ فبراير/ شباط 2022.

وفي نبرة تصعيدية، قال تساهكنا خلال مشاركته في محادثات وزراء خارجية دول البلطيق والشمال في بروكسل إن "هذا دليل آخر على أن روسيا لا تقاتل في أوكرانيا فقط، بل تشكل تهديدا لدول أخرى بهجماتها الهجينة".

وأفاد حرس الحدود الإستوني في 5 ديسمبر/ كانون الأول 2023 أنه لم يسمح لمجموعة من طالبي اللجوء السوريين بالدخول من روسيا إلى أراضيه.

وقال في بيان له إن حرس الحدود ضبط مجموعة صغيرة تتكون من أربعة سوريين، أثناء محاولتهم دخول إستونيا من الأراضي الروسية.

وأضاف أنه طلب منهم المغادرة ولم يسمح لهم بدخول أراضيه كونهم "ليس لديهم الحق في دخول الاتحاد الأوروبي من الاتحاد الروسي عبر نقطة تفتيش في نارفا"، وهناك نقطة عبور وحيدة من روسيا هي عبر جسر نارفاجوكي.

و"نارفا" مكان غريب، فهي مدينة تقع على الحافة الشرقية لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، وهي ثالث أكبر مدينة في إستونيا لكن 97 بالمئة من سكانها البالغ عددهم حوالي 60 ألف نسمة يتحدثون اللغة الروسية، مما يجعلها أكبر مدينة ناطقة بالروسية في الاتحاد الأوروبي.

بالمقابل، لجأت فنلندا في 28 نوفمبر 2023 إلى إغلاق آخر معبر حدودي مع روسيا التي تتشارك معها حدودا بطول 1,340 كيلومترا، متهمة موسكو بتدبير "هجوم هجين" عبر إرسالها مهاجرين غير نظاميين إلى الحدود.

ومنذ مطلع أغسطس/ آب 2023 وصل نحو ألف طالب لجوء لا يحملون الوثائق المناسبة، وخصوصا من الصومال والعراق واليمن، إلى الحدود الشرقية التي تفصل بين روسيا وفنلندا بحسب السلطات الفنلندية.

وأكد رئيس الوزراء الفنلندي بيتيري أوربو أن "الهجرة التي يتم استغلالها والتي مصدرها روسيا مستمرة"، بينما قالت وزيرة الداخلية ماري رانتانن إن "فنلندا هدف لعملية هجينة روسية. إنها مسألة أمن قومي".

وتعد الحدود الفنلندية والإستونية مع روسيا الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.

ولهذا قامت السلطات الإستونية بتخزين الحواجز الخرسانية والأسلاك الشائكة عند المعابر الحدودية، لصد الهجرة غير النظامية عبر روسيا.

وتحسبا للجوء موسكو إلى ضغط الهجرة، باشرت فنلندا ببناء سياج على طول 200 كيلومتر من حدودها، لكنها لم تنجز سوى ثلاثة كيلومترات منه.

ولاحظ رئيس الوزراء الفنلندي أوربو أن تدفق المهاجرين "نشاط منظم، وليس حالة طارئة حقيقية" مضيفا أن "السهولة التي وصل بها المهاجرون إلى معبر رايا-يوسيبي الحدودي النائي دليل على ذلك".

وردا على سؤال حول رعاية المهاجرين الذين سيواجهون البرد أمام المعابر الحدودية المغلقة، أجاب أوربو "لولا التغيير في سياسة السلطات الروسية، لما كانت هذه الظاهرة موجودة".

وأعرب الكرملين عن أسفه لقرار فنلندا إغلاق نقاط التفتيش ورفض ادعاءات السلطات الفنلندية بأن روسيا شجعت تدفق المهاجرين على الحدود لمعاقبة الجارة الغربية لروسيا بعد أن أصبحت في أبريل/ نيسان 2023 العضو الـ31 في التحالف الغربي العسكري "الناتو".

لكن سبق أن هددت موسكو بالانتقام من فنلندا لانضمامها إلى حلف "الناتو" في حين أن إستونيا والاتحاد الأوروبي بشكل عام يقعان في خط النار لدعمهما أوكرانيا في حربها ضد الغزو الروسي.

تسهيلات روسية  

وأمام ذلك، تتهم دول أوروبا الشرقية، ومن بينها فنلندا وإستونيا، روسيا بدفع المهاجرين نحو الاتحاد الأوروبي، للضغط عليه بشأن موقفهما الداعم لأوكرانيا.

وخلال حديثه باجتماع في ستوكهولم لوزراء دفاع دول الشمال ودول البلطيق في 23 نوفمبر 2023، لفت وزير الدفاع الإستوني، هانو بيفكور، إلى أن مئات الأشخاص الذين وصلوا إلى حدود البلدين في الأسابيع الأخيرة كانت عملية "مدبرة بالكامل" من قبل موسكو.

وذهب وزير دفاع لاتفيا، أندريس سبرودس، إلى أبعد من ذلك، بقوله "لم يكن هناك شك حول من يقف وراء" وصول طالبي اللجوء إلى الحدود الفنلندية والإستونية. 

واستطرد: "من الواضح أن هناك مهندسا معماريا واحدا.. سيد الدمى، إنه السيد (رئيس روسيا، فلاديمير) بوتين". 

وضمن هذا السياق، يؤكد المواطن السوري عمار طالب، أنه "وصل روسيا في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2023 لبدء رحلة اللجوء نحو ألمانيا عبر الدخول من فنلندا رغم سوء الأحوال الجوية، إذ إن عدم تعرض السلطات الروسية للمهاجرين كان الحافز المغري لمحاولة اجتياز الحدود من هناك".

