اختراق مرتزقة روسيا أراضي موريتانيا.. ما تأثيره على دول الساحل المشتعل؟
"موريتانيا ومالي يشتركان في حدود سهلة الاختراق"
بدعم من مرتزقة روسيا، اقتحمت مجموعة من الجنود الماليين في الأيام الأخيرة من شهر رمضان قريتي "دار النعيم" و"مد الله" الواقعتين شرق موريتانيا، وأطلقوا النار بطريقة عشوائية؛ ما أدى إلى وقوع إصابات بين المدنيين.
وفي تعليقها، اتهمت مجلة إيطالية عناصر المجموعة الروسية، التي تزال نشطة -رغم مقتل زعيمها يفغيني بريغوزين عام 2023- في بعض الدول الإفريقية مثل مالي، بتفجير أزمة دبلوماسية بين البلدين الجارين.
واقع عسكري
وقالت مجلة "فورميكي" إن مرتزقة (فاغنر) في القارة السمراء التي باتت المخابرات الروسية تنسق تحركاتها وتطلق عليها اسم “الفيلق الإفريقي”، تعمل على توسيع دائرة عملائها من خلال التوسع أيضا في النيجر وإبرام اتفاقيات التعاون مع المجلس العسكري الحاكم فيها.
واضطرت مالي، التي قطعت علاقاتها مع باريس بعد الانقلاب الأخير عام 2021 وفتحت أبواب التعاون مع المليشيات الروسية لتأمين مجلسها العسكري الحاكم، إلى الاعتذار عن "الخطأ" الذي ارتكبه جنودها داخل الأراضي الموريتانية.
ودفعت الحادثة رئيس المجلس العسكري المالي، آسيمي غويتا، إلى إجراء اتصال هاتفي بالرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، وذلك لتبادل التهاني بمناسبة عيد الفطر و"ربما للاعتذار" عما حدث، خصوصا وأن المحادثة الهاتفية بينهما هي الأولى منذ أبريل/ نيسان 2023.
من جهته، يرى المحلل السياسي الموريتاني والخبير في شؤون منطقة الساحل، إسماعيل شيخ سيديا، أنه "من الواضح أن الحدود الجغرافية للأنشطة العسكرية للمرتزقة الروس باتت معلومة بعد تفكك دول الساحل الخمس ونشوء كتلة دول الساحل الثلاث، بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر".
ورأى شيخ سيديا في حديثه للمجلة الإيطالية أن "وجود فاغنر أو وريثها فيلق إفريقيا في مالي بات واقعا عسكريا وتكتيكيا هاما".
ويعتقد أن "هذه الوضعيات ستستمر مستقبلا على ضوء وجود أكثر من 2200 كيلومتر من الحدود البرية المشتركة، ما لم يكن هناك اتفاق سياسي داخلي في مالي، خاصة مع فصيل (جبهة تحرير ماسينا) التي تشن حربا ضد الحكومة المركزية منذ عشر سنوات".
وأضاف شيخ سيديا: إن "موريتانيا تضم أكبر مخيم للاجئين الماليين، وهو مخيم أمبرة الذي يستضيف أكثر من 100 ألف لاجئ، لذلك أتوقع أن تستمر مثل هذه الاحتكاكات".
وكان وزير النفط والطاقة الموريتاني والناطق باسم الحكومة، الناني ولد اشروقه، قد صرح بأن "عناصر من فاغنر والجيش المالي توغلوا داخل الأراضي الموريتانية أثناء مطاردة مسلحين".
وبحسب مصادر محلية، أطلقت القوات المتوغلة النار على الأشخاص الذين كانت تطاردهم واعتقلت بعض من وصفتهم بـ"الإرهابيين" من داخل منزل في قرية “مد الله” وأسفرت العملية عن إصابة ثلاثة أشخاص.
وأثار الحادث موجة احتجاجات محلية وإدانات واسعة النطاق في موريتانيا، وهو ما دفع القادة العسكريين إلى طمأنة سكان المنطقة الحدودية بأن هذه التوغلات لن "تتكرر مستقبلا وأن الجيش قادر على حمايتهم".
وذكرت المجلة الإيطالية أن البلدين يشتركان في حدود سهلة الاختراق وغالبا ما تستخدمها الجماعات المسلحة في المنطقة في تنفيذ أنشطتها.
كما أشارت في نفس السياق الأمني، إلى أن “الروس ارتكبوا في مالي جرائم حقيقية في الماضي أثناء قيامهم بعمليات أمنية دعما للمجلس العسكري المالي على غرار مذبحة مورا في مارس/ آذار 2022”.
جدل كبير
من جانبه، قال الصحفي الموريتاني، أحمد سالم سيدي عبد الله، إن حادثة التوغل وإطلاق النار على المدنيين داخل القريتين "أثارت جدلا كبيرا في موريتانيا وفي القرى القريبة من مالي، إلا أن السلطات المالية بادرت بالاعتذار عن الخطأ".
وشرح بأن "الأوضاع تطورت خلال السنوات الأخيرة في المنطقة بعد الانقلابات العسكرية التي شهدتها دول الساحل، مالي وبوركينا فاسو والنيجر، والتي تدخلت من خلالها روسيا باستخدام القوة وزودت جيوش هذه الدول الثلاث بالعديد من الأسلحة المتطورة".
وأكد على أن "موريتانيا باتت جبهة معرضة للاحتكاك المباشر مع العناصر الروسية التي انتشرت حتى حدودها، كما أن المهام القتالية ضد الجماعات المسلحة الناشطة في الأراضي المالية قد تمتد إلى ما هو أبعد من الحدود الموريتانية لا سيما بعد أن توغل المرتزقة عن طريق الخطأ عبر الحدود".
ولا يخفي سيدي عبد الله، “خشيته من أن تتسبب هذه العمليات، إذا ما استمرت، في مواجهة مباشرة بين المرتزقة الروس والجيش الموريتاني خصوصا في ظل حالة التوتر الشديد التي تعيشها المنطقة”.
عقب ذلك، أعلن التلفزيون الرسمي النيجري وصول مدربين عسكريين روس إلى النيجر ومعهم نظام دفاع جوي ومعدات أخرى في إطار اتفاق بين المجلس العسكري والرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتعزيز التعاون.
وبحسب مصادر محلية أخرى، من المتوقع أن يقوم الروس الذين يقدر عددهم بمئة، بتوفير التدريب للقوات المحلية ومساعدتها في بناء نظام دفاع جوي.
ورجحت المجلة الإيطالية احتمال أن يكون المدربون الروس هم أنفسهم من كانت قد أفادت وفقا لمصادرها في تقارير سابقة بوصولهم إلى إقليم برقة شرق ليبيا الذي تسيطر عليه المليشيات التابعة للانقلابي خليفة حفتر.
وفي سياق متصل بالأمن في النيجر ومناهضة الحضور القوي للروس، أشارت المجلة إلى إعلان قائد قيادة عمليات القوات المشتركة الإيطالية، الجنرال فرانشيسكو باولو فيليولو، رسميا استئناف روما أنشطتها التدريبية لوحدات عسكرية في نيامي.
وعلقت المجلة على هذا الإعلان بالتأكيد على "الحاجة الواقعية لعدم خسارة النيجر بالكامل خصوصا وأنها ظلت لسنوات حصنا ديمقراطيا في منطقة الساحل إلى غاية الانقلاب في يوليو/ تموز 2023".
وبذلك تستنتج أن الوجود الإيطالي باتت تقتضيه "رؤية برغماتية" لتجنب خطر انزلاق تلك الدول إلى "أيدي العدو".
كما تسهم هذه الرؤية، وفق المجلة، في الحفاظ على وجود نشط عبر المشاركة في مبادرات مدنية مثل إعادة ترميم المسجد الكبير وتوفير المساعدات الإنسانية والرعاية الصحية، وكذلك القيام بتدريب المظليين من القوات الخاصة الذين سيُكفلون بمهام “مكافحة الإرهاب”.