مناورات عسكرية صينية إماراتية في إقليم شينجيانغ.. ما سر تخوفات واشنطن؟
تستمر تلك المناورات حتى نهاية يوليو في إقليم شينجيانغ
تلقي المناورات العسكرية الجارية بين الصين والإمارات نظرة عميقة حول اهتمام دول الخليج العربي بتنويع شركائها، وعدم حبس نفسها في المعسكر الأميركي الغربي.
وتقول مجلة "فورميكي" الإيطالية إن المناورات العسكرية الجوية التي انطلقت في 10 يوليو/تموز 2024 بالصين، ويطلق عليها اسم "درع الصقر" تشكل كذلك إشارة إلى كيفية هيكلة الجهات الفاعلة في الخليج العربي لاصطفافاتها المتعددة.
وهو ما لا يخدم العلاقات مع الشركاء الدوليين الكبار على غرار الولايات المتحدة الأميركية والروايات الداخلية المتعلقة بتوفير الحماية للعالم الإسلامي، وفق المجلة.
تدريبات ومعدات
وتستمر تلك المناورات حتى نهاية يوليو، في إقليم شينجيانغ شمال غرب الصين، حيث تنفذ سلطات الحزب الشيوعي منذ سنوات إجراءات لطمس هوية الأقليات المسلمة المحلية وفي مقدمتهم الإيغور، ضحايا حملة ما تسمى “إعادة التثقيف”.
وقد أدانت الولايات المتحدة بقيادة إدارة الرئيس جو بايدن الحملة الصينية واعتقال العشرات داخل معسكرات ووصفت ما يحدث بأنه "إبادة جماعية" تتعرض لها أقلية الإيغور.
وهو موقف ربما لن يتغير، بحسب المجلة، مع العودة المحتملة للمرشح الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في غضون أربعة أشهر خلال انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
ولفتت المجلة إلى أن هذا التمرين العسكري الجوي الذي سبق أن أُجري للمرة الأولى عام 2023، يشكل إشارة واضحة "إلى تعزيز العلاقات الدفاعية بين أبوظبي وبكين رغم مخاوف واشنطن".
وانتقدت "التناقض لدى أبوظبي والرياض وتطبيقهما لمعايير مختلفة عندما يتعلق الأمر بحماية المسلمين الصينيين وذلك لتشاركهما الرغبة مع بكين في تجنب التدخل في الشؤون الداخلية لكليهما".
وأكدت أن التمرين الجوي لهذا العام يكتسي أهمية أكبر لأنه يلي الاجتماعات الأخيرة لمنتدى التعاون بين الصين والدول العربية الذي عقد في نهاية مارس /آذار 2024.
وأيضا القمة الثنائية التي جمعت في نفس الفترة بين الرئيس الإماراتي محمد بن زايد ونظيره الصيني شي جين بينغ.
وقالت إن هذه اللقاءات تبرهن "المدى والكيفية التي تسعى بهما الصين إلى اكتساب نفوذ في الشرق الأوسط، لا على المستوى الاقتصادي والتجاري (الطاقي) فحسب، بل أيضًا من خلال التدخل في الديناميكيات الأمنية للمنطقة".
وبينت أن الرغبة في تنظيم تدريبات عسكرية لتحقيق أهداف مشتركة "تعد في الواقع أحد العناصر التي انبثقت عن اللقاءات والمنتديات الصينية العربية المختلفة".
من جانبها، "تسعى أبوظبي إلى الحفاظ على الصدارة في هذا البعد خاصة في إطار التنافس مع فاعل إقليمي رئيس هو السعودية".
وقد زادت أيضا في السنوات الأخيرة من شرائها للمعدات العسكرية الصينية رغم أنها كانت تاريخيا تشتريها من الغرب، وهذا لأنها أقل تكلفة.
تضيف المجلة الإيطالية أن المعدات الصينية أقل تكلفة، وتفتقر الصفقات "إلى القيود الأخلاقية التي تفرضها عادة الحكومات الغربية على تصدير شحنات الأسلحة".
في سياق آخر، تذكر الموافقة التي أبدتها "أبوظبي على دعوة واشنطن لإعطائها الأولوية في بناء العلاقات التكنولوجية الإستراتيجية".
أي تقليص التعاون مع شركات التكنولوجيا الصينية وزيادته مع نظيرتها الأميركية.
تخوفات أميركية
في هذا الإطار، تشير إلى إعلان شركة مايكروسوفت الأميركية أخيرا عن ضخ استثمارات بقيمة 1.5 مليار دولار في شركة “جي 42” الإماراتية.
وهي أكبر شركة مختصة في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الدولة الخليجية، ويرأس مجلس إدارتها طحنون بن زايد، مستشار الأمن القومي لدولة الإمارات وشقيق الرئيس محمد بن زايد.
وتأتي عملية استثمار الشركة بعد وقت قصير من موافقة الإمارات على تقليل اعتمادها على الرقائق الصينية.
وأخيرا، كشفت تقارير أميركية عن قلق واشنطن البالغ حيال إمكانية حصول الصين على تكنولوجيا الرقائق الأميركية عبر حلفائها في الشرق الأوسط وآسيا.
وكإجراء وقائي، أفادت شبكة "بلومبيرغ" الأميركية بأن واشنطن أخرت الموافقة على تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي إلى الشرق الأوسط من قِبل شركاتها مثل "نفيديا" و"أدفانسد مايكرو ديفايسز".
وجاء ذلك بسبب المخاوف من أن الشركات الصينية قد تحصل على الرقائق من خلال مراكز البيانات في الشرق الأوسط.
جدير بالذكر أن شركة "جي 42"، التي يرأسها الرئيس التنفيذي الصيني بينج شياو، ترتبط بعلاقات مع الشركات العسكرية والتكنولوجية الصينية، وفي مقدمتها شركة هواوي ومعهد بكين للجينوم (BGI).
وكلاهما يخضع لعقوبات أميركية بسبب اتهامات بالتورط مع جيش التحرير الشعبي في ارتكاب انتهاكات حقوق انسان.
وقد أدرجت وزارة التجارة الأميركية معهد بكين للجينوم في قائمة الكيانات الخاضعة للقيود التجارية لتورطه في جمع وتحليل البيانات الجينية المستخدمة في التجسس واضطهاد الأقليات العرقية، وخاصة الإيغور في شينجيانغ.
وقد اتُهمت شركة هواوي بتوفير تقنيات تجسس جرى استخدامها في عمليات مراقبة واضطهاد نفس الأقليات القاطنة في الإقليم الصيني الذي تدور في أجوائه أنشطة تمرين "درع الصقر".
وتشمل هذه التقنيات أنظمة متطورة للتعرف على الوجه وغيرها من أشكال المراقبة الرقمية "التي تنتهك معظم المفاهيم الليبرالية للنظام الدولي القائم على القواعد"، وفق تعبير المجلة الإيطالية.
وإلى جانب المخاوف من نقل تكنولوجيا رقائق الذكاء الاصطناعي إلى الصين، أشارت المجلة إلى الهواجس التي أثارها منذ فترة احتمال الاستخدام المزدوج، مدنيا وعسكريا، لميناء خليفة في أبوظبي.
وقد أوقفت الإمارات البناء الصيني في الميناء في ديسمبر/كانون الأول 2021 بسبب المخاوف الأميركية بشأن اعتزام بكين استخدامه لأغراض عسكرية.
وكانت واشنطن قد كشفت في نفس العام أن الصين تبني منشأة عسكرية بالقرب من قاعدة الظفرة الجوية الإماراتية التي تستضيف القوات الأميركية.
وقد أدت هذه المخاوف والهواجس الأميركية تجاه الحضور الصيني في الدولة الخليجية إلى تعليق المفاوضات بشأن صفقة مقاتلات إف-35 بين شركة لوكهيد مارتن والإماراتيين.
وألمحت المجلة الإيطالية إلى فرضية تفكير أبوظبي في استبدال صفقة هذه المقاتلات بمنتجات عسكرية صينية، متسائلة إن كان هذا هو الهدف من التمرين العسكري الجوي الجاري في هذه الفترة.