نجل الجنرال.. ما علاقة مصر والإمارات بصعود صدام حفتر في ليبيا؟

داود علي | 5 months ago

12

طباعة

مشاركة

عززت ترقية "صدام" الابن الأصغر للواء الليبي الانقلابي خليفة حفتر، إلى منصب رئيس أركان القوات البرية في جيش والده، من قوته ووضعته في موقع متميز لخلافة الجنرال.

ويواصل صدام صعوده في الرتب العسكرية ويرسخ نفوذه في شرق ليبيا حيث يسيطر والده وتتمركز قوات ما يطلق عليه "الجيش الوطني الليبي". 

وفي 3 يونيو/ حزيران 2024 أصبح صدام رئيسا رسميا لأركان القوات البرية في مقر ذلك الجيش "المتمرد"، بمنطقة الرجمة الواقعة شرق مدينة بنغازي وتبعد عنها حوالي 25 كم، وذلك بعد أن عيّنه والده بمرسوم خاص. 

وصدام من الشخصيات القليلة التي لها كلمة عليا داخل قوات والده، وأحد الضباط الذين كانوا منخرطين في معركة طرابلس التي مني فيها جيش حفتر بهزيمة نكراء، واندحر في يونيو/حزيران 2020.

وتزامن موعد ترقية "صدام" مع احتفالات بذكرى انطلاقة ما سمي بـ"عملية الكرامة" المناهضة للحكومة الشرعية عام 2014، حيث نظمت مليشيا حفتر عرضا كبيرا بهذه المناسبة، التي تعد انقلابا عسكريا مكتمل الأركان. 

موالٍ للإمارات 

وفي 19 يونيو/حزيران 2024، نشرت مجلة "أفريكا إنتلجنس" الفرنسية، أن تعيين صدام في هذا المنصب يساعد في وضعه خلفا لوالده على رأس الجيش.

وقالت: “ستكون ترقيته، ضمن خطة على المدى الطويل، تؤطر لإضفاء شرعية على منصبه على رأس (جيش موحد) كما يأمل اللواء حفتر”، خاصة أن ترقيته جاءت في وقت يشارك فيه رئيس الأركان العامة عبد الرزاق الناطوري في اللجنة العسكرية المشتركة "5 + 5"، التي تضم ضباطا من غرب ليبيا، للتفاوض حول إطار إعادة توحيد الجيش.

وأشارت المجلة الفرنسية إلى جزئية أخرى أسهمت في ترقية صدام، وتهيئته لخلافة والده، وهي علاقته القوية بالإمارات التي دعمت خليفة منذ البداية وأمدته بدعم غير محدود ليحكم ليبيا لكنه فشل في ذلك.

ويعد صدام إحدى نقاط الاتصال الرئيسة لأبو ظبي داخل معسكر حفتر، وتنظر الإمارات إلى تعزيز دوره بشكل إيجابي.

وكان صدام أحد مهندسي الاتفاق الذي أشرفت عليه الإمارات، والذي أبرمه مع إبراهيم الدبيبة، ابن شقيق رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة.

وتم هذا الاتفاق بأبو ظبي في 18 يوليو/ تموز 2022، وتمحور حول 4 نقاط رئيسة، وهي صرف ميزانية لمليشيا حفتر تقدر بـ13 مليار دينار ليبي (2.66 مليار دولار) وإجراء تغيير وزاري في حكومة الدبيبة، مع تعيين وزراء تابعين لحفتر والإطاحة بحكومة فتحي باشاغا.

تدريب بمصر 

أيضا لصدام علاقات قوية وعميقة مع النظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي، ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وبعد تكتم شديد، كشفت تقارير إعلامية ليبية، منها موقع "الموقف الليبي"، أن صدام حفتر، والذي يجرى ترشيحه بقوة لخلافة والده، استضافه الجيش المصري في دورة تدريبية عسكرية للقادة بالقاهرة.

وأكدت أن العميد صدام، رئيس العمليات بالقوات البرية (آنذاك) يشارك في دورة تدريبية بمصر حول "القيادة والأركان" رفقة 20 ضابطا ليبيا، لمدة 4 أشهر.

