بعد انتخاب “الإصلاحي” بزشكيان.. هل يتوقف الاضطهاد الديني بحق سنة إيران؟

3 months ago

12

طباعة

مشاركة

مع تسلم الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان الحكم، بدأت الأقلية السنية في البلد ذي الغالبية الشيعية إثارة ملف حقوقها المسلوبة بخصوص ممارسة شعائرها الدينية على مدى عقود.

فبعد فوز بزشكيان، في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في 5 يوليو/ تموز 2024 بحصوله على 53.7 بالمئة من الأصوات، بدأ أبناء الطائفة السنية في رفع صوتهم بصورة لافتة لإسماع الرئيس "الإصلاحي" بمطالبهم المحقة. 

حقوق مسلوبة

خطيب أهل السنة في إيران، مولوي عبدالحميد، كان في طليعة مثيري هذا الملف.

فخلال خطبة جمعة 2 أغسطس/ آب 2024، أشار عبد الحميد إلى وعود بزشكيان، معربا عن أمله في القضاء على التمييز وتحقيق العدالة في إيران.

وطالب بضرورة تمتع أهل السنة بالحرية والأمان في ممارسة شعائرهم الدينية، بما فيها صلاة الجماعة.

وأعرب عن أمله في أن تتمتع الأقليات القومية والنساء بحقوقهم في حكومة بزشكيان الجديدة، وألا يتم حرمانهم وإقصاؤهم، كما حدث في الحكومات السابقة.

وتحدث عبدالحميد، عن حكومة بزشكيان الجديدة والآمال المعلقة عليها، وقال: "تحدث الرئيس الجديد عن حقوق الأقليات والنساء والمذاهب وأتباع الديانات الأخرى، والشعب بات يأمل في أن ينتهي التمييز وعدم المساواة المستمران منذ 46 عاما".

وأكد خطيب أهل السّنة في إيران أن "التمييز هو عمل المتطرفين ومن ليس لديهم أي إنصاف"، مطالبا الرئيس الجديد بإنهاء هذا الوضع.

وأضاف: "يجب أن تكون النساء والأقليات والمذاهب لها تمثيل في تشكيلة الحكومة المقبلة".

وبزشكيان من مواليد 29 سبتمبر/ أيلول 1954، في مدينة مهاباد الكردية بمحافظة أذربيجان الغربية شمال غربي البلاد، وهو طبيب وعين عام 2001 وزيرا للصحة.

ويتعرض المجتمع السني في إيران لاضطهاد ممنهج على يد السلطات الإيرانية، بداية من التضييق في حرية ممارسة الشعائر، مرورا بالاعتقالات التعسفية وحتى أحكام الإعدامات الجماعية.

ويبلغ عدد السنة في إيران ما بين 10 إلى 15 مليون نسمة من إجمالي عدد السكان البالغ 90 مليون نسمة. 

ويتركز المواطنون الإيرانيون السنة في محافظات كردستان وخوزستان وسيستان وبلوشستان.

ويوجد في إيران نحو 15 ألف مسجد تخص الطائفة السنية، لكنها أقرب لغرف صلاة أو قاعات منها إلى مساجد بالمعنى التقليدي المعروف.

ويوجد في العاصمة طهران نحو تسعة مساجد فقط مخصصة للسنة بحسب الأوقاف الإيرانية، ويقول نشطاء سنة إن السلطات الإيرانية تمنعهم من بناء مساجد جديدة في المدينة.

ويضطر أبناء الأقلية السنية إلى بناء مساجد تحت الأرض تعرف باسم بيوت الصلاة أو "نماز خانه" بالفارسية.

ورغم أن إيران ذات غالبية شيعية إلا أن الدستور فيها ينص على أن السنة الذي يشكلون 10 بالمئة من البلاد يملكون "حرية ممارسة شعائرهم الدينية وفق فقههم".

وبينما تستطيع الأقليات المعترف بها في إيران فتح مدارس خاصة بهم، فإن الأقلية السنية قد حرمت من ذلك.

 وعلى مدى 46 عاما، واجه أكثر من 15 مليون إيراني التمييز وحرموا من حق الترشح للمناصب العامة.

وأئمة المساجد في البلاد سواء كانوا من الشيعة أو السنة يعينهم المرشد الأعلى علي خامنئي صاحب السلطة الأعلى سياسيا ودينيا.

