رغم الخلافات.. كيف أسهم "يونس إمره" في استمرار التواصل بين المصريين والأتراك
في أول زيارة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى مصر بعد 11 عاما، وقف في قصر الاتحادية بالقاهرة في 14 فبراير/ شباط 2024، قائلا إن "تركيا تتقاسم مع مصر تاريخا مشتركا يزيد على ألف عام".
وعبر عن دلالة هذه الجملة عندما اختص معهد "يونس إمره" في العاصمة المصرية بالحديث، وذكر أنه يعد أكبر فرع للمعهد في العالم من حيث الإقبال لتعلم اللغة التركية.
وكشف أردوغان أنه "في عام 2023 تم تسجيل 22 ألف طالب مصري في هذا المعهد من أجل تعلم اللغة التركية، وهذا ما يبعث على السرور".
هذه الإشارة من الرئيس التركي طرحت تساؤلات حول معهد "يونس إمره" ودوره في إنشاء رابطة تواصل قوية بين المصريين والأتراك وإقبال كثير من المصريين عليه في السنوات الأخيرة.
سفير لتركيا
البداية جاءت مع تدشين معهد "يونس إمره" بالعاصمة التركية أنقرة، في 5 مايو/ أيار 2007، بصفته مؤسسة وقف عمومية.
وبحسب الموقع الرسمي للمعهد فإنه "مؤسسة تابعة للوقف هدفه تنفيذ الأنشطة الثقافية والفنية".
كما يقدم المساندة اللازمة للنشاطات العلمية التي يجري من خلالها التعريف بتركيا، بجانب فعاليات تعليم اللغة التركية للأجانب في المراكز التي أسسها المعهد خارج البلاد.
ويمتلك معهد يونس إمره 50 مركزا في 40 دولة، كما يعقد شراكات مع أكثر من 80 جامعة في دول عدة، بحيث يرسل إليهم من خلالها مدرسين للغة، في إطار مشروع المركز الهادف إلى زيادة الاهتمام باللغة التركية حول العالم.
وفيما يخص علاقة المعهد التركي بمصر فإنها بدأت مبكرا، إذ كان "يونس إمره" بالقاهرة من بين أول 3 فروع خارجية للمعهد حول العالم.
وافتتح رسميا في مارس/ آذار 2010، في مقره القديم بمنطقة العجوزة على ضفاف النيل بمحافظة الجيزة.
ثم انتقل مقر المعهد إلى الدقي بالجيزة أيضا عام 2012، وافتتحه رئيس الوزراء التركي آنذاك أردوغان، خلال زيارته للقاهرة عقب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وتحديدا في عهد الرئيس المصري الراحل محمد مرسي.
وقتها أهدى أردوغان المعهد رمزا تذكاريا بصفته جسرا وثيقا للعلاقات الثقافية بين مصر وتركيا.
مصر الأولى
ومما يدل على قوة معهد "يونس إمره" في تحسين العلاقات المصرية التركية، حتى في أشد لحظات الخلافات السياسية، النشاط الذي قام به خلال الأعوام من 2013 إلى 2021.
ففي 20 مارس 2021 نشرت وكالة "الأناضول" التركية الرسمية تقريرا عن نشاط المعهد في القاهرة، قالت فيه إن "مصر تأتي في المرتبة الأولى في منصة تعليم التركية عن بعد، التابعة لسلسلة يونس إمره، بحوالي 40 ألف مستخدم".
وذكرت أن المعهد يشرف على تعليم التركية لأكثر من 1500 مصري سنويا.
وذلك غير المصريين المتعلمين عن بعد من خلال التعليم الإلكتروني، حيث يتضمن الموقع الإلكتروني للمعهد مقاطع فيديو لتعليم التركية للأجانب من الأعمار كافة، إلى جانب دورات لتعليم اللغة عبر الإنترنت، حيث تحظى باهتمام كبير من قبل الشباب المصري على وجه الخصوص.
وأوردت الوكالة التركية أن معهد يونس إمره يواصل إلى جانب تعليم اللغة التركية، تنظيم دورات وفعاليات أخرى مثل دورات الترجمة، ودورات اللغة التركية المستخدمة في مجال السياحة.
كما يقيم المعهد في القاهرة نوادي للمحادثة بين رواده في أكثر من 20 دولة، مع تقديم دورات خاصة للأطفال المصريين.
وأشارت وكالة "الأناضول" إلى أن المعهد أقام في القاهرة منذ افتتاحه حوالي 60 فعالية ثقافية في مجالات متنوعة مثل الفنون اليدوية، والمأكولات التركية، ورياضة رمي السهام التركية التقليدية، فضلا عن الموسيقى والأدب التركي.
عيد الديمقراطية
وفي 15 يوليو/ تموز 2023، أحيا معهد يونس إمره بالقاهرة احتفالية "عيد الديمقراطية" في ذكرى الانقلاب العسكري الفاشل عام 2016.
وشارك في الاحتفالية ممثلو السفارة التركية بالقاهرة، وعدد من رجال الأعمال الأتراك المقيمين بالقاهرة، وكذلك جمع من الطلاب الأتراك الدارسين بجامعة الأزهر، مع عدد من الأكاديميين وطلاب المعهد المصريين.
وبدأت الفعالية بالوقوف دقيقة حدادا على أرواح الشهداء الذين قضوا جراء انقلاب الجيش الدموي، وعزف النشيد التركي.
