ناشط مقدسي: الفصائل والحركات غائبة عن القدس والمسجد الأقصى نقطة ضعفنا (خاص)

مدينة القدس تعاني معاناة شديدة منذ سقوطها بيد الاحتلال في يونيو/حزيران 1967
قال الناشط المقدسي أسامة برهم: إن كل ممارسات الاحتلال البشعة تمارس بشكل مجمع في القدس منذ وقوعها تحت الاحتلال، إلا أن الأمر قد تطور بطبيعة الحال بعد "طوفان الأقصى"؛ حيث ارتفعت وتيرة الإبعاد والهدم والاستيطان والتحكم في مصائر المقدسيين وطرقاتهم وتعليمهم.
وأكد برهم في حوار خاص مع "الاستقلال" أن الانتخابات في القدس ليست هدفا لا للسلطة ولا للاحتلال، وأن الجانبين قد اتفقا ضمنيّا على عدم إجرائها خصوصا في ظل تخوفات السلطة من هزيمة ساحقة أمام حماس كما حدث من قبل.
ووقف أسامة برهم عند العديد من القضايا المقدسية على رأسها تدخلات الاحتلال في حالاتهم الاجتماعية من أفراح وجنائز وزيارات وبيوت عزاء، كما عرّج على مناهضة الاحتلال للتعليم العربي وتهويد المناهج وكيفية تنفيذ ذلك بالترهيب والترغيب، وتناول برهم قوانين احتلالية عديدة منها قانون الإقامة الجبرية وقانون حماية أملاك الغائب وكيفية تحايل الاحتلال للانقضاض على حياة المقدسيين عموما.
وسلط الناشط المقدسي أيضا الضوء على اقتحامات المسجد الأقصى وتطورها، وكيف أن الاحتلال يوظف اليمين المتطرف لتخويف المجتمع المقدسي في حين أنها مسألة توزيع أدوار ليس أكثر.
كما أوضح برهم كيف أن الاستيطان يتوخى الوسائل المتنوعة لمزيد من السيطرة على الأراضي والمنازل، وسلط الضوء على حال الكنائس في القدس.
وأسامة برهم هو ناشط مقدسي مهتم بشأن القدس والمسجد الأقصى، كثيرا ما تعرض للمواجهة من قبل الاحتلال وكذلك أسرته، يهتم بالنشر عن القدس ومآسيها على المستوى السياسي والاجتماعي في ظل ممارسات الاحتلال منذ سقوطها في يونيو/حزيران 1967

انعكاسات الطوفان
ما انعكاسات عملية "طوفان الأقصى" وما تلاها من حرب إبادة ضد الشعب في غزة على الشارع المقدسي وتعامل الاحتلال مع أهل القدس؟
مدينة القدس تعاني معاناة شديدة منذ سقوطها في يونيو/حزيران 1967 ومن دواعي الاستفزاز أن يتحدث الناس عن القدس ما قبل "طوفان الأقصى"، وكأنها كانت في حالة انسجام مع الاحتلال من قبل الطوفان وبدأت معاناتها بعد الطوفان.
طبعا لا شك أن لطوفان الأقصى تأثيرا في واقع القدس، لكن القدس تعاني وتتألم منذ احتلالها، والفارق فقط أن الاحتلال كان يدعي أن هناك وحدة مراقبة لأداء الشرطة، وأن هناك عقوبات ومحاكمات صورية تُفرض على من يرتكب انتهاكات من الشرطة، لكن الآن لم نعد نسمع عن هذه المحاكم.
مثلا إياد الحلاق الشاب المقدسي الذي قُتل بدم بارد وهو يعاني من متلازمة مَرضية خطيرة، جهاز الشرطة وبلدية الاحتلال تعاونتا مع الاحتلال في طمس الأدلة لتبرئة الجنود.
سياسة الهدم، والتهويد، والمناهج، وتجميل صورة الاحتلال، والإبعادات.. إلخ كل الانتهاكات لم تتغير مطلقا منذ الاحتلال، هي زادت بدون شك بعد الطوفان لكن الأمر في القدس أكبر من هذا.
