زيارة أمير الكويت إلى تركيا.. هل تؤسس لتحالف إستراتيجي جديد؟
“عندما تُدمج القدرات الصناعية التركية مع الخبرة المالية للكويت فستنتج منتجات رائعة”
استنادا للروابط التاريخية العميقة والعلاقات الأخوية والودية بين البلدين، أجرى أمير الكويت مشعل الأحمد الجابر الصباح زيارة رسمية إلى تركيا في 7 مايو/ أيار 2024.
ووسط مراسم احتفالية رسمية، استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمير الكويت مشعل الأحمد الجابر الصباح، في العاصمة أنقرة.
وتعد هذه الزيارة الأولى على مستوى الأمير من الكويت إلى تركيا منذ 7 سنوات، والتي تأتي بمناسبة الذكرى الـ60 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
كما أنها تعد أول زيارة رسمية لأمير الكويت خارج العالم العربي منذ توليه منصبه في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2023.
خلفيات تاريخية
ولدى تركيا والكويت آليات تعاون متعددة الأبعاد في مجالات التجارة والصناعات الدفاعية والسياحة والاستثمار.
كما يحمل الجانبان رؤى وتطلعات مشتركة بشأن الحفاظ على السلام والاستقرار في القضايا الإقليمية.
ويعمل المسؤولون الأتراك والكويتيون على تعزيز الحوار والتعاون الوثيقين، حيث تتطلب التطورات في المنطقة والعالم حوارا أكثر تتابعا وانتظاما بين البلدين.
وعن زيارة الأمير، أكدت وكالة الأنباء الكويتية، أن العلاقات مع تركيا تعود إلى عام 1983 عندما وُقعت اتفاقية اقتصادية وصناعية وتقنية، تلتها اتفاقية تشجيع الاستثمار عام 1988.
كما ذكرت الوكالة أن الاجتماع الأول للجنة المشتركة للتعاون التركي الكويتي عقد في أكتوبر/ تشرين الأول 2013، ووقعت آنذاك 62 اتفاقية في مجالات مختلفة.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين الكويت وتركيا حوالي 700 مليون دولار عام 2023، بينما يتم التركيز على زيادة التجارة والاستثمارات المتبادلة من خلال تنويع القطاعات وإنشاء آليات تعاون جديدة.
كذلك يوجد في تركيا أكثر من 400 شركة كويتية، بينما يوجد في الكويت حوالي 50 شركة تركية.
وتعمل الشركات التركية في الكويت بشكل أساسي في قطاع الإنشاءات، حيث نفذت هذه الشركات 50 مشروعا، بما في ذلك مطار الكويت الدولي الجديد.
وبلغت قيمة المشاريع التي نفذتها تركيا في قطاع الإنشاءات في الكويت 9.2 مليارات دولار، بينما بلغت قيمة الاستثمارات الكويتية المباشرة في تركيا 2 مليار دولار.
وتهدف الشركات التركية إلى المساهمة بشكل أكبر في عملية التحول التي تبنتها الحكومة الكويتية بما يتماشى مع هدفها المتمثل في تقليل الاعتماد على عائدات النفط من خلال تنفيذ استثمارات ومشاريع جديدة في إطار رؤيتها لعام 2035.
نقاشات الزيارة
وتطرقت سفيرة تركيا لدى الكويت، توبا نور سونميز، إلى نقاط بارزة في تصريحاتها حول الزيارة.
وقالت سونميز لوكالة “الأناضول” التركية الرسمية في 7 مايو، إن "هذه الزيارة تمثل رسالة صغيرة لنا وللمنطقة والعالم، حيث تظهر مدى عمق وقوة وتجذر العلاقات بين الكويت وتركيا، والتي نحتفل هذا العام بالذكرى الستين لتأسيسها".
وأشارت إلى أن "السياحة تُعد أيضا أحد الأسس القوية للعلاقات بين البلدين، وشعبا البلدين يتعرف بعضهما على بعض من خلال الزيارات المتبادلة وينخرطان في علاقات تجارية".
وذكرت سونميز أن العلاقات التجارية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية "ستستمر في الزيادة في جميع المجالات".
وقالت: "نهدف من خلال هذه الزيارة إلى زيادة تعاوننا في صناعة الدفاع من كلا الجانبين، فقد اشترت الكويت عام 2023 طائرات بيرقدار تي بي 2 بدون طيار، وكانت هذه خطوة مهمة للغاية بالنسبة لنا في هذا المجال مع الكويت".
