تنافس أميركا والصين.. ماذا تفعل تركيا في منطقة "الأتربة النادرة" بإفريقيا؟

18 days ago

12

طباعة

مشاركة

في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، وقعت حكومة أوغندا اتفاقية مع شركة الإنشاءات التركية "يابي مركزي" بنحو ثلاثة مليارات دولار لإنشاء خط سكة حديد بطول 272 كيلومترا يربط العاصمة الأوغندية كمبالا بميناء مومباسا المطل على المحيط الهندي في كينيا.

ويعد الاتفاق جزءا من مشروع أكبر يتضمن بناء شبكة سكك حديدية كهربائية بطول 1700 كيلومتر ستربط ميناء مومباسا الكيني بأوغندا ورواندا وجنوب السودان.

وفي هذا السياق، أشار معهد بحثي إيطالي إلى أن مشروع بناء خط السكة الحديد الذي سيربط كمبالا بمالابا، يعد خطوة مهمة من طموح أوغندا لتصبح المركز اللوجستي الرئيس في منطقة "الأتربة النادرة" التي تشمل أوغندا والكونغو الديمقراطية وكينيا وتنزانيا.

منافسة محتدمة

وقال "معهد تحليل العلاقات الدولية" إن هذه المنطقة تقع في مركز المنافسة المحتدمة بين الولايات المتحدة والصين، لافتا إلى أن تركيا تلعب أيضا بأوراقها في خضم هذا التنافس.

وبحسب تحليله، تستهدف تركيا الطرق البرية الإفريقية ضمن إستراتيجية تهدف إلى الوصول إلى المحيطات المهمة في سياق المبادلات التجارية مع القارات الأخرى.

يذكر أن شركة الصين لهندسة الموانئ كانت قد اقترحت في عام 2015 إنجاز مشروع مماثل لما ستنجزه الشركة التركية لكنها لم تتمكن فعليا من تنفيذه.

ودخلت الحكومة الأوغندية على إثر ذلك في محادثات مع شركة يابي مركزي التركية التي تنفذ مشروعا مماثلا في تنزانيا وإثيوبيا.

ويعلق المعهد بأن ذلك لم يكن فشل بكين الوحيد في أوغندا، في إشارة إلى عدم قدرتها على الاستحواذ على مطار عنتيبي في ظل الشروط المرهقة التي تضمنها القرض الصيني لتوسعة هذه المنشأة.

من جانبها، تحاول تركيا أن تلتمس مكانها في القارة الإفريقية باستغلال أخطاء الأطراف الأخرى، وفق تعبير المعهد الايطالي.

بالإضافة إلى المنافسة على الاستحواذ على المعادن النادرة، يشرح أن السبب الآخر الذي يدفع تركيا إلى زيادة مكانتها في إفريقيا هو حاجتها إلى ضمان الوصول إلى المحيط الهندي الأساسي للتجارة مع آسيا.

 وكذلك الوصول إلى المحيط الأطلسي الأساسي للتجارة مع القارتين الأميركيتين.

وقال إن "تركيا بإمكانها أن تفعل ذلك ببساطة عن طريق عبور قناة السويس ومضيق جبل طارق، لكن العوائق أمام عبور هذه الطرق كانت كثيرة على مر السنين".

لا سيما أن الأمر مرتبط بمصر التي تسيطر على قناة السويس واليونان التي تعيق تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط.

ثلاث إستراتيجيات

ولذلك، ومن أجل الوصول إلى المحيطات، نفذت تركيا، بحسب المعهد البحثي الإيطالي، ثلاث إستراتيجيات.

 تتمثل في زيادة دورها في ليبيا، فضلا عن التصالح مع مصر، بالإضافة إلى السيطرة على طرق برية في إفريقيا ببناء ما يسمى وما يمكن ترجمته بـ"الممر الأفرو محيطي".

