الرئيس الإيراني القادم.. نجاد أم لاريجاني أم جليلي أم قاليباف؟
"سيكون ترشح جلال جلال زاده اختبارا للدولة التي تدعي أن المادة 115 من الدستور لا تمنع ترشح السنة"
مع مصرع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة مروحية، أصبحت الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 28 يونيو/ حزيران 2024 الشغل الشاغل للبلاد.
وتثير قرارات الحظر التي اتخذها مجلس صيانة الدستور ضد المرشحين الإصلاحيين استياء عاما في البلاد إزاء الانتخابات.
ففي انتخابات الرئاسة عام 2021 وانتخابات مجلس الشورى ومجلس الخبراء في مطلع مارس/ آذار 2024، رُفض قبول ترشيح عديد من المرشحين الإصلاحيين، ما دفعهم لمقاطعة الانتخابات.
ومن بين المواضيع المثيرة للتساؤلات هوية المرشحين، وكذلك ما إذا كانت سياسات مجلس صيانة الدستور والمرشد الإيراني علي خامنئي بشأن سياسات الترشح ستتغير.
وبينما لا يزال الغموض يخيم على قائمة المرشحين، فأسماء معروفة أعلنت عن ترشحها، وآخرون مازالوا يقولون إنهم يفكرون في الترشح، وثمة أسماء أخرى خلف الكواليس.
التقويم الانتخابي
بعد وفاة رئيسي بشكل مفاجئ، تجري إيران انتخاباتها استنادا إلى المادة 131 من الدستور.
وتنص المادة على أنه "في حالة وفاة الرئيس أو استقالته أو مرضه لدرجة عدم قدرته على أداء واجباته، يتولى نائب الرئيس مهام رئيس الجمهورية بالوكالة، وتقوم لجنة مكونة من نائب الرئيس ورئيس السلطة القضائية ورئيس مجلس الشورى بقيادة البلاد إلى انتخابات جديدة في غضون 50 يوما".
وفي اجتماع التقويم الانتخابي الذي عُقد قبل أيام برئاسة النائب الأول للرئيس، محمد مخبر، الذي أصبح رئيسا بالوكالة، أُعلنت عدة قرارات مهمة.
فتم الإعلان عن تقديم طلبات المرشحين في الفترة ما بين 30 مايو/ أيار و3 يونيو/ حزيران 2024، ومن ثم تسليم قائمة المرشحين النهائية في 11 يونيو/ حزيران 2024، وقيام المرشحين بعد ذلك بالدعاية في الفترة ما بين 12 و27 يونيو/ حزيران 2024.
وفي حال لم يحصل أي مرشح على الأصوات الكافية في الانتخابات التي ستجرى في 28 يونيو، فستُجرى الجولة الثانية من الانتخابات في 5 يوليو/ تموز 2024.
مرشحو الإصلاحيين
وأدى استبعاد مجلس صيانة الدستور للمرشحين الإصلاحيين، في الانتخابات البرلمانية السابقة في الأول من مارس 2024 والانتخابات الرئاسية لعام 2021، إلى تردد الإصلاحيين في المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وفي هذا السياق، ذكرت القيادية في الجبهة الإصلاحية، آزار منصوري، أن "الإصلاحيين في تردد خطير بشأن الانتخابات".
وأضافت في منشور عبر منصة إكس أن "الجبهة الإصلاحية لم تتخذ أي قرار بشأن الانتخابات الرئاسية"، مؤكدة على أن "المفاوضات مستمرة، وأن ما ينشر في وسائل الإعلام في هذا السياق غير صحيح".
وبينما تتواصل جهود الجبهة الإصلاحية لاتخاذ القرارات المؤسسية من جهة، تتواصل الجهود الفردية من جهة أخرى.
وقد برزت إلى الواجهة أسماء مثل وزير الخارجية السابق جواد ظريف، ووزير الاتصالات السابق آذري جهرمي، ورئيس البرلمان السابق علي لاريجاني.
وأدلى وزير الخارجية السابق جواد ظريف، بتصريحات مؤخرا للصحافة الإيرانية حول ترشحه، أكد أنه "لن يترشح للانتخابات الرئاسية رغم كل إصرار الجبهة الإصلاحية".
وعلى جانب آخر، ورد اسم وزير الاتصالات السابق آذري جهرمي، كمرشح آخر للإصلاحيين، وهو أحد السياسيين الشباب في إيران.
لكن جهرمي أعلن أنه "من الصعب أن تكون مسؤولا في إيران في هذه الفترة، وأنه لم يقرر بعد الترشح".
ورغم أن الجبهة الإصلاحية لم تتخذ قرارا مؤسسيا بعد، إلا أن مسعود بيزشكيان، أحد السياسيين الإصلاحيين المهمين في إيران، أعلن عن ترشحه للانتخابات.
بيزشكيان، الذي شغل منصب وزير الصحة في حكومة محمد خاتمي، شغل أيضا منصب نائب رئيس البرلمان الإيراني.
وقال بيزشكيان في بيان ترشحه إنه "يهدف إلى زيادة المشاركة في الانتخابات بدلا من الفوز في الانتخابات".
