بدعوى "نقاء العرق".. من هم أبناء كيميت الذين يحاربون اللاجئين في مصر؟
بدأ ظهور مصطلح "أبناء كيميت" عقب فترة قليلة من حكم عبدالفتاح السيسي
حملة جديدة تتواصل تفاعلاتها في مصر تحرض فيها حسابات معظمها وهمية ضد اللاجئين وتنسب نفسها لما يعرف بـ "أبناء كيميت".
يضع هؤلاء صورا فرعونية، وبعضهم يستخدم صورة رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، أو علم مصر أو الجيش أو الشرطة.
كما توجد حسابات حقيقية متأثرة بالحملة، وتتبنى أيضا فلسفة "أبناء كيميت"، حيث تدون عبارات عن الحضارة المصرية القديمة، وتتحدث باسم القومية المصرية.
فمن هم أبناء كيميت؟ وما أهدافهم؟ ومن الذي يحركهم ويحرضهم على العمل ضد اللاجئين في مصر؟
حملة شعواء
في يوم الجمعة 14 يونيو/ حزيران 2024، وقبل يومين من أول أيام عيد الأضحى المبارك (16 يونيو/حزيران)، انطلقت حملة الكراهية الشعواء ضد مجتمع اللاجئين في مصر، على منصات التواصل الاجتماعي، تحديدا منصة "إكس".
وتصدرت 6 وسوم رئيسة في مصر، وهي "الشرطة المصرية- ادعم الشرطة المصرية ضد اللاجئين- ارجع بلدك يا لاجئ - مصر للمصريين - ترحيل اللاجئين واجب وطني - الطالب المصري أولى بجامعاته".
أما المستهدفون من الحملة التي أطلقها "أبناء كيميت"، فكانوا كالتالي، "اللاجئون والمهاجرون من السودان في المقام الأول"، و"اللاجئون والمهاجرون الأفارقة بعد ذلك".
و"اللاجئون والمهاجرون من اليمن وسوريا"، ثم "بقية اللاجئين والمهاجرين المنتشرين في عموم مصر".
وتمثلت طبيعة الاستهداف في تحميلهم سبب الأزمة الاقتصادية، وأزمة مياه النيل ونقص المياه، وتحميلهم أزمة انقطاع الكهرباء، وكذلك الفوضى وعدم النظافة.
وانعكست تلك الحملة على اللاجئين لا سيما مع الانتهاكات الحقوقية ضدهم، واستهدافهم على أساس اللون والعرق، والتعدي عليهم لفظيا وبدنيا.
كذلك تصويرهم بدون وجه حق في الشوارع وعلى الشواطئ، مع حرمان بعضهم من الوثائق الرسمية، ومن التعليم (حتى بمقابل مادي مرتفع).
نقاء العرق
وبرصد بعض النماذج من ناشطي "أبناء كيميت" الذين تصدروا تلك الحملة، نجد حساب "حابي" وهو اسم فرعوني قديم يرمز لما يعرف بـ "إله النيل"، يعرف نفسه بأنه "قومي مصري".
غرد الحساب قائلا: "الكارثة الأولى: السماح للأجانب، السوداني والسوري واليمني والجنوب سوداني للعمل بالمستشفيات الحكومية.. استمروا جيبوا عاليها واطيها".
فيما قال حساب باسم "نجيب صادق" يعرف نفسه بكونه "محاميا" لكنه مسخر للهجوم الضاري على اللاجئين، “سؤال بسأله لكل مصري شريف وخايف على بلده، الجيش المصري والمخابرات المصرية ليه (لماذا؟) ساكتين على غزو مصر من اللاجئين”.
وتابع: "وهما اكتر ناس عارفين إنهم خطر حقيقي يهدد وجود الدولة المصرية وينهي العرق المصري النقي اللي هو سبب صمود مصر ضد كل أطماع العالم ولا احنا ال مش فاهمين مصلحتنا".
وعلى نفس النسق غرد “محمد سراج”: “الشرطة المصرية أثناء ترحيل أتوبيسات محملة بالمئات من اللاجئين السودانيين المخالفين في مصر تحت حراسة أمنية مشددة.. الزول هارب من بلده ومخالف وقاعد له سنين ومش عاجبه إن البلد تقنن وتضبط وضعه هو وملايين غيره من السودانيين .. اضرب بيد من حديد”.
