في ولايته الثانية.. سيناريوهات مختلفة تنتظر علاقات أردوغان مع ترامب
"تظهر المؤشرات توافق كيمياء القيادة بين أردوغان وترامب"
في يناير/ كانون الثاني 2024، يعود الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مجددا إلى البيت الأبيض إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية، وسط أحاديث ومخاوف كثيرة عن شكل سياساته المنتظرة إزاء كثير من الدول حول العالم.
في تركيا، يتوقع خبراء فتح صفحة جديدة في العلاقات التركية-الأميركية، إذ تُعد أنقرة شريكا إستراتيجيا لواشنطن وتتحالف معها في إطار حلف شمال الأطلسي “ناتو”.
ورغم أن حليفي الناتو قد شهدا توترات في الماضي، فإن فوز ترامب يفتح المجال لمناقشة سيناريوهات مختلفة بشأن مستقبل العلاقات.
تهنئة أردوغان
وبعد فوزه، هنأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ترامب، عبر منشور في منصة إكس في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، جاء فيه: "أهنئ صديقي دونالد ترامب الذي فاز بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة بعد صراع كبير، ليصبح رئيسا مرة أخرى".
وأضاف: “آمل أن تُسهم هذه الفترة الجديدة، في تقوية العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، وأن تنتهي الأزمات والحروب الإقليمية والعالمية، لا سيما القضية الفلسطينية والحرب الروسية-الأوكرانية”.
وأعرب أردوغان عن اعتقاده أن "المزيد من الجهود ستُبذل من أجل عالم أكثر عدلا. وأتمنى أن تكون هذه الانتخابات خيرا لشعب الولايات المتحدة الصديق والحليف، وللإنسانية جمعاء".
وفي اليوم التالي، 7 نوفمبر، اتصل أردوغان بترامب هاتفيا. وبحسب بيان صادر عن دائرة الاتصال التركية، عبّر أردوغان خلال الاتصال عن "رغبته في تعزيز التعاون بين تركيا والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة".
وفي تصريح صحفي آخر في 8 نوفمبر، قال أردوغان: "ستؤثر رئاسة ترامب للولايات المتحدة بشكل كبير على التوازنات السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط"، موضحا أنه دعا ترامب إلى زيارة تركيا.
تاريخيا، تطورت العلاقات التركية-الأميركية منذ أواخر القرن الثامن عشر، مع بدء التجارة البحرية من وإلى موانئ البحر المتوسط التركية.
وأُقيمت أولى الاتصالات بين الدولة العثمانية والولايات المتحدة في تلك الفترة.
ثم تأسست العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والجمهورية التركية عبر تبادل المذكرات في 17 فبراير/ شباط 1927.
وبعد الحرب العالمية الثانية، تطورت العلاقات بين تركيا وأميركا بسرعة، وارتبطا في إطار حلف الناتو، ما أسهم في تعزيز السلام والاستقرار في أوروبا.
وفي الوقت الراهن، تتسم العلاقات التركية-الأميركية بتعدد أبعادها، وتشهد تواصلا مكثفا في ظل التطورات الإقليمية والعالمية.
ورغم وجود اختلافات في وجهات النظر حول بعض القضايا مثل حزب العمال الكردستاني “بي كا كا” وفروعه بسوريا والعراق، وتنظيم فتح الله غولن، والعقوبات، إلا أن هناك اتفاقا على العديد من المسائل الإقليمية والعالمية، ويجرى الحوار بين البلدين بوتيرة عالية.
العدالة والتنمية وأميركا
عند النظر إلى تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، يُلاحظ أنها لم تُبنَ يوما على تحقيق مصالح الطرفين.
فمنذ بدء العلاقات بينهما، وُضعت تركيا في إطار من القيود الثنائية التي أعاقت أي تحرك غير مرغوب فيه من قبل الولايات المتحدة.
ونتيجة لهذه العلاقة غير المتكافئة، تعرضت تركيا للعديد من الخسائر، ولا تزال تدفع ثمن ذلك.
وتتميز تركيا بموقع جغرافي إستراتيجي، حيث تتجاور مع أوروبا من الشمال الغربي، وروسيا من الشمال الشرقي، والشرق الأوسط وإفريقيا من الجنوب، ومنطقة القوقاز من الشرق.