علي لاريجاني
ويُعتقد أن علي لاريجاني، صهر آية الله مرتضى مطهري، أحد أقوى رموز الثورة الإسلامية عام 1979، والذي شغل منصب رئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني لمدة 12 عاما، يمكنه توحيد الناخبين الإصلاحيين والمُحافظين.
كما يُلاحظ أن علي لاريجاني، وهو محافظ قديم حُظر ترشحه في انتخابات الرئاسة عام 2021، متردد بشأن الترشح مرة أخرى.
وفيما يخص ترشح لاريجاني، قال عضو مجلس الشورى الإيراني منصور حقيقت بور: "لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين"، مشيرا إلى مخاوف لاريجاني من "الحظر".
لكن تنقل بعض المصادر الإخبارية أن "لاريجاني قرر الترشح بعد استشارات متعددة".
صدع بين المحافظين
ازدادت الخلافات الأيديولوجية التي كانت موجودة منذ فترة طويلة داخل المعسكر المحافظ، المهيمن على الدولة، بعد استبعاد الإصلاحيين من انتخابات الرئاسة لعام 2021 وانتخابات البرلمان ومجلس الخبراء في مارس 2024.
حيث تحول الخلاف الأيديولوجي بين الرئيس محمود أحمدي نجاد وآية الله خامنئي خلال فترة رئاسة أحمدي نجاد الثانية، والذي تحول لاحقا إلى تمرد من قبل نجاد ضد خامنئي، إلى صدع عميق داخل المعسكر المحافظ.
وخلال فترة حكم الرئيس الإصلاحي حسن روحاني، هدأت الانقسامات والصراعات -نسبيا- داخل المعسكر المحافظ.
ومع ضعف الإصلاحيين سياسيا، تحول تركيز المعسكر المحافظ مرة أخرى إلى الداخل، وفتح الباب أمام منافسة شرسة بين بعضهم البعض.
وكأحد الانعكاسات المباشرة لهذه المنافسة، يواجه المعسكر المحافظ اليوم صعوبة في التجمع حول مرشح واحد في الانتخابات القادمة، حيث تحولت المنافسة إلى صراع يدور حول أكثر من اسم.
جليلي وقاليباف وفتاح
بعد وفاة رئيسي، أصبح سعيد جليلي كبير المفاوضين النوويين السابق الذي أدار في عام 2001 مكتب خامنئي لمدة أربع سنوات، أول من رُشح لمنصب رئيس الجمهورية.
ومن المعروف أن بعض الأشخاص في حكومة رئيسي، مثل الدكتور مهدي مجاهد نائب الرئيس لشؤون التنسيق والإدارة في رئاسة الجمهورية، ونائب الرئيس محسن منصوري، مقربون من سعيد جليلي.
ولم تتخذ جبهة المحافظين، التي تتمتع بنفوذ كبير داخل حكومة رئيسي، قرارا بشأن ترشيح جليلي حتى الآن.
ويُقال إن جبهة المحافظين منقسمة بين برويز فتاح، العضو السابق في الحرس الثوري الذي يرأس صندوق استثمار مرتبطا بالزعيم الأعلى، وسعيد جليلي، وأن المناقشات داخل الجبهة مستمرة.
حيث يدعم فريق داخل الجبهة ترشيح سعيد جليلي، بينما يعمل فريق آخر على ترشيح برويز فتاح.
وتشير تصريحات القيادي السابق في الحرس الثوري صادق محصولي، أحد أبرز القيادات المحافظة، إلى أن "برويز فتاح يتمتع بنفوذ أكبر داخل الجبهة".
وعلى جانب آخر، هناك أيضا احتمال أن يترشح سعيد جليلي كمستقل إذا رشحت الجبهة فتاح.
ومن ناحية أخرى، لا يزال اسم محمد باقر قاليباف، رئيس مجلس الشورى، في مقدمة المرشحين المحافظين الأقوياء.
ومن المتوقع أن يتقدم قاليباف، الذي أُعيد انتخابه رئيسا لمجلس الشورى في 28 مايو/ أيار 2024، بطلب الترشح.
وإذا تقدم قاليباف بطلب الترشح، يُعتقد أنه سيكون أكبر منافس لسعيد جليلي أو برويز فتاح.
ومع الأخذ في الحسبان أنه من غير المرجح السماح بمرشح إصلاحي، فإن غالبية الإصلاحيين يفضلون قاليباف على جليلي.
ففي انتخابات يترشح فيها كل من قاليباف وجليلي، قد يصوت بعض الناخبين الذين يعدون أنفسهم إصلاحيين لقاليباف لضمان عدم فوز جليلي.
أحمدي نجاد
سبق أن رُفض ترشح الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد من قبل مجلس صيانة الدستور ثلاث مرات؛ مرة واحدة في انتخابات الرئاسة ومرتين في انتخابات مجلس النواب.
ومن أجل تجنب تكرار هذا الموقف، يتصرف أحمدي نجاد بحذر من ناحية، بينما يحاول من ناحية أخرى الضغط على مجلس صيانة الدستور، وبالتالي آية الله خامنئي، من خلال اجتماعاته العامة مع الناس.
