مصر ضمن أسوأ 10 دول بالعالم.. هكذا انتكست الصحافة في عهد الديكتاتور

داود علي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في ظل قمع شديد وكتم لنفس حرية الرأي والتعبير، أصبحت مصر في عهد رئيس النظام الانقلابي عبد الفتاح السيسي واحدة من أكبر سجون الصحفيين في العالم.

ففي 3 مايو/ أيار 2024، نشرت منظمة "مراسلون بلا حدود" المعنية برصد مستوى حرية الصحافة بالعالم، ومقرها باريس، تقريرها السنوي عن وضع الصحافة في معظم بلدان العالم.

واحتلت مصر المرتبة 170 عالميا من بين 180 دولة، أي أصبحت من أسوأ 10 دول في العالم على مستوى حرية الصحافة والصحفيين.

كما أن القاهرة تراجعت عن كثير من البلدان العربية المشهورة بالقمع أو الحروب الطاحنة، مثل السودان والصومال واليمن، والعراق فجميعها كانت مؤشراتها أعلى من مصر.

منظومة قمعية 

وتحدث تقرير "مراسلون بلا حدود" عن شكل تقييد الصحافة في مصر، وكيفية التضييق على الصحفيين. 

وأورد أن ممارسات السلطة تتمحور في “تقييد حرية التعبير، وملاحقة الصحفيين واحتجازهم ومنعهم من تغطية بعض الأحداث ومنعهم من تناول أخبار بعينها (مثل الأخبار الاقتصادية)”. 

وأكد أن هناك "انتشار الرقابة الذاتية بين الصحفيين خوفا من الملاحقة أو فقدان الوظيفة، وسيطرة الدولة على وسائل الإعلام والمؤسسات الصحفية، وقلة وسائل الإعلام المستقلة، وهيمنة وسائل الإعلام الموالية للنظام، وهيمنة وسائل الإعلام التابعة للمخابرات، وحجب المواقع الإلكترونية، ومنع الوصول إلى بعض المواقع الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي".

وبحسب المفوضية المصرية للحقوق والحريات، في بيانها الصادر في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، فإنه يقبع نحو 21 صحفيا خلف القضبان على ذمة قضايا سياسية. 

وذلك بين حبس احتياطي دون إحالة إلى المحاكمة، أو حبس بقرارات من محاكم جنح وجنايات أمن الدولة الاستثنائية، وقد تباينت فترات حبس الصحفيين المحبوسين بين أشهر وسنوات. 

ونشرت المفوضية أبرز الانتهاكات ضد الصحفيين خلال مايو 2024 فبداية من 7 مايو، قررت محكمة الجنايات (الدائرة الأولى إرهاب) تجديد حبس يحيى السيد عثمان، نائب مدير إدارة تكنولوجيا المعلومات بجريدة “الأخبار”.

وفي 12 مايو، تم تجديد حبس الكاتب الصحفي محمد سعد خطاب حجي 45 يوما احتياطيا على ذمة التحقيقات، بتهم نشر أخبار كاذبة عن الأوضاع الاقتصادية والأسعار، وسوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي 13 مايو، تجديد حبس الصحفي مصطفى الخطيب، مراسل وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية، 45 يوما احتياطيا على ذمة التحقيقات في قضية أمن دولة عليا، بسبب انتقاده النظام على خلفية الأوضاع الاقتصادية المتدهورة.

وفي 27 مايو، تجديد حبس الصحفي مدحت رمضان، 45 يوما على ذمة التحقيقات في قضية أمن دولة للسبب ذاته. 

ووصف “المرصد العربي لحرية الإعلام” (غير حكومي)، الحالة العامة للصحافة في مصر بأنها "تعيش أسوأ عهودها على الإطلاق، في ظل قهر تام، وتكميم للأفواه، واعتماد إعلام الصوت الواحد".

قصص حزينة 

وفي ظل تلك الوضعية وحالة الحصار الكامل الذي يفرضه النظام الأمني على الصحفيين، برزت حالات بعينها تمثلت فيها آلام المهنة. 