معظم الشهداء في القدس يسقطون على أيدي المستوطنين المسلحين، لذلك نحن نتعجب ممن صُدم بمطالبات بن غفير بتسليح المستوطنين اليهود. هم مسلحون من قبل طوفان الأقصى وينفذون القتل في المقدسيين على مدار سنوات.
يعاني المقدسيون مع الاحتلال من عشرات السنين.. لكن حاليا ما أشد مظاهر المعاناة الممتدة والحديثة التي يلاقونها؟
نحن نعمل في المجالات كافة داخل القدس، نغسل الصحون وننظف الشوارع وننغمس في أعمال المعمار والبناء وقيادة الحافلات والمجالات كافة، بالتالي نحن نحتك بشكل مباشر ودائم بالمحتل الإسرائيلي، ونلاقي منهم اعتداءات وحشية جسدية ولفظية وكنا قبل الطوفان نجد اليسار الإسرائيلي يقف معنا في مثل هذه القضايا، لكن بعد الطوفان هذا اليسار تبخر ولم يعد موجودا.
مع توسع الانتهاكات والاعتداءات أصبح الشارع المقدسي بحاجة إلى هؤلاء أكثر من ذي قبل لكنهم اختفوا نهائيا. وطبعا على رأس الانتهاكات نجد ما نلاقيه من عناء على الحواجز في الطريق.
الاقتحامات في المسجد الأقصى المبارك توسعت واتسمت بمزيد من العربدة والصفاقة والوضاعة، معاناة هدم البيوت ارتفعت وزادت حدتها وتزايد الأمر عن ذي قبل.. القدس لا تخلو من الانتهاكات المستمرة على المستويات كافة. اليوم نرى أوامر بإبعاد عائلات بأكملها بدعوى "دعم المخربين" لو أن شابا اعتقل على خلفية منشور على وسائل التواصل مثلا قد يجد الأب نفسه وأسرته كلها مبعدين عن القدس ومطرودين منها. اليوم الاحتلال يذكرنا بحكم قراقوش ونيرون ومراحل الظلم والاستبداد الكبرى على مدار التاريخ.

الاقتحامات مستمرة
مسألة الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى.. إلى أين وصل الحال؟ هل هناك أي مستجدات في هذا الإطار؟
المسجد الأقصى هو نقطة ضعفنا هنا في القدس، اليوم الاحتلال أعلن أنه لن يسمح بأكثر من 10 آلاف مُصلّ في شهر رمضان من الضفة الغربية، اليوم الاحتلال بمزيد من الوحشية يتدخل حتى في الجنائز التي تقام في المسجد الأقصى.
كل شيء مرتبط بالأقصى أصبح الاحتلال يتدخل فيه، حتى عقود النكاح، المقدسيون تعودوا عند عقد القران أن يجروا المراسم في المسجد الأقصى الآن الاحتلال يضيق علينا حتى في هذا، أحيانا يسمح وأحيانا لا يسمح وفي أوقات يسمح لأحد العروسين فقط بالدخول والآخر لا يدخل. كل شيء مرتبط بالأقصى لا يرفعون أيديهم عنه أبدا.
الأصعب من مطاردة أفراحنا هو مطاردة أحزاننا، يوجد ثلاث مقابر حول المسجد الأقصى المبارك، وتعودنا أن يتم التشييع من المسجد الأقصى من مصلى الجنائز الذي نضع فيه الميت، اليوم صارت التضييقات على هذا الأمر أضعاف ما كان من قبل، فلا يُسمح لنا دائما بالصلاة وإدخال الميت إلى المسجد الأقصى وإن سمح يتم تحديد العدد، وهذا انعكاس لتحقيق هدف التقسيم الزماني والمكاني في الأقصى للأسف. من يموت له أحد عند الفجر فعليه أن لا يدفنه إلا بعد العصر حتى تكون اقتحامات المستوطنين قد توقفت!
هذا طبعا فضلا عن المعاناة المكانية التي يعانيها الأقصى نفسه بسبب مسار جبل الهيكل المزعوم. الآن أصبحت الانتهاكات شيئا معتادا وكنا من قبل لا تهدأ مدينتنا أبدا عند انتهاك بسيط.
