"نموذج غير إنساني".. كيف تخطط إيطاليا لإيواء المهاجرين في ألبانيا؟

3 months ago

12

طباعة

مشاركة

تواصل إيطاليا جهودها في دعم فكرة إنشاء مراكز احتجاز للمهاجرين في ألبانيا، في خطوة عملية تكشف مدى صلابة موقف روما المتشدد حيال الهجرة غير الشرعية.

ووافقت تيرانا بموجب اتفاق مثير للجدل مع روما في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 على استقبال طالبي اللجوء الذين يجرى إنقاذهم في البحر قبالة إيطاليا.

وضمن هذه العملية، يجرى تسجيلهم في مركز في البحر الأدرياتيكي ونقلهم بعد ذلك إلى مركز آخر في مناطق داخلية ريثما تجري معالجة طلباتهم.

إيطاليا والهجرة

وقد جرى استكمال إنشاء مركز لاحتجاز المهاجرين في مدينة شينجن الألبانية، أما مركز معالجة طلبات اللجوء في منطقة غيادر فلم يجهز بعد ولم يعلن بعد عن موعد استكماله.

والموقع في غيادر كان مطارا عسكريا في السابق، وقد وصلت إليه الأبنية مسبقة الصنع وبدت مناسبة كمكاتب للموظفين لا للسكن.

ويتسع المركزان اللذان ستديرهما إيطاليا لـ3000 طالب لجوء كحد أقصى.

وبموجب الاتفاق كان يجب أن يدخل المركزان الخدمة في ربيع عام 2024، وأن يظلا تحت الولاية القضائية الإيطالية لـ 5 سنوات.

وبهذا القانون، تعترف ألبانيا بحق إيطاليا في استخدام مناطق معينة، مُنحت مجانا طوال مدة البروتوكول، لبناء هياكل على الحدود أو إعادة المهاجرين غير المستحقين إلى وطنهم.

وستدفع إيطاليا كلفة بناء المركزين كما ستتحمل التكاليف المرتبطة بالأمن والرعاية الصحية، والتي تقدّر بما بين 650 و750 مليون يورو على مدى السنوات الخمس الأولى.

وتسمح السلطات الألبانية المختصة بالدخول والبقاء في الأراضي الألبانية للمهاجرين الذين يجري الترحيب بهم في هذه المرافق لغرض وحيد هو تنفيذ إجراءات الحدود أو الإعادة إلى الوطن التي تتطلبها التشريعات الإيطالية والأوروبية والوقت اللازم لذلك.

وفي حالة انتهاء الحق في الإقامة في المرافق، لأي سبب من الأسباب، ينقل الطرف الإيطالي المهاجرين على الفور إلى خارج الأراضي الألبانية.

كما تقع مسؤولية النقل من وإلى المرافق نفسها على عاتق السلطات الإيطالية المختصة.

ويدخل المهاجرون إلى المياه الإقليمية وإلى أراضي جمهورية ألبانيا حصرا بوسائل السلطات الإيطالية المختصة.

ولضمان حق الدفاع، تسمح الأطراف بالحصول على التسهيلات للمحامين ومساعديهم، فضلا عن المنظمات الدولية ووكالات الاتحاد الأوروبي التي تقدم المشورة والمساعدة لطالبي الحماية الدولية، ضمن الحدود التي ينص عليها التشريع الإيطالي والأوروبي والدولي.

كما سيتم بناء سجن حقيقي داخل مركز الإنقاذ بمنطقة غيادر، بسعة قصوى تصل إلى 20 محتجزا، ضمن إمكانية وضع بعض المهاجرين المحتجزين في المراكز رهن الاحتجاز الاحترازي. 

وسيتكلف بناء الهيكل 8 ملايين دولار، لكن إحدى النقاط الأكثر مناقشة تتعلق بإرسال 46 ضابط شرطة من السجون إلى ألبانيا، أي أكثر من اثنين لكل سجين.

وصوت نواب البرلمان الإيطالي في يناير/كانون الثاني 2024 لصالح الاتفاق إذ دعمه مجلس النواب بغالبية 155 صوتا مع معارضة 115 وامتناع نائبين عن التصويت.

وتشكو إيطاليا منذ فترة طويلة عدم حصولها على مساعدة كافية من شركائها في الاتحاد الأوروبي بالتعامل مع المهاجرين الذين يصلون إلى شواطئها من شمال إفريقيا.

ولإيطاليا سواحل تمتد على مسافات طويلة على البحر الأبيض المتوسط، لذا يصلها أعداد هائلة من الوافدين بطريقة غير قانونية. 

والبيانات الجديدة من وزارة الداخلية الإيطالية حسبما نقلتها "وكالة نوفا" المحلية في 5 يوليو 2024 تؤكد تباطؤ وصول المهاجرين إلى إيطاليا عن طريق البحر في النصف الأول من عام 2024. 

ووصل ما لا يقل عن 25.692 شخصا إلى الشواطئ الإيطالية حتى 5 يوليو، بانخفاض 60,85 بالمئة مقارنة بـ 67.102 وافدا في نفس الفترة من عام 2023.