منهم الصحفي حمدي مختار الشهير بـ"حمدي الزعيم"، ففي 6 يونيو 2024، طالبت ابنته ميرنا بالإفراج الفوري عنه لتجاوزه الحد الأقصى للحبس الاحتياطي، فضلا عن عدم مواجهته بأي منشورات أو بيانات تؤكد صحة الاتهامات الموجهة له. 

وقالت في تصريحات لموقع "درب" المحلي إنه "للعام الرابع على التوالي يظل رهن الحبس الاحتياطي بالمخالفة لقانون الإجراءات الجنائية".

وأضافت: "مع العلم أنه لم يواجه بأية أخبار أو بيانات أو منشورات، ما ينفي عنه الاتهام، بالإضافة لوضعه الصحي السيئ، حيث إنه مريض بالسكر والضغط ومصاب بالانزلاق الغضروفي".

وواصلت: "نتمنى انتهاء هذه المعاناة".

يذكر أن حمدي الزعيم تم اعتقاله في 26 سبتمبر/ أيلول 2016 على سلم مقر نقابة الصحفيين وظهر على ذمة القضية رقم 15060 لسنة 2016 جنح قصر النيل، بسبب وقفة احتجاجية اعتراضا على “تفريط نظام السيسي في جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية”.وفي 4 يونيو 2024، نشرت إيمان محروس، زوجة الصحفي أحمد سبيع، منشورا على موقع "فيسبوك" قالت فيه: “هو أنا ممكن أسأل ليه (لماذا)؟! ليه أروح (أذهب) لزوجي زيارة كل شهرين ألاقيه (أجده) تعبان (مريض) أكتر من الزيارة اللي قبلها، وكل مرة بيكون في تعب جديد يضاف لقائمة الأمراض التي بيعاني منها والتي لم تكن موجودة قبل اعتقاله؟”.

وأضافت: "كيف لمجمع سجون بهذا الحجم ومركز طبي منفصل ولا يوجد عندهم حشو للأسنان؟!".

ثم أوردت: "ماذا أقول بعد ما علمت أن زوجي يعاني من تآكل الركبة وهذا هو الجديد الذي تفاجأت به في آخر زيارتي، وبسببه لا يستطيع الوقوف على قدمه". 

وأكملت: "ماذا أفعل لما وجدته يقول لي (قلبي بيتعبني) ولا يوجد علاج؟!".

وتجاوز سبيع، 4 سنوات في الحبس الاحتياطي منذ اعتقاله نهاية فبراير/ شباط 2020 وحبسه احتياطيا على ذمة القضية 1360 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا.

وكانت قوات الأمن قد أوقفت سبيع، أثناء مشاركته في تشييع جثمان المفكر الإسلامي الراحل الدكتور محمد عمارة.

نقابة الصحفيين 

وفي 5 يونيو 2024، تقدمت نقابة الصحفيين المصريين، برئاسة النقيب "خالد البلشي"، بطلبات لإخلاء سبيل 19 صحفيا محبوسا احتياطيا، إضافة إلى عفو عن 3 صحفيين صدرت بحقهم أحكام بالسجن.

وشملت الطلبات، التي تقدم بها البلشي إلى كل من النائب العام، ومجلس أمناء الحوار الوطني، ولجنة العفو الرئاسي، قائمة النقابيين وهم، كريم إبراهيم سيد أحمد، مصطفى أحمد عبد المحسن حسن الخطيب، حسين علي أحمد كريم، أحمد محمد محمد علي سبيع، بدر محمد بدر، محمود سعد كامل دياب، ياسر سيد أحمد أبو العلا.

فيما ضمت قائمة الصحفيين غير النقابيين، حمدي مختار علي (حمدي الزعيم)، توفيق عبد الواحد إبراهيم غانم، محمد سعيد فهمي، محمد أبو المعاطي، دنيا سمير فتحي، شريف عبد المحسن عبد المنعم محمد إبراهيم، مصطفى محمد سعد، عبد الله سمير محمد إبراهيم مبارك، مدحت رمضان علي برغوث، أحمد خالد محمد الطوخي، أحمد أبوزيد الطنوبي، وكريم أحمد محمد عمر (كريم الشاعر).

من ناحية أخرى، تقدم البلشي بثلاثة طلبات للنيابة للسماح له وعدد من أعضاء مجلس النقابة بزيارة الصحفيين المحبوسين في سجون بدر 1، وبدر 3، والعاشر من رمضان، وجميعها سجون سيئة السمعة لا سيما مجمع سجون بدر، البديل عن سجن العقرب سيئ السمعة. 

قبضة حديدية

ولا يمكن إغفال أن القبضة الحديدية التي فعلها نظام السيسي ضد الإعلام بما فيها الصحافة الإلكترونية أسهم في أن تكون مصر واحدة من أسوأ دول العالم في حرية الصحافة. 

فمنذ 24 مايو 2017 أقدمت السلطات على حجب 21 موقعا صحفيا، بادعاء بث أخبار تحريضية على الإرهاب وتكدير السلم العام في البلاد.

وفي 10 يونيو 2024، وفقا لموقع "المنصة" المحلي، ارتفع عدد المواقع التي تعرضت للحجب في مصر إلى 405.

وطال الحجب مجموعة مواقع تابعة لصحف مرخص لها العمل في مصر ومن أبرزها "دايلي نيوز إيجيبت" و"البورصة" و"المصريون"، بالإضافة إلى موقع مدى مصر، ومصر العربية، والعربي الجديد.

وكان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قد نشر تقريره عام 2017، وأورد أنه تم إغلاق نحو 50 بالمئة من الصحف المحافظة على الصدور خلال 5 سنوات فقط.

بالإضافة إلى تراجع توزيع الصحف من 2.5 مليون نسخة يوميا، إلى 400 ألف نسخة عام 2017، وفقا لتقديرات خبراء التوزيع.

ومن أبرز الصحف التي تم غلقها البديل، التحرير، الطريق، الأحرار، الكرامة، الجيل.. والعديد من الصحف اليومية والأسبوعية.

وهو ما مثل اعتداء واضحا وتقييدا لوسائل الإعلام، وتعارضا مع نص المادة 57 من الدستور، والتي تنص على أنه "كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين في استخدام وسائل الاتصال العامة بأشكالها كافة، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفي، وينظم القانون ذلك".

ويتعارض أيضا مع المادة 71 من الدستور "يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها".

وعلق الصحفي المصري كريم رزق، على ما آل إليه الوضع قائلا: "تاريخ الصحافة المصرية التي بدأت منذ قدوم الحملة الفرنسية، مرورا بعهد محمد علي باشا الذي صدر في عهده جورنال الخديوي، ثم الوقائع المصرية، وصولا للصحف الشعبية مثل وادي النيل وروضة المدارس ومن ثم الأهرام، لا يتناسب أبدا أن تكون مصر ضمن أسوأ 10 دول بالعالم في مجال حرية الصحافة". 

وشدد رزق لـ“الاستقلال” على أن "هذا المؤشر لا ينعكس على الصحافة المصرية فقط، بل على وضع مصر الثقافي والسياسي والتعليمي وعلى وضعها العام كدولة".

وأشار إلى أن “مصر مرت بعهود استبداد وتضييق كثيرة، فحتى في فترة حكم جمال عبد الناصر (1954-1970) ورغم أنها فترة اشتهرت بالقمع وأحادية الرأي والصوت، لكن فنيا كان هناك كتاب كبار لهم كثير من الآراء، ووجدوا على الساحة مثل مصطفى وعلي أمين وإحسان عبد القدوس ويوسف السباعي وغيرهم”. 

واستطرد رزق: “أما الآن فانظر حولك فلا تكاد ترى كاتبا أو صحفيا كبيرا يمكن أن يكون أستاذا له رأي يعتد به، إلا وهو في السجن أو مقموع في بيته بين جدران صماء”.