في إحدى السنوات دخل أحد اليهود ومعه نبيذ فقامت المدينة كلها على قدم وساق وبدأ الاحتلال ينكر ويتهرب من الاعتراف بالحدث، الآن الاحتلال بدأ يشرعن لكل عمل يرتكبه مستوطن أو شخص يهودي ويضيق علينا ويمنع حتى مجرد الاعتراض.
من قبل كان يُسمح للمستوطنين بالدخول من باب المغاربة والخروج من باب السلسلة، الآن يسمح لهم بالدخول والخروج من أي باب من أبواب المسجد الأقصى. الحديث عن الأقصى والانتهاكات فيه حديث ذو شجون ومؤلم.
الآن المستوطنون أصبحوا يصلون في ساحة الإمام الغزالي عند باب الأسباط وعند سوق القطانين وهو الأمر الذي كان مستبعدا جدا من قبل؛ كانوا من قبل يصلون بجانب باب المغاربة عند حائط البراق فقط، فالتوسع في الانتهاكات لا يتوقف.
رغم التضييقات الشديدة التي يمارسها الاحتلال على أهل المدينة المقدسة.. هل هناك أي جهود اجتماعية أو سلمية أو شبابية؛ مثلا أنشطة أو غيرها لمجابهة ممارسات الاحتلال في القدس خصوصا؟
الداخل الفلسطيني عموما منهك ومتعب يشوبه شيء من التقسيم، كنا من قبل في عام 1987 مثلا ننتظر بيان الحركة الوطنية الموحدة الصادر من تونس آنذاك عبر إذاعة صوت الثورة الفلسطينية، التي كنا نسمعها سرا في الضفة والداخل الفلسطيني.
الحقيقة كان هناك شكل من الوحدة، كانت هناك جهة واحدة تحدد أيام الإضراب وأيام التصعيد وغيرها من الإجراءات.. من بعد أوسلو تغير الوضع كثيرا، خصوصا في مدينة القدس.
لكن ما يميز القدس الحقيقة أنه إذا وجد فيها أي تحرك يكون موحدا وفيه انسجام بين الجميع، الفصائلية لا تميز التحركات في القدس، نحن لم نتدخل في قضية الانقسام الفلسطيني الداخلي، فوضع القدس تحت الاحتلال لا يمنحنا رفاهية الوقت للدخول في هذا الانقسام.
على صعيد آخر بعد اعتراف ترامب بأن القدس هي عاصمة دولة الاحتلال الأبدية وسن الاحتلال قانونا جديدا يدعى قانون السيادة وبموجبه بدأ الاحتلال يعتقل الشبان حتى الذين يقدمون خدمات اجتماعية وينظفون الشوارع مثلا أو الذين كانوا يقدمون بعض الخدمات في أيام انتشار فيروس كورونا.
الحراك الشبابي والتطوعي والاجتماعي غير المسيس أصبح مطاردا أيضا. الاحتلال يثبت دائما أن القدس بالنسبة له لا مجال فيها لفتح أي ثغرة للانتصار للحق الفلسطيني من خلال الانتشار أو الوجود ولو حتى تلويح من بعيد للأسف.
قانون السيادة هذا أصبح مطية للاحتلال للتدخل حتى في بيوت العزاء، لو حضرت شخصية معروفة مثلا لمناسبة عزاء أو عرس أو غيره يتم اقتحامه وفضه فورا.
الآن من ناحية الحراك هو حراك اجتماعي بسيط من خلال فكرة الروابط العشائرية أو العائلية فقط. فمثلا عشيرة معينة تؤسس رابطة وتقدم باسمها بعض الخدمات الاجتماعية أو تخدم في المسجد الأقصى مثلا. أو تقدم مبادرات مثل مبادرة "الفجر العظيم" التي كانت تخرج برعاية "العائلات في مدينة القدس".
يعني إجمالا الأحزاب والفصائل والحركات كلها غائبة عن مدينة القدس ولا أحد يعرف متى يعود المشهد لطبيعته سواء في القدس أو الداخل الفلسطيني المحتل كله.