وتزامن هذا بعد فترة من قيام وفد عسكري روسي رفيع المستوى بزيارة ليبيا في 23 أغسطس/ آب 2023، ولقاء قيادات من مليشيا حفتر، بحث معهم التعاون العسكري، في خطوة يرى ليبيون أنها "بالتنسيق مع القاهرة".

وكشف "الموقف الليبي" أن استضافة الجيش المصري نجل حفتر و20 من ضباطه لتدريبهم على القيادة العسكرية بأنه "ربما يكون أول دعم مصري معلن لخلافة صدام لأبيه حفتر، بسبب اعتلال صحته".

وعد ذلك "تدخلا مصريا واضحا، ورسالة لحكومة طرابلس برئاسة الدبيبة، التي دخلت في خلافات مع نظام السيسي، ما استدعى إرسال وفد من المخابرات المصرية لتهدئة التوتر في مايو/أيار 2023.

وفي 4 مارس/ آذار 2024، أعلنت الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والإستراتيجية المصرية، حصول صدام حفتر على درجة دكتوراه في الفلسفة بالعلوم العسكرية.

وأعدت له احتفالية خاصة بحضور الفريق ركن أمحمد محمد العمامي، رئيس أركان القوات البرية الليبية (تابعة لحفتر)، ومن مصر كل من اللواء أركان حرب خالد محمد مجاور، مساعد وزير الدفاع للأمن والمعلومات، واللواء أركان حرب أشرف محمد فارس مدير الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والإستراتيجية. 

ربيب أميركا

إذا كان الحديث عن ترتيب صدام لعلاقاته الإقليمية تمهيدا لخلافة أبيه، فإن ذلك لم يكن بمعزل عن هندسة علاقاته الدولية، تحديدا بالولايات المتحدة الأميركية.

وهو ما أورده موقع "ليبيا أبديت" الإخباري، في 30 مايو 2024، بأن “صدام حفتر، التقى في العاصمة الإيطالية روما بمجموعة من رجال الأعمال الأميركيين لبحث فرص الاستثمار في (شرق) ليبيا”. 

وأوضح الموقع في نسخته الإنجليزية أن المحادثات ركزت بشكل خاص "على الاستثمارات الإستراتيجية، بما في ذلك ميناء المياه العميقة سوسة".

وكانت مجموعة "غيدري" الأميركية، قد اقترحت استثمارا مباشرا بقيمة 2 مليار دولار في مشروع الميناء الواقع على بعد 240 كيلومترا تقريبا شرق مدينة بنغازي.

وبحسب الموقع، رحب نجل حفتر بـ"الاقتراح، ودعا الوفد الأميركي لزيارة ليبيا والتواصل مع الحكومة (غير المعترف بها دوليا)"، متعهدا بـ"تسهيل إجراءات بدء الأشغال قريبا".

وأكد أن العملية "تعكس انفتاح صدام تجاه القوى الغربية والجهود المبذولة لإيجاد التوازن بين الفصائل والقوى المتنافسة في البلاد".

وتعليقا على لقاء صدام حفتر بالوفد الأميركي في روما، ذكرت مجلة "فورميكي" الإيطالية مطلع يونيو 2024، أن شرق ليبيا عاد تحت الأضواء الدولية في الأسابيع الأخيرة على إثر تقارير تفيد بزيادة النشاط الروسي في برقة.

وذكرت أن تقارير قد تحدثت عن استخدام موسكو لشرق ليبيا كمركز لوجستي تكتيكي لدفع أنشطة "فيلق إفريقيا" بديل مجموعة "فاغنر" الروسية الخاصة مستغلة الاتفاقيات التي أبرمتها مع حفتر الأب في الماضي وأبنائه في الوقت الحالي، ومنهم صدام.

وأضافت المجلة الإيطالية أن "دور صدام غالبا ما يتم تصويره على أنه الأكثر ميلا إلى الحوار مع الأميركيين دون جميع أبناء حفتر تحديدا خالد وبلقاسم".