وخلال الاحتفال تم عرض صور "انتصار الديمقراطية"، تتضمن 40 صورة فوتوغرافية التقطتها عدسات الصحفيين توثق ما حدث ليلة 15 يوليو، خاصة بطولات الشعب التركي في مواجهة الانقلاب وإسقاطه.
وفي كلمته أمام جموع الحاضرين من مصريين وأتراك، قال مدير معهد يونس أمره بالقاهرة، أمين بويراز، إن "الأمم تبقى وتعيش حرة طالما حافظت على وحدتها وترابطها القومي وتمسكت بقيمها المعنوية، وقد شهد العالم في 15 يوليو 2016، أن الشعب التركي قادر على حفظ لحمته الوطنية وصنع البطولات في وقت الشدائد".
وأضاف: "لقد أعلنت الأمة التركية التي تكاتفت قبل قرن مضى (في حرب الاستقلال التركية) من أجل صد العدوان ودحر قوى الاحتلال، بنضالها الفريد ليلة 15 يوليو تحت قيادة الرئيس أردوغان، أنها لن تتخلى عن استقلالها وحريتها، وأثبتت أنها أمة مترابطة".
مبادرات خاصة
وأجرى بويراز حوارا في ذلك اليوم (15 يوليو 2023) مع صحيفة "فيتو" المصرية المحلية، لفت فيه إلى أن العلاقات الثقافية المصرية التركية تمثل نطاقا طبيعيا ومجالا عالي الإمكانيات للتعاون.
وأكد أن هناك خططا للمعهد للتعاون مع مؤسسات حكومية وخاصة لتعليم اللغة التركية في مصر.
وأشار بويراز إلى أن المعهد أطلق بالفعل مبادرة للتعاون مع عدد من الجامعات المصرية وهو ما وجد صداه عند جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، بمدينة 6 أكتوبر في محافظة الجيزة.
ووقع المعهد مع الجامعة بروتوكول تعاون ينص على التعاون في تعليم اللغة التركية وانتداب مدرسين أتراك لمصر وتبادل الكتب التعليمية.
وأوضح أن أهم جزء بالبروتوكول هو إرسال طلبة الجامعة في رحلات صيفية لتركيا، لممارسة اللغة والتعرف على الثقافة التركية على أرض الواقع.
وذكر بويراز أن المعهد يحضر في الفترة المقبلة لثلاثة مشروعات كبرى ممثلة في عمل "كتالوج" بالصور عن الآثار العثمانية بمصر، حيث يوجد أكثر من 200 أثر بالقاهرة مع وضع مقدمات أكاديمية تتضمن معلومات تاريخية عن الأثر والفنان المنتج لها.
وأشار إلى أنه "قد بدأ العمل عليه بالتعاون مع متحف الفن الإسلامي، الذي قدم تسهيلات للتصوير وهم في انتظار موافقة من أنقرة".
والمشروع الثاني هو تقديم محاضرة عن "الأمانات المقدسة" الموجودة في قصر "توب كابي" بمدينة إسطنبول، والذي كان مقرا لإدارة شؤون الدولة أثناء الحكم العثماني، واحتفظ فيه السلطان بالممتلكات المقدسة ومنها متعلقات النبي محمد صلى الله عليه وسلم (سيف، درع، جبة، خنجر)، ونسخة قديمة من القرآن الكريم، ومتعلقات للصحابة.
ولفت بويراز إلى أن هناك مبادرة خاصة أيضا بين معهد يونس إمره، والمتحف الإسلامي في القاهرة، تتناول استضافة ندوات عن الآثار العثمانية وتاريخها في مصر.
وكذلك أشار إلى وجود مشروع تعاون بين المعهد ومسرح الفلكي بالقاهرة لعرض أسبوع للأفلام التركية.
يونس إمره
ومما يتبادر إلى الذهن أسباب إطلاق اسم "يونس إمره" على المعهد التركي.
ويونس إمره شخصية لها رمزية مهمة عند الشعب التركي، فهو قاض وشاعر ومتصوف توفي عام 1321 للميلاد.
ويوصف أسلوبه الأدبي والفلسفي بالسهل الممتنع، وتناولت أشعاره حب الله والإنسان، وقيم العدل والفضائل الإنسانية.
وقد ترك أثرا كبيرا في تاريخ الأدب التركي، وحقق شعبية كبيرة في عدد من البلدان تمتد من أذربيجان إلى البلقان.
وعن مدى أهميته للأتراك وأسباب تخليد ذكراه، يقول الكاتب والباحث التركي مصطفى تاتجي، إن "أفكار المتصوف التركي يونس إمره كانت لها أبعاد عالمية تتجاوز حدود الجغرافيا والزمان، حيث إن مبادئه ما زالت تمثل مرجعية للعديد من المدارس الفكرية في العصر الحالي".
ويرى تاتجي، أن "أفكار يونس إمره ما زالت مفهومة رغم مرور الأزمنة بصفتها كُتبت بطريقة سهلة وبأسلوب سلس".
وأشار إلى أن "إمره كتب أشعاره ودون أفكاره الصوفية باللغة التركية رغم هيمنة اللغة العربية والفارسية في عصره".
ويقع قبر "إمره" في قرية "ساري كوي" التابعة لولاية إسكي شهير غرب أنقرة، ويشير المؤرخون إلى تطابق أسماء المناطق والبلدات والقرى الواردة في سيره وقصائده مع مناطق تقع كلها في الولاية التركية التي تعرف اليوم باسم "كارامان".