تنتقدها المعارضة.. ما مدى شفافية اللجنة المستقلة للانتخابات في موريتانيا؟
دخلت الحملة السياسية الممهدة للانتخابات الرئاسية لحظاتها الأخيرة
مع اقتراب الحسم في اختيار الرئيس الموريتاني المقبل، ارتفعت شدة الانتقادات الموجهة من المعارضة إلى لجنة المستقلة للانتخابات.
واتهمت المعارضة اللجنة بموالاة السلطة وعدم الفعالية في التجاوب مع الملاحظات المثارة بشأن الحملة الانتخابية.
وفي هذا الصدد، قال رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل"، إن ظن مرشحي المعارضة خاب في اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، نتيجة لعدم تعاونها معهم وتسييرها الأحادي لملف الانتخابات وغياب التعاطي مع التظلمات.
وأوضح مدير حملة الحزب حمدي ولد ابراهيم أنه يطمئن الجميع بإعدادهم لطاقم يحصل على المحاضر كافة، ويراقب التجاوزات الممكنة كافة في الاقتراع المرتقب، وفق ما نشر موقع "صحراء ميديا"، 24 يونيو/حزيران 2024.
من جهته، قال مدير العمليات الانتخابية في الحزب محمد الأمين ولد شعيب، خلال مؤتمر صحفي، إنهم لاحظوا خروقات من قبل اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، أهمها عدم نشر اللائحة الانتخابية المؤقتة.
ورأى أن نشر اللائحة على موقع “ماي سيني” التابع للجنة لا يكفي، لأنه مرتبط بالإنترنت التي يشهد إضرابات كبيرة في العاصمة نواكشوط، فما بالك بالداخل (باقي المدن)"، حسب تعبيره.
وأكد أن اللائحة النهائية التي نشرتها اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، هي نفسها اللائحة المؤقتة والفرق بينهما هو ناخب واحد.
ودخلت الحملة السياسية الممهدة للانتخابات الرئاسية المقررة في موريتانيا يوم 29 يونيو/حزيران 2024 لحظاتها الأخيرة.
وتعد هذه الانتخابات الثامنة في تاريخ البلاد، ويشارك فيها أكثر من 1.9 مليون ناخب موريتاني.
وتتولى وزارة الداخلية تأمين المسار الانتخابي وتهيئة الظروف، بالتنسيق مع اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات التي تتولى هي الأخرى الإشراف على عملية الاقتراع في المكاتب على التراب الوطني كافة، وتوفير بطاقات التصويت المؤمّنة، وإصدار تقرير مع نهاية العملية.
وتتألف اللجنة من 11 عضوا يعينهم رئيس الجمهورية باقتراح من الأغلبية والمعارضة.
وإضافة إلى الرئيس المنتهية ولايته، محمد ولد الشيخ الغزواني، وهو أبرز المرشحين للمنصب، ينافسه آخرون، من أبرزهم مرشح حزب "تواصل" حمادي ولد سيدي المختار، وبيرام ولد الداه اعبيد، والعيد محمدن، وكذا أتوما سوماري.
انتقاد ورد
وحمل وكلاء مرشحي المعارضة رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات مسؤولية تبعات ما سموه "التسيير الأحادي للانتخابات وكل ما سيترتب على تنظيمها في غياب ضمانات الحرية والشفافية والنزاهة".
ووفق موقع "الأخبار" المحلي، 21 يونيو 2024، عبر الوكلاء في رسالة لرئيس لجنة الانتخابات عن شكواهم وقلقهم البالغ إزاء "استمرار رفض التعاطي الإيجابي مع مطالبهم المتعلقة بتوفير ضمانات تنظيم انتخابات حرة ونزيهة وشفافة في رئاسيات 2024".
ولفتوا إلى المطلب المتعلق بتدقيق السجل الانتخابي الذي جرى "التعبير عنه في الاجتماع المنعقد في 12 مايو/أيار 2024، وأبدى رئيس اللجنة حينها موافقته عليه".
