زيارة السيسي إلى أنقرة.. ماذا تغير في مستقبل العلاقات التركية المصرية؟
عقد أردوغان والسيسي اجتماع المجلس الأعلى للتعاون الإستراتيجي
شكلت زيارة عبد الفتاح السيسي إلى تركيا، تطورا في العلاقات بين الجانبين اللذين يحاولان إنهاء جميع الخلافات التي استمرت أكثر من عقد بسبب انقلاب يوليو/تموز 2013.
ففي ذلك التاريخ انقلب السيسي على الرئيس الراحل محمد مرسي، لتصل العلاقات بين مصر وتركيا إلى أسوأ مراحلها، قبل أن يعمل الطرفان إلى إعادة الأمور إلى مسارها الطبيعي.
ووصل السيسي إلى العاصمة التركية أنقرة في 4 سبتمبر/ أيلول 2024، وكان في استقباله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ورافق الرئيس أردوغان في مراسم الاستقبال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، ومسؤولون آخرون.
وعقد أردوغان والسيسي اجتماع المجلس الأعلى للتعاون الإستراتيجي بعد لقائهما الثنائي.
وفي هذه الأثناء، أعرب السيسي في تصريح له عبر حسابه على منصة "إكس" عن سعادته بزيارته تركيا وبلقاء الرئيس أردوغان.
كما أكد على "العلاقات التاريخية العريقة بين مصر وتركيا"، مشيرا إلى الروابط السياسية القوية بين البلدين منذ إعلان تأسيس الجمهورية التركية.
وأضاف: "زيارتي الحالية إلى أنقرة وزيارة الرئيس أردوغان السابقة إلى القاهرة تعكسان الإرادة لبدء صداقة وتعاون جديد بين مصر وتركيا".
وفي تصريحه، أشار السيسي إلى أن مصر وتركيا تلبيان توقعات شعبي البلدين الشقيقين استنادا إلى الأدوار المهمة التي تقوم بها الدولتان في المحافل الإقليمية والدولية.
وتأتي هذه الزيارة بعد 12 عاما من تجميد العلاقات بين القوتين الإقليميتين، وذلك في أول زيارة لرئيس مصري منذ ذلك الحين.
كما جاءت بعد زيارة أردوغان للقاهرة في فبراير/ شباط 2024، وهي أول زيارة له إلى مصر منذ عام 2012، والتي مثلت خطوة مهمة في إعادة بناء العلاقات التي توترت بشدة على مدى عقد من الزمن.
أبرز التصريحات
وفيما يتعلق بمحادثاته مع السيسي، قال أردوغان في مؤتمر صحفي مشترك: “أكدنا عزمنا على تعزيز تعاوننا مع مصر في جميع المجالات، بما في ذلك الصناعة والتجارة والدفاع والصحة والبيئة والطاقة”.
وأردف: "نمضي قدما بثبات نحو هدفنا لزيادة حجم تجارتنا إلى 15 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، سنعمل على تعزيز علاقاتنا متعددة الأبعاد مع مصر وفق مبدأ الربح للجميع".
وفيما يخص العدوان الإسرائيلي الحالي على غزة، أضاف أردوغان: “تركيا ومصر تتشاركان موقفا موحدا بشأن القضية الفلسطينية، ومساهماتهما في السلام والاستقرار الإقليميين لها أهمية حيوية”.
وأردف أن "المسؤول عن موت كل بريء بسبب الجوع أو العطش أو نقص الدواء هي إسرائيل وداعموها".
وأكمل الرئيس التركي: "إن مكان قتلة 41 ألف إنسان بريء هو قاعات المحاكم؛ حيث يُحاسبون على جرائمهم، وليس المنابر البرلمانية. وهنا، أود أن أؤكد بوضوح أننا نرفض اتهامات (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو الموجهة إلى مصر".
ففي الثاني من سبتمبر، اتهم نتنياهو مصر بغض الطرف عن تهريب الأسلحة إلى غزة عبر محور فيلادلفيا الحدودي الذي يصر رئيس الوزراء الإسرائيلي على احتلاله ويعرقل من خلال ذلك توقيع صفقة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
وشدد أردوغان بالقول: “لا يمكن منع إسرائيل من جر منطقتنا إلى مزيد من التوتر إلا بالتخلي عن السياسات المزدوجة”.
