صالح السامرائي.. عالم زراعة عراقي أسهم في اعتناق آلاف اليابانيين الإسلام
السامرائي أسس المركز الإسلامي في اليابان وجال دول العالم داعيا إلى الله
"نجم الدعوة، عالم زراعة، أكاديمي وباحث"، كل هذه الألقاب تطلق على الداعية الإسلامي العراقي، صالح مهدي السامرائي، الذي عرف بعمله في ميدان الدعوة الإسلامية طيلة أكثر من 50 عاما، وأغلبها كانت في اليابان منذ ستينيات القرن العشرين.
صالح السامرائي وافته المنية في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، في محل إقامته بالمملكة العربية السعودية عن عمر ناهز الـ92 عاما، ونعاه العديد من الشخصيات والمؤسسات الدينية حول العالم، إضافة إلى نعيه من سياسيين وأحزاب عدة في بلده العراق.
أكاديمي وباحث
ولد صالح مهدي السامرائي في مدينة سامراء بمحافظة صلاح الدين العراقية عام 1932، وهو ينتمي إلى قبيلة البازي العربية السنية، التي يرجع نسبها إلى آل بيت النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).
عاش السامرائي وترعرع في مدينة سامراء، وأكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية فيها، ثم انتقل إلى باكستان لدراسة البكالوريوس في العلوم الزراعية عام 1958، من جامعة البنجاب (حاليا أصبحت جامعة الزراعة).
نال درجة الماجستير في العلوم الزراعية من جامعة طوكيو، أكبر وأعرق الجامعات اليابانية عام 1964، ثم نال الدكتوراه من الجامعة نفسها في تخصص علوم النبات.
تزوج السامرائي في العراق عام 1968، ثم انتقل هو وعائلته إلى العيش في السعودية منذ ذلك التاريخ حتى وفاته، بعد مسيرة طويلة في مجالات التعليم والدعوة.
عمل في قطاع التعليم الجامعي من عام 1966 إلى 1968 في كلية الزراعة بجامعة بغداد، ثم انتقل إعارة إلى جامعة الرياض للتدريس في العلوم الزراعية، وأجرى هناك أبحاثا زراعية عديدة.
أسس السامرائي قسم زراعة المناطق الجافة في جامعة الملك عبد العزيز بجدة وترأسه (1980- 1996)، وقدّم العديد من الأبحاث ومقالات ومؤلفات عديدة في العلوم الزراعية.
المحطة الأولى
وبخصوص بدايات توجهه إلى الدعوة ورغبته في خوض غمارها، كانت باكستان أول دولة مسلمة رغب السامرائي في الذهاب إليها وإكمال دراسته الجامعية فيها، حسب مقابلة تلفزيونية له عام 2011.
وعن أسباب اندفاعه المبكر في حمل هم الدعوة إلى الله، قال: "تأثرنا بشيخنا (محمد محمود) الصواف، وهو وجهنا لهذا المنشأ، إضافة إلى أنني أنحدر من عائلة دينية، إذ تأثرت بداية بأهل الذكر ثم أصحاب الفكر والتبليغ".
بعدما أنهى البكالوريوس في باكستان، كان لديه قبول في جامعة جنيف لدراسة الاقتصاد الزراعي، لكن أحد الدعاة الباكستانيين نصحه بالتوجه إلى اليابان والدعوة فيها إلى الله، كونها بلدا كالبستان الكبير تدخل وتجني الفواكه، ومنهم من يسلم كالصحابة، وفق قوله.
غادر السامرائي لاستكشاف الأوضاع في اليابان عام 1958، عن طريق السفر إلى مدينة كلكتا الهندية، ثم التوجه بالباخرة إلى يوكوهاما اليابانية في رحلة استمرت 25 يوما.
راقت اليابان كثيرا للسامرائي، فقرر الإقامة والدراسة فيها، رغم أن مدة الماجستير هناك تستمر لـ 6 سنوات في جامعة طوكيو، وذلك على العكس من جامعة جنيف التي تبلغ سنوات الدراسة فيها النصف.
وأثناء مرحلة الدراسة أسس السامرائي "جمعية الطلبة المسلمين"، وكانت الأولى من نوعها في البلاد عام 1961، وبدأ في مهمة الاعتناء بالمسلمين الجدد.
فقد أرسل بعضهم للدراسة في مصر والسعودية، وكان عدد المسلمين وقتها لا يتجاوز ألفين فقط.
وبدأت الجمعية في ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة اليابانية، كأول عمل من نوعه ينفذه مسلمون خلافا للترجمات التي سبقتها.
إضافة إلى الدراسة والدعوة، كان السامرائي في تلك الفترة يعمل في مجال الإعلام، إذ اشتغل لمدة 3 سنوات مترجما ومذيعا للأخبار في الإذاعة اليابانية الناطقة باللغة العربية.
مبعوث الملك
بعد إكمال دراسته في اليابان، عاد السامرائي إلى العراق وعمل في جامعة بغداد لمدة عام ثم انتقل إلى السعودية للتدريس في جامعة الرياض (الملك سعود حاليا)، فهو أحد مؤسسي كلية الزراعة فيها.
واستمر في التدريس المملكة طيلة 14 عاما، وتخرج على يديه المئات من الطلبة، ليس من السعودية فقط وإنما من دول عربية وإسلامية عدة.