وأضاف وكلاء مرشحي المعارضة: “فوجئنا برفضكم (رئيس اللجنة) التعاون مع الخبير الدولي الذي وصل البلد في الأسبوع الماضي (منتصف يونيو) في موضوع تدقيق السجل الانتخابي ومسار إعداده، رغم موافقتكم السابقة على هذا المطلب، في الاجتماع المذكور”.
وهو ما شكل خيبة أمل لنا ولكل الساعين لحماية هذا الاستحقاق الانتخابي الخاص من كل ما من شأنه الطعن في مصداقيته ونزاهته، وفق البيان.
وشدد وكلاء مرشحي المعارضة على أن "تنظيم انتخابات حرة وشفافة ونزيهة هو الضامن الوحيد للاستقرار الدائم في البلد".
وأكدوا على ضرورة "وضع حد للتصريحات الإعلامية الغامضة والمشوشة ومحاولات تسييس العملية الانتخابية".
وفي اليوم التالي لهذه المراسلة، قالت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات بموريتانيا، إنها تستغرب عدم رضا مرشحي المعارضة حيال تجاوبها الدائم معهم.
جاء ذلك في رسالة وجهتها اللجنة إلى وكلاء المترشحين للرئاسيات العيد ولد محمدن امبارك، وأوتوما أنتوان سليمان سوماري، وبيرام الداه اعبيد، ومامادو بوكار، بالإضافة إلى حمادي ولد سيدي المختار.
وقالت اللجنة، ردا على رسالة المعارضة: "بخصوص الشعور بالقلق، فلعله إحساس مشترك، لكنه من جانبنا صادر عن استغرابنا لعدم رضاكم حيال تجاوبنا الدائم واستعدادنا اللامشروط لتلبية جميع مطالبكم، ما لم تخالف نصا قانونيا صريحا، لا نملك صلاحية تغييره أو تأويله".
وأضافت أنه بخصوص مطلب التدقيق في السجل الانتخابي، ترى أنه "من الوارد لفت انتباهكم إلى أن طلبات التدقيق، لم تلق قط رفضا أو مماطلة".
وأشارت اللجنة إلى أنها عبرت "مرارا عن الاستعداد لتولي الكلفة المالية لأي جهة محلية أو أجنبية، ترغب في إجراء تدقيق من شأنه تحسين الأداء وتصويب الأخطاء والنواقص إن وجدت".
وتابعت: "في هذا المنحى، فتحنا إداراتنا التقنية أمام خبرائكم، ووضعنا تحت التصرف فرق مداومة، للرد على استفساراتكم وتلبية طلباتكم".
وذكرت أنه خلال عطلة عيد الأضحى، وعلى هامش اجتماع مخصص لتسلم أقراص تحمل اللائحة الانتخابية، اقترح أحد وكلاء المترشحين، "استدعاء خبير دولي مرَّ بالعاصمة نواكشوط، قادما من دولة مجاورة في طريق عودته إلى بلده الأم في القارة الأوروبية".
وذكرت اللجنة، أن الرد جاء "شفويا -كما الطلب- بأن التدقيق منافٍ للارتجال وبعيد كل البعد عن ملاحظات عابرة لخبير “مسافر”.
قراءات متضاربة
في تفاعله مع هذه التفاعلات، رد السياسي الموريتاني محمد شيخنا، على تصريحات المعارضة عبر الإشادة بـ"التجربة الديمقراطية في موريتانيا"، مشددا على أنها "رائدة في المنطقة بشكل عام وتحمل ملامح الشفافية والنزاهة".
وأضاف شيخنا في تصريح صحفي محلي، أن اللجنة المستقلة للانتخابات تحمل "جميع المعايير الأساسية لإقامة انتخابات حرة ودون انحياز لأي طرف"، منوها إلى أنها "تستقبل انتقادات من الموالاة ومن الحزب الحاكم".
وأشار شيخنا، وهو عضو في الأغلبية المناصرة للرئيس محمد ولد الغزواني، أن مستوى الاستقلالية الحالية للجنة الانتخابات "غير مسبوق في تاريخ البلد"، كما أن رئيسها يحمل تجربة إدارية كبيرة "كونه وزير داخلية سابقا، ونائبه يحمل الخبرة القانونية بسبب معرفته القانونية الكبيرة".