وتابع: إذ تستمر إسرائيل في موقفها المتعنت والمعرقل. وبذلك، أظهرت الطريقة التي تفكر بها من خلال اغتيال الطرف الذي كانت تجري معه المفاوضات، في إشارة إلى رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس سابقا إسماعيل هنية الذي اغتالته في طهران.
وأكمل أردوغان بيانه قائلا: "تضيف إسرائيل جريمة جديدة إلى سجلها بمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين.
كما تسعى الحكومة الإسرائيلية لكسر عزيمة المقاومة التي لم تتمكن من كسرها بإسقاط آلاف الأطنان من القنابل، من خلال محاولتها إخضاع الشعب الفلسطيني للجوع والعطش، وفق أردوغان.
وأكد الرئيس التركي أن مصر وقطر والولايات المتحدة تتوسط في المفاوضات، و"نحن ندعم هذه العملية عبر وزارة خارجيتنا ورئاسة جهاز الاستخبارات الوطنية. ومع ذلك، يستمر الطرف الإسرائيلي في موقفه المتعنت والمعرقل".
وأردف: “في مشاوراتنا، ناقشنا القضايا الإقليمية، إلى جانب غزة، مثل شرق المتوسط وسوريا وليبيا والسودان ومنطقة القرن الإفريقي”.
وتابع: "نحن عازمون على تعزيز مشاوراتنا مع مصر التي نتشارك معها مواقف وأهدافا متشابهة في العديد من القضايا، ونأمل أن نكون في تعاون أوثق في المستقبل".
وفي النهاية، أظهر أردوغان رغبته في "تعزيز علاقات متعددة الأبعاد وفق مبدأ الربح للجميع"، متمنيا أن "تكون المحادثات والاتفاقيات التي وُقعت سببا للوصول نحو الأفضل".
من جانبه، قال السيسي في كلمته: "زيارتي لتركيا تظهر أن العلاقات العريقة بين البلدين ستتطور بشكل أكبر، لقد قررنا العمل معا لمواجهة الأزمات الإنسانية من خلال مناقشة القضايا الإقليمية بشكل مشترك".
وفي سياق حديثه عن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أضاف السيسي: "علينا أن نعمل بشكل مكثّف أكثر من أجل إخواننا في غزة وفلسطين".
كما أشار أيضا إلى أن "قضايا الأمن والاستقرار نُوقشت في الاجتماع"، معبرا عن "ترحيبه بالتقارب بين تركيا وسوريا".
17 اتفاقية
وبحضور أردوغان والسيسي، جرى توقيع 17 اتفاقية بين البلدين خلال زيارة رئيس النظام المصري، كالتالي:
- مذكرة تفاهم بشأن تطوير منطقة صناعية في العاصمة الإدارية الجديدة.
- عقد تخصيص أرض لتطوير المدينة الصناعية في مدينة 6 أكتوبر.
- مذكرة تفاهم في مجال سياسة المنافسة بين هيئة المنافسة التركية وهيئة المنافسة المصرية.
- مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال التعليم العالي بين مجلس التعليم العالي التركي ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي المصرية.
- مذكرة تفاهم بشأن تعزيز التعاون في قطاع السكك الحديدية بين هيئة السكك الحديدية التركية والهيئة الوطنية لسكك حديد مصر.
- مذكرة تفاهم بين إدارات الطيران المدني.
- مذكرة تفاهم في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بين وزارة النقل والبنية التحتية التركية ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصرية.
- مذكرة تفاهم بشأن التعاون العلمي والاقتصادي والتقني في المجال الزراعي بين حكومة جمهورية تركيا وحكومة جمهورية مصر العربية.
- مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجالات الصحة وعلوم الطب بين وزارة الصحة التركية ووزارة الصحة والسكان المصرية.
- مذكرة تفاهم بين رئاسة إدارة تطوير ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التركية ووكالة تنمية ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة المصرية.
