"موازنة الظل".. كيف تحافظ إيران على تغطية ميزانية جيشها وأجنحتها العسكرية؟

18 days ago

12

طباعة

مشاركة

في أول مشروع للميزانية تقدمها الحكومة الإيرانية الجديدة برئاسة مسعود بزشكيان، أعلنت الحكومة عن خطتها لزيادة الميزانية العسكرية بنسبة 200 بالمئة في السنة المالية المقبلة التي تبدأ في 21 مارس/ آذار 2025. 

وقالت المتحدثة باسم الحكومة فاطمة مهاجراني خلال مؤتمرها الصحفي الأسبوعي في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2024 إن اقتراح الميزانية يتضمن "زيادة كبيرة بأكثر من 200 بالمئة في الميزانية العسكرية".

وتشمل الميزانية العسكرية الرسمية التي تدرجها الحكومات الإيرانية ضمن مشروع الميزانية الذي يقدم إلى البرلمان، الأموال التي تُخصص للقوات المسلحة ووزارة الدفاع ودعم القوات المسلحة، ولا تشمل البنود السرية.

الميزانية العسكرية

وتُقسم الميزانية العسكرية المعلنة بين الجيش والحرس الثوري و"الباسيج" وهي مليشيا عقائدية مسلحة تضم ملايين المتطوعين وممولة مباشرة من الدولة.

وتُشير التقديرات إلى أن الحرس الثوري، ونظرا لنفوذه الواسع وتشعباته المتعددة في العالم، مثل "فيلق القدس"، يحصل على الجزء الأكبر من هذه الميزانية.

وبلغت الميزانية العسكرية الرسمية لعام 2024 حوالي 470 ألف مليار تومان (دولار واحد يعادل 42 ألف تومان)، وهو ما يمثل سدس الميزانية العامة لعام 2024، وفق ما ذكرت قناة "إيران إنترناشونال" المعارضة.

وتزامن النمو الكبير في الميزانيات العسكرية لإيران وسط اشتداد التوترات في الشرق الأوسط مع تبادل الهجمات ضد إسرائيل منذ أن شنت طهران ولأول مرة هجوما غير مسبوق بالمسيّرات والصواريخ على إسرائيل ليل 13-14 أبريل/ نيسان 2024.

وجاءت الضربة الإيرانية حينها ردا على تدمير القنصلية الإيرانية في سوريا مطلع أبريل 2024، بضربة إسرائيلية في قلب دمشق، قُتل فيها سبعة عناصر في الحرس الثوري بينهم ضابطان رفيعان.

ثم في 26 أكتوبر 2024 استهدفت إسرائيل مواقع عسكرية مرتبطة بالصواريخ في إيران، ردا على الهجوم بالصواريخ البالستية.

وكان البرلمان الإيراني، بناء على طلب من الحكومة السابقة، وافق على منح القوات المسلحة أكثر من 132 ألف مليار تومان من النفط الخام لبيعه وزيادة ميزانيتها.

وتُعد إيران من بين الدول القليلة التي تتيح لقواتها المسلحة رسميا المشاركة في بيع الموارد الوطنية والحصول على جزء من عائداتها ولعل هذا ما يتيح للمنظومة العسكرية الإيرانية تأمين بعض نفقاتها بشكل مستقل.

إذ كانت الميزانية الأولية للقوات المسلحة عام 2024 موزعة تقريبا على النحو التالي، حوالي 132 ألف مليار تومان للتأمين الاجتماعي الخاص بالقوات المسلحة (بما في ذلك التأمين والتقاعد)، و125 ألف مليار تومان للحرس الثوري، وحوالي 67 ألف مليار تومان للجيش، وأكثر من 87 ألف مليار تومان للقوات الأمنية، وحوالي 48 ألف مليار تومان فقط لوزارة الدفاع.

وتعتمد إيران على توفير جزء كبير من الموارد المالية للقوات المسلحة ليس فقط من بنود الميزانية الرئيسة، ولكن أيضا من حصة النفط الخام وموارد صندوق التنمية الوطنية.

وإيران ما تزال تنتج نحو 3,2 ملايين برميل نفط يوميا، وفقا لوكالة الطاقة الدولية التي صنفتها في المرتبة التاسعة بين أكبر منتجي النفط الخام بالعالم.

أما صندوق التنمية الوطني للاستثمار والتمويل في إيران متعدد الاستثمارات وفي قطاعات مختلفة حيث يلعب دورا نشطا في العديد من مشاريع البنية التحتية في البلاد ومجالات الطاقة (النفط والكهرباء) والصناعة والزراعة والخدمات وحتى في المواصلات، والأدوية وفي السياحة كذلك.

وبحسب ما قال نائب رئيس صندوق التنمية الوطني للاستثمار والتمويل، رضا محمدي، لوكالة إيران الرسمية للأنباء "إرنا" منتصف أغسطس/ آب 2024، فإن "هذا الصندوق استثمر 36 مليارا و258 مليون دولار في المشاريع الاقتصادية".

وأعلن وزير الاقتصاد والمالية الإيراني، عبد الناصر همتي، أن ميزانية البلاد لعام 2024 تواجه عجزا.

ولتعويض ذلك، لجأت الحكومة إلى سحب أموال من "صندوق التنمية الوطني" لتعويض العجز، بعد الحصول على إذن من المرشد علي خامنئي، وفق ما كشف همتي، خلال جلسة علنية للبرلمان في 8 أكتوبر 2024.

وفي ميزانية إيران لعام 2024، تقدر مخصصات القوات المسلحة بنحو 25.3 مليار دولار، أي بزيادة قدرها 21 بالمئة مقارنة بالعام 2023.

ولا يشمل هذا الرقم الميزانيات السرية المحتملة، خاصة المتعلقة بالحرس الثوري الذي يقود ويمول أذرع إيران في عدد من دول الشرق الأوسط، لا سيما العراق وسوريا واليمن ولبنان.

وكانت حصة الحرس الثوري من إجمالي الإنفاق العسكري الإيراني نحو 27 بالمئة عام 2019، لكن هذا المبلغ ارتفع إلى 37 بالمئة في 2023. 

وضمن هذه الجزئية، فقد قدمت وزارة الخزانة الأميركية مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2023 تقريرا إلى الكونغرس أكدت فيه أن شركة النفط الإيرانية والشركة الوطنية الإيرانية للناقلات هي وكالة أو فرع يتبع لـ"الحرس الثوري"، مشيرة إلى دوره في حملات بيع النفط وتفادي العقوبات المفروضة على إيران.

موازنة الظل

وقال التقرير، الذي نشرته السفارة الأميركية الافتراضية في إيران، إن "الحرس الثوري هو أقوى جهة اقتصادية في إيران، حيث يسيطر على العديد من قطاعات الاقتصاد، بما في ذلك الطاقة والبناء والبنوك".

ونوَّه التقرير إلى أن "الحرس الثوري يعد هدفا طويل الأمد للعقوبات الأميركية، ولديه تاريخ من محاولة تجاوز هذه العقوبات، من خلال الحفاظ على شبكة معقدة من الشركات الوهمية".

والاتحاد الأوروبي يحظر استيراد وشحن وشراء النفط الإيراني بموجب عقوبات فرضت على طهران ودخلت حيز التنفيذ بالكامل مطلع يوليو/ تموز 2012.

وسابقا، انتقد رئيس صندوق التنمية الوطني الإيراني، مهدی غضنفري، تكرار عمليات السحب من الصندوق، مشيرا إلى أن البرلمان يصادق على ميزانيات تفوق قدرة البلاد المالية، مما يدفع الحكومة إلى اللجوء إلى الصندوق لسد العجز.

كما نشر مركز أبحاث البرلمان الإيراني عام 2023 تقريرا أشار إلى أن الحكومة لم تسدد ديونها البالغة 25 ألف مليار تومان لصندوق التنمية الوطني عام 2022، بل زادت من هذه الديون بنحو 170 ألف مليار تومان بعد الحصول على إذن بسحب 20 بالمئة من موارد الصندوق عام 2023.

ورغم أن صندوق التنمية الوطني كان من المفترض أن يقدم القروض بشكل أساسي للقطاع الخاص، فإن القطاع الحكومي استحوذ على النصيب الأكبر من السحوبات والتي يبدو أن القوات المسلحة الإيرانية تسند ظهرها عليه.

ومن بين 160.8 مليار دولار تمويلات الصندوق، تم سحب أكثر من 101 مليار دولار منها من قبل الحكومات المتعاقبة، وفق ما نقل موقع "إيران إنترناشونال".

بالمقابل، فإن الميزانية العسكرية لإسرائيل عام 2024، تقدر بحسب آخر تقرير لموقع “ستاتيستا” المتخصص، بنحو 31 مليار دولار. 

كما أعلن معهد ستوكهولم للسلام (سيبري) أن الإنفاق العسكري الإسرائيلي بلغ عام 2023 نحو 27.5 مليار دولار.

وفي ظل غياب الشفافية المالية ووجود مؤسسات عسكرية عديدة في إيران، حاولت دائما مؤسسات مالية دولية مختلفة مثل معهد "سيبري" أو صندوق النقد الدولي في واشنطن إعطاء أرقام تقريبية.

إذ إنه بالنسبة للميزانية العسكرية الإيرانية، لم تتمكن هذه المؤسسات العالمية قط من تقديم تقرير نهائي في هذا المجال، بينما قدر معهد ستوكهولم للسلام (SIPRI) النفقات العسكرية الإيرانية بـ 10.3 مليار دولار عام 2023 مما يضعها في المركز الرابع في الشرق الأوسط من حيث الميزانية العسكرية.

وكانت السعودية في المركز الأول في هذا المجال بـ75 مليار و800 مليون دولار، تشمل 7.1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

وبحسب هذا التقرير الذي نشر في مطلع مايو/ أيار 2023 فإن حصة إجمالي النفقات العسكرية المخصصة للحرس الثوري آخذة في الارتفاع منذ عام 2019 على الأقل.

موارد الميزانية

ورغم أن بعض النفقات العسكرية للحرس الثوري أو الجيش الإيراني يتم نشرها في الميزانية العامة للحكومة، إلا أن هذه النفقات تشمل فقط الجزء المتعلق بمرافق البنية التحتية.

ويتم إخفاء الأسلحة والموارد النووية والاستخدامات الأخرى عن الرأي العام، ويتم النظر في حساب خاص لها، ويقدم التقرير مباشرة إلى مكتب خامنئي بعد مجلس الأمن الأعلى للبلاد.

وتدعم إيران مليشيات في العراق وسوريا واليمن أخرى، فضلا عن حزب الله اللبناني الذي تأسس عام 1982 على يد الحرس الثوري وبات يتلقى تمويله وسلاحه من طهران.

وحزب الله يخوض حربا مفتوحة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ سبتمبر/ أيلول 2024 بعدما فتح جبهة إسناد لغزة في الثامن من أكتوبر 2023 شهدت تبادلا للقصف عبر الحدود مع إسرائيل.

وتؤكد وكالة “إرنا”، أن الحرس الثوري يحصل على الجزء الأكبر من الميزانية العسكرية للبلاد.

وقالت الوكالة إن الجيش النظامي وفروعا أخرى من القوات المسلحة تحصل على مخصصات أقل، استنادا إلى أرقام السنة المالية الحالية التي تنتهي في مارس 2025.

وضمن هذا السياق، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية في يونيو/ حزيران 2024 عن فرض عقوبات اقتصادية على 50 شخصا وشركة في جميع أنحاء هونغ كونغ والإمارات وجزر مارشال، والتي زعمت أنها كانت تعمل بمثابة "شبكة ظل مصرفية ظل مترامية الأطراف" للجيش الإيراني.

وتقول الوزارة إن هذه الكيانات والأفراد "متورطون" في بيع النفط والبتروكيماويات الإيرانية، مما ساعد الجيش والحكومة الإيرانية على الوصول بشكل غير مشروع إلى النظام المالي الدولي.

وقالت وزارة الخزانة الأميركية إن هذه الإيرادات تستخدم لدفع ثمن الأسلحة والتمويل للجماعات بالوكالة.

وبحسب معلومات نشرتها إذاعة "فردا" باللغة الفارسية عام 2023، فإنه حتى أعضاء البرلمان ليسوا على علم بآلية "موازنة الظل" هذه، وفي بعض الأحيان فقط يتم تقديم تقرير عام دون تفاصيل إلى لجنة الأمن القومي في اجتماعات سرية.

وبصرف النظر عن الموارد النفطية في البلاد، والتي يتم بيعها مباشرة إلى القوات المسلحة، فإن صندوق التنمية الوطنية في البلاد يعد دائما موردا مفيدا لتلبية احتياجات الحكومة الطارئة من أجل تجنب الوقوع في حضن الأزمات الاقتصادية والعسكرية الحادة.

وكانت حكومة بزشكيان قد قالت إن الخزينة كانت خالية نسبيا حين تسلمتها، ولا تزال لا تملك المال لدفع رواتب مزارعي القمح وتلبية مطالب ممرضات البلاد، وقد استوفت بعض الاحتياجات عن طريق أخذ أموال من صندوق التنمية الوطنية.

ويمر الشعب الإيراني بأوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة، رافقها استمرار تدفق رؤوس الأموال من إيران إلى الخارج، واستمرار التضخم (30 بالمئة) وانهيار سوق الأوراق المالية.

وقد كان لافتا أن الحكومة الجديدة اقترحت في مشروع قانون الموازنة مضاعفة السقف الضريبي لأصحاب الرواتب وأصحاب الأعمال، وأدرجت هذا الإجراء على أنه "دعم المجموعة ذات الدخل المنخفض والضعيفة".