الكنيسة الأرثوذكسية الروسية.. هكذا أفتت لبوتين بجواز غزو أوكرانيا
اتهم رجال الدين الأرثوذكس الروس بالتعاون مع أجهزة الأمن الروسية
أثرت سياسات الكنيسة الأرثوذكسية الروسية المؤيدة بشدة لغزو أوكرانيا على سمعة هذه المؤسسة الدينية في الخارج كونها تمارس دورا أشبه بـ "تسليح الدين" خدمة للكرملين.
وفي الوقت الراهن بدأت تتزايد عمليات حظر فرع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في عدد من الدول، متهمين إياها بالتحول من منظمة دينية روحية حصرية، إلى أداة نشطة للقوة الناعمة للحكومة الروسية.
يد الكرملين
وأقر المشرعون الأوكرانيون في 20 أغسطس/آب 2024 قانونا يفرض حظرا على أنشطة فرع مرتبط بروسيا من الكنيسة الأرثوذكسية مما يمهد الطريق لقطيعة تاريخية مع مؤسسة اتهمتها كييف بالتواطؤ في غزو موسكو لأوكرانيا.
وأغلبية الأوكرانيين هم من المسيحيين الأرثوذكس ولكن الإيمان منقسم إلى فرع واحد مرتبط تقليديا بالكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وأخرى مستقلة في أوكرانيا، معترف بها من قبل التسلسل الهرمي الأرثوذكسي العالمي منذ عام 2019.
واتهم الزعماء الأوكرانيون الكنيسة البطرسية الأوكرانية المرتبطة بموسكو بالتحريض على الحرب، من خلال نشر الدعاية الموالية لروسيا وإيواء الجواسيس.
في عام 2023 طردت بلغاريا ثلاثة كهنة- اثنين من بيلاروسيا وواحد روسي- يعملون لدى الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، مستشهدة بأسباب تتعلق بالأمن القومي.
ولهذا كانت خطوة كييف ضد فرع من هذه الكنيسة يُنظر إليه بصفته مواليا لموسكو بمثابة لحظة فاصلة أخرى في صراع دام عقودا من الزمان لتحديد الهوية الأرثوذكسية لأوكرانيا.
ولكن في عدد متزايد من البلدان الأخرى، تجد الكنيسة الروسية صعوبة في مواصلة عملياتها مع تحول المزيد من السلطات إلى عين ناقدة تجاه وجودها.
والكنيسة الأرثوذكسية الروسية، هي أكبر وأغنى وحدة واحدة بين جميع الكنائس الشرقية، لقرون وتدعي أنها الموطن الحقيقي للمسيحية الأرثوذكسية.
وقد برز بطريرك موسكو ورئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية كيريل الأول، كبطانة دينية واسعة الأفق في تبرير الحرب على أوكرانيا التي يقودها الرئيس فلاديمير بوتين.
فمنذ البداية اهتم كيريل باستعمال التوصيفات الدينية لحشد التأييد الشعبي لقتال الأوكران، حتى وصل به الأمر لإصدار "فتوى نارية" قال فيها: "إن الموت أثناء القتال في أوكرانيا يغسل كل الذنوب".
وكان البطريرك كيريل أحد الذين وفروا لبوتين خلطة "قومية دينية" ليجيز لحاكم روسيا الأوحد غزو أوكرانيا فجر 24 فبراير/ شباط 2022.
وفي منتصف مايو/أيار 2024، نقلت إذاعة ERR الإستونية، عن وزير الداخلية الإستوني لوري لانيميتس قوله إنه يتطلع لصدور بيان من ممثلي الكنيسة الأرثوذكسية الإستونية التابعة لبطريركية موسكو، يعترفون فيه بأن أنشطة كيريل، تشكل "هرطقة" ومن ثم قطع علاقاتها معه.
وأضاف: في حال الهرطقة، أو اتباع تعاليم مغلوطة، هناك قانون في الكنيسة الأرثوذكسية يسمح للرعايا باتخاذ خطوات مستقلة، وإنهاء الولاء والعهود السابقة.
وأعرب لانيميتس عن أسفه لأن ممثلي الكنيسة الأرثوذكسية المحلية لم يصفوا نهج البطريرك كيريل بالهرطقة.
والهرطقة يطلق عليها أيضا الزندقة، وهي تغيير أو تحريف العقيدة أو منظومة معتقدات مستقرة، وبخاصة المتعلقة بالدين.