- مذكرة تفاهم بشأن التعاون وبناء القدرات بين وزارة الثقافة والسياحة التركية ووزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي المصرية.
- مذكرة تفاهم بشأن التعاون في الشؤون المالية والاقتصادية بين وزارة الخزانة والمالية التركية ووزارة المالية المصرية.
- مذكرة تفاهم في مجال الطاقة بين حكومة جمهورية تركيا وحكومة جمهورية مصر العربية.
- مذكرة تفاهم في مجال العمل والتوظيف بين وزارة العمل والضمان الاجتماعي التركية ووزارة العمل المصرية.
- مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال حماية البيئة بين وزارة البيئة والتحضر وتغير المناخ التركية ووزارة البيئة المصرية.
- مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال التحضر بين وزارة البيئة والتحضر وتغير المناخ التركية ووزارة البيئة المصرية.
- مذكرة تفاهم بين وزارة الخارجية التركية ووزارة الخارجية والهجرة وشؤون المغتربين المصريين.
عودة العلاقات
وبالعودة قليلا إلى الماضي، بدأت العلاقات بين البلدين في التحسن عام 2020، عندما شرعت أنقرة في مبادرة دبلوماسية لخفض التوتر مع منافسيها الإقليميين، بما في ذلك الإمارات والسعودية ومصر.
وفي عام 2023، أعادت تركيا ومصر تبادل السفراء، وأعلنت أنقرة عن نيتها إمداد القاهرة بطائرات مسيرة مسلحة.
كما صرح أردوغان في القاهرة بأنهم "يهدفون إلى زيادة حجم التجارة بين البلدين من 10 إلى 15 مليار دولار على المدى القصير".
علاوة على ذلك، أفادت وكالة الأناضول الرسمية التركية أن "البلدين سيوقعان نحو 20 اتفاقية لتعزيز الروابط التجارية والتعاون في مجالات الطاقة والدفاع والسياحة والصحة والثقافة والتعليم".
كما أُشير إلى أن "هناك خططا لتعميق التعاون في مجالات الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي المسال".
وعلى جانب آخر، أدانت تركيا إسرائيل بسبب حربها على غزة، وأرسلت آلاف الأطنان من المساعدات إلى مصر لدعم الفلسطينيين، وأشادت بجهود القاهرة الإنسانية ودورها التفاوضي في محادثات وقف إطلاق النار.
وبدوره، أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، خلال زيارته لمصر، في 5 أغسطس/ آب 2024، أن "التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين يشمل العمل على توسيع اتفاقية التجارة الحرة واستئناف رحلات بين مرسين والإسكندرية".
وبعد الانقلاب على الرئيس مرسي من قبل عبدالفتاح السيسي، الذي كان يشغل آنذاك منصب وزير الدفاع، وصلت العلاقات بين أنقرة والقاهرة إلى حافة القطيعة.
وكانت تركيا من أشد الدول التي انتقدت الانقلاب وهاجمت السيسي الذي يواصل قمع المعارضة بالحديد والنار ويزج بعشرات الآلاف بالسجون.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، وبعد أن أعلنت مصر السفير التركي شخصا غير مرغوب فيه، تدهورت العلاقات بين البلدين إلى حد كبير.
ولكن في 4 يوليو/ تموز 2023، تقرر رفع العلاقات الدبلوماسية إلى مستوى السفراء مرة أخرى وعُين سفراء لكلا البلدين.
وجاء ذلك بعد أن صافح أردوغان رئيس النظام المصري على هامش افتتاح نهائيات كأس العالم لكرة القدم في قطر خلال نوفمبر 2022.
ويقول مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا": إنه “على الرغم من أن زيارة السيسي إلى تركيا تعد خطوة نحو تعزيز العلاقات بين البلدين، إلا أنها تحمل أيضا معنى خاصا بسبب إمكانية اتخاذ مبادرات جديدة بشأن غزة”.
وبناء على ذلك، من المناسب القول إن أنظار الفاعلين العالميين والإقليميين تهتم بهذا اللقاء النادر من نوعه بعد سنوات من القطيعة.