ودون حساب باسم "أحمد سعد" يضع صورة القناع الذهبي لوجه الملك الفرعوني "توت عنخ أمون"، ويقول: "نظفوا مصر من اللاجئين، والمياه تكفي، والكهرباء كمان انتوا لبستوا الشعب المصري كل أخطاء الحكومة".
بينما كتب "ياسر حسين" الذي وضع شعار "الجيش خط أحمر"، مشددا: "لن ننسى..السودانيين قبل الحرب وقفوا بجوار إثيوبيا ضد مصر أيام مفاوضات السد وكانوا بيرددون إثيوبيا أخت بلادي نكاية في المصريين.. مش عارف بأي منطق سمحت لهم الحكومة بدخول مصر؟! أعيد وأكرر احنا بنربى ثعابين في بلدنا لا أمان لهم".
من أبناء كيميت؟
بحسب تقرير لموقع “اليوم السابع” المحلي في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2021، فإنه جرى قديما استخدام عدد من الأسماء لمصر، كان أشهرها "كيميت"، وهو ما يعني "الأرض السوداء".
وأكملت: "يعتقد العلماء عموما أن هذا الاسم مشتق من التربة الخصبة التي كانت تظهر عندما ينحسر فيضان النيل في أغسطس (آب من كل عام)".
وبدأ ظهور مصطلح "أبناء كيميت" عقب فترة قليلة من حكم رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، الذي بدأ ولايته الأولى في 3 يونيو 2014.
فبعدها ظهرت النزعة الفرعونية "كيميت" من جديد لتداعب أذهان اليمين القومي المصري، الذي يظن أن لمصر هوية ضاربة في الجذور عائدة للفرعونية.
وأصبحت منصات التواصل الاجتماعي المصرية تمتلئ بين فترة وأخرى بخطاب قومي يحركه "أبناء كيميت" هو في أساسه عنصري فاشي.
إذ يتمحور بشكل أساسي حول حقيقة واحدة "أن المصريين عرق نقي متمايز عن غيره من الأعراق والبشر".
وغذى هذا الشعور الفوقي بعض النزعات القومية التي تعززها السلطة أحيانا عبر مواكب المومياوات وغيرها من الفعاليات الفرعونية، أو بحسابات وهمية تحيط بها الشكوك أنها لجان إلكترونية تحركها أجهزة المخابرات والأمن الوطني.
لا سيما أن كثيرا منها يضع صورة السيسي، ويدعمون قراراته ويهاجمون خصومه بشراسة.
وكذلك يضعون صورة الجيش أو الشرطة، فضلا عن رموز من اللغة "الهيروغليفية" أو صور لأشهر ملوك الفراعنة كـ "توت عنخ أمون" و"رمسيس الثاني" و"مينا موحد القطرين".
ومن المثير أن مجموعة "أبناء كيميت" شنت حملات كثيرة سابقة ضد اللاجئين، لكن أشهرها ما كان في 11 فبراير/ شباط 2022، عندما دعوا إلى إطلاق "مؤتمر العودة إلى الأصول".
وظل وسم ذلك المؤتمر متصدرا موقع "إكس" لعدة أيام، وتضمن المحتوى المنشور من الحسابات التي أطلقت الحملة خطابا تحريضيا ضد اللاجئين واللاجئات خاصة الأفارقة، وقد طالب بطردهم خارج مصر تحت دعوى، الحفاظ على العرق المصري النقي.
صوت النظام
وعلق الصحفي المصري "محمد سامي" المتخصص في الصحافة الروبوتية وتقنيات الإعلام الجديد بالقول إن “أفكار حركات وتنظيمات وهمية مثل -أبناء كيميت- تنتشر بكثافة على مواقع التواصل وهي لجان إلكترونية منظمة وتعمل بطريقة ممنهجة”.
ولفت في حديث لـ"الاستقلال" إلى أن هؤلاء يتحركون في إطار وتوقيت واحد، لصناعة حملة وإحداث تأثير في الرأي العام تجاه قضية ما.
وأضاف: “بلا شك أبناء كيميت هم عرائس ماريونيت تحركها أجهزة الاستخبارات ووزارة الداخلية، وقد يكون القائم على حساب من حساباتهم أكثر من شخص”.