ويمكن القول إن الاهتمام الأميركي بتركيا منذ الحرب الباردة يرتبط بشكل رئيس بموقعها الجذاب.
ففي تلك الفترة، كانت تركيا تُستخدم كوسيلة لتطويق روسيا، واليوم تُستغل لتحقيق أهداف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، رغم وجود صعوبات في تحقيق ذلك.
ومن زاوية أخرى، شهدت العلاقات بين البلدين أزمة كبيرة تتعلق بتصاعد تأثير حزب العمال الكردستاني منذ عام 2005 وزيادة عملياته العنيفة بتركيا.
وكانت تركيا تتطلع -آنذاك- لعملية مشتركة مع الولايات المتحدة ضد حزب العمال الكردستاني في العراق، لكن هذه التوقعات لم تُحقق بشكل كامل، ولم يحدث دعم أميركي كبير في التعاون بهذا الصدد.
ورغم أن الأزمة بين الجانبين خفتت جزئيا خلال الفترة الثانية من إدارة جورج بوش، إلا أن تركيا -حين ننظر لها اليوم- لا تزال تواجه تهديدات من حزب العمال الكردستاني على حدودها الجنوبية، بدعم من الولايات المتحدة.
ويمكن القول إن عدم الثقة التركية في العلاقات مع أميركا تعود إلى قضايا تُعد من أهم مشكلات أنقرة.
حيث يُنظر إلى دعم الولايات المتحدة لأذرع “بي كا كا” في سوريا على أنه مؤشر على تخلي واشنطن عن تركيا.
وهذا الدعم -من جانب آخر- يرسل رسالة واضحة لتركيا، تعكس مخاوف الولايات المتحدة من تحركات تركيا الأكثر حرية واستقلالية وتعاونها مع دول في الشرق الأوسط.
فمن المرغوب فيه أن تستمر تركيا في وجودها كدولة يتم تقليمها أثناء نموها، وريها أثناء جفافها، وفق مراقبين.
ولاية ترامب الأولى
شهدت العلاقات التركية-الأميركية فترة مضطربة خلال سنوات رئاسة ترامب بين عامي 2017 و2021.
لا سيما أن ولاية ترامب بدأت بعد أشهر من محاولة الانقلاب الفاشلة التي حدثت في تركيا في 15 يوليو/ تموز 2016، من قبل تنظيم غولن الإرهابي الذي كان يقيم زعيمه فتح الله غولن في أميركا.
وعلى إثر ذلك شهدت العلاقات واحدة من أصعب فتراتها، رغم اهتمام ترامب بالعلاقات مع أنقرة وعلاقته الجيدة مع أردوغان، حيث زار البيت الأبيض مرتين في عامي 2017 و2019.
ففرض ترامب عقوبات شديدة على تركيا، ما أدى إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية فيها. كما أثارت بعض أفعاله وتصريحاته، التي لم تراعِ البروتوكولات الدبلوماسية، استياء أنقرة.
ومن أبرز الأزمات في تلك الفترة كانت قضية القس برونسون، ونظام الدفاع الجوي الروسي أس-400، ودعم الولايات المتحدة العسكري لوحدات حماية الشعب الكردية في سوريا.
وفي فترة التوتر بشأن شمال سوريا، تسرب إلى الإعلام خطاب بعثه ترامب إلى أردوغان في 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وهو يوم بدء عملية "نبع السلام".
في الخطاب، تحدث ترامب عن أزمة القس برونسون، التي وقعت في صيف 2018، على خلفية عدم استجابة الولايات المتحدة لطلب تركيا تسليم فتح الله غولن، المتهم بقيادة محاولة الانقلاب.
واعتقل القس الأميركي أندرو كريغ برونسون، الذي كان مقيما في إزمير، في ديسمبر/ كانون الأول 2016، بتهمة التجسس العسكري ومحاولة الإطاحة بالنظام الدستوري.
وبعد تولي ترامب منصبه، أثار قضية برونسون عدة مرات، وزاد من جهوده لإطلاق سراحه بداية من 2018.
ورد أردوغان على طلب ترامب بالإشارة إلى فتح الله غولن قائلا: "لديكم قس هناك، أعطونا القس، وخذوا القس".