وفي أغسطس 2018، منعت السلطات الإيرانية المصلين السنة من إقامة شعائر صلاة العيد في حي "رسالت" بطهران، رغم حصول المصلين على رخصة من وزارة الداخلية.

والاضطهاد يبدأ في مراحل مبكرة من عمر المواطن السني في إيران، الذي يجبر وهو وبقية الأقليات على دراسة مناهج المذهب الشيعي.

فرغم أن الدستور الإيراني يحترم من الناحية الفنية حق السنة في ممارسة شعائرهم الدينية بحرية، فإنهم يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية. 

ولا ينظر النظام الإيراني إلى الإسلام السني بوصفه دينا بديلا، بل إنه يشكل تهديدا أمنيا له.

ولهذا السبب تواصل إيران قمع السنة باستمرار، سواء باعتقال نشطائهم وقادتهم، أو تدمير المساجد أو منعهم من تولي مناصب عليا في قطاع الأعمال أو الحكومة.

مشروع طائفي

وبصورة لافتة، تعاني المحافظات التي تضم أعدادا كبيرة من السكان السنة من الفقر والإهمال إلى حد كبير، حيث تعد سيستان وبلوشستان السنية في جنوب شرق إيران المنطقة الأكثر حرمانا.

وتتمتع تلك المحافظات بقدر محدود من الوصول إلى الضروريات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والطرق والطاقة والمياه النظيفة والصرف الصحي.

وتتعرض هذه المحافظات أيضا لمعاملة وحشية من جانب الشرطة، ففي سبتمبر 2022، أثناء الاحتجاجات على مقتل الكردية السنية مهسا أميني أثناء احتجازها لدى شرطة طهران بعد اعتقالها لعدم امتثالها لقواعد الحجاب الإلزامي، فتحت الشرطة النار على المحتجين السنة البلوش.

ما أسفر عن مقتل 96 شخصا في ما أطلق عليه لاحقا "الجمعة الدامية".

وكثيرا ما يقوم شيوخ السنة بمخاطبة المرشد الإيراني ودعوته لتحسين واقعهم، إلا أنه لا يستجيب. 

وفي رسالة إلى خامنئي في بداية 2018، وجهها مولوي عبد الحميد، لفت فيها إلى مخاوف المجتمع السني في إيران، داعيا إلى احترام الدستور وإنهاء التمييز ضد الأقليات.

ولم تمر أشهر قليلة عقب رسالة زاهي، إلا وقد أصدرت السلطات الإيرانية قرارا بمنعه من السفر، في إجراء يبدو مكررا لكل من يجابه نظام الملالي.

وضمن هذا السياق، قال طاهر أبو نضال الأحوازي عضو المكتب السياسي "للجبهة الديمقراطية الشعبية الأحوازية"، إن "النظام الحالي تنصل من قضية ممارسة الحريات الدينية في الدستور الإيراني الذي يعطي الحقوق للشعوب وخاصة لأهل مذهب السنة".

وأضاف لـ"الاستقلال" قائلا، "إن طهران منعت أهل السنة التي يندرج ضمنها شعوب البلوشستان والكرد والأحواز العربية من إقامة شعائرها منعا باتا إلا في بعض الشعائر وضمن أماكن محددة".

وأشار الأحوازي إلى أن "النظام الإيراني أقدم على هدم مساجد للسنة في كثير من مناطق إيران ومنها الأحواز، كما اعتقل العديد من أصحاب المذهب السني".

ورأى أنه "مع تولي بزشكيان الذي رفع شعارات الحرية والإصلاح، يريد أبناء الطائفة السنية في عموم جغرافية إيران، تنفيذ المواد الدستورية وليس بما يخص الشعائر الدينية للسنة فقط؛ بل كذلك رفع التمييز ومكافحة البطالة في مناطقهم".

وذهب  الأحوازي للقول إن "النظام الإيراني بكل قواه السياسية والاقتصادية والأمنية والإعلامية وقف مع المذهب الشيعي وترك الأديان الأخرى وخاصة أهل السنة وعمل على تمزيق وجودهم وكل ذلك من منطلق مشروع إيران الطائفي المدمر للأمم والشعوب وخاصة العربية منها".

