"مصالحة إنسانية".. هل ينهي البارزاني أزمة اختيار رئيس البرلمان في العراق؟
"تباينت آراء المراقبين بخصوص إيفاء القوى السنية بتعهداتها للبارزاني"
دخل رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود البارزاني، على خط أزمة منصب رئيس البرلمان في العراق، والذي لايزال شاغرا منذ ثمانية أشهر، وذلك بعد إقالة القضاء رئيسه السابق محمد الحلبوسي، بتهمة “تزوير وثيقة تخص أحد البرلمانيين”.
وطبقا للعرف السائد في العراق بعد الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، فإن منصب رئيس البرلمان يكون من حصة المكوّن السني، وبينما يحوز الشيعة على رئاسة مجلس الوزراء، فإن رئاسة الجمهورية تذهب إلى الأكراد، وهذا الأمر ليس مقرّا ضمن بنود الدستور.
مصالحة إنسانية
وعلى وقع زيارة استمرت لمدة يومين، أجراها البارزاني إلى العاصمة بغداد في 3 يوليو/ تموز 2024، بعد انقطاع لأكثر من ست سنوات، التقى الأخير زعامات جميع القوى السياسية، وبحث العديد من القضايا، لكنه استطاع جمع الفرقاء السنة جميعا رغم الخلافات الكبيرة.
وقال القيادي في حزب "السيادة" السني، مشعان الجبوري، خلال مقابلة تلفزيونية في 4 يوليو، إن "البارزاني استطاع أن يجري مصالحة إنسانية بين جميع القيادات السياسية السنية، وذلك بجمع كل الخصوم والحديث معهم عن ضرورة توحدهم، وحل مشكلة اختيار رئيس للبرلمان".
وأوضح الجبوري أن "جميع القوى السنية المنضوية ضمن تحالفات (العزم، تقدم، الحسم، السيادة) كانت حاضرة الاجتماع مع البارزاني، وتعهدوا أمامه بحل أزمة رئيس البرلمان، وأن الأخير أكد أنه سيتحدث بالإعلام عن الطرف الذي سيعرقل الموضوع في حال لم يتم".
ولفت إلى أن "المقترح الذي جرى الاتفاق عليه، هو أن يقبل كل الأطراف بأي شخص يحصل على أعلى الأصوات داخل البرلمان، وإذا لم يكسب أغلبية الأعضاء فإن الطرف الآخر أو منافسه عليه أن ينسحب، وبالتالي يصبح صاحب أعلى الأصوات هو الرئيس".
من جهته، قال عضو البرلمان محمود القيسي، عن تحالف "العزم" السني، إن "زيارة البارزاني إلى بغداد سعت لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء السنّة"، مشيرا إلى أن "زيارته كان لها أثر إيجابي واضح على مستوى القيادات السنية".
ولفت إلى أن "البارزاني اجتمع مع خميس الخنجر (رئيس حزب السيادة) ومحمد الحلبوسي (زعيم حزب تقدم) ومثنى السامرائي (رئيس تحالف العزم) وأحمد عبد الله الجبوري (أمين عام حزب الجماهير) والقيادات السنية الأخرى، وحاولوا جميعهم تحديد موعد لاختيار رئيس البرلمان في الجلسة المقبلة".
وأكد القيسي أن "البارزاني عقد جلسات ثنائية مع الخنجر والحلبوسي ومثنى السامرائي، وخرجوا برؤية أن الجميع متفق على سرعة اختيار رئيس البرلمان"، لافتا إلى أن "الفصل التشريعي للبرلمان بدأ يوم التاسع من يوليو، لذا سنحاول ألا نؤخر جلسة اختيار الرئيس".
وشدد النائب العراقي على أن "مسألة عدم القدرة على ترشيح شخصية جديدة والاكتفاء بالمرشحين الحاليين دستورية ولا نقاش فيها، وأن فتح باب الترشيح يعارض القانون والدستور ولم تتم مناقشته أساسا، وهو أمر مختص بالمحكمة الاتحادية العليا".
تنصل متوقع
وبخصوص مدى قدرة البارزاني على إنهاء الأزمة والتزام الأطراف السنية بتعهداتها أمامه، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، مؤيد الدوري إن "الحلبوسي لايزال متعنتا، ولا يريد أن يأتي أي شخص من باقي القوى السنية، ويكذب بشأن المصالحة".
وفي الوقت نفسه، استبعد الدوري في حديث لـ"الاستقلال" أن "يمضي مرشح القوى السنية الأخرى سالم العيساوي، فالحلبوسي بتفاهماته مع القوى الشيعية سيعيق ذلك، كون الأخير يهدد مستقبله السياسي في محافظة الأنبار، لأنه ابن المدينة نفسها".
في المقابل، رأى الباحث العراقي، حامد العبيدي أن "الأزمة في طريقها إلى الحل بعد اجتماع البارزاني مع القوى السنية في بغداد، لأن الأكراد من مصلحتهم مجيء رئيس للبرلمان قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة المقررة عام 2025، لأن الكثير من الأمور يجب أن يحلها الأخير".
وأوضح العبيدي لـ"الاستقلال" أن "البارزاني استطاع أن يجمع الخصوم وهذا شيء يحسب له ومدى قدرته على التأثير في البيت السياسي السني، فهو حليف مهم للسنة، وبالتالي إرضاؤه وعدم الانقلاب على الاتفاق معه أمر يهم كل الفرقاء الذين حضروا الاجتماع".
وأشار إلى أن "البارزاني يسعى إلى أن يعود الأكراد بيضة القبان في الواقع السياسي العراقي، وخصوصا الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يعد أكبر الأحزاب الكردية والحاكم في إقليم كردستان العراق".
وعلى الصعيد ذاته، قال القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، وفاء محمد كريم، إن "البارزاني، طرح وساطة بين الأطراف السياسية السنية لإنهاء الخلافات فيما بينهم، ونجح بذلك".
وأضاف كريم لصحيفة "العالم الجديد" العراقية في 7 يوليو، أن "البارزاني عمل على تقريب وجهات النظر لحل أزمة رئاسة البرلمان وهناك تجاوب كبير مع وساطته، إذ إنه يمتلك ثقلا سياسيا كبيرا ويحظى بثقة الأطراف السياسية السنية، وكلمته مسموعة ومؤثرة، ولهذا وساطته سيكون مصيرها النجاح".
وأكد أن "هناك تجاوبا كبيرا مع تدخل البارزاني، ووجود حوارات وسعي لحل هذا الخلاف وتقديم مرشح واحد يمثل كل الأطراف السنية خلال الفترة المقبلة".
وأشار كريم إلى أن "وساطة البارزاني لحل الخلافات بين الأطراف السياسية السنية مرحب بها ومدعومة أيضا من أطراف في الإطار التنسيقي الشيعي، وأنه شدد خلال اجتماعه مع قادة الإطار على ضرورة حسم انتخاب رئيس البرلمان، واحترام الأعراف السياسية، ومنح المنصب لمن يمتلك الأغلبية البرلمانية".
أصل الأزمة
وتعود الخلافات على منصب رئيس البرلمان إلى رفض الحلبوسي، مجيء شخصية مكانه من غير كتلته البرلمانية، بينما ترى الأطراف السنية الأخرى أن المنصب هو استحقاق للمكون، وبالتالي من حق الجميع الدفع بمرشحيهم وترك الحرية للنواب لاختيار رئيسهم.
وفي مايو/ أيار 2024، فشلت القوى السياسية في حسم انتخاب رئيس جديد للبرلمان، بعد جلسة ماراثونية شهدت ثلاث جولات تصويت لأربعة مرشحين، انحسر التنافس في الجولتين الأخيرتين بين محمد المشهداني مرشح الحلبوسي، وبين سالم العيساوي مرشح كتلتي "السيادة" و"العزم".
وتقدم العيساوي على المشهداني، مرشح تحالف "تقدم"، في الجولة الثانية لانتخاب رئيس للبرلمان، بـ158 صوتا، مقابل 137 لمنافسه.
وشهدت الجلسة هذه عراكا بالأيدي، وأصيب أحد النواب بجرح في رأسه جراء مشاجرة بين نائبين ينتمي كل واحد منهما إلى حزبٍ يُنافس الآخر للظفر بالمنصب، فضلا عن شتائم وسِباب بين نواب ورئيس البرلمان بالإنابة محسن المندلاوي، ما أدى إلى رفع الجلسة حتى إشعار آخر.
وفشل البرلمان في الجولة الأولى التي عقدت في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2023 في انتخاب رئيس له، بعدما انحصرت المنافسة بين العيساوي، وشعلان الكريم عن حزب تقدم برئاسة الحلبوسي، ولم يحصل الاثنان على أغلبية أصوات أعضاء البرلمان.
بدوره، عبّر الزعيم السياسي الكردي مسعود البارزاني عن سعادته بلقاء الأحزاب السنية، وتمنى أن يكون اللقاء بداية لمزيد من التفاهم والتنسيق بين الأطراف، حسبما نقلت قناة "كردستان24" في 4 يوليو.
وعن تفاصيل اجتماعه مع القادة السنة، قال البارزاني إن المصلحة العامة والمستقبل والمصير “فوق المصالح الفردية والحزبية”، داعيا الأطراف السنية إلى مساعدة بعضهم البعض وحل هذه القضية في أسرع وقت ممكن.
وثمنت قيادات وأحزاب السنة خلال اللقاء، زيارة البارزاني إلى بغداد، وعدتها زيارة “تاريخية ومهمة” ستترك أثرا إيجابيا على العملية السياسية برمتها، كما نوقشت مطالب ومشاكل المكوّن، ولا سيما تعيين رئيس البرلمان، حسبما نقلت القناة الكردية.
ولم يصدر أي تعليق من القوى السنية بخصوص الاجتماعات التي أعقبت زيارة البارزاني، والتي من المقرر أن تكمل الاتفاق على المضي في انتخاب رئيس البرلمان والذهاب مع صاحب أعلى الأصوات أيا كانت الشخصية هذه وإلى أي حزب تنتمي.