وحين رفضت تركيا إطلاق سراح برونسون، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على وزراء أتراك.
كما وقع ترامب قرارا بزيادة التعريفات الجمركية على واردات الألومنيوم والصلب من تركيا، مما أدى إلى أزمة اقتصادية تسببت في انخفاض كبير في قيمة الليرة التركية.
كما أدى شراء تركيا لأنظمة الدفاع الجوي إس-400 من روسيا إلى تفاقم الأزمة مع الولايات المتحدة.
ورغم أن ترامب حمّل إدارة باراك أوباما السابقة مسؤولية ذلك وأبدى تعاطفا مع أردوغان، إلا أنه فرض عقوبات على تركيا.
ومن المتوقع أن ينتهج ترامب في ولايته الثانية سياسة تعمل على أن يحافظ البلدان على التوازن في كل من الشراكة الإستراتيجية والعلاقات الدبلوماسية.
ويمكن لموقف إيجابي من قبل الولايات المتحدة أن يخلق أساسا طويل الأجل للتحالف. بينما قد يؤدي ضعف العلاقات بين الجانبين إلى بداية مرحلة جديدة تتسم بالتوتر والابتعاد عن المسارات المشتركة.
ما المطروح على الطاولة؟
في الفترة الأولى من رئاسة ترامب في البيت الأبيض، وصلت العلاقات التركية-الأميركية إلى حالة من التعقيد بسبب السياسات المتباينة بشأن شمال سوريا.
فبينما تعاونت واشنطن مع قوات سوريا الديمقراطية، أطلقت أنقرة عملية "نبع السلام" في عام 2019 ضد هذه القوات.
حيث ترى تركيا أن وحدات حماية الشعب، العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، هي امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه كمنظمة إرهابية.
ولذا، أظهرت أنقرة رد فعل عنيف تجاه إدارة ترامب، كما فعلت مع إدارة أوباما، بسبب تعاون الولايات المتحدة مع قوات سوريا الديمقراطية وحزب العمال الكردستاني.
وفي 9 مايو/ أيار 2017، وقبل زيارة الرئيس أردوغان إلى واشنطن مباشرة، أعطى ترامب تعليمات للبنتاغون لتزويد قوات سوريا الديمقراطية وحزب العمال بالأسلحة بشكل مباشر.
وفي 19 ديسمبر/ كانون الأول 2018، أصدر ترامب تعليماته بسحب القوات الأميركية بالكامل من سوريا بعد مكالمة هاتفية مع أردوغان.
وأدى هذا القرار إلى ضجة سياسية في واشنطن واستقالة وزير الدفاع آنذاك جيمس ماتيس والمبعوث الخاص لمكافحة تنظيم الدولة بريت ماكغورك، المعروف بعلاقته الوثيقة مع قوات سوريا الديمقراطية وحزب العمال.
ومع ذلك، تم إقناع ترامب بجعل الانسحاب "بطيئا ومنظما"، وتم تعليق عملية الانسحاب.
ومن الممكن القول إن هذا الموضوع سيكون إحدى القضايا الرئيسة المطروحة على أجندة العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة.
ومن المواضيع المهمة الأخرى؛ السياسات المتعلقة بادعاءات "الإبادة الجماعية الأرمنية"، والقيود على بيع مقاتلات إف-35، والعقوبات المفروضة على تركيا بسبب شرائها أنظمة إس-400، إضافة إلى مسألة تسليم أعضاء حركة غولن، وقضية قبرص، وزيادة الدعم الأميركي لإسرائيل.
وفي هذا الصدد، تتزايد التكهنات بأن ترامب قد يدعم إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو أكثر من الإدارة الحالية بقيادة جو بايدن، مما قد يؤدي إلى زيادة التوتر بين البلدين.
وبسبب الاختلافات في وجهات النظر حول قضايا مثل إيران وفلسطين، قد تصبح العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة أكثر تعقيدا.
وفي الوقت نفسه، فإن تصريحات ترامب المتزايدة حول إنهاء الحرب في أوكرانيا تثير اهتمام أنقرة، في ذات الوقت الذي سيظل فيه موقف الولايات المتحدة تجاه إسرائيل قضية تحظى بمتابعة دقيقة من تركيا.
