"قرارات مسيّسة".. هكذا تحوّلت السلطة القضائية في العراق إلى أداة بيد إيران

يوسف العلي | 4 months ago

12

طباعة

مشاركة

على مدار 20 عاما، تطال السلطة القضائية في العراق، لا سيما مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية، اتهامات كثيرة تتعلق بانحيازها السياسي وتغوّل جهات خارجية فيها، وبالتالي مصادرة قراراتها التي تخص كبرى القضايا السياسية في البلاد.

وكان المكونان السني والكردي من أبرز ضحايا قرارات السلطة القضائية في العراق، لكن الأول وقع عليه الحجم الأكبر من الضرر، وذلك باستهداف متسمر طال أبرز شخصياته تارة، وإفشال مساعيهم في نيل حقوقهم السياسية تارة أخرى.

يسلط تقرير "الاستقلال" الضوء على أبرز قرارات السلطة القضائية في العراق، والاتهامات التي طالتها من القوى السياسية العراقية، وحتى من بعض الشخصيات الأميركية وسائل الإعلام الغربية، بالتسييس والخضوع لقوى أخرى، إضافة لتغوّل إيران على القضاء العراقي وقراراته.

خاضع للتهديد

لعل آخر قرارات المحكمة الاتحادية العليا هو ما صدر في 7 مايو/أيار 2024، بإلغاء حكم أصدرته في 21 فبراير/شباط، وتسبب بأزمة حادة مع إقليم كردستان العراق، وذلك بعدما قلّصت عدد مقاعد برلمان الإقليم وآلية توزيعها، ولاسيما بين الأقليات هناك.

تراجع المحكمة عن قرار تقليص المقاعد وآلية توزيعها، جاء بعد يومين من زيارة أجراها رئيس إقليم كردستان، نيجيرفان البارزاني، إلى إيران ولقائه بالمرشد الأعلى علي خامنئي، والتي كشفت وسائل إعلام فور وصوله إلى طهران أنه يسعى إلى تأجيل الانتخابات البرلمانية للإقليم.

وعلى ضوء ذلك، رأت الناشطة السياسية العراقية، زينة الصعب عبر تغريدة على منصة "إكس" في 7 مايو، أن قرار المحكمة الاتحادية ما هو إلا نتاج لزيارة نيجيرفان البارزاني إلى إيران.

وفي قرار آخر أثار الجدل كثيرا في البلاد، أطاحت المحكمة الاتحادية بزعيم حزب "تقدم" (السني) محمد الحلبوسي، من منصب رئيس البرلمان العراقي، والذي يعد أعلى منصب مخصص للسنة في الدولة العراقية، حسب العرف السياسي المتبع في البلاد بعد عام 2003.

ورغم أن الحلبوسي أقدم على تزوير كتاب طلب استقالة لأحد نواب البرلمان واستخدمها لإقالته، لكن قرار المحكمة الاتحادية بإطاحته كان يحمل بعدا سياسيا أكثر منه قانونيا، لأنه ليس من ضمن صلاحياتها الواردة في المادة 93 من الدستور العراقي.

بحسب المادة الدستورية رقم 93، فإن أبرز صلاحيات المحكمة العليا تتمثل في "الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، وتفسير نصوص الدستور، والفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية، والقرارات والأنظمة والتعليمات والاجراءات الصادرة عن السلطة".

وفي 2010 فازت القائمة العراقية (السنية) بزعامة إياد علاوي، السياسي الشيعي العلماني المدعوم سعوديا حينها، بأعلى عدد مقاعد في الانتخابات.

ولكن تدخلت المحكمة الاتحادية ومنعت توليه رئاسة الحكومة، بقرار أن "الكتلة الأكثر عددا لتشكيل الحكومة هي من تتشكل داخل البرلمان وليس من تفوز بالانتخابات".

وخلال مقابلة تلفزيونية مع قناة "الحرة" الأميركية في أكتوبر/ تشرين الأول 2010، أقرّ زعيم مليشيا "بدر" الموالية لإيران هادي العامري، أننا "كنا نهدد القضاء، وهو مجبر أن يخضع للتهديد، وذلك بضغطنا عليه في أكثر من قضية ولاسيما التي تتعلق بالفساد".

وأوضح العامري حينها أن "جميع السياسيين يتحملون مسؤولية الأخطاء الماضية، لأن الملفات في القضاء كان يؤخذ فيها موضوع التوازنات السياسية، على فرض أن الملف الفلاني يستهدف السنة والآخر الأكراد، وبعضها يطال التيار الصدري".

قرارات مسيّسة

قوى سياسية منها التيار الصدري، بزعامة مقتدى الصدر، وصفت قرارات القضاء بأنها "مسيسة"، بعدما أخفق الأخير بتشكيل الحكومة، لأن المحكمة اشترطت تحقيق نصاب الثلثين بالبرلمان (220 نائبا من أصل 329)، لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية، الذي يكلف مرشح الكتلة الأكبر في تشكيلها.

ويتهم مقتدى الصدر السلطة القضائية بشقيها، مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية، بمسايرة قوى "الإطار التنسيقي" الشيعي في قراراته، حسب بيان له في 17 مايو 2022.

وعلى إثر ذلك أعلنت الكتلة الصدرية (73 نائبا) في يونيو 2022 الاستقالة من البرلمان، رغم أنها كانت تشكل تحالفا مع تكتل السيادة السني (60 نائبا) والحزب الديمقراطي الكردستاني (33 نائبا) من أجل تشكيل حكومة الأغلبية السياسية (تضم القوى الفائزة بأعلى المقاعد).

وهو ما رفضه الإطار التنسيقي الشيعي وشكل مع حلفائه ما يسمى "الثلث المعطل" بالبرلمان لإعاقة انتخاب رئيس الجمهورية في العراق.

وفي فبراير 2022 أصدرت المحكمة الاتحادية في العراق (أعلى سلطة قضائية في البلاد) قرارا باستبعاد القيادي الكردي، هوشيار زيباري، نهائيا عن الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية بعد تعرضه لاتهامات بالفساد، التي نفاها الأخير بشدة وعدها استهدافا سياسيا.

وكان هوشيار زيباري مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني، أحد أبرز الأحزاب السياسية الكردية الذي يتزعمه مسعود بارزاني.

وتلقى زيباري الدعم من مقتدى الصدر الزعيم الشيعي الذي يترأس الكتلة الصدرية والتي فازت بأكبر عدد مقاعد في البرلمان.

وفي 9 أبريل/ نيسان 2024، قال الإعلامي العراقي، عثمان المختار عبر "إكس" إنه منذ مطلع يناير/كانون الثاني 2022 ولغاية مارس/آذار 2024، أصدرت المحكمة الاتحادية في العراق 11 حُكما صبت بصالح تحالف الإطار التنسيقي، المدعوم من إيران، وأدت بالنتيجة إلى إضعاف موقف الصدر والقوى الكردية والسُنية.

وفي السياق ذاته، قال الباحث السياسي العراقي يحيى الكبيسي، إن “القضاء في العراق يمكن أن يكون أداة فاعلة وجوهرية في بناء الدولة والمجتمع، ويكون في الوقت نفسه عاملا من عوامل تقويضهما”.

وتابع خلال مقال نشرته صحيفة "القدس العربي" في 26 أغسطس/ آب 2021 أن "مراجعة سلوك القضاء العراقي يكشف، بما لا يدع مجالا للشك، أنه تحول إلى عامل رئيس في مسار هذا التقويض".

وأوضح أنه "في تاريخ الدولة العراقية (1921 ـ 2003)، لم يعرف القضاء الاستقلالية عن السلطة التنفيذية، ويعود الفضل للاحتلال الأميركي الذي أعاد تشكيل مجلس القضاء الأعلى، وكذلك من خلال قانون إدارة الدولة المؤقت الصادر في مارس 2004 والذي تبنى مبدأ الفصل بين السلطات".

وذكر أن “الوقائع اللاحقة أثبتت أن الطبقة السياسية العراقية، والقضاء نفسه، ليسوا مؤهلين حتى اللحظة لهذا الأمر”.

ومضى يقول: "فشل القضاء العراقي، في استثمار هذه الاستقلالية، وبقي خاضعا لسلطة الفاعلين السياسيين الأقوى، ومحكوما بعلاقات القوة المتغيرة بعد عام 2003".

تغوّل إيراني

وعلى وقع قرارات السلطة القضائية واستجابتها للقوى والمليشيات الموالية لإيران، أعلن السيناتور الجمهوري، مايك والتز، عضو لجنتي القوات المسلحة والشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي، استعداده لتصنيف مجلس القضاء الأعلى في العراق ورئيسه فائق زيدان على أنهما "أصول تسيطر عليها إيران".

وأوضح خلال تصريحات لموقع "واشنطن فري بيكون" الأميركي في 30 يونيو 2024، أنه سيقدّم تعديلا على "مشروع قانون الأصول الأجنبية"، في الكونغرس الأميركي، وسيكون أول تشريع يسمي قادة ومسؤولين عراقيين بالاسم بافتراض أنهم يمكنون إيران من التحكم في زمام الأمور في العراق.

وقال والتز إن "نظام طهران يحتاج أن يفهم أن الكونغرس الأميركي لن يسمح للمرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، بتحويل العراق إلى دولة عميلة".

وفي 8 أكتوبر 2023، أفادت قناة "فوكس نيوز" الأميركية بإلغاء واشنطن زيارة، فائق زيدان، بسبب "قربه" من الحرس الثوري الإيراني، وإصداره مذكرة قبض بحق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، لإعطائه أمرا باغتيال قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، في بغداد عام 2020.  

ونقل تقرير القناة عن ريتشارد غولدبرغ، أحد كبار مستشاري مؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات" ومقرها واشنطن، قوله: "على وزارة العدل الأميركية عدم استضافة رجل الحرس الثوري الإيراني في بغداد الذي يريد محاكمة الأميركيين بتهمة قتل الإرهابيين. لا ينبغي السماح لزيدان بدخول أميركا".

وبحسب الدستور العراقي، تنقسم السلطة القضائية في العراق إلى مؤسسات قضائية عدة.

لكن أبرزها وأكثرها سلطة: مجلس القضاء الأعلى، والمحكمة الاتحادية العليا، ويعد الأول الجهة الإدارية العليا للقضاء العادي ومقره في العاصمة بغداد ويختص بإدارة القضاء العادي.

ووفقا للمحاصصة الطائفية في مناصب الدولة العراقية، فإن منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى من المفترض أن يكون من حصة المكون السني، إلا أن ذلك جرى الالتفاف عليه، وعيّن القاضي فائق زيدان (شيعي) رئيسا له منذ عام 2017.

أما المحكمة الاتحادية العليا، التي تعد من حصة المكون الشيعي، فهي هيئه قضائية اتحادية لديها سلطة الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة وتفسير نصوص الدستور واختصاصات أخرى نص عليها الدستور.

وتتألف المحكمة الاتحادية من 12 قاضيا يمثلون مختلف المكونات العراقية، ويتولى رئاستها حاليا القاضي، جاسم العميري-الذي ينتمي إلى مليشيا منظمة بدر-، فضلا عن 8 قضاة أعضاء أصلاء في المحكمة.

فيما ضم المرسوم أيضا 3 أعضاء احتياط، وكلهم يجري اختيارهم بالتزكية من القوى السياسية ويؤدون اليمين أمام الرئيس العراقي.