وأضاف طالب لـ"الاستقلال" أنه "في روسيا لا اعتراض على طرق الهجرة الحدودية، حيث تسير سيارة التهريب بسهولة، إلا أن محاولات الدخول نحو فنلندا غير مضمونة ويلعب الحظ دورا كبيرا فيها، فقد تتمكن من العبور أو تتعرض للضرب القاسي من حرس الحدود وتفشل المحاولة".

ونوه طالب إلى أن "غض سلطات موسكو الطرف عن المهاجرين هو من شجع الكثيرين لاتخاذ روسيا نقطة عبور في هذا التوقيت، رغم الثلوج والبرد القارس، لكن لا توجد صعوبات في الحصول على تأشيرة لروسيا فهي شبه مضمونة من خلال مكاتب خاصة تتولى تأمين التأشيرة وحجز الطيران والتكفل بإقامتك ونقلك وتأمين سكنك في سان بطرسبرغ".

وتابع: "بعدها تبدأ محاولات العبور نحو أوروبا التي تصل تكلفتها لنحو 10 آلاف دولار".

ولفت طالب إلى أن "كثيرا من الأشخاص من جنسيات عربية وإفريقية وصل روسيا وبعضهم تمكن من العبور والبعض الآخر تعرض للضرب القاسي من حرس الحدود الأوروبي وعادوا، حيث اختار بعضهم بيلاروسيا للمحاولة مجددا".

وأخيرا عمد مهاجرون غير نظاميين للتحايل على الاتفاق القديم بين روسيا وفنلندا بحصر المرور بينهما سيرا على الأقدام، عبر استخدام هؤلاء الدراجات الهوائية للوصول إلى نقاط حدودية.

وأخبر أحد المهربين في روسيا وكالة "فرانس برس" في 5 ديسمبر 2023  أنه يرسل الأشخاص إلى الحدود مع فنلندا "باتفاق مع الشرطة الروسية، حيث نقدم لهم 500 دولار للشخص الواحد من أجل السماح لهم بمواصلة الرحلة إلى فنلندا حيث تمنحهم الشرطة الروسية دراجات هوائية". 

 

وأضاف قائلا للوكالة: "أطلب من المهاجر 1200 دولار لقاء خدماتي منها  500 دولار للشرطة و200 لسائق السيارة وأحتفظ بالباقي لنفسي".

وقال المهرب: "خلال عشرة أيام تمكنت من إرسال 200 مهاجر من روسيا نحو الحدود الفنلندية وهم من سوريا والمغرب والعراق واليمن ولبنان وتركيا وتونس".

جريمة منظمة

ومع ذلك، حذر المدافعون عن اللاجئين من أن إغلاق الحدود سيؤدي إلى إجبار طالبي اللجوء على سلوك طرق أكثر خطورة وفتكا بحثا عن ملاذ آمن.

وفي الوقت الحالي، تتزايد المخاوف من أن الكرملين يستخدم "الأشخاص اليائسين" كسلاح لخلق أزمة هجرة في القارة الأوروبية، حيث تعد فنلندا وإستونيا ولاتفيا الدول الثلاث الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تقع على الحدود مع روسيا القارية.

وحذر الناتو من أن "روسيا تستخدم الهجرة كأداة للضغط على الدول الأخرى في أوروبا" في أعقاب قرار فنلندا الانضمام إلى الحلف العسكري.

بالمقابل، ينفي الكرملين أنه يشجع المهاجرين غير النظاميين على محاولة عبور الحدود، لكن حرس الحدود الفنلنديين يقولون إن نظراءهم الروس يساعدون الناس أثناء الرحلة وحتى إغلاق الحواجز خلفهم لمنع عودتهم.

ووصل حوالي 600 مهاجر بدون تأشيرات ووثائق مناسبة، معظمهم من الشرق الأوسط وإفريقيا، إلى فنلندا في نوفمبر 2023 مقارنة بعدد قليل من المهاجرين في سبتمبر/ أيلول وأكتوبر من العام ذاته.

وقال مسؤولو الحدود إن الوافدين يشملون أشخاصا من أفغانستان والعراق وسوريا واليمن وكينيا والمغرب والصومال.

وقال نائب قائد منطقة حرس الحدود كاينو في شرق فنلندا، تومي تيركونن، لوكالة "أسوشيتد برس" الأميركية في 22 نوفمبر 2023: "نحن بحاجة إلى القيام بذلك للحفاظ على النظام عند نقاط العبور وضمان أمن حركة المرور القانونية على الحدود".

فيما نقل موقع "يورونيوز" عن خبراء قولهم، إن موسكو "ربما تحاول زعزعة استقرار الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، حيث من المحتمل أن تؤدي أزمة الحدود إلى تفاقم الاستقطاب الاجتماعي والانقسامات السياسية".  

وضمن هذا الإطار، قال وزير الداخلية الإستوني لوري لانميتس لـ"يورونيوز" في 29 نوفمبر: "من المثير للاهتمام كيف فشلت محاولات روسيا لتقسيم المجتمع الفنلندي باستخدام ضغط الهجرة، وبدلا من ذلك ربطت فنلندا بشكل أقرب إلى دول البلطيق وبولندا التي واجهت هجمات هجينة مماثلة على مدى السنوات الماضية".

وأضاف لانميتس: "بتصرفاتها، تعطي روسيا دفعة أخرى للاتحاد الأوروبي لإعادة التفكير في نهجه تجاه الهجرة. 

وتابع: "نحن بحاجة إلى معالجة الهجرة غير النظامية، ليس فقط لحماية أمننا وحرية الحركة في منطقة شنغن، ولكن أيضا لحماية الأبرياء من دول العالم الثالث من أن يتم استخدامهم كسلاح سواء من قبل الدول المعادية في حرب هجينة أو من خلال الجريمة المنظمة".