فرض المناهج الإسرائيلية
كيف ترى مسألة فرض المناهج الإسرائيلية على أبناء القدس ومدى تأثير ذلك عليهم علميا؟
في السبعينيات والثمانينيات شهدت مدينة القدس محاولات لفرض المناهج بالسلاح على المقدسيين ولم ينجح الاحتلال في ذلك وتم تنظيم أكثر من عصيان مدني في المدارس وتم توثيق هذا الأمر.
بعد ذلك خصوصا في السنوات القريبة الأخيرة أصبحت المناهج تُفرض بشكل تجميلي من خلال بعض الإغراءات. وصول ابن القدس إلى الجامعات الفلسطينية بات أمرا صعبا جدا بسبب الحواجز القائمة من ناحية وبسبب الانقسام الفلسطيني نفسه أيضا.
إسرائيل استثمرت تلك الفرصة وبدأت في تجميل ما يسمى "البيجروت" وهو التوجيهي الإسرائيلي بإعطاء امتيازات هائلة للطالب الفلسطيني في القدس من أجل الالتحاق بالجامعات الإسرائيلية، فمن يحمل "البيجروت" له امتيازات وتخفيضات وليس كمن يحمل التوجيهية الفلسطينية، الذي يتم قبوله بصعوبة شديدة جدا.
وكيف يمكنكم مواجهة هذا الأمر؟
للأسف ابن القدس لا يملك خطة في مواجهة هذه الأمور، هو مجرد من كل شيء ليس فقط من السلاح بل حتى من التخطيط أو التفكير في إيجاد البدائل. ابن القدس أمامه أحد حلّين إما التعليم في الخارج أو إكمال تعليمه في الضفة الغربية، والأمران في غاية الصعوبة.
فلا يجد أمامه طريقا سوى الموافقة على غسل دماغه من خلال شهادة "البيجروت" الإسرائيلية التي يحاولون من خلالها بث الحديث عن المساواة ووداعة وسماحة الاحتلال وحرصه على المساواة بين الجميع وغير ذلك من الادعاءات والكذبات.

"حارس أملاك الغائبين"
صف لنا واقع الاستيطان في القدس حاليا وكذلك سياسة هدم الاحتلال منازل المقدسيين بادعاءات غير قانونية؟
الاستيطان هو القضية الأقدم في القدس، القانون البريطاني لا يزال يطارد كل من يقبع تحت الاحتلال الإسرائيلي، ولن يغفر التاريخ للبريطانيين ما قدموه من خدمات قانونية وغيرها للاحتلال.
كل القرارات القائمة في القدس ما بين الإبعاد والهدم والإبعاد الإداري والاعتقال الإداري، من يقرأ نص القرار في هذه القضايا جميعها سيجد مكتوبا "بناء على قانون الطوارئ لعام 1936 كل تلك القوانين بريطانية، إسرائيل استمرت على هذا القانون.
هناك موضوع أو مسألة يطلقون عليها قانون "حارس أملاك الغائبين" من خلال هذا القانون يتم التحفظ ومصادرة أملاك أي شخص غائب أو غير موجود في أرضه أو ممتلكاته، كلها ذات أصول بريطانية.
وسياسة "حارس أملاك الغائبين" هذه بدأ الاحتلال من خلالها يسوق لفكرة أن الفلسطيني باع أرضه وغادر وهي كذبة سوقوها للعالم بعد أن استولوا بالقوة على أراضي كل فلسطيني غير موجود في أرضه أو ممتلكاته.
الاستيطان فكرة تمتد لأملاك الجميع، حتى تعامل إسرائيل الآن مع هيئة غوث اللاجئين- الأونروا هي لا تنظر إلى المساعدات التي تقدمها الأونروا هي أعينها على الأراضي التي تملكها الأونروا تريد مصادرتها في القدس وغيرها.
لكن في القدس أكثر هذه الهيئة لها أراض في البلدة القديمة وفي حي الشيخ جراح وفي تلة الذخيرة، وأماكن كثيرة لها في القدس تسعى إسرائيل لمصادرتها.
