الطريق البحري الشمالي الروسي.. لماذا لا يعوض عن قناة السويس رغم طرحه بديلا؟

الطريق الروسي يربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ وتمر من خلاله بعض السفن التجارية
أثار العديد من خبراء التجارة والملاحة بعض التكهنات في الآونة الأخيرة، حول إمكانية أن يصبح الممر الشمالي بديلا مستقبليا عن قناة السويس المصرية.
وفي حوارها مع السفير المصري بروسيا نزيه النجاري، استطلعت صحيفة "إزفيستيا" الروسية الموقف المصري إزاء خطة روسيا لتطوير الممر الشمالي 2035، التي تسعى لتحويل الطريق إلى ممر تجاري رئيس.
كما استعرضت أبرز التحديات التي تواجه الطريق الشمالي، وتأثيره المتوقع على التجارة عبر قناة السويس.
وتطرقت أيضا للحديث حول مشاريع الطاقة المشتركة بين موسكو والقاهرة، واهتمام الشركات الروسية بإنتاج النفط والغاز في مصر.

تكامل مشترك
ويعد طريق البحر الشمالي من أهم الممرات البحرية القطبية الممتدة على طول الساحل الشمالي لروسيا، عبر المحيط المتجمد.
ويبدأ الممر الملاحي من بحر بارنتس قرب مدينة مورمانسك في الشمال الغربي الروسي قرب أوروبا، ويمر عبر بحار كارا ولابتيف وشرق سيبيريا وتشوكشي، وصولا إلى مضيق بيرينغ في أقصى الشرق الروسي.
ويربط الطريق المائي بين المحيطين الأطلسي والهادئ، وتمر من خلاله بعض السفن التجارية خلال الفترة الصيفية من يوليو/ تموز إلى أكتوبر/ تشرين الأول.
وبسبب ذوبان الجليد في القطب الشمالي، بدأ الطريق يشهد اهتماما متزايدا في السنوات الأخيرة.
لا سيما أنه يعد أقصر طريق بحري بين أوروبا وآسيا، حيث يبلغ طوله حوالي 14000 كيلومتر من الشرق الأقصى إلى أوروبا، مقارنة بـ 21000 كيلومتر عبر قناة السويس.
وفي هذا الإطار، قال السفير المصري لدى روسيا: "إن القاهرة تتوقع أن يكون طريق البحر الشمالي وقناة السويس قادرين على التكامل بدلا من التنافس".
وأشار إلى أن "مصر تتابع عن كثب تطورات طريق القطب الشمالي، وتأمل في تحقيق التعايش المثمر للطرفين بين ممرات النقل العالمية".
واستطرد: "يعد طريق البحر الشمالي مشروعا جديدا إلى حد ما، ونحن مهتمون بمتابعة تطوره واستكشاف إمكاناته".
وتابع: "أعتقد أننا قادرون على جعل طريق البحر الشمالي وقناة السويس متكاملين في المستقبل"، مؤكدا أنه "لا ينبغي لنا أن ننظر إليهما في سياق المنافسة".
وجاءت تصريحات السفير المصري للصحيفة الروسية على هامش مشاركته في منتدى ريادة الأعمال النسائية في مجموعة البريكس.
وترى الصحيفة أن "المناقشات حول إعادة توزيع تدفقات البضائع أصبحت حادة بشكل خاص، بعد أن تسببت سفينة الحاويات العملاقة إيفر جيفن في 23 مارس/ آذار 2021 في عرقلة قناة السويس لعدة أيام".
وأوضحت أن “خسائر التجارة العالمية بلغت حوالي 70 مليار دولار” بسبب هذه الحادثة، حيث اضطرت السفن إلى تغيير مساراتها بشكل عاجل والالتفاف حول إفريقيا، مما زاد تكاليف اللوجستيات بما لا يقل عن 300 ألف دولار لكل سفينة من حيث الوقود فقط.
وأشارت إلى أن القطب الشمالي قد يكون "بديلا محتملا" عن قناة السويس.
وأضافت: "يُنظر إلى الطريق البحري الشمالي، الذي يغطي الجزء الروسي من القطب الشمالي من مورمانسك إلى إقليم تشوكوتكا أقصى شمال شرق روسيا، كمسار بديل محتمل".
وأردفت: "وفي إستراتيجية التنمية المكانية لروسيا الاتحادية عام 2025، يُشار صراحة إلى ضرورة تحويل الطريق البحري الشمالي إلى ممر نقل دولي متكامل. ولهذا الغرض، يتم توسيع أسطول كاسحات الجليد".

