مناخ استبدادي يحيط بالرئاسيات ودعوات متزايدة للمقاطعة.. الجزائر إلى أين؟
"انتخابات هذا العام تجرى في ظل ظروف غير عادلة، وفي إطار تشريعي رجعي ومعادٍ للديمقراطية"
شخصيات سياسية معارضة بالجزائر نددت بأجواء إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة في 7 سبتمبر/ أيلول 2024، واصفة المناخ السياسي المحيط بالعملية بـ"الاستبدادي".
حيث دعا معارضون بينهم سياسيون ومحامون وأكاديميون معروفون، في رسالة مفتوحة نُشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في 21 يوليو/ تموز 2024 إلى "انتقال ديمقراطي شامل".
وأعلنت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في الجزائر في 25 يوليو 2024 قبولها ملفات 3 مترشحين سيشاركون في انتخابات الرئاسة المقبلة، وهم الرئيس الحالي عبد المجيد تبون (78 عاما)، ورئيس حركة مجتمع السلم عبد العالي حساني، والأمين العام لجبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش.
وسبق لتبون أن فاز في انتخابات الرئاسة لعام 2019، بعد حصوله على 58 بالمئة من أصوات الناخبين، خلفا للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذي اضطر إلى الاستقالة بضغط من الجيش والحراك الشعبي.
ويحظى تبون بدعم من أحزاب الأغلبية البرلمانية، المكونة من جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وجبهة المستقبل وحركة البناء، إضافة إلى نواب مستقلين.
عملية شكلية
ووصفت تلك الشخصيات المعارضة، ومنها كريم طابو، رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي، ومحسن بلعباس، رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وغيرهما، الانتخابات، بـ"عملية شكلية لا طائل منها". وقالوا إنّ "غياب الحريات المدنيّة يجعل من المستحيل إجراء انتخابات شرعية".
وأضافوا أنّ "الجزائر اليوم في وضع أكثر حرجاً من ذي قبل، في ظلّ آفاق معقدة وخطيرة"، محملين مسؤولية الوضع للنظام، "أي القيادة العليا للقوات المسلحة بوصفها السلطة الفعلية وواجهتها المدنية".
وجاء في الرسالة: "لا للمهزلة الانتخابية في ظل الديكتاتورية!.. نعم للديمقراطية الحقيقيّة والسّيادة الشعبيّة". كما أكّدوا فيها على أنّ السياسة الأمنيّة التي تنتهجها الحكومة في التحضير للانتخابات "تواصل الدوس على إرادة الشعب".
واتهمت الرسالة الجيش بقتل أبجديات السياسة وإغلاق الفضاء العام ومصادرة الحريات الأساسية، الفردية والجماعية وتقنين القمع والاعتقالات السياسية.
وتابعت: كما أجهض ميلاد المجتمع المدني المستقل وكل أشكال السلط المضادة أحزابا ونقابات حقيقية وإعلاما مفتوحا، وعطل آليات الرقابة والمساءلة، ناهيك عن تحطيمه كل أطر الحوار والوساطة والتفاوض وحل النزاعات، واختلاقه أعداء وهميين بسبب رأي مخالف أو موقف معارض.
وأضاف الموقعون، كما أنه "بالتخويف والتيئيس والفساد الرمزي والمادي، يحاول تفكيك ما تبقى من معالم البناء الوطني الهادفة إلى تجسيد حلم الدولة الديمقراطية الاجتماعية، والتي تتعارض ومصالح الطغم التي وضعت يدها على ثروات البلاد وحولتها إلى ملكية خاصة".
تحليلات متعددة
تفاعلا مع هذه الرسالة، قال وليد كبير، الناشط الحقوقي والإعلامي الجزائري، إن التوقيع على الرسالة أمر إيجابي، لأنه يفضح طبيعة النظام.
وأضاف وليد لـ"الاستقلال"، ذلك أنه يتم الاستعداد لتنظيم انتخابات لا تجسد ولا تعكس إرادة الشعب الجزائري، بعد أن أفرغت من محتواها وأصبحت دون أي قيمة.
واسترسل، ذلك أن الجيش عيَّن الرئيس، وما يتم القيام به هي شكليات أو فولكلور أو مسرحية فقط، ويمكن أن نلمس هذا من عدم اهتمام الشارع الجزائري بهذه الانتخابات.
وتابع الناشط الحقوقي والإعلامي، كما أن المشهد السياسي في البلاد بئيس للغاية الذي فرضه العسكر منذ تنحي عبد العزيز بوتفليقة وتعيين عبد المجيد تبون خلفا عنه.
وتوقع كبير أن تشهد هذه الانتخابات أعلى نسبة عزوف عن المشاركة من الناخبين، الذين لن يذهبوا للتصويت في هذه المسرحية، وفق تعبيره.
وذكر أن الوضع الحالي في البلاد مقارنة بعهد بوتفليقة، هو أكثر سوءا، رغم أننا ما نزال أمام نفس النظام، إذ وصلنا إلى وضع كارثي على المستوى السياسي.
وأبرز المتحدث ذاته أن الأسماء التي رُشحت إلى جانب تبون لا وزن لها ولا قاعدة جماهيرية، مما سيجعل من انتخابات سبتمبر 2024 فضيحة كبرى.
بدوره، قال سعيد بودور، صحفي وناشط حقوقي، إن "البيان دعوة لكل الجزائريين لرفض القمع والاستبداد".
وأضاف بودور أثناء مشاركته في برنامج "في العمق"، على قناة المغاربية، 22 يوليو 2024، أن المناخ السياسي في الجزائر ليس ديمقراطيا ولا يسمح بوجود معارضة حقيقية تمارس عملها كسائر البلدان وفق ما ينص عليه الدستور.