وتابع: "قد يمتلكون أكثر من مجموعة إلكترونية حتى يصلوا إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص والحسابات، عن طريق التلاعب في خوارزميات مواقع التواصل".
وشدد الصحفي المصري على أن “الوضع الأمني وتقنيات مراقبة مواقع التواصل والإنترنت عموما داخل مصر تجعل استحالة أن تكون تلك الحسابات مستقلة وطبيعية”.
فبسهولة يمكن الوصول إليهم وتحديد هويتهم، كما حدث مع ناشطين آخرين، وفق تقديره.
وذكر سامي أيضا أن تشابه طريقة الكتابة بين الحسابات تؤكد أنها لجان مجهزة، تستخدم للهجوم على اللاجئين كهدف ومهمة من مهامهم المتعددة.
وأوردت صفحة "الموقف المصري" على "فيسبوك" أن الحملة ضد السودانيين وصلت ذروتها في يناير/كانون الثاني 2024، عندما شاركت حسابات مشبوهة في إطلاق هاشتاجات (وسوم)، مثل ترحيل اللاجئين واجب وطني، ترحيل اللاجئين مطلب وطني، وغيرها.
ولفتت إلى أن "بعض الحسابات مشكوك في تبعيتها للأمن، وكان بعضها ينشر أكثر من 20 تغريدة في الساعة الواحدة للإساءة لأشقائنا وضيوفنا".
ذباب إلكتروني
وفي سياق متصل، أعلنت 27 منظمة حقوقية في 28 مارس/ آذار 2024، عن تعرض الفارين من الحرب في السودان إلى “سوء المعاملة على يد الأمن المصري”، منددين بحملات توقيف واحتجاز لسودانيين وترحيلهم قسرا إلى موطنهم حيث الحرب والدمار.
ونشرت منظمات محلية ودولية، منها “منا لحقوق الإنسان” و"مفوضية تسجيل اللاجئين"، بيانا مشتركا نبهت فيه من تدهور الأوضاع لا سيما منذ نهاية أغسطس 2023.
وأصدرت سلطات النظام قرارا سمح بـ“اعتقال واحتجاز اللاجئين وطالبي اللجوء السودانيين في ظروف غير إنسانية”، وإخضاعهم لمحاكمات غير عادلة، وإعادتهم بالإكراه إلى السودان في انتهاك لالتزامات مصر الدولية ومبادئ واتفاقيات حقوق الإنسان والدستور المصري.
أخطر ما في الأمر أن المنظمات الحقوقية رصدت إصدار السلطات وثائق سفر عاجلة من أجل ترحيل السودانيين، وقالت إن الكثيرين منهم يجبرون على التوقيع على أوراق رسمية بمثابة استمارة "عودة طوعية"، ومن يرفض يتعرض للتقريع والتعذيب والإهانة اللفظية والجسدية.
وذكروا أن الانتهاكات وقعت في جميع أنحاء البلاد، داخل مدن مثل القاهرة والجيزة وأسوان والبحر الأحمر ومطروح والإسكندرية، وعلى طول الحدود الجنوبية لمصر.
وفي خضم الحملة المنسقة ضدهم، تقدم المحامي المصري وعضو لجنة العفو الرئاسي، طارق العوضي، ببلاغات للنائب العام في 10 مارس 2024، ضد أصحاب حسابات إلكترونية شخصية على مواقع التواصل، حرضوا على ممارسة أعمال عنف ضد السودانيين، وطالبوا بترحيلهم من البلاد.
وذكر العوضي عبر حسابه على "إكس" أن "عدد تلك الحسابات بلغ نحو 100 وجميعها لجان إلكترونية"، أو ما يعرف بـ"الذباب الإلكتروني".
وأشار إلى أن تلك “اللجان قد تكون ممولة ومتخصصة في الهجوم على السودانيين والسوريين المقيمين في مصر”.
وذكر أن “عددا من الشباب الذين يجهلون الدور التاريخي للبلاد وقيمتها انساقوا وراء تلك الحسابات، مما يشكل خطرا على الأمن القومي المصري".
وبين أن ذلك "ينذر بعواقب وخيمة قد تصل إلى حد ارتكاب جرائم ضد المقيمين في مصر، ويستلزم بالتالي تدخل الأجهزة الأمنية على وجه السرعة".