هم عندما يحظرون الأونروا سيصادرون أراضيها بموجب قانون "حارس أملاك الغائبين"
الاحتلال يتخذ من الاستيطان وسيلته الأولى لتنفيذ احتلال طويل بحكم القانون.
إذا تذكرنا خطة 2020 التي وضعها الاحتلال لمزيد من تهويد القدس فإننا نتذكر أيضا قانون يسنه الاحتلال اسمه "قانون 2040" بموجبه ستتم مصادرة المزيد من الأراضي بحجة بناء مدارس عليها.
هل كان يخطر ببال أحد أن يأتي الاحتلال على أرض جبل الزيتون في حي الطور العربي الإسلامي ويعلق لافتة كبيرة يقول فيها: إن هذه الأرض مصادرة ومن يرد الاعتراض أو الطعن فعليه التوجه إلى المحكمة.
هم يعلمون أن هذه الطعون لا ينظر فيها، ويقولون نحن سنبني عليها مدارس لأبناء الحي وفعلا يبنون مدارس دينية توراتية لطلاب أشبه بـ"فتية الجبال"، فاليمين المتطرف يتم زرعه حتى في الأحياء العربية في مدينة القدس.
قضية الاستيطان قضية مخيفة لأن هناك أراضي شاسعة لا يسمح الاحتلال للمقدسي أن يثبت ملكيتها ومن ثم يضع يده عليها ويصادرها. هذا وجه آخر من وجوه المأساة التي يحياها المقدسيون.
اللجنة الرئاسية العليا الفلسطينية لمتابعة شؤون الكنائس حذرت من تصعيد صهيوني خطير ضد الكنائس أخيرا.. كيف تقيم هذا الأمر وأهداف الاحتلال من وراء هذا التصعيد؟
الحقيقة منذ عام 1948 والقوة المسيحية أو الحضور المسيحي قادر على حماية كنائسه بدعم متنوع من ضمنه الفاتيكان مثلا وغيرها من جهات الدعم، وبلدة عين كارم مثال على ذلك وقع فيها الاستيطان فعلا للبيوت والأراضي لكن الكنائس ظلت على حالها تعمل.
عندما حاول الاحتلال أن يفرض ضريبة "الأرنونة" على كنيسة القيامة وقف المقدسيون كلهم مسلمين ومسيحيين ضد هذا الأمر ومنعوا حدوثه بالفعل.
ومن الطرائف أن هناك في الكنيست من يدعو لفرض تلك الضريبة على كل من يملك قبرا في القدس! البعض يستبعد التنفيذ لكنه متوقع برأيي بالعودة إلى اللجنة العليا الفلسطينية هي في الحقيقة لا تمثل شيئا للاحتلال وليس لها تأثير.
قانون السيادة ينزع السيادة عن الجميع في أي وقت وعندها لا ينظر الاحتلال لهذه اللجنة ولا لغيرها. الكنائس بنظر الاحتلال كالمساجد كل شيء مستهدف لصالح دولتهم اليهودية.

قانون الإقامة الجبرية
شائع في القدس الحديث عن قانون وضعه الاحتلال منذ سنوات وهو قانون الإقامة الجبرية.. هل من الممكن أن تشرح لنا تفاصيل هذا القانون وطبيعته؟ وكيف تعامل معه المقدسيون؟ هل تم اتخاذ أي خطوات لمواجهته؟
الإقامة الجبرية بالأساس قانون بريطاني أيضا عدله الاحتلال، وهو قانون معناه أن يقضي المسجون فترة السجن في بيته وبالتالي لا يكون الاحتلال مسؤولا عن مسكنه ولا أكله ولا شربه ويظل لا يخرج من البيت ابدا طيلة مدة الحبس ويجب أن يلتزم بالإقامة معه اثنان من الأسرة الأب والأم مثلا أو الأم والأخ وهكذا.
هناك تفاصيل ومفارقات مضحكة جدا في هذا القانون مع الأسف. في القضايا الجنائية يتم احتساب مدة الحبس المنزلي بنصف مدة من قرار الحبس ومن يمض شهرين مثلا في البيت يسقط عنه شهر من مدة حبسه أما في القضايا الأمنية لا يحتسب مدة حبسه في البيت من مدة حكم السجن المفروضة على المسجون. ومفارقات أخرى عجيبة.