تحديات وآفاق
ومع ذلك، أشارت الصحيفة الروسية إلى أن المسار الشمالي يواجه عددا من التحديات، أبرزها “فترة الملاحة المحدودة”.
فحتى مع ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض الغطاء الجليدي، فإن الملاحة ممكنة فقط لمدة حوالي سبعة أشهر في السنة.
علاوة على ذلك، "تحتاج معظم السفن إلى مرافقة كاسحات الجليد، لأنها لا تمتلك هيكلية مناسبة للملاحة في الجليد".
يُضاف إلى ذلك، أنه "في ظروف القطب الشمالي، يزداد استهلاك الوقود، مما يقلل من الفائدة الاقتصادية الناتجة عن تقليص المسافة، حتى لو كان المسار أقصر من قناة السويس بنسبة تصل إلى 40 بالمئة".
وبالرغم من كل هذا، تعتقد الصحيفة أن "التغيرات المناخية تفتح آفاقا جديدة، فوفقا لتوقعات مختلفة، بحلول عام 2050-2060، قد تصبح المنطقة المركزية من المحيط القطبي الشمالي صالحة للملاحة حتى بدون كاسحات الجليد".
وأضافت: "ومع ذلك، يبقى السؤال حول تحميل السفن في رحلة العودة، لضمان عدم عودتها فارغة".
من جانبها، تقدّر الأستاذة المصرية في الاقتصاد والطاقة، وفاء علي، أن قناة السويس "لا تواجه بديلا حقيقيا في المستقبل القريب"، وفق الصحيفة.
وشددت على أن "قناة السويس تظل الطريق التجاري الأكثر أمانا وكفاءة، على الرغم من بحث البعض عن طرق بديلة".
وأوضحت لصحيفة "إزفيستيا" أن طريق البحر الشمالي "محدود بسبب تكلفته العالية، وموسميته، وعمقه الضحل (حتى 9 أمتار مقابل 18.5 مترا في السويس) والحاجة إلى دعم كاسحات الجليد".
في المقابل، طرحت الصحيفة الروسية وجهة نظر مغايرة؛ إذ رأت أنه "على الرغم من نضج قناة السويس وتطور بنيتها التحتية، فإنها تواجه تحديات، مثل الازدحام الشديد والمخاطر الجيوسياسية والانسدادات المحتملة، كما أظهرت حالة إيفر جيفن".
وأردفت: "وفي ظل هذه الظروف، فإن الطرق البديلة لا تعد مجرد أمر لوجستي، بل ضرورة".
وأشارت أيضا إلى "الأزمة في البحر الأحمر، المرتبطة بضربات الحوثيين في أعقاب تصعيد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي".
وقال رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع: إن أكثر من 6600 سفينة غيرت مساراتها المعتادة عبر قناة السويس، وأبحرت بدلا من ذلك عبر رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا منذ بدء الأزمة.
"وهو ما سيؤدي إلى خسائر متوقعة بنحو 7 مليارات دولار في عام 2025، بسبب تراجع حركة الشحن"، بحسب الصحيفة.
ويبلغ متوسط حجم نقل البضائع عبر قناة السويس نحو 1.5 مليار طن. في حين توقعت الصحيفة أن "يبلغ تدفق البضائع عبر طريق البحر الشمالي في عام 2024 نحو 37 مليون طن".
وقدّرت أنه "بحلول عام 2030، من المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 70-100 مليون طن، وفق تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مارس 2025".

نموذج للتقارب
على صعيد آخر، تحدثت الصحيفة عن التعاون في مجال الطاقة بين مصر وروسيا، الذي "يظل إحدى النقاط الرئيسة للتقارب بين البلدين".
وكما قال السفير المصري نزيه النجاري: "تُظهر الشركات الروسية اهتماما مستمرا بمشاريع النفط والغاز في مصر".
بدوره، قال رئيس البعثة الدبلوماسية المصرية للصحيفة: "الشركات الروسية مهتمة بالتنقيب عن النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط ودلتا النيل، طالما توجد مشاريع جذابة وإمكانيات لتحقيق الأرباح".
وأضاف: "أخيرا، زار وزير الاستثمار والتجارة الخارجية حسن الخطيب موسكو، والتقى بعدد من الشركات، بما في ذلك شركات النفط، التي أبدت اهتماما بالسوق المصري".
وترى الصحيفة أن "تعميق التعاون في مجال الطاقة، أصبح أمرا بالغ الأهمية في ظل التحديات الداخلية التي تواجهها مصر اليوم".
فقد "انخفض إنتاج الغاز الطبيعي في البلاد إلى أدنى مستوياته في السنوات الأخيرة.".
وأوضحت أن "مصر، التي كانت حتى وقت قريب تصدر الغاز إلى أوروبا، باتت الآن مضطرة لشراء الوقود من الأسواق الخارجية لدعم استقرار نظامها الكهربائي".
"في ظل هذه الظروف، تستند القاهرة إلى الشراكة المصرية الروسية، التي تسمح بتغطية العديد من الثغرات في هذا القطاع الاقتصادي الحيوي"، كما تشير خبيرة الطاقة المصرية وفاء علي.
ووفقا لها، "وضعت روسيا ومصر نموذجا للتفاعل بين الطاقة والتنمية المستدامة، مما عزز أسس النمو الاقتصادي والأمن القومي".
وتشدد الصحيفة على أن "الدعم الروسي اكتسب أهمية خاصة في تقليص الفجوة الطاقية داخل مصر، سواء في القطاع التقليدي أو في مجال مصادر الطاقة المتجددة".
إذ "أصبحت موسكو شريكا مهما في مسألة توريد الغاز، لتغطية العجز المطلوب لتشغيل محطات الكهرباء".
وخلصت إلى أنه "لا يمكن تحقيق آليات دقيقة لحل أزمة العجز الطاقي دون التنسيق المستدام بين مصر وروسيا في هذا الاتجاه الاقتصادي الرئيس".
وذكرت أن رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي "تعهد بإنهاء الانقطاعات المخطط لها للكهرباء، والتي كانت تصل في بعض المناطق إلى ثلاث ساعات يوميا".
في هذا السياق، أعلن رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي أخيرا أنه لن تكون هناك انقطاعات للكهرباء في صيف عام 2025، مؤكدا استعداد الحكومة لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء.
في غضون ذلك، لفتت أستاذة الطاقة وفاء علي إلى أن مشروع محطة "الضبعة" للطاقة النووية يستحق "اهتماما خاصا".
"فمن المتوقع ألا يوفر 4800 ميجاوات من الطاقة النظيفة فحسب، بل يخلق أيضا فرصا جديدة للتوظيف والبحث العلمي وتطوير الكفاءات الوطنية".
كما "تشارك الشركات الروسية بنشاط في التنقيب عن النفط والغاز واستخراجه". وأشارت الصحيفة إلى أن "البلدين تربطهما أجندة مشتركة في قطاع الطاقة الخضراء، ضمن إطار مجموعة بريكس".