اختاره الشيعة بدلا من السنة.. كواليس ترشيح المشهداني لرئاسة برلمان العراق

يوسف العلي | 16 days ago

12

طباعة

مشاركة

رغم إنهاء حالة من الجدل استمرت نحو عام كامل، لم يكن انتخاب محمود المشهداني، رئيسا جديدا للبرلمان العراقي، بإرادة القوى السنية التي يوكل إليها الأمر في ترشيح الشخصية التي تشغل المنصب، طبقا للعرف السياسي السائد في البلد.

ففي 31 أكتوبر/تشرين الأول 2024، عقد البرلمان جلسة لانتخاب رئيس جديد له، شهدت الجولة الأولى تنافسا بين محمود المشهداني، وسالم العيساوي، إذ لم يتمكنا من كسب غالبية أصوات النواب، وحسم الأمر بجولة ثانية حقق الأول فيها 140 صوتا مقابل 34 لمنافسه.

وبحسب الدستور العراقي، يتطلب فوز أحد المرشحين الحصول على 166 صوتا من مجموع الحاضرين، بمعنى ما نسبته 50 زائد واحد من عدد نواب البرلمان الكلي البالغ 329، وإذا لم يتحقق ذلك، فإن صاحب أعلى الأصوات في الجولة الثانية يُعد فائزا.

وبقي منصب رئيس البرلمان شاغرا بعد إقالة محمد الحلبوسي بقرار من المحكمة الاتحادية في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، بتهمة تزوير طلب إقالة أحد النواب، الأمر الذي تسبب بنزاع بين القوى السنية على هوية خليفته، خصوصا أن حزب “تقدم” بزعامة الأخير  أصر على أنه من استحقاقه.

"مرشح الإطار"

وبحسب سياسيين عراقيين، فإن الإطار التنسيقي الشيعي، هو من حدد يوم 31 أكتوبر 2024، لانعقاد جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب من غير استشارة الأطراف السياسية السنية، كونه منصبا يخص المكون السني، يتطلب التوافق معهم قبل المضي بالجلسة.

وقال النائب السابق السياسي السني مشعان الجبوري، خلال مقابلة تلفزيونية في 30 أكتوبر، إن "الإطار التنسيقي الشيعي لم يتفق مع أحد من القوى السنية بخصوص يوم الجلسة، وإنما اتخذ القرار لوحده وأصدر بيانا حدد فيه يوم انعقادها، لانتخاب رئيس للبرلمان".

وأضاف أن "الإطار التنسيقي اتفق على انتخاب النائب محمود المشهداني رئيسا للبرلمان، ولم تتبنه القوى السياسية السنية، وتقول إنه مرشحها حتى نتفق عليه نحن في المكون السني من أجل حصول إجماع سني بخصوص ترشيحه".

وتولى المشهداني رئاسة البرلمان في عام 2006 إلى 2009، بعد أول انتخابات برلمانية شارك فيها المكوّن السني في مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003.

ولفت الجبوري إلى أن "المشهداني قدم نفسه إلى الترشيح وهو لا يمثل الكتل السنية، لأن الأحزاب السنية: تقدم لديه مرشح، والسيادة لديهم مرشحهم، وكتلة (عزم) لديها مرشح، لكنه كان يحظى بدعم القيادي في الإطار التنسيقي نوري المالكي، وكذلك يحظى بدعم إيراني".

وكشف الجبوري أن رئيس البرلمان الجديد "هو مرشح الإطار، وكان حاضرا في آخر اجتماع قبل الجلسة بيوم واحد، وجرت في منزل المالكي بحضور قادة الإطار عمار الحكيم، وهادي العامري، إضافة إلى زعيم حزب تقدم محمد الحلبوسي، الذي أكد أنهم سيصوتون للمشهداني".

وأردف: "طلبت من الحلبوسي أن يطلب من الإطار الحصول على موعد جديد لجلسة انتخاب رئيس البرلمان، حتى يعطوا قيمة وقدرا لقوى المكون السني وتشاوروا معها ولبوا طلبها في تأجيلها إلى أسبوع، لكنه لم يفعل".

وبعد انتخاب المشهداني رئيسا للبرلمان، صرّح القيادي في الإطار التنسيقي هادي العامري من مبنى البرلمان، أن "جميع الإخوة في الإطار من الأخ المالكي الذي جلس جلسات متعددة، وكذلك الأخ عمار الحكيم وقيس الخزعلي دعموا ترشيحه".

ونفى العامري أن يكون الإطار فرض المشهداني على المكون السني، وقال إنه "حظي بالأغلبية السنية ولذلك جرى دعمه".

ونوَّه القيادي في الإطار التنسيقي إلى أنه "لا يوجد أي مساومات ومن يدعي ذلك هو حزين على الانتصار الذي حققه البرلمان لانتخاب رئيسه، فهذا توافق وطني كبير للقوى السياسية".

"أرنب الحلبوسي"

وعن أسباب تبني رئيس حزب "تقدم" السني محمد الحلبوسي، ترشيح هذه الشخصية لتولي رئاسة البرلمان، قال إن "الإطار التنسيقي أوصد جميع الأبواب بخصوص حصولنا على المنصب، ولم يقبلوا ترشيح أي شخصية أخرى تمثل حزبنا، وفرضوا المشهداني".

وأضاف الحلبوسي خلال مقابلة تلفزيونية في 30 أكتوبر، أن نواب "تقدم" عتبوا علي لترشيح المشهداني لأن المنصب من حق حزب الحزب وفقا للتقاسم بين الكتل السنية، فأبلغتهم إن الإطار التنسيقي قال لي تريد غزال أخذ أرنب، تريد أرنب أخذ أرنب، فقمت بجلب "الأرنب".

وبعد انتخاب المشهداني رئيسا للبرلمان، علق ضابط المخابرات العراقي السابق، سالم الجميلي، عبر منصة "إكس" متهكما: "أرنب الحلبوسي رئيسا لمجلس النواب... هلهولة للدعوة الصامد".

وكان في ذلك إشارة إلى أن زعيم حزب "الدعوة" (الشيعي) نوري المالكي فرض اسم المشهداني على الحلبوسي ليترأس البرلمان.

وأفاد مصدر سياسي عراقي لـ"الاستقلال" طالبا عدم الكشف عن هويته، أن "دعم المالكي للمشهداني وإصراره على توليه رئاسة البرلمان، يعد مقدمة ليتولى الأول رئاسة الحكومة لولاية ثالثة، كونه يمثل حليفا قديما له، وربما يرتبون تحالفا ما بعد الانتخابات المقبلة في 2025".

وأوضح المصدر أن “نوري المالكي لا يزال لديه طموح في أن يختتم حياته السياسية في تولي رئاسة الحكومة لمرة ثالثة بعد قيادتها ثماني سنوات (2006 إلى 2014)، وأن المشهداني متحمس، وهذا الأمر مروج له بشكل علني”.

وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي العراقي غالب الدعمي، إن دعم نوري المالكي لعودة محمود المشهداني جاء لتحقيق طموحات سياسية شخصية، إذ يهدف الأول إلى التهيؤ لتولي منصب رئاسة الوزراء مستقبلا.

وتوقع الدعمي أن أطرافا من الإطار التنسيقي حسمت انتخاب رئيس البرلمان من أجل التخلص من صعود محسن المندلاوي المستمر، خشية أن ينافسها على الزعامة السياسية الشيعية، حسبما نقلت وكالة "موازين" العراقية في 2 نوفمبر 2024.

وبرز نجم النائب الأول لرئيس البرلمان، القيادي في الإطار التنسيقي، محسن المندلاوي حينما تولى قيادة السلطة التشريعية بالوكالة طيلة مدة شغور كرسي الرئاسة.

وبرر المشهداني دفاعه عن المالكي، بأن من جاء بعده إلى رئاسة الحكومة لم يسد الفراغ الذي تركه، بالقدرة على اتخاذ القرار وسرعة الحسم.

وقال المشهداني: "نحن بحاجة إلى رئيس وزراء قادم يتصرف بعقلية المالكي بعد انتخابات عام 2006، لأن ولايته الثانية كانت هوسة" (مضطربة).

وأضاف خلال مقابلة تلفزيونية في 28 يناير/ كانون الثاني 2021، أن المالكي استطاع إزاحة المسلحين في وقتها من الشوارع.

ورغم أن سنة العراق خرجوا بمظاهرات عام 2012 بسبب اكتظاظ السجون بأبنائهم في عهد المالكي، ادعى المشهداني أن الأخير "بيّض السجون دون أن يخشى أحدا".

وزعم المشهداني أن بعض الجهات الدولية (لم يسمها) تفكر في إعادة المالكي للسلطة لأنه يمتلك قدرات محددة.

وأكد أننا "سنبحث عن نفس الشخصية التي كان يمتلكها المالكي عندما كان رئيسا للوزراء في دورته الأولى عام 2006- 2010".

"خيار إيران"

وعلى الصعيد ذاته، نشر صاحب حساب "وزير عراقي" في 31 أكتوبر تدوينة على "إكس"، قال فيها: إن الزعيم السني محمود المشهداني، الآن يؤدي فروض الطاعة والولاء في السفارة الإيرانية طمعا بأن يأمر السفير الإيراني (محمد كاظم آل صادق)، أتباعه الشيعة لترشيحه إلى منصب رئيس البرلمان.

وأضاف: "زيارة العجوز السني إلى السفارة الإيرانية وأداؤه فروض الطاعة والولاء للمشروع الإيراني في المنطقة، أثمرت عن توجيهات من السفير  إلى المالكي و (قيس) الخزعلي لتصويت كتلهم البرلمانية للمشهداني".

وكتب الإعلامي العراقي، عثمان المختار عبر "إكس" في 31 أكتوبر، قائلا: "محمود المشهداني رئيسا للبرلمان العراقي بعد يوم من زيارته للسفارة الإيرانية في بغداد".

وفي الأول من نوفمبر، هنأ السفير الإيراني في بغداد، الشعب العراقي بانتخاب محمود المشهداني رئيسا جديدا للبرلمان، وذلك خلال تدوينة نشرها على منصة "إكس".

وكتب السفير، قائلا: "يعد انتخاب رئيس البرلمان رسالة إيجابية للاستقرار السياسي والتوافق الوطني خاصة في ظل التوترات والأزمات الإقليمية الحالية. آمل أن يسير العراق حكومة وشعبا باتجاه التقدم والازدهار بمزيد من التلاحم و الوحدة".

المشهداني طبيب عراقي من مواليد 1948، يقول عن نفسه: إنه "سلفي ولا أزال، وسأموت على سلفيتي"، اعتقل في عهد الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين عام 2000 بسبب الفكر الذي يحمله.

أفرج عنه عام 2002 ضمن السجناء المفرج عنهم بقرار العفو العام، الذي صدر عن الأخير قبل الاحتلال الأميركي للعراق بأشهر قليلة، ليترأس بعد 2003 المكتب السياسي لمنظمة "الدعوة والارشاد" السلفية.

انتخب عضوا للجنة صياغة الدستور عام 2003، ثم اتهم بدعم "المقاومة العراقية (السنية)" فاعتقلته القوات الأميركية عام 2004 وكذلك جرى اعتقاله من قبل وزارة الداخلية العراقية عام 2005.

لكن بعد سنة من ذلك، سجل قفزة لم تكن متوقعة حين انتخب بعد انتخابات عام 2006 التي شاركت فيها قوى سياسية سنية، رئيسا للبرلمان العراقي، كما انتخب رئيسا للاتحاد البرلماني العربي عام 2008.

استمر في منصبه رئيسا للبرلمان العراقي حتى 2009، وأجبر بعدها على الاستقالة بسبب خلافات مع قوى سياسية شيعية، وذلك على خلفية عدم تمكنه من ضبط انفعالاته العصيبة، والتي كان آخرها شتمه لإحدى البرلمانيات من المكون الشيعي داخل قبة البرلمان.

ومع أنه أجبر على الاستقالة من رئاسة البرلمان، فإنه وطبقا لما بات متداولا، فقد كان خروج المشهداني من منصبه بصفقة خاصة معه، وذلك بمنحه راتبا تقاعديا، إذ ودّع البرلمان في حينها بطريقة تراجيدية، ذارفا الدموع أمام البرلمانيين ووسائل الإعلام.

المشهداني يصف نفسه بأنه أحد أبطال وقادة الدولة العميقة من السنة في العراق، وأن دوره رسم الإستراتيجيات وتقديم المشورة للقيادات السنية الجديدة وإبعادهم عن الأخطاء التي وقع هو وغيره فيها، ويقول "نحن نفرض وجودنا بالخبرة السياسية التي نمتلكها".