ليست الخيانة الأولى.. ماذا وراء إبلاغ نظام السيسي إسرائيل بموعد هجوم حماس؟
أظهرت سلسلة تطورات متصلة تواطؤ نظام عبد الفتاح السيسي مع الاحتلال الإسرائيلي وأميركا لتركيع غزة، لإعادة رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط، بلا مقاومة أو دولة فلسطينية.
ففي غضون ثلاثة أيام فقط من 9 إلى 12 أكتوبر/تشرين أول 2023، كشفت مصادر مختلفة أميركية وإسرائيلية أن النظام المصري أبلغ وحذر إسرائيل بأن حماس ستهاجمها.
رغم خطورة ما كشفته هذه المصادر الثلاثة من أن نظام السيسي أبلغ إسرائيل بموعد هجوم حماس، من زاوية أن هذا "تخابر" مع إسرائيل، وأن السيسي بذلك يعد في نظر القانون "جاسوسا" نقل أخبارا حيوية للعدو، فقد جرت التغطية على هذه الفضيحة، ومرت كأن شيئا لم يحدث.
ويطرح هذا مقارنة بين الاتهامات المفبركة التي وجهت للرئيس الراحل محمد مرسي بالتخابر مع حماس تارة وقطر تارة أخرى، بينما هو كان رئيسا لمصر ويتعامل مع حركة المقاومة الإسلامية كحكومة تدير غزة.
وبين كشف وقائع حقيقية، عبر هذه المصادر الثلاثة الأميركية والإسرائيلية عن تخابر السيسي مع إسرائيل ضد مصالح مصر وفلسطين، ما يستدعي محاكمته ليس فقط بتهم التخابر ولكن الخيانة العظمى، لأنه يتجسس لصالح إسرائيل.
تخابر رسمي
يوم 9 أكتوبر كشف مسؤول في جهاز المخابرات المصري لوكالة "أسوشيتدبرس" الأميركية أن مخابرات مصر "تحدثت مرارا وتكرارا مع الإسرائيليين حول شيء كبير سيحدث".
قال: "حذرنا الإسرائيليين من انفجار الوضع، لكنهم أهملوا تحذيراتنا"، وذلك في إشارة إلى عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وأسفرت عن مقتل مئات الإسرائيليين.
مسؤول المخابرات المصرية قال إن الإسرائيليين "قللوا من شأن هذه التحذيرات" حول تشكيل غزة تهديدا، وأبلغوا مصر أنهم يركزون على خطر الضفة الغربية عليهم فقط.
ومعروف أن جهاز المخابرات العامة يشرف عليه مدير مكتب السيسي السابق، اللواء عباس كامل، ومعه "محمود" نجل السيسي، وهو مسؤول ملف الاتصالات مع إسرائيل منذ عام 2022، ما يعني تورط السيسي بشكل مباشر في هذا التخابر.
ويوم 3 فبراير/شباط 2022، أكد موقع "إنتلجنس أونلاين" الفرنسي أن السيسي أوكل ملف إسرائيل بالمخابرات العامة إلى نجله الأكبر محمود، الذي زار تل أبيب حينئذ والتقى بمسؤولين أمنيين إسرائيليين.
وكشف الموقع المعني بالشؤون الاستخباراتية، عن توسع دور محمود نجل السيسي في المخابرات المصرية في مؤشر على الخطط الكبرى التي يضعها السيسي لنجله كي يلعب دورا رئيسا في النظام الذي تأسس منذ عام 2013 بعد الانقلاب الذي قاده.
وقد اهتم موقع "تايمز أوف إسرائيل" بما ذكرته الوكالة الأميركية، ورأى أن تصريحات مسؤول المخابرات المصرية تزيد التساؤلات حول فشل المخابرات الإسرائيلية الهائل في توقع هجوم مفاجئ لحركة حماس والاستعداد له.
ثاني دليل على تخابر السيسي مع إسرائيل ضد غزة ومصالح مصر القومية، كشفته الصحفية الإسرائيلية "سمدار بيري" التي كانت مراسلة في مصر ولديها علاقات مع أجهزة الاستخبارات المصرية والإسرائيلية.
"بيري" كتبت في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية 9 أكتوبر/تشرين أول 2023 تؤكد نقلا عن "مسؤول" في المخابرات المصرية أن عباس كامل اتصل بنتنياهو قبل 10 أيام لتحذيره أن "شيئا قويا سيحدث من غزة".