الاحتلال يوفر على نفسه مساحة وسجانين وعمالا ومأكلا ومشربا مقابل حبس الشخص في بيته ومعه اثنان من أسرته. وهناك مبادرات خرجت من الأهالي لتحريض بعضهم البعض بعدم قبول الحبس المنزلي أبدا لأنه شيء مرهق ومضيع للوقت، هناك قضايا تكون العقوبة فيها 6 أشهر حبسا وتستمر المحاكمة فيها من المنزل لمدة سنتين للأسف.
برأيك.. كيف توظف حكومة اليمين المتطرف للاحتلال الخلافات السياسية بداخلها لمزيد من الضغط على القدس وأهلها؟ دائما ما تكون القدس ضحية أي صراع للخلاف السياسي داخل الكيان المحتل.. كيف ترى الأمر؟
القدس هي حلبة المصارعة السياسية التي يتصارع عليها اليهود وأحزابهم وشعبهم ووزراؤهم، في أعياد الفرح أو الحزن أو المناكفات السياسية يضيقون على القدس كورقة رابحة في يد أي أحد منهم للأسف.
هذا هو ملخص الأمر بالنسبة إلى الاحتلال ليس فقط اليمين المتطرف بل كل مكونات الاحتلال. مثال واحد على ذلك عندما وظف الاحتلال طوفان الأقصى لإقناع الناس أنه يجب أن يتم تسليح المستوطنين في القدس تسليحا كاملا لأن في القدس الوضع سيكون خطيرا. رغم أن 70 بالمئة من الشهداء في القدس سقطوا على يد المستوطنين المسلحين من قبل الطوفان.
القدس هي الشماعة التي يعلقون عليها تصرفاتهم الحمقاء دائما. هم يخوفوننا باليمين المتطرف وأنه هو المشاغب الذي إذا خرج من المعادلة فستكون القدس بخير، انظر إلى سموتريتش مثلا وبن غفير فهما شخصيتان هزليتان تافهتان يحرضان الناس على القتل والحرق والإبادة وهل كان الاحتلال يدعو لشيء غير هذا من قبل ظهورهما؟!
نعم اليمين المتطرف يضغط على القدس لكنه مجرد واجهة. والحقيقة أن المجتمع الإسرائيلي أصبح يخاف من اليمين أكثر من الفلسطيني نفسه. لأن حجم الجرائم التي يديرها سموتريتش وبن غفير في توسع شديد.
تخيل أن شابا أنهى خدمة جيشه يأخذ قطيعا من الخرفان والغنم ويحتل جبلا كاملا في قرى رام الله مثلا برعاية بن غفير. والاحتلال يجد له المبررات وهذا ضد اليهود أنفسهم. اليمين المتطرف يخيف الإسرائيلي قبل الفلسطيني. ونهاية لهذا الأمر نقول إنه لا يوجد خلاف سياسي داخل الكيان المحتل، هذا توزيع أدوار ليس أكثر ومسرحية.

مسرحية الانتخابات
لماذا برأيك يحرص الاحتلال دائما على استبعاد القدس عن أي انتخابات فلسطينية وما رأيكم في موقف السلطة الفلسطينية من هذا الأمر؟
الانتخابات في القدس هي مجرد فقاعة، لا أحد يريد هذه الانتخابات أصلا في القدس حتى السلطة نفسها مثلها في هذا الأمر مثل الاحتلال، هي مجرد فقاعة، الانتخابات التي يتحدثون عنها ليست الأولى، من قبل تم عقد انتخابات في القدس مرتين، جولة أيام ياسر عرفات وبعدها جولة محمود عباس.
إسرائيل تتذرع بأن القدس ليست جزءا من أرض السلطة لا شرقية ولا غربية خصوصا بعد قرار ترامب بأن القدس عاصمة الاحتلال الأبدية، لكن الحقيقة أن هناك انسجاما في المصالح الإسرائيلية والفلسطينية الرسمية في هذا الأمر، هذا الانسجام هو في صالح التنسيق الأمني والتنسيق الطبي والتنسيق الاقتصادي بين هذين الجانبين، لا أحد منهما يريد الانتخابات في القدس أصلا.