ويمتد هذا الممر التركي في أربعة اتجاهات جميعها تنطلق من ليبيا، الاتجاهان الأولان هما فرعا المحيط الهندي. 

ويبدأ فرع المحيط الهندي البري من طرابلس العاصمة ويمر بالسودان وإثيوبيا ثم يصل إلى عاصمة الصومال، مقديشو، أما الفرع البحري فينطلق من ميناء مصراتة ثم يعبر قناة السويس.

بينما الوصول إلى المحيط الأطلسي يتم عن طريق البر على طول الطريق من طرابلس إلى العاصمة السنغالية، داكار، مرورا بالجزائر ومالي، ويمر عن طريق البحر عبر مضيق جبل طارق.

وفي نفس سياق الوجود في إفريقيا والطموح للوصول إلى المحيطات، أكد المعهد البحثي الإيطالي بأن السؤال المطروح يظل كيف تعمل تركيا على زيادة وجودها في القارة السمراء.

ويشرح بأنها تستغل، "بالنظر إلى عدم قدرتها على التنافس اقتصاديا مع الصين ولا مع الدول الخليجية الغنية بالنفط"، عامل تصدير الأسلحة وهو ما يتيح لها تعزيز صناعة الأسلحة الخاصة بها والتقرب إستراتيجيا من القوات المسلحة للدول الإفريقية.

القوة الناعمة

علاوة على ذلك، أضاف أن أنقرة تلجأ على غرار ما تفعله في البلقان إلى سلاح القوة الناعمة من خلال منح الشباب الأفارقة فرصا للتكوين داخل أراضيها. 

الهيئة المسؤولة عن هذا النوع من العمليات هي "مؤسسة الأتراك في الخارج والمجتمعات ذات الصلة"، أي الهيئة التي تشرف على التعاون مع الجاليات التركية وما شابهها في الخارج.

كما أن تركيا تمول افتتاح العديد من مراكز اللغة التركية حول العالم، والعديد منها في إفريقيا.

فيما أن المعاهد المسؤولة عن تدريس اللغة التركية في إفريقيا هي بشكل أساسي معاهد يونس أمره (اسم شاعر وصوفي تركي مهم عاش بين القرنين الحادي عشر والثاني عشر) ومؤسسة المعارف وهي مؤسسة تعليمية موجودة في جميع أنحاء العالم.

وتقوم تركيا أيضا بتمويل بناء المساجد والمدارس الدينية، فضلا عن التكوين الديني للأئمة والشباب الأفارقة، وهي أنشطة تديرها رئاسة الشؤون الدينية بالإضافة إلى إشرافها على جميع المبادرات المماثلة.

وتعود الإستراتيجية التركية في إفريقيا إلى التسعينيات وتحديدا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، أدركت أنقرة أن لديها إمكانية لملء الفراغ الذي تركته موسكو في القارة.

إلا أنها لم تتمكن فعليًا، نتيجة أزمة اقتصادية حادة، من تحقيق خططها إلا بدءا من أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

باختصار، أكد المصدر الإيطالي أن تركيا تُثبت أيضا أنها تعمل بإستراتيجية وصبر في إفريقيا وهو ما يرسخ وجودها هيكليا في القارة.

 وباتت، إلى جانب الصين وروسيا ودول الخليج، أحد اللاعبين الرئيسين المنافسين للوجود الغربي هناك.

علاوة على ذلك، يرى المعهد الإيطالي أن الوجود التركي، بالإضافة إلى أنه لا يشير بشكل مباشرة إلى حقبة الاستعمار على غرار الوجود الغربي، يتأثر بالتأثير الإيجابي "للقوة الناعمة الدينية" التي تشكل ميزة تتفوق بها أنقرة على كل من بكين وموسكو.

وبالتالي، يستنتج بأن كل شيء يشير إلى أن الاختراق التركي في إفريقيا سيستمر مع مهندسه الرئيس، رجب طيب أردوغان.