وبحسب المصدر، فقد رد نتنياهو بأن قوات الجيش الإسرائيلي "تركز على محاربة الإرهاب في الضفة الغربية".
ومع أن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، نفي تحذير عباس كامل لنتنياهو وقال: "لم يتحدث أو يجتمع معه (كامل) منذ تشكيل الحكومة، لا عبر القنوات الخلفية ولا بشكل مباشر"، واصفا هذه الأنباء بأنها "مزيفة تماما".
وذلك بحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 9 أكتوبر، إلا أنه لم ينف وجود اتصالات بشكل غير مباشر.
وقد ألمح الصحفي "براك رفيد" بصحيفة "أكسيوس" الأميركية وموقع "واللاه" الإسرائيلي إلى إن "مبالغة نتنياهو في نفي الحصول على التحذير من المصريين يدلل على أنه بالفعل تلقى هذا التحذير".
غير أنه بعدما نفى نتنياهو تلقيه تحذيرات من مصر، قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي، "مايكل ماكول" في مؤتمر صحفي إن "إسرائيل تلقت بالفعل تحذيرا من مصر قبل 3 أيام من الهجوم الذي شنته حركة حماس".
"ماكول" قال يوم 12 أكتوبر، موثقا خيانة نظام السيسي، "أعرف أن مصر حذرت إسرائيل قبل الهجوم بثلاثة أيام، ولا أعرف كيف أخطأنا وأخطأت إسرائيل"، بحسب شبكة "سي إن إن".
تابع: "لا أريد الخوض كثيرا في تفاصيل سرية، لكن كان هناك تحذير.. والسؤال هنا حول مستوى هذا التحذير".
وجاءت تصريحات ماكول على الرغم من النفي الرسمي في إسرائيل، وغير الرسمي في مصر، لهذه الخطوة، التي أشارت إليها وسائل إعلام إسرائيلية ووكالة "أسوشيتد برس".
ولم تعلق مصر بشكل رسمي على مسألة تحذيرها لإسرائيل قبل هجمات حماس، لكن قناة "القاهرة الإخبارية"، المقربة من الأجهزة الرسمية، نقلت نفيا عن مصادر مصرية وصفتها بأنها "رفيعة المستوى".
تخابر أم لا؟
مصدر دبلوماسي مصري، قال إنه من الصعب تصور أن تذكر ثلاثة مصادر أميركية وإسرائيلية هذه المعلومة عن إبلاغ نظام السيسي لإسرائيل بموعد هجوم حماس دون أن يكون هناك شيء حقيقي في هذه الاتهامات.
المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أبلغ "الاستقلال" أنه من الوارد أن يكون ما كشفه الإسرائيليون والأميركان ليس تحذيرا مباشرا من نظام السيسي لهم بعملية حماس الأخيرة، رغم أن المخابرات المصرية تراقب غزة بدقة شديدة، وأن يكون تحذيرا عاما من أن الأوضاع ستؤول إلى حرب وحماس لن تسكت عن الحصار.
لكنه أوضح أنه حتى ولو كانت هذه التحذيرات بهذه الصيغة التي نشرتها أميركا وإسرائيل، فلن يتفاجأ بها لأن هناك اتصالات مباشرة ومفتوحة بين السيسي وعباس كامل مع نتنياهو ومخابراته بشكل مستمر، ومن غير المستبعد نقل معلومات لهم عن تحركات رصدتها المخابرات المصرية.
الصحفي والمذيع "مصطفى عاشور مشهور" كتب يؤكد أن ما حدث تخابر واضح من السيسي مع إسرائيل، مشيرا إلى أنه (السيسي) أنهى أي دور فاعل لمصر في ملف فلسطين.
قال إن جذور تآمر السيسي على حماس وغزة وضحت منذ تأكيد السيسي للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب خلال لقائه به 3 أبريل 2017: دعم وبشدة صفقة القرن، التي هي تصفية للقضية الفلسطينية.
وما تبعها من الرسائل المتبادلة بين السيسي وكوشنر صهر ترامب حول خطة تفريغ غزة، مقابل "ثمن" هو "دعم الجنرال المنقلب وبقاؤه في الحكم عن طريق