 “النساء والأقليات”

وتنبع محاولات الطائفة السنية في إيران لإحداث تغيير جديد إيجابي في تعاطي السلطات الإيرانية مع حقوقهم من قرار الرئيس الجديد بزشكيان أن يكون 20 بالمئة على الأقل من المرشحين المقترحين لأعضاء حكومته من "النساء والأقليات".

وبعد فوز بزشكيان في الانتخابات، جرى تشكيل مؤسسة سميت "المجلس التوجيهي الانتقالي" برئاسة محمد جواد ظريف، وهو، بحسب الأخير، "ذراع استشاري" للرئيس الجديد.

وينتقد أهل السنة في إيران الدولة في بلادهم بحرمانهم من المناصب السيادية مثل الوزير والمحافظ بينما يوجد تمثيل لهم في البرلمان بمقاعد محدودة.

يقول مراقبون إن مستوى تمثيل أهل السنة في البرلمان والتشكيل الوزاري الإيراني لا يتناسب مع نسبتهم العددية.

وكان آخر وزير سني في إيران هو يحيى صادق الأيوبي، الذي كان مسؤولا عن وزارة العدل في فترة ما قبل ثورة 1957، وهو كردي من مدينة سنندج الإيرانية.

وحاول عضو البرلمان السابق جلال جلالي زاده الترشح لرئاسيات إيران لعام 2024 لكنه لم يتمكن.

وجلال جلالي زاده، هو برلماني سني لطالما كافح من أجل المساواة في الحقوق في دولة ذات أغلبية شيعية.

ولهذا يحاول ممثلو الطائفة السنية اللعب على وتر كون الرئيس بزشكيان طبيبا، وهذا ما يعني أنه يعالج جميع المواطنين بغض النظر عن العرق أو الدين أو المنطقة الجغرافية.

ولا سيما من خلال وضع حل لهم للتعويض عن النقص والحرمان التاريخي الذي تعانيه مناطق أهل السنة بإيران.

إذ يسعى شيوخ وعلماء السنة في إيران لبناء الثقة مع حكومة بزشكيان، وقد التقى الأخير مع مستشاره الإستراتيجي محمد جواد ظريف بمجموعة من وجهاء وشيوخ السنة في إيران للتنهئة بتوليه الرئاسة وتذكيره بوعوده الانتخابية تجاه الأقليات في البلاد.

وفي هذا اللقاء بحسب وكالة أنباء الخبر أونلاين الإيرانية، أشاد علماء السنة، بعد أن أبدوا همومهم، بالرئيس المنتخب لكونه يرى الجميع بعين واحدة.

ووجه أحد علماء السنة الحاضرين في هذا اللقاء الشكر للرئيس المنتخب، مشيرا إلى أن الطبيب يهتم بجميع المواطنين بغض النظر عن العرق أو الدين أو المنطقة الجغرافية.

وبزشكيان وهو الرئيس الرابع عشر لإيران ليس هو الوحيد بين رؤساء إيران عقب ما تسمى "الثورة الإسلامية" الذين يقدمون وعودا بتحسين أحوال الطائفة السنية.

إذ سبق أن كتب الفصيل السني في البرلمان في نوفمبر 2016، إلى الرئيس حينها حسن روحاني، مذكرا إياه بوعوده بإعطاء المسؤوليات الوطنية والإقليمية الرئيسة للسنة، وطلب من الحكومة "تعيين وزير سني واحد على الأقل"؛ إلا أن الطلب لم يتم تنفيذه مطلقا.

وقال جلال جلالي زاده، الممثل السني في البرلمان الإيراني، في أغسطس 2021 أي في الأيام الأخيرة لحكومة روحاني في مذكرة للبرلمان إن حكومة الأخير "لم تستطع الوفاء بوعود وتوقعات أهل السنة" أو حتى في "تعيين وزير" سني.

كما سبق أن ادعى الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي في لقاء مع علماء ونخب أهل السنة أن "1700 مدير سني" يعملون في الهيئات التنفيذية في البلاد، بينما لم يكن هناك في ذلك الوقت وزير أو محافظ سني واحد.

وبعبارة أخرى، لا يحمل بزيشكيان رؤية كبرى لإعادة تشكيل النظام الديني في إيران، أو تحدي المرشد المحافظ علي خامنئي على الرغم من أن العديد من الإيرانيين يتوقون إلى ذلك.