واستطردت: "متأكدة من أن هناك المزيد سيأتي لأن صناعتنا الدفاعية تتمتع بسمعة طيبة، وقد حققت بلادنا تقدما سريعا للغاية في هذا المجال".
وأشارت سونميز إلى أنه "عندما تُدمج القدرات الصناعية والمعرفية التركية مع الخبرة المالية للكويت، فستنتج منتجات رائعة"، مؤكدة أن "البلدين سيصبحان نموذجا للعلاقات المثالية".
من جهته، تحدث سفير الكويت لدى أنقرة، وائل يوسف العنزي، عن الزيارة، قائلا: "زيارة الأمير مهمة للغاية، وستضيف قيمة إضافية للعلاقات بين البلدين".
وأضاف: "لا شك أن العلاقات بين شعبي البلدين على مستوى عال، ووفقا لبيانات وزارة الثقافة والسياحة التركية، زار أكثر من مليون كويتي تركيا خلال العامين الماضيين، وهذا يدل على أهمية تركيا لشعب الكويت، حيث أصبحت تركيا الوجهة الأولى لزيارات مواطنينا".
وأكد العنزي لوكالة “الأناضول”، أن "للكويت دورا خاصا في المنطقة، حيث إنها تتعاون مع دول الخليج العربي والعربية والإسلامية"، مشيرا إلى أنها "تعمل على ضمان الأمن والسلام الدوليين".
القضية الفلسطينية
من جانبه، تناول الأكاديمي محمد راكيوبلو، في مقال له، التقارب التركي الكويتي.
وقال راكيوبلو: “على الصعيد الإقليمي، أدت العوامل التي تشكل النظام الإقليمي الخاص بالشرق الأوسط إلى تسريع التقارب التركي الكويتي. فمن منظور عائلة الصباح في الكويت، فإن سياسات إيران التوسعية، والثورات التي اندلعت في الدول العربية، والإسلام السياسي، وتغير مفاهيم الأمن، كلها عوامل أسهمت في تطوير العلاقات التركية الكويتية”.
وأضاف "رغم اتباع تركيا والكويت سياسات مختلفة تجاه الثورات العربية، إلا أنهما لم تواجها أزمات في علاقاتهما الثنائية بسبب هذه التوجهات، في المقابل، توثقت العلاقات بين البلدين اللذين يتبعان سياسات مشتركة ضد التهديدات الأمنية، ويعملان على موازنة القوى في المنطقة أمام إيران".
كما قال منسق دراسات الخليج في مركز أبحاث "أورسام"، غوخان إيريلي، إن "أحد أهم النقاط التي تتفق عليها كل من تركيا والكويت فيما يتعلق بالسياسة الإقليمية هي القضية الفلسطينية".
وأشار إيريلي، في مقالته، إلى أنه "من الواضح أن الزعيمين أكدا معا أن إقامة دولة فلسطينية هو الشرط الأكثر أهمية لحل القضية الإسرائيلية الفلسطينية".
كما سلط الجانبان الضوء على الاضطرابات التي أنتجتها أعمال العنف الإسرائيلية غير القانونية وغير المتناسبة ضد فلسطين والفلسطينيين في المنطقة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وتباحثا عن حل لهذه المسألة.
وللتعليق على الزيارة، قال الصحفي رمضان بورصة، إن "العلاقات التركية الكويتية أعمق بكثير مما هو معروف"
وأوضح بورصة لـ"الاستقلال" أن " أول اتصال بين عائلة الصباح الحاكمة في الكويت والعثمانيين يعود إلى أوائل القرن الثامن عشر، عندما اضطرت عشيرة آل الصباح، التي تنتمي إليها عائلة الصباح، إلى مغادرة البحرين بسبب ضغوط إيرانية، ومن ثم استقروا في البصرة، إحدى الولايات العثمانية آنذاك.. وفي السنوات اللاحقة، سُمح لهم بالاستقرار في الكويت ومُنحوا مكانة العائلة الحاكمة".
وتابع موضحا: "لقد مرت العلاقات التركية الكويتية بفترات صعود وهبوط على مر القرون، لكن يمكننا القول إنها تتجه بثبات نحو تحالف إستراتيجي يتميز بتقديم المصالح المشتركة والتعاون الإيجابي".
وأردف: "كان لخيار الكويت التحالف مع العثمانيين بدلا من بعض الدول العربية الأخرى في الصراع العثماني البريطاني تأثير كبير على تعميق العلاقات. كما عززت معارضة الرئيس التركي آنذاك تورغوت أوزال للغزو العراقي للكويت ثقة الحكومة الكويتية في تركيا".