إذن القرار بعدم إقامة انتخابات في القدس هو قرار ثنائي بين الاحتلال والسلطة ومصلحتهم في هذا الأمر واحدة ومشتركة. ولا ننسى أن خيبة وهزيمة السلطة في الانتخابات الثانية وفوز حماس فوزا ساحقا جعلها أيضا محجمة عن هذا الأمر ومتهربة منه.
السلطة أصلا توافق على الانتخابات كحقنة مخدر للدول المانحة والأوروبيين كي يستمروا في مساعداتهم ليس أكثر. الانتخابات باختصار هي مسرحية.. هي كالإعلان عن وظيفة شاغرة وهي ليست شاغرة بل الهدف شرعنة هذه الوظيفة!
خلال أسبوعين فقط اعتقلت قوات الاحتلال ثلاثة مقدسيين يملكون مكتبات في البلدة القديمة ومحيطها.. كيف ترى هذه الهجمة على المكتبات وماذا قد يكون وراءها؟
المكتبة العالمية في مدينة القدس تم اقتحامها واعتقال القائمين عليها رغم أنها ليست المكان المفضل للمواطن الفلسطيني المقدسي، هي ملاصقة للمراكز الثقافية الأوروبية وغالبا ما يوجد فيها الأجانب.
ما فعلته إسرائيل في المكتبة العالمية هو رسالة للأوروبيين والمثقفين منهم والنشطاء منهم بأن اهتمامكم بالفلسطيني والقدس العربية غير مسموح به من الأساس. وسنواجهكم حتى تتركوا هذا الأمر.
الرسالة هنا ليست للفلسطيني ولا ابن مدينة القدس. الاحتلال ليس غبيا كما يكتب البعض، هناك أجهزة كاملة تعمل على قدم وساق. الاحتلال يوجه الرسائل للعالم كله وبكل الطرق وأن السياق الثقافي عندما يوظف لمناصرة قضية الفلسطينيين خصوصا المقدسيين فهو أمر مرفوض.
وعلى المستوى الثقافي من يبحر في المنتج الفني الإسرائيلي سواء دراما أو أفلام فسيجد أن المجرم والجاهل والمعتدي والقاتل والمغتصب هو العربي وهو الفلسطيني.
حتى الصور التي كان يلتقطها البريطانيون قديما لأبناء القدس الاحتلال الآن يظهر منها جانب رعاية الأغنام وبيع العنب فقط حتى يظهر العربي أنه متخلف وأنه من البدو الرحّل وليس من أبناء المكان، وعندما تلتقط صورة تظهر حضارة المقدسي وبيوته الجميلة وعمارته الحديثة يتم إخفاؤها.. وهذا حديث آخر له شجون وتفاصيل.
الهجوم على المكتبة العالمية رسالة واضحة لكل من يناصر المقدسي والفلسطيني ثقافيا من النشطاء الأجانب.
هناك حملة عسكرية إسرائيلية ممتدة منذ شهور على الضفة الغربية ومخيماتها.. برأيك هل ينعكس ذلك على الوضع في القدس سياسيا أو عسكريا؟
"الحمل في أي مكان والولادة تكون في القدس" هذا مثل عندنا في القدس نردده دائما، علينا أن نعلم أن اليهودي ينتقم من القدس على أتفه الأسباب وحتى على الأسباب غير الموجودة.
بالتالي ما يحدث في الضفة الغربية طبيعي أن ينعكس علينا في القدس، اليهودي يراني مواطنا عدوا بالتالي لو نفذ أي فلسطيني أي شيء في أي مكان على الكرة الأرضية فالمقدسي يدفع ثمنا، ولا ننسى أن معظم سكان القدس جاءوا أصلا من الضفة جنوبها وشمالها.
فليس من المنطقي أن أكون معزولا عما يحدث لإخواني في الضفة الغربية كل الأحداث بطبيعتها تنعكس وتصب عندنا في القدس وهذا قدرنا وقدر المدينة المقدسة.