وبخصوص اتهامات المعارضة، رأى المتحدث ذاته أنها "أتيحت لها جميع الفرص وفتحت لها الأبواب للتحضير المشترك للانتخابات عبر اجتماعات رعتها وزارة الداخلية ودعمتها الرئاسة طيلة العام المنصرم (2023) والسنوات التي قبله".
ويضيف أن التصريحات الحالية لمرشحي المعارضة "لا تتعدى المزايدة السياسية وهي خطاب دارج على ألسنة المعارضين"، مؤكدا أن "الشعب الموريتاني بات يعرفهم ولا ينخدع بما يقولون"، وفق تعبيره.
غير أن رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان أحمد سالم ولد بوحبيني، لا يذهب في هذا الرأي، رغم أنه يرأس مؤسسة رسمية.
وقال في تصريح صحفي 21 يونيو 2024 إن تشكيلة اللجنة المستقلة الوطنية للانتخابات، لم تكن مرضية بشكل عام لدى المواطنين.
وأكد ولد بوحبيني عقب اجتماعه مع رئيس وأعضاء اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، إن حديثه عن اللجنة كان جزءا من التطرق إلى عملها بشكل عام، مؤكدا أنها لم تكن محل إجماع من قبل الجميع.
وأضاف أن اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان لديها مهام يجب فعلها وقد لا تكون مرضية لبعض الأطراف، مؤكدا أن التصريحات الصادرة عن اللجنة نابعة من مهامها.
ولفت إلى أن على لجنة الانتخابات أن تعلم أنها مسؤولة عن العملية الانتخابية وعن نزاهتها ومساواة المترشحين.
وأشار ولد بوحبيني إلى أن انتقاد بعض الأطراف للجنة الانتخابات مشروع ويعكس تطلعات الشعب لنزاهة وشفافية العملية الانتخابية.
وأضاف أنه من الضروري أن تعوض اللجنة هذا الشعور من خلال التزامها الكامل بالنزاهة، والصدق، والجدية في عملها.
من جانبه، يقول الكاتب الصحفي المصطفى محمدن لولي، إن اللجنة الوطنية للانتخابات، مستقلة ماديا ومعنويا، ولديها الوسائل (المادية واللوجستية والتنظيمية) الكافية لمزاولة عملها بتجرد.
وأضاف محمدن لولي لـ “الاستقلال”: “دون شك قد تحدث أخطاء أو خروقات لكن دون نية مسبقة ودون تأثير أيضا، وترجع بالأساس أو في الغالب الأعم إلى ضعف في قدرات وخبرة بعض العناصر المباشرة للعملية الانتخابية”.
وأوضح المتحدث ذاته، أن اللجنة تعتمد في جمع المعطيات على برامج تقنية خاصة ومتطورة، ولا يمكن التدخل يدويا في عملها.
وأشار إلى أنه "يحق لجميع المرشحين التمثيل في كل المكاتب الانتخابية والوقوف بشكل مباشر على عملية الاقتراع، ورفض الخروقات وتسجيلها في محاضر التصويت، والاحتفاظ بمستخرجات من محاضر كل مكتب".
وفيما يتعلق بالملاحظات التي تثيرها المعارضة، قال محمدن لولي، إن “من عادتها التوجس والخوف المفرط، وربما لديها ما يبرر ذلك بحكم تجاربها مع الأنظمة السابقة”.
لكن في الغالب الأعم، يرى أنه "لتقصير مرشحي المعارضة في ضمان تمثيلهم في كل المكاتب دور بارز في ذلك".
و"خصوصا أن الحملة الانتخابية الحالية عادية، ولم نشهد فيها كالمعتاد أشكال التوتر والمشادات الكلامية باستثناءات قليلة".
وأشار إلى “طلب الرئيس المنتهية ولايته من داعميه الابتعاد عن ذكر أي من منافسيه بسوء”، مؤكدا أن “الفرص متساوية أمام المرشحين”.