وفيما يتعلق بنقاط الخلاف بين البلدين، قال بورصة: "أهم نقطة خلاف جوهرية بين تركيا والكويت هي السياسة تجاه العراق، ورغم أن السياسات المتضاربة في هذا الصدد أدت إلى بعض التوترات من آن لآخر، إلا أنها لم تؤثر سلبا على العلاقات بين البلدين".
وأكمل: "يمكن القول إن دفاع تركيا الشرس عن سيادة الكويت بعد عام 1990 أدى إلى ارتفاع سريع في مستوى العلاقات بينهما في العديد من المجالات، لا سيما الاقتصادية".
وأضاف بورصة: "تابعت الكويت باهتمام سياسة تركيا الداعمة للدوحة في الأزمة القطرية التي تقودها السعودية. وبالنظر إلى العلاقات المتوترة بين السعودية والكويت، التي غالبا ما تكون عرضة للأزمات، تصبح أهمية التحالف الإستراتيجي لتركيا مع الكويت أكثر وضوحا".
اتفاقيات الزيارة
وفي حفل رسمي، استقبل أردوغان، أمير الكويت في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة.
وبعد عزف النشيدين الوطنيين للبلدين، قلَّد أردوغان أمير الكويت وسام الدولة التركية.
ووقع الجانبان 6 اتفاقيات، بحضور رئيسي البلدين، وفيما يلي نصوص الاتفاقيات الموقعة.
- مذكرة تفاهم بين مكتب الاستثمار التابع للرئاسة التركية والهيئة العامة للاستثمار في الكويت بشأن التعاون في أنشطة لترويج الاستثمار.
- مذكرة تفاهم بين وزارة التجارة التركية، ممثلة بالإدارة العامة للمناطق الحرة، وبين حكومة الكويت، ممثلة بهيئة تشجيع الاستثمار المباشر الكويتية، بشأن التعاون في مجال المناطق الحرة.
- مذكرة تفاهم بين وزارة البيئة والعمران والتغيير المناخي في الحكومة التركية ووزارة الدولة لشؤون الإسكان في الكويت في مجال الرعاية السكنية والبنية التحتية.
- مذكرة تفاهم بين وزارة الداخلية التركية ورئاسة إدارة الطوارئ التركية (آفاد)، والإدارة العامة للدفاع المدني بوزارة الداخلية في الكويت، في مجال إدارة الكوارث والطوارئ.
- بروتوكول تنفيذي لاتفاقيات التوريد بين الدولتين، حيث مُثلت الكويت بوزارة الدفاع، في حين مثل تركيا وزارة الدفاع وهيئة الصناعات الدفاعية.
-مذكرة تفاهم بين وزارة الخارجية في تركيا ونظيرتها في الكويت بشأن إنشاء حوار إستراتيجي مشترك.
ووفقا للبيان، جرت المناقشات خلال زيارة أمير الكويت، التي تتزامن مع الذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين تركيا والكويت، بشكل مفصل حول العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.
وخلال الاجتماع، قُيمت الخطوات المتخذة في العديد من المجالات من الصناعات الدفاعية إلى مشروع طريق التنمية، كما نوقش ما يجب القيام به لزيادة حجم التجارة بين البلدين إلى مستوى 5 مليارات دولار.
كذلك أكد الجانبان على ضرورة إعادة تفعيل آلية اللجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين، مشددين على أن تعزيز الاستثمارات والتجارة المتبادلة يصب في مصلحة البلدين.
كذلك بحث الجانبان، خلال اللقاء، سبل تعزيز التعاون في مجالات الدبلوماسية والصحة والثقافة والسياحة والتعليم. وأكد الرئيس التركي أردوغان استمرار دعم بلاده لسيادة الكويت وسلامة أراضيها وأمنها، مشددا على استمرار التواصل على جميع المستويات.
علاوة على ذلك، تناولت المباحثات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وأكد أردوغان أهمية موقف الكويت الداعم للقضية الفلسطينية في مواجهة العدوان الإسرائيلي، مشددا على أن هذا الموقف يعزز القضية الفلسطينية.
وأشار إلى أن تركيا تسعى جاهدة منذ البداية لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار.
وفي سياق آخر، دعا أردوغان إلى توحيد العالم الإسلامي من أجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، بما يحقق السلام والازدهار في المنطقة.
كما شدد أردوغان على أهمية تطوير التعاون بين مجلس التعاون الخليجي ومنظمة الدول التركية، معربا عن تقديره لدعم الكويت لهذه الجهود، ومؤكدا على أن ذلك "سيفتح آفاقا جديدة للتعاون".