مخيمات مكتظة ودعارة.. كيف انتشر "جدري القرود" في الكونغو الديمقراطية؟
أُعلن اكتشاف المتحور الجديد من فيروس "إمبوكس" لأول مرة في كاميتوغا
تعيش جمهورية الكونغو الديمقراطية منذ فترة أوضاعا صعبة ومزرية نتيجة الصراعات المستمرة وتفاقم الظروف المعيشية والصحية لملايين من النازحين داخليًا.
في هذا الوضع القاتم، أُعلن اكتشاف المتحور الجديد من فيروس "إمبوكس"، المعروف سابقا باسم "جدري القرود" لأول مرة في كاميتوغا، وهي بلدة تختص بالتعدين وتقع في مقاطعة كيفو، جنوب شرق البلاد.
وبحسب صحيفة إيل بوست الإيطالية، يعد تفشي الفقر ووجود الملايين من النازحين والمهاجرين فضلا عن انتشار ظاهرة الدعارة من العوامل التي سهلت انتشار الفيروس في هذا البلد الإفريقي.
ومن الكونغو، انتشر الفيروس أيضا إلى البلدان المجاورة (أوغندا وكينيا ورواندا وبوروندي)، بينما أعلنت وكالة الصحة العامة في السويد، في 15 أغسطس/آب 2024، رصد أول إصابة خارج إفريقيا بهذه السلالة الجديدة وكذلك جرى تسجيل حالة في تايلاند، وهي الأولى في آسيا.
وقبلها بيوم، أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس غيبريسوس أن ارتفاع الإصابة بهذا المرض، يشكل حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقا دوليا.
مسرح للصراع
وقد جرى تسجيل أغلب الإصابات بالفيروس، 96 بالمئة من إجمالي 17 ألف إصابة منذ بداية العام، في الكونغو، حيث انتشر إلى جميع مقاطعات البلاد البالغ عددها 26.
وقالت صحيفة "إيل بوست" إن الكونغو “دولة فقيرة للغاية، يبلغ عدد سكانها 100 مليون نسمة، يعيش 70 بالمئة منهم على أقل من دولارين للفرد في اليوم”.
وتحدثت عن نقص الخدمات الأساسية الكافية، بما في ذلك الرعاية الصحية، فضلا عن الطرق غير الآمنة وصعوبة الوصول إلى معظم المناطق النائية.
كما تأوي البلاد عددا كبيرا من النازحين داخليًا، قرابة 7 ملايين، نزحوا بسبب الصراعات المستمرة منذ عقود بين ما لا يقل عن 120 مليشيا متمردة.
وتعد المقاطعة الشرقية من البلاد، أي المنطقة التي اكتشفت السلالة الجديدة للفيروس فيها، مكانا معقدا وغير مستقر، ومسرح صراع بين المليشيات المسلحة.
كما أنها غنية بالموارد المعدنية، وخاصة الذهب والكولتان، وهو معدن يستخدم في إنتاج المكونات الإلكترونية الصغيرة والهواتف الذكية.
وتعد "حركة 23 مارس" من أبرز الجماعات المتمردة المنتشرة هناك، وهي جماعة تدعمها رواندا المجاورة.
وكانت هذه الحركة قد استأنفت هجماتها في بداية العام 2024 وحاصرت غوما، المدينة الأكبر في مقاطعة شمال كيفو.
وقد أجبرت الصراعات المسلحة، مئات الآلاف من الأشخاص على مغادرة منازلهم والعيش في مخيمات لاجئين مكتظة وتشكو ظروفا إنسانية متردية.
وفي مدينة غوما لوحدها، حيث تم اكتشاف واحدة من أكبر بؤر تفشي مرض جدري القردة هذا العام، وصل أكثر من 700 ألف شخص في العامين الماضيين فقط.
كيف انتشر؟
وصفت الصحيفة الإيطالية أوضاع اللاجئين في المدينة بالكارثية، في ظل نقص الغذاء وغياب المرافق الصحية وحالة الاكتظاظ في مخيمات غير رسمية.
وينفي متمردو حركة إم 23، الذين يسيطرون الآن على مناطق شمال كيفو، وصول الفيروس إلى هناك أيضًا.
فيما تشدد الصحيفة بأن اكتظاظ ما يقارب من سبعة ملايين شخص في البلاد داخل مخيمات للنازحين في ظروف صحية مزرية، يشكل أحد العوامل الرئيسة في انتشار الفيروس.
وتذكر شهادة الطبيب بيير أوليفييه نغادجولي الذي يعمل في منظمة ميدير الإنسانية، لوكالة "أسوشيتد برس" الأميركية، قائلا إن 70 بالمئة من الحالات التي عالجها في الشهرين الماضيين جاءت من مخيمات النازحين.
وبدوره، قال ماهورو فاوستين، الذي يدير مخيم بولينجو للاجئين بالقرب من مدينة غوما، إنه شاهد أول الأشخاص المصابين بالحمى وآلام العضلات والقشعريرة قبل ثلاثة أشهر.
وهي جميعها أعراض لفيروس إمبوكس، لكن التأكد من ذلك كان وما زال صعبًا للغاية نظرا لعدم توفر اختبارات كافية، تشرح إيل بوست.
هناك عامل آخر يسهم في انتشار الفيروس بالكونغو يتمثل في انتشار الدعارة بشكل كبير خاصة في المنطقة التي تقع فيها معظم مناجم البلاد، تضيف الصحيفة.
وتذكر ما حدث في مدينة لوهيهي، جنوب كيفو، في مايو/أيار 2020، على إثر اكتشاف مخزون كبير من الذهب.
وقالت إن "المئات من عمال المناجم انتقلوا إلى هناك في غضون أسابيع قليلة للعمل ومعهم انتقلت الحانات وأوكار القمار وبيوت الدعارة".
طبيعة الفيروس
وخلافا لما يعتقده الكثيرون، بينت الصحيفة أن الفيروس لا ينتقل عن طريق الاتصال الجنسي فقط، على الرغم من أنه وسيلة شائعة للعدوى.
وإنما ينتقل أيضًا عن طريق المخالطة اللصيقة لفترة طويلة لشخص مصاب (حتى مجرد التحدث معه وجهًا لوجه)، أو من خلال لمس الأشياء مثل الملاءات أو الملابس أو إبر الحقن، كما يمكن أن ينتقل من المرأة الحامل إلى الجنين.
في كثير من الحالات، يكون الجدري بدون أعراض، في حين تظهر أعراض مثل طفح جلدي وحمى والتهاب الحلق والصداع وآلام في العضلات والظهر والتعب وتورم الغدد الليمفاوية لدى البعض.
كما هو الحال مع الأمراض الأخرى، يعد المرض أكثر خطورة بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة، وكذلك كبار السن وفي بعض الحالات الأطفال.
ولا تزال السلالة الجديدة من الفيروس قيد الدراسة والتحليل للتأكد من كونها أكثر عدوى وخطورة من السلالات السابقة.
وفيروس جدري القردة كان قد انتشر بين عامي 2022 و2023 في مناطق مختلفة من العالم بمعدل فتك أقل مما هو عليه في الفترة الحالية في ظل تفشي سلالات جديدة (1 بالمئة مقارنة بـ 4 إلى 10 بالمئة حاليا).
كما أن معظم الحالات المسجلة في السابق كانت لبالغين وخاصة ذكور “شواذ”. في المقابل 70 بالمئة من حالات الإصابة اليوم هي لأطفال أقل من 15 عامًا، يشكلون 85 بالمئة من الوفيات.
ووفقا لشركة ميدير، التي تدير منشأة عزل بالقرب من غوما، فإن 75 بالمئة من المصابين بالفيروس دون سن العاشرة.
ويعتقد أن انتشار المرض بين الأطفال يعود لسوء التغذية والانتشار المبكر لأمراض أخرى، مثل الكوليرا أو الحصبة.
في الأثناء، قال وزير الصحة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، صامويل روجر كامبا، إنه لا توجد حاليا جرعات لقاح في البلاد.
بينما أعلنت شركة الأدوية الدنماركية "بافاريان نورديك" عن التبرع بحوالي 40 ألف جرعة من لقاحها ضد المرض إلى البلد الإفريقي.