أثناء وجوده في جامعة الرياض، أجرى الملك السعودي الراحل، فيصل بن عبد العزيز، زيارة إلى اليابان عام 1971، وعندما استقبله المسلمون فيها، طلبوا منه أن يرسل السامرائي إليهم.
على ضوء ذلك، وبعد عودته إلى السعودية، كان الداعية العراقي الشيخ (محمد محمود) الصواف جليسا عند الملك فيصل، فأخبره أن اليابانيين يريدون السامرائي.
ويروي السامرائي: ثم أرسلني الملك فيصل مع ستة أشخاص كلهم تخرجوا في اليابان، وأسسنا المركز الإسلامي هناك عام 1973.
ويتابع أن تأسيس المركز الإسلامي كان بمثابة هيئة مستقلة غير تابعة إلى حكومة أو سفارة أو حزب وجماعة، وإنما خصص للدعوة إلى الإسلام الوسطي.
ثم بدأ المركز بإصدار الترجمات، حتى بلغت 60 كتابا وأبرزها كتاب “المدخل إلى الإسلام”.
وأسلم على يد المركز الإسلامي الآلاف من اليابانيين، إذ بقي هو المرجعية الوحيدة، رغم أن الجمعيات والمساجد كثرت بعدها.
فقد ساعد في إنشاء مسجد طوكيو بنحو 4 ملايين دولار، وبناء أول مدرسة للمسلمين في اليابان بتكلفة بلغت نحو 6 ملايين دولار.
وبات المركز الذي أسسه السامرائي، عاملا مساعدا للمؤسسات الإسلامية الأخرى، إضافة إلى أنه أنشأ مؤسسات لتستقل فيما بعد، وهي تخص التعليم والجامعة والوقف والإنترنت والإذاعة والمدارس، وذلك ضمن منهجية اللا مركزية، وإنما التوسع والاستقلال بعدها.
وبلغ عدد المساجد في اليابان حتى عام 2011، أكثر من 400 بعدما كان هناك مسجدان فقط.
إذ كان اليابانيون يعتبون على الدعاة المسلمين بقولهم: "لماذا أخرتم عنا نور الإسلام، وأوصلتموه إلى دول أخرى في شرق آسيا"، وفقا لما ذكره السامرائي خلال مقابلته.
نجم الدعوة
نذرَ السامرائي عمر وشبابه في خدمة الإسلام لأكثر من 50 عاما فقد كان يطلق عليه لقب “نجم الدعوة” في العمق الياباني.
فمع تأسيس وتحريك دفة الدعوة بالمركز الإسلامي في اليابان، جال الداعية العراقي العالم في نصرة الإسلام وقضاياه ونشر الدين.
عندما كان طالبا في باكستان أنشأ مشروعا استبيانيا كان يختار بموجبه شخصا من كل بلد ويرسل إليه لمعرفة أحوال المسلمين.
ومنذ إكماله الدراسة في اليابان، بدأ السامرائي يزور دول العالم، إذ أجرى زيارة إلى الولايات المتحدة الأميركية، وكذلك دول جنوب القارة الإفريقية، لدعوة الناس هناك إلى دين الإسلام.
وفي عام 1978، غادر مع نعمان عبد الرزاق السامرائي (داعية عراقي) إلى جنوب إفريقيا للدعوة إلى الله، ضمن بعثات كان يرسلها مفتي السعودية الأسبق الشيخ عبد العزيز بن باز إلى دول العالم.
وأثمرت زيارة السامرائي إلى جنوب إفريقيا لدعوتهم إلى الإسلام، بإرسال الأموال للمساعدة، ونتج عنها بناء المساجد ومساكن للعجزة، بملايين الدولارات.
وبعدها توجه السامرائي إلى قارة أستراليا وما حولها، وكان سببا في تغيّر أحوال مئات الجزائريين المنفيين منذ أيام الاحتلال الفرنسي للبلاد، وذلك ببناء مركز إسلامي ومسجد لهم، ليسهم في ربطهم ببلدهم الأم الجزائر.
ومن بلدان العالم التي زارها السامرائي في ميدان الدعوة كانت دول أميركا الجنوبية، وتحديدا الأرجنتين وتشيلي والبرازيل.
وكان يصف البرازيل بأنها كنز، إذ كان عدد سكانها 180 مليونا، 70 بالمئة منهم من أصول إفريقية، وقد بدأ الكثير منهم بالعودة للإسلام وقتها.
وبحسب السامرائي، هذه الدول (البرازيل والأرجنتين وتشيلي وحتى المكسيك)، بالإمكان أن تصبح بلدانا مسلمة بسرعة الهواء، لو تركزت فيها الدعوة الإسلامية، فهي بلدان مثل "الجنة".
وعمل الداعية الراحل مستشارا للندوة العالمية للشباب الإسلامي، وعضوا سابقا في المجلس العالمي للمساجد، وعضوا مؤسسا في هيئة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة.
إضافة إلى أنه كانت مستشارا للعديد من المنظمات الإسلامية العالمية، فضلا عن كونه رئيسا لمركز يحمل اسمه "صالح السامرائي" للدراسات والبحوث وشؤون الإسلام في اليابان.