وأشار إلى أن البيان الصادر عن عدد من الناشطين السياسيين والحقوقيين الذين طالبوا فيه بمقاطعة الانتخابات الرئاسية ووصفها بالمهزلة ليس مرتبطا بتوقيت معين بتقدير أن البيان كان صالحا في كل الأوقات منذ 2019، ومنذ غلق المشهد السياسي ومنع أي معارضة للسلطة القائمة، وعدم توفر مناخ ملائم للعمل السياسي، وأن موقف البيان من الانتخابات الرئاسية يأتي في هذا الإطار، وفق تعبيره.
كما أكد بودور في أن "البيان ليس هدفه فقط الدعوة للمقاطعة بل توضيح وتفسير المشهد السياسي للجزائريين، وما يعيشه النشطاء من تضييقات ومتابعات قضائية وأمنية إلى جانب الممارسات التي تنتهجها السلطة من غلق للمنظمات، ومنع لكل أشكال التعبير الحر، وإقصاء ممنهج لكل رأي مخالف".
وبين في السياق ذاته أن البيان "هو نداء ودعوة مفتوحة لكل الجزائريين للالتحاق بالمعارضة الحقيقية في مواجهة هذه الممارسات القمعية التي تطال كل جزائري حر".
وشدد الناشط الحقوقي أن "هذا البيان لا يهدد شخصا بعينه ولا يمثل خطرا على مؤسسات الدولة بقدر ما هو تعبير واضح وصريح على رأي حر يعارض كل أشكال القمع والتضييق على الحريات"، حسب قوله.
في المقابل، يرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعات الجزائرية، توفيق بوقاعدة، أن "انتخابات سبتمبر متعددة من حيث تعدد المرشحين وتنوع اتجاهاتهم وبرامجهم، لكنها مع ذلك تفتقر إلى المنافسة الحقيقية"، مشيرا إلى أن تبون يعد أفضل المرشحين حظوظا انتخابية.
وقال بوقاعدة لموقع الحرة الأميركي، في 23 يوليو 2024، إن "هناك قناعة لدى كثير من الناخبين بضرورة استمرار تبون من أجل مواصلة برنامجه، ولتجنب الدخول في مراحل سياسية غير معلومة الاتجاهات، ولذلك لا أعتقد أن السلطة مضطرة لتزوير الانتخابات، أو التلاعب في نتيجتها".
وأشار إلى وجود حرية كبيرة للناخب في اختيار ما يريد من المرشحين أو مقاطعة الانتخابات، مضيفا أنه "لا يوجد عقاب سياسي أو اجتماعي بناء على هذا الأساس، على الرغم من أن السلطة تراهن بشكل كبير على ضرورة تسجيل مشاركة مرتفعة في الانتخابات، لتغطية نسبة المشاركة المتدنية في الانتخابات السابقة".
ومع ذلك، لفت أستاذ العلوم السياسية إلى أن "عددا من المرشحين يتحدثون عن وجود تضييق وعمليات اغتيال معنوي وتشويه لسمعة بعض المرشحين لدى الناخبين"، مما أثر على حصول بعضهم على الأصوات المطلوبة لنيل بطاقة الترشح في الانتخابات.
وأشار بوقاعدة إلى أنه "لا يوجد صوت معارض في الفضاء السياسي العمومي، وهناك صوت يمجد إنجازات الرئيس تبون والأحزاب التي تمثله أو تدعمه"، داعيا إلى "توفير هامش للمنافسين لطرح أفكارهم للناخبين".
تضييق منهجي
وتأتي هذه الرسالة الصادرة عن شخصيات معارضة بالجزائر، بعد إعلان زعيمة حزب العمال الجزائري الشهيرة لويزة حنون، عن انسحابها من السّباق ومقاطعة حزبها للانتخابات.
وقالت حنون إنّ "انتخابات هذا العام تجري في ظل ظروف غير عادلة، وفي إطار تشريعي رجعي ومعادٍ للديمقراطية".
وفي 13 مارس/آذار 2024، قضت محكمة جزائرية بالسجن 6 أشهر، مع وقف التنفيذ، على المعارض السياسي كريم طابو، الذي يرأس حزب الاتحاد الديمقراطي والاجتماعي المعارض غير المرخص من السلطات، بتهم عدة بينها "التحريض على التجمهر" و"القذف".
كما اتهمت منظمة العفو الدولية، في 18 يوليو/ تموز 2024، السلطات الجزائرية بتصعيد "قمعها للحق في حرية التعبير والتجمع السلمي على مدى السنوات الخمس الماضية".
وأضافت المنظمة: "وذلك عبر استهداف الأصوات المعارضة الناقدة، سواء كانت من المحتجين أو الصحفيين، أو أشخاص يعبّرون عن آرائهم على وسائل التواصل الاجتماعي".
وأظهر تصنيف لمنظمة "مراسلون بلا حدود" غير الحكومية، في مايو/ أيار 2024، تراجع الجزائر 3 مراكز في العام 2024 في مقياس حرية الصحافة، لتحتل المرتبة 139 من أصل 180 دولة.
وأعربت "مراسلون بلا حدود" في تصنيفها، عن أسفها لـ"تعرض وسائل إعلام مستقلة لضغوط"، وتعرّض صحفيين لـ"تهديدات واعتقالات" "لمجرد ذكر الفساد أو انتقاد قمع التظاهرات".
كما كشف مؤشر مُدرَكات الفساد لعام 2023، والذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية في يناير/كانون ثاني 2024، احتلال الجزائر لمراتب متدنية، حيث جاءت في المرتبة 104 على المستوى العالمي.