واستنتجت أن "هناك صراعا داخليا من أجل خلافة حفتر الأب، وأن هناك سعيا من الجميع إلى الحصول على دعم خارجي".

وكان موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، قد نشر في تقريره الصادر يوم 10 أغسطس/آب 2022، أنه يمكن عد عائلة حفتر “بمثابة عائلة تجارية عسكرية”، حيث يخدم اثنان على الأقل من أبنائه، هما صدام وخالد، كضباط في جيشه الذي شكله شرق ليبيا.

أما صدام فهو إلى جانب كونه ذراعا عسكريا لأبيه فهو أشبه بـ"مبعوث دبلوماسي" لوالده خصوصا في الرحلات المتجهة إلى الإمارات وإسرائيل، بحسب تصريحات مصدر مطلع للموقع البريطاني.

بينما يعمل ابنه "بلقاسم" مستشارا سياسيا كبيرا لوالده، وابنه المليونير "عقبة"، رجل مال وأعمال.

فهو صاحب مجموعة “الإخوة الشرقيين المحدودة”، التي تأسست عام 2014 في الولايات المتحدة.

لكن ما يميز صدام دون إخوته، أنه هو من يجرى إعداده وتصعيده في المناصب العسكرية ويتولى ملف التواصل مع الغرب، وترشحه الأوساط الليبية والأجنبية ليكون "خليفة أبيه" وربما مرشحه للرئاسة.

صراع عائلي 

وعن صعود صدام وفرصه القائمة في مستقبل الحياة السياسية، قال الصحفي الليبي من بنغازي، خالد شيخي، إن "تطلعات حفتر وأبنائه وخاصة صدام، ليست المشاركة في حكم ليبيا كشريك أو حتى صاحب سلطة، بل كحاكم مطلق وقائد مركزي على غرار الديكتاتور الهالك معمر القذافي". 

وأضاف شيخي موضحا لـ"الاستقلال": "لذلك هم يعدون عملية الكرامة، الانقلاب الذي قام به حفتر في فبراير/ شباط 2014، وأسهم في إشعال ليبيا وتقسيم البلاد، والدخول في حرب أهلية طويلة، ثورة يجب الاحتفال بها كل عام".

ولفت إلى أنه "في العام الحالي (2024) كانت الاحتفالات كبيرة، وكان صدام بارزا بقوة، حتى إن ضباطا من الأفريكوم (القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا) حضروا استعراض مليشيات حفتر في بنغازي".

واستطرد: "يجب عدم إغفال أن حفتر يحمل الجنسية الأميركية وشارك مرات في التصويت في الانتخابات هناك، كما أن نجله صدام الذي يستعد لخلافته، زار الكيان الإسرائيلي المحتل، وهو أمر معلوم لدى الليبيين شرقا وغربا". 

وعلق شيخي قائلا: “لكن طريق صدام سيظل صعبا وغير ممهد داخليا وخارجيا، فمن ناحية سيكون عليه خوض مواجهات متعددة أولها وأخطرها مع أشقائه المتطلعين خاصة الصديق، الذي يرى في نفسه خليفة أبيه والأحق برئاسة البلاد وكان ينوي الترشح للرئاسة فعليا”.

وتابع: "ثم خالد الذي يمسك بزمام الوحدات الأمنية في الجيش، وله ولاء كبير بين الضباط وأفراد المليشيات، وبلقاسم أيضا العقل الاقتصادي الذي يدير صندوق إعادة إعمار ليبيا بصلاحيات وعلاقات غير محدودة". 

وواصل: "وسيكون عليه مواجهات أخرى في الغرب مع الدبيبة وحكومة الوحدة الوطنية الشرعية والمعترف بها دوليا، فضلا عن وجوب الاعتراف به دوليا وإقليميا، ولن يكون له ذلك إلا في ظل جبهة موحدة قوية، على الأقل داخل أروقة بيته وبين إخوته حتى يستطيع أن يخوض من خلالهم وبهم المعارك الأصعب".