التركيز على الحلول
وفي تحليل بعنوان: "انتخابات 2024 الأميركية وتأثيرها المحتمل على تركيا"، تطرقت "أكاديمية الاستخبارات الوطنية" التركية إلى هذه النقطة الحساسة.
وقالت: “تظهر المؤشرات توافق كيمياء القيادة بين أردوغان وترامب، ويتميز الرجلان بالتركيز على الحلول. وبينما لم تُغير هذه العلاقة من المسار العام للعلاقات المباشرة بين عامي 2016 و2020، كما في قضية الـ S-400، إلا أن التواصل المباشر بينهما أسهم في إيصال رسائل أنقرة إلى البيت الأبيض بشكل فعّال”.
وأضافت: “يمكن عد تقييدات القوة العسكرية لإيران وإسرائيل تطورات إيجابية تتماشى مع مصالح تركيا. فإذا ما دعم ترامب نتنياهو تجاه سياسة أكثر صرامة ضد إيران، فقد يقدم ذلك فرصا إقليمية لتركيا”.
مثل تعزيز الحوار مع الحكومة السورية، وتوسيع نطاق عمليات تركيا في مناطق قنديل والسليمانية، وتقليل العقبات أمام دعم ممر زنغزور في القوقاز، بحسب التحليل.
واستدركت الأكاديمية: "لكن هذا السيناريو مرتبط بشكل وثيق بتفضيلات روسيا الإستراتيجية في المنطقة، وموقف إسرائيل تجاه قوات وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني.
وأردفت: من الممكن القول إن النهج البراغماتي الذي ينتهجه ترامب قد يجلب لتركيا فرصا ومخاطر في علاقاتها مع الولايات المتحدة. فمن خلال التركيز على مصالحها المتوافقة مع سياسات واشنطن الإقليمية، يمكن لتركيا أن تحل بعض الملفات الشائكة مثل القيود المفروضة على صناعتها الدفاعية والدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب.
ومضت تقول: ويتطلب تحقيق ذلك استخداما فعّالا لقنوات الاتصال الدبلوماسية، وتعزيز التعاون الإستراتيجي. ومع ذلك، ونظرا لعدم القدرة على التنبؤ بسياسات إدارة ترامب وافتقارها إلى الاستقرار المؤسسي، سيكون من الضروري لتركيا أن تتبنى دبلوماسية مرنة ومتعددة الأبعاد".
أفضل من بايدن
من جانبه، يقول البروفيسور حسن أونال، الأستاذ في جامعة باشكنت في أنقرة لـ" الاستقلال" إن “ترامب يمكنه إقامة علاقات طبيعية مع أردوغان على عكس بايدن”.
وأضاف: "إذ كان بايدن، بكل معنى الكلمة، معاديا لتركيا والأتراك. حيث كان معارضا لتركيا في قضايا متعددة. كما أنه لم يعقد أي لقاء مع أردوغان في واشنطن، وحتى في قمم الناتو، كان يتجنب اللقاء به ما لم يكن ذلك ضروريا".
وتابع: "يمكن القول إن العلاقات التركية-الأميركية ستكون أفضل بكثير خلال فترة ترامب مقارنة بفترة بايدن".
وأردف: "من المحتمل أن يسحب ترامب القوات الأميركية من سوريا والعراق، وينهي دعمه لحزب العمال الكردستاني. ولا أعتقد أنه سيتخذ موقفا معاديا لتركيا فيما يخص قضايا قبرص واليونان كما فعل بايدن".
ومضى أونال يقول: “لا أعتقد أن الدولة العميقة الأميركية في عهد ترامب ستواصل سياساتها المناهضة لتركيا بخصوص حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب".
وأضاف: ورغم أن ترامب يبدو مؤيدا لإسرائيل، إلا أن احتمالية تحفيزه وإثارته لحرب ضد إيران ضعيفة، ومع ذلك، قد يواجه صعوبة في تحقيق توازن جيد في هذا الموضوع.
وبشأن القضية الفلسطينية، توقع أونال أن يقترح ترامب العودة إلى اتفاقيات أبراهام، "لكني أعتقد أن تنفيذ هذه الاتفاقية لن يكون سهلا".