موقع فرنسي يتهم ماكرون بالتحول من الوسطية إلى الاستبداد.. ماذا فعل؟

إبان حملته الرئاسية الأولى، كرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أكثر من مناسبة أنه يريد "إعادة السلطة إلى الشعب"، لكن موقع "أتلانتيكو" الإخباري يؤكد أن سياساته اليوم باتت "تحتقر الشعب والمؤسسات على حد سواء".
وللدلالة على هذا التحول، ذكر الموقع أن "ماكرون أصدر قانون الهجرة من خلال استبعاد نواب حزب الجبهة الوطنية من التصويت البرلماني. كما أن الحكومة تعلم جيدا أن المجلس الدستوري سيعيد كتابته".
يحتقر الناخبين
وهنا يتساءل الموقع الفرنسي: "هل يحتقر إيمانويل ماكرون المؤسسات أم الناخبين أم كليهما؟".
وفي معرض إجابته على هذا التساؤل، أكد فيليب ديريبارن، مدير الأبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي وعالم الاقتصاد والأنثروبولوجيا، أن "ماكرون مقتنع بأنه يحمل رؤية لفرنسا أكثر أهمية من الرؤى الأخرى، سواء كان مصدر تلك الرؤى القوى السياسية باختلاف أطيافها، أو من الناخبين باختلاف شرائحهم".
وادعى أن "ماكرون يرى أن الأمر متروك له لتنفيذ رؤيته من خلال الاستفادة القصوى من المؤسسات القائمة"، وهو ما يعني -حسب وجهة نظر ديريبارن- أنه "يحترم المؤسسات، على الأقل شكليا".
أما بخصوص احتقاره للناخبين، يشير مدير الأبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي إلى أن ماكرون كان ضد رأي الأغلبية فيما يتعلق بقانون التقاعد، لكنه كان موافقا لها في حالة قانون الهجرة.
ولذا، يرى أن الرئيس الفرنسي "لا يشعر أنه مقيد برأي الناخبين"، لكنه في ذات الوقت يقول إن ذلك "لا يعني بالضرورة أنه يحتقرهم".
من جهة أخرى، يرى كريستوف بويو، أستاذ العلوم السياسية في معهد غرونوبل للدراسات السياسية، أن ماكرون "يستخدم المؤسسات"، مضيفا أنه "يكتفي باحترام نص الأحكام الدستورية دون أن يحترم روحها".
وبعد ذكر عدد من القوانين والتشريعات التي اتخذها الرئيس الفرنسي منذ عام 2017، ومن خلال تحليل تصرفات ماكرون خلال تلك الأعوام الستة، يرى أستاذ العلوم السياسية أنه "من الواضح جدا أن قرارات ماكرون لم تأت أبدا من القاعدة، ولا من أعماق المجتمع المدني، خلافا لما كان وعد به المتظاهرين الفرنسيين عام 2016".
لافتا إلى أن "القرارات دائما تأتي من الأعلى، وذلك استنادا إلى قناعات القائد حول ما هو يراه خيرا للفرنسيين أو لفرنسا".
ووفقا له، تقدم عدد من القرارات التي اتُّخذت خلال عام 2023 دليلا جيدا على ذلك، حيث "أظهرت استطلاعات الرأي والتعبئة النقابية الضخمة أن العمال لا يريدون إصلاح نظام التقاعد، لكن ماكرون دفعه قدما للأمام بالمخالفة لرأي العمال".
وأردف: "ولأن ماكرون يعتقد أن إصلاح حقوق الأجانب من شأنه أن يسحب البساط من تحت حزب التجمع الوطني اليميني، تحدث فجأة عن أن استطلاعات الرأي تكشف حقيقة ما يريده الفرنسيون، ومضى قدما في سبيل إقرار قانون الهجرة. ونتيجة لذلك، أهمل جدالات كثيرة حول الأثر الاقتصادي والاجتماعي للوجود الأجنبي في فرنسا".
وتابع مؤكدا: "باختصار، منذ عام 2017، لم يستمع ماكرون إلا لنفسه لأنه يبدو مقتنعا بأنه دائما على حق في كل شيء".
ولفت إلى أن "النخب السياسية تعد نفسها بؤرة التفكير العقلاني واتخاذ القرارات الصائبة"، مضيفا أن هذه النخب "لا تتردد في خنق الديمقراطية عندما يرفض الشعب ذلك".
الوسط المائل للاستبداد
ولأن ماكرون ينتمي سياسيا إلى تيار الوسط، أشار الموقع الفرنسي إلى دراسة أجراها عالم السياسة البريطاني ديفيد أدلر، والتي أبرز فيها أن المواطنين الأكثر تشككا في الديمقراطية والمؤسسات الليبرالية هم أولئك الذين يتماثلون مع تيار الوسط.
ووفقا للدراسة، يرى 42 بالمئة فقط من الوسط في أوروبا أن الديمقراطية نظام جيد، في حين يرى أغلبية الناخبين الآخرين أنها نظام جيد. وهو الوضع الذي أسماه أدلر "المفارقة الوسطية".
وادعى الموقع الفرنسي أن هؤلاء الناخبين المنتمين للوسط، هم الأكثر ميلا -بعد اليمين السياسي- لدعم السلطة الاستبدادية.
مشيرا إلى أن هذه الدراسة أجريت في حوالي مئة دولة. وهنا يتساءل: "لماذا من المرجح ألا يثق تيار الوسط السياسي في الديمقراطية والمؤسسات الليبرالية؟".
بدوره، يقول ديريبارن أن الوسطيين على وجه التحديد يعدون أنفسهم أنصار العقل، زاعما أنهم "حذرون من الديمقراطية التي يُنظر إليها على أنها السلطة السيادية للشعب كجسد".
"وهم يميلون إلى ربط الديمقراطية بـ (سيادة القانون)، واحترام حقوق الأفراد، وخاصة الأقليات، وانتقاد ما يصفونها بـ (الديمقراطيات غير الليبرالية)".
أما بويو فيرى أن "الوسطيين الحقيقيين، عن قناعة، هم الأشخاص الأكثر رضا عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الراهن. فما هو موجود يناسبهم بشكل أو بآخر".
وتابع: "أما الأشخاص الذين ينتمون إلى اليمين، أو اليمين المتطرف بشكل خاص، يرغبون أن يُعدل المجتمع وفقا لرؤيتهم للعالم، والأمر نفسه بالنسبة للأشخاص على اليسار أو أقصى اليسار".
ولذلك، يعتقد بويو أنه "من المنطقي تماما أن يشعر هؤلاء الوسطيون، لا سيما إذا كانت الحياة مفضلة لديهم، بالقلق إلى حد ما من رغبات المواطنين الآخرين -الموجودين على يمينهم أو يسارهم- في تغيير القواعد المعمول بها عبر الوسائل المشروعة الوحيدة حاليا، مثل صناديق الاقتراع والأصوات والديمقراطية".