وأشار الوزير الإستوني إلى أن هدف سلطات البلاد هو وضع حد لروابط التبعية القانونية والدينية لموسكو.
بدورها ذكرت صحيفة "بوستيميس" الإستونية في مايو 2024 أن البرلمان الإستوني تبنى بيانا صنف فيه بطريركية موسكو" بأنها منظمة داعمة للعدوان العسكري في أوكرانيا".
المسيحية الأرثوذكسية
ويتمزق شيئا فشيئا نفوذ الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في أوكرانيا، البلد المستقل منذ 33 عاما الذي يقاتل الآن من أجل حياته في حرب تشنها موسكو.
وفي كل من روسيا وأوكرانيا، فإن "المسيحية الأرثوذكسية" هي التقليد الديني السائد.
ووفقا لمسح أجرته مؤسسة "بيو" الأميركية عام 2015، فإن 71 بالمئة من الروس و78 بالمئة من الأوكرانيين عرفوا أنفسهم بأنهم أرثوذكس.
وفي نظر بطريركية موسكو، فإن الروس والأوكرانيين شعب واحد؛ لذلك يجب أن توحدهم كنيسة واحدة.
لكن في العام الأول من الغزو الروسي لأوكرانيا تنبهت كييف لدور الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في الدعاية الدينية لسياسات بوتين وتبرير الهجوم.
إذ طرح النواب في البرلمان الأوكراني في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 مشروع قرار لحظر جميع المنظمات التي تعد جزءا من الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، أو تلك التي تدين "بالتبعية لها في الأمور القانونية والتنظيمية وغيرها".
وصرح هؤلاء النواب بأن ما جرى العثور عليه في "دير كييف بيتشيرسكايا لافرا" المسيحي يشير إلى "تشكيل عش للكرملين مناهض لأوكرانيا".
وحينها قالت إدارة جهاز أمن الدولة الأوكراني في 22 نوفمبر 2022 إن عناصرها عثروا على "أدبيات موالية لروسيا"، وأموال بأكثر "من 2 مليون غريفنا– 54 ألف دولار أميركي، وكذلك 100 ألف دولار، وعدة آلاف روبل روسي".
وأكدت هيئة الأمن الأوكرانية رسميا في الأول من أبريل/نيسان 2023 أنها قدمت إشعارا بالشك إلى المطران بافلو من الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، وهو رئيس دير سابق في دير كييف بيتشرسك لافرا الشهير، وفتشت مسكنه.
وقال جهاز الأمن الأوكراني في رسالة على تطبيق تلغرام حينها إنه جمع "أدلة معقولة بشأن تورط بافلو، في التحريض على العداء الديني وتبرير وإنكار العدوان المسلح للاتحاد الروسي ضد أوكرانيا".
وعلى وجه الخصوص، "ثبت أنه في خطاباته العامة، أهان بافلو مرارا وتكرارا المشاعر الدينية للأوكرانيين.
كما أهان آراء المؤمنين من الديانات الأخرى، وحاول التحريض على مواقف عدائية تجاههم، فضلا عن الإدلاء بتصريحات تبرر أو تنكر تصرفات الدولة المعتدية، كما جاء في الرسالة.
وأمام ذلك، فإن خطاب الكنيسة الأرثوذكسية الروسية المؤيد للكرملين، يجعل منها "أكثر عدوانية وأكثر وضوحا" في الدعاية الروسية في الخارج.
وهذا التعصب يزيد النفور لدى فروع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في الخارج.
ولا سيما أن بطريرك موسكو ورئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية كيريل الأول يتمسك بموقفه من أن غزو أوكرانيا هي "حرب مقدسة".
"تسليح الدين"
لذلك، فإن القانون الجديد في أوكرانيا الذي يحظر أنشطة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية يهدف إلى منع "تسليح الدين" في البلاد، وفقا لرئيس الكنيسة الكاثوليكية اليونانية الأوكرانية سفياتوسلاف شيفشوك.
وقال شيفشوك إن روسيا استخدمت الكنيسة "كأداة للعسكرة". ووصفها بأنها تُستخدم "كسلاح عصبي" ــ أي شيء "مؤثر على الأعصاب" يؤثر على الأنسجة العصبية في أعماق الجسم.
وفي حديثه إلى المسؤولة الحكومية الألمانية ليزا جيكي، قال شيفشوك في 22 أغسطس 2024 إن القانون الجديد يهدف أيضا إلى توفير الحماية ضد الأيديولوجية والروايات التي يتم دفعها حول كون أوكرانيا جزءا من "العالم الروسي" وحول إقامة "سلام روسي" في أوكرانيا.
والملاحظ أن الغزو الروسي لأوكرانيا أضر بسمعة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، والذي اهتز لأول مرة في أعقاب احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014، وحينها ابتعدت الكنائس الأوكرانية أكثر فأكثر عن موسكو.
وضمن هذا السياق، قال فلاديمير ليبارتيلياني، وهو باحث في جامعة دورهام في بريطانيا: "لم يكن سرا أبدا أن روسيا تستخدم الكنيسة والقيم الأرثوذكسية كجزء مهم من سياستها الخارجية".
وأضاف ليبارتيلياني في نهاية أغسطس 2024 لإذاعة صوت أوروبا: "عندما تحظر الدولة وتقيد نفوذ الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، فإنها تحاول في الأساس الحد من تأثير القوة الناعمة الروسية".
وعلاوة على ذلك، تابع أنه: "من الأهمية بمكان بالنسبة للعديد من الدول الأوروبية معالجة هذه القضية لأن الروايات الدينية والمحافظة الروسية معادية للغرب ومعادية لليبرالية إلى حد كبير، ولا ينبغي الاستهانة بخطورتها".
وقال رئيس الكنيسة الأوكرانية، المطران إبيفاني في 20 أغسطس 2024، "إن حماية شعبنا من العدوان الروسي تتطلب منا أن نعمل معا في جميع المجالات، وليس فقط في ساحة المعركة، فبدون الاستقلال الروحي عن الإمبراطورية الشريرة الروسية، لا يمكننا أن نتحدث عن استقلالنا الحقيقي".
واتهمت عدة دول في شرق أوروبا، أعضاء من رجال الدين الأرثوذكس الروس بالتعاون مع أجهزة الأمن الروسية، والترويج لسياسة الكرملين داخل الكنيسة وحتى تجنيد جواسيس من الداخل.
وتأتي تلك التحذيرات الغربية مع توارد الدلائل عن محاولة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية خلق حالة تأييد مسيحية للكرملين في دول أوروبا الشرقية.
وقد طردت بلغاريا رئيس البلاط الروسي في صوفيا الأرشمندريت فاسيان "زمييف"، حسبما أكدت وكالة الدولة للأمن القومي (DANS) في 22 سبتمبر/أيلول 2023.
ووقتها طرد القس من البلاد مع اثنين من المسؤولين الآخرين، من مواطني بيلاروسيا، وجرى إدراج فاسيان على أنه تهديد للأمن القومي.
وآنذاك قال أتاناس أتاناسوف، الذي ترأس اللجنة البرلمانية في بلغاريا لمراقبة الخدمات: "يعلم الجميع في DANS أن هذا القس هو ممثل للمخابرات الروسية يرتدي رداء.
وتابع: "أسأل أجهزة مكافحة التجسس البلغارية: ألا يخجلوا من حقيقة أن الشخص الذي يعيش ويطور أنشطة المخابرات في بلغاريا طُرد من مقدونيا، ويعيش هنا في راحة".
ووفقا للأجهزة البلغارية، فهناك بيانات عن الإجراءات "المتعلقة بتنفيذ عناصر مختلفة من الإستراتيجية الهجينة للاتحاد الروسي للتأثير بشكل هادف على العمليات الاجتماعية والسياسية في جمهورية بلغاريا لصالح المصالح الجيوسياسية الروسية".
وكان رئيس مقدونيا الشمالية، ستيفو بينداروفسكي، قال في سبتمبر 2023، إن أجهزة الأمن تلقت معلومات من الأجهزة الشريكة تفيد بأن أعضاء المجمع المقدس لبطريركية موسكو يعملون لصالح المخابرات الروسية، لكنه لم يذكر أسماء.
المصادر
- Pro-War Policies Put Russia's Orthodox Church Under Increasing Pressure Outside Russia
- Какво е правил архимандрит Васиан, преди България да го изгони
- الكنيسة الأرثوذكسية الروسية تعلق على اتهام وزير الداخلية الإستوني بــ "الهرطقة"
- زيلينسكي يطرد رهبان أقدم الأديرة الروسية في كييف
- New law banning Russian Church defended by Ukraine’s top Catholic archbishop