ونشر موقع "دولت بهار" الإخباري، المعروف بقربه من أحمدي نجاد، خبرا مفاده أن "مجموعة من محافظة (قم) تمثل مختلف شرائح المجتمع زارت أحمدي نجاد في طهران بعد يومين من دفن جثمان إبراهيم رئيسي وطالبت بترشحه".
وفي الأيام التالية، التقت مجموعات شعبية من مدن مختلفة في إيران بأحمدي نجاد في الشارع الذي يقع فيه منزله، مطالبة إياه بالترشح للانتخابات.
واتخذت المجتمعات المحلية في بعض المدن تحركا أكثر تنظيما، حيث رفعت لافتات تطالب بترشح أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية المقررة في 2 يونيو/ حزيران 2024. والتقى أحمدي نجاد بجميع المجموعات التي تجمعت في الشارع الذي يقطن فيه لمطالبته بالترشح.
وحتى الآن، لم يقدم أحمدي نجاد ردا واضحا على طلبهم، مكتفيا بالإشارة إلى أنه سيقيم مطالب الناس. ويعتقد البعض أن هذه المجموعات نزلت بـ "تعليمات من مؤيديه".
وفي هذا الصدد، يُقال إن "أحمدي نجاد يهدف من خلال هذا التنظيم إلى إرسال رسالة لمجلس صيانة الدستور وخامنئي".
أول مرشح سني
منذ نجاح الثورة في إيران، لم يترشح أي شخص سني للرئاسة في أي انتخابات رئاسية. والسبب في ذلك هو أن المادة 115 من الدستور الإيراني تمنع ترشح من ينتمون إلى مذاهب أخرى غير المذهب الشيعي.
حيث تنص المادة 115 من الدستور الإيراني على أن "يكون الرئيس من رجال الدين والسياسيين، ويكون من أصل إيراني وجنسية إيرانية، وأن يكون عاقلا ومسؤولا، وأن يكون له سيرة حسنة وأمينا وتقيا، وأن يكون مؤمنا وملتزما بمبادئ المذهب الرسمي للجمهورية الإسلامية الإيرانية".
وتمنع هذه المادة من الدستور السنة الذين يمكنهم الترشح لمجلس النواب من الترشح لمنصب الرئيس.
وفي بيان له، قال النائب السابق الإيراني السني الإصلاحي، جلال جلال زاده، إن "المادة 115 من الدستور تحرم 17 مليون سني من حقهم في الترشح لمنصب الرئيس"، معلنا أنه "سيترشح رغم وجود هذه المادة".
وبذلك، سيكون ترشح جلال جلال زاده اختبارا للدولة التي تدعي أن المادة 115 من الدستور لا تمنع ترشح السنة.
ولأول مرة منذ الثورة، سيكون على مجلس صيانة الدستور الحكم بناء على المادة 115 من الدستور. وسيُعد هذا القرار قرارا حيويا أيضا من حيث العلاقات بين السنة والدولة الإيرانية.
فكر خامنئي
وبسبب دعوة الجبهة الإصلاحية لمقاطعة الانتخابات، وبعد أن قام مجلس صيانة الدستور برفض العديد من المرشحين الإصلاحيين، انخفضت نسبة المشاركة في الانتخابات التي جرت في مارس 2024 إلى 41 بالمئة، بينما انخفضت نسبة المشاركة إلى 8 بالمئة في الجولة الثانية التي جرت في مايو 2024.
وبالنسبة لإيران، التي عدت في بداية الثورة نسبة المشاركة في الانتخابات دليلا على شرعية النظام، أدى هذا الانخفاض الكبير في نسبة المشاركة إلى تساؤلات حول هذه الشرعية.
وعلى الرغم من جميع تصريحاته وجهوده، إلا أن بقاء نسبة المشاركة عند 41 بالمئة أثار نقاشا حول تراجع نفوذ خامنئي على الشعب.
ولذلك، سيكون لموقف خامنئي تأثير على قرار مجلس صيانة الدستور بشأن المرشحين الذين سيقدمون طلبات الترشح لانتخابات 28 يونيو 2024.
ويُقال إن "خامنئي قد يكون منفتحا على ترشح بعض الأسماء لزيادة مشاركة الجمهور وإرسال رسالة إلى المجتمع الدولي".
وإذا أعطى خامنئي الأولوية لمنطقة الشرق الأوسط، فمن الممكن أن يفضل ترشيح قاليباف أو جليلي.
ومن ناحية أخرى، إذا أعطى خامنئي الأولوية لعملية التطبيع مع دول مثل مصر والسعودية وأذربيجان، بالإضافة إلى المفاوضات النووية الجارية، فقد يفضل ترشيح علي لاريجاني.
ومع ذلك، من الصعب تحديد اتجاه خامنئي بشكل قاطع، الذي لم يدل بأي تصريح حتى الآن، لكن احتمالية استمرار القيود على المرشحين كما هي تظل هي الأقوى.