ويأتي معظم المهاجرين إلى إيطاليا من جنسيات دول إفريقيا جنوب الصحراء، وبنغلاديش وسوريا وتونس وغينيا، ومصر وباكستان وغامبيا، والسودان ومالي وإيفواريا ودول أخرى بأعداد قليلة.

وتحرص رئيسة الوزراء الإيطالية اليمينية جورجيا ميلوني على اتخاذ إجراءات جديدة مع ارتفاع عدد المهاجرين بنسبة 55 بالمئة عام 2024.

وكان القلق العام من تدفق المهاجرين غير الشرعيين عبر المتوسط أحد المواضيع الأساسية التي أوصلت ميلوني وهي من اليمين المتطرف إلى السلطة في 2022.

ولهذا يشكل هذا النموذج مع ألبانيا اختبارا لمدى قوة موقع ميلوني التي تقود ثالث أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي.

عقبات واضحة

وفي 3 يونيو 2024 زارت ميلوني ألبانيا، وأعلنت من هناك أن الموقعين المخصصين لاستقبال واحتجاز المهاجرين سيستقبلان أول ألف مهاجر في تلك الدولة البلقانية مطلع أغسطس 2024 ولكن كثيرين يشككون بذلك بما أن أعمال الإنشاءات ما تزال تجري على قدم وساق في أحد الموقعين.

المحامية لوريدانا ليو التي تقيم في روما وهي عضو في جمعية للمحامين والباحثين المستقلين الذين يشتغلون على حقوق المهاجرين، قالت لوكالة الصحافة الفرنسية في 30 يوليو 2024، بأنها لم تتفاجأ أبدا بعدم التزام حكومة إيطاليا بخططها التي تعتزم من خلالها إرسال المهاجرين إلى ألبانيا,

وليو كانت إحدى المحاميات اللواتي مثلن جمعيتها في زيارة للموقعين المقترحين في ألبانيا في يونيو 2024.

وخلال تلك الرحلة التي امتدت لخمسة أيام، التقى أعضاء الجمعية بعدد من المتحدثين والناشطين وأعضاء في منظمات المجتمع المدني.

وعن ذلك تقول ليو: "كانت أعمال الإنشاءات ماتزال جارية، خاصة في الموقع الثاني الذي يعرف باسم غيادر، لذا كان واضحا أن تلك الأعمال لن تنتهي في غضون شهرين".

ويستحيل عمليا تنفيذ عملية الفحص فيما يتصل بتحديد جميع الفئات المستضعفة في أثناء تنفيذ عملية الإنقاذ في عرض البحر.

 وعلى الرغم من أن طالبي اللجوء الذين لديهم احتياجات خاصة يجب أن ينقلوا إلى إيطاليا، من المستحيل أيضا تحديد تلك الفئات قبل أن يحطوا الرحال في شينجن الألبانية وهي مدينة سياحية ساحلية تقع في شمال غربي البلاد، وقد شارف العمل في الموقع الموجود فيها على الانتهاء.

وأعلنت السلطات الإيطالية بأن المركزين مخصصان للرجال البالغين أما الفئات الضعيفة التي تضم النساء والأطفال والعجائز والمرضى فستبقى في إيطاليا، ولن يجري فصل العائلات عن بعضها بموجب هذه الاتفاقية.

غير أن المحامية ليو ذكرت بأن المستشارين العامين المعنيين بإدارة المقرين التابعين لإيطاليا قالوا إن هناك بنودا تخص القاصرين والحوامل في الاتفاقية.

وهذا ما دفع ليو للقول: "لم ترد الحكومة الإيطالية على طلبنا بالنسبة لدخول المَقرين، ولهذا لا يمكننا أن نتحدث عن شكل ظروف العيش هناك، كما أن عدم وضوح الإجراءات العملية حتى الآن يعد أمرا مقلقا للغاية".

ويتوقع أن تستغرق معالجة طلبات اللجوء حوالي شهر، وبذلك سيصل عدد طالبي اللجوء الذين يجري إرسالهم إلى ألبانيا لـ 36 ألف مهاجر في العام الواحد.

في المقابل، دافع رئيس الوزراء الألباني إيدي راما، عن الاتفاق مع إيطاليا، وقال في 3 يونيو 2024 إن ألبانيا التي تسعى للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي المكوّن من 27 دولة "تظهر تضامنا حيال مشكلة ديموغرافية تواجه أوروبا اليوم".

ولا سيما أن البرلمان الألباني أقر في 22 فبراير/شباط 2024 الاتفاق مع إيطاليا الذي كان يحتاج لغالبية بسيطة بعدما حصل على تأييد 77 نائبا في البرلمان المكون من 140 مقعدا، فيما قاطعت المعارضة التصويت.

إذ قال زعيم المعارضة الألبانية اليمينية غزمنت باردي للصحافيين إن "اتفاق الهجرة يضر بالأمن القومي وسلامة الأراضي والمصلحة العامة".

من جهتها أفادت منظمة "سي ووتش" الإيطالية غير الحكومية "عندما نرى الظروف في مراكز الاحتجاز الإداري هنا في إيطاليا، يتوقع أن تشكل المراكز الجديدة في ألبانيا كارثة جديدة لحقوق الإنسان".

علاوة على ذلك نددت لجنة الإنقاذ الدولية باتفاق روما مع  تيرانا على تقدير أنه "يفتقر إلى الإنسانية" بينما وصفته منظمة العفو الدولية بأنه "غير قانوني ولا قابل للتطبيق".

كما انتقد مؤتمر الأساقفة الإيطاليين الاتفاقية ووصفها بأنها "مضيعة للمال" والهدف منها التستر على "عجز الحكومة في التعامل" مع تلك المشكلة.

"كارثة جديدة"

وهذه الدولة التي تسعى إيطاليا لاحتجاز المهاجرين فيها، تشهد هجرة جماعية من مواطنيها بمعدل 50 ألف شخص كل عام، بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية فيها.

فوفق تقرير أعده المعهد الألباني للإحصاء "Instat" ونشره في 22 يونيو 2024، فإن عدد السكان المقيمين في ألبانيا حتى 18 سبتمبر/أيلول 2023 بلغ 2.402.113 نسمة، ما يمثل انخفاضا قدره نحو 420 ألف نسمة مقارنة بتعداد 2011.

وأشار إلى أن هذا الانخفاض “مستمر منذ تسعينيات القرن العشرين، مدفوعا إلى حد كبير بالهجرة”.

ومنذ البداية، أكد العديد من الخبراء أن الاتفاق بين إيطاليا وروما قد يكون غير قابل للتنفيذ وله جوانب من عدم الشرعية.

وبموجب مرسوم "كوترو"، الذي وافقت عليه حكومة ميلوني في مايو 2024، يجب أن تتبع طلبات اللجوء المقدمة من مواطني الدول "الآمنة" إجراء سريعا يجب إكماله في مدة أقصاها 28 يوما.

وفي إيطاليا، يجري فحص طلبات اللجوء من قبل ما يسمى اللجان الإقليمية وينبغي تقييمها على أساس كل حالة على حدة، مع مراعاة الوضع الخاص لكل مهاجر والمخاطر التي قد يتعرض لها في حالة الرفض.

وضمن هذه الجزئية، رأى ساتفيندر جوس، أستاذ القانون في جامعة كينغز كوليدج في لندن، أنه “في الآونة الأخيرة كانت هناك ثلاث محاولات فاشلة، الاتفاق بين تونس وإيطاليا بشأن المهاجرين، والاتفاق بين بريطانيا ورواندا، واتفاق الأخيرة مع الدنمارك، لقد جرى حظر الثلاثة". 

وأضاف في حديث لصحيفة "إنترناسيونالي" الإيطالية في 22  يناير 2024 "ثم هناك أيضا اليونان التي حاولت أيضا إبرام اتفاق مع ألبانيا، لكن حتى في هذه الحالة لم ينجح الأمر".

وبحسب جوس، "فإن 28 يوما فترة قليلة للغاية لدراسة طلب اللجوء في ألبانيا، التي لا تزال، من بين أمور أخرى، بلد الهجرة، أي التي يغادرها الكثير من الناس، أيضا هربا من بعض أشكال الاضطهاد".

وتناول بشكل خاص الاتفاق بين رواندا والمملكة المتحدة بشأن المهاجرين، والذي رفضته المحكمة العليا البريطانية أخيرا.

وراح يقول: "لا يكفي القول إن إيطاليا ستشرف على الآلية بأكملها أو أن قانون الاتحاد الأوروبي سيضمن شرعيتها، لأن ألبانيا دولة غير أوروبية ولا تطبق قانون الاتحاد". 

وأردف جوس، أن هناك مخاطر تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان في ألبانيا، و"لا يكفي أن تكون مقتنعا بأن الدولة تقدم تطمينات".

ووفقا لألفونسو سيلوتو، أستاذ القانون الدستوري في جامعة روما تري، فإن "الاتفاق مع ألبانيا يهدد بتقييد تدابير الحماية وخلق التمييز. فالمهاجر الذي ينتهي به الأمر في ألبانيا يمكن أن يحظى بمعاملة مختلفة عن نظيره الذي يصل إلى إيطاليا". 

واستدرك قائلا لـ “إنترناسيونالي”، إن هذا من شأنه أن يتعارض مع الدستور والقانون الدولي والأوروبي.

وأضاف: هناك بعض النقاط غير الواضحة في الاتفاق، على سبيل المثال ما هي فترات الاحتجاز في ألبانيا؟ أين يمكن الطعن في التدابير؟ في تيرانا أم روما؟

وبات من الواضح أن بعض بلدان أوروبا تبحث عن دول أخرى لتلزمها بمعالجة طلبات اللجوء وذلك عبر دفعها لإيواء المهاجرين الذين ينتظرون قرار البت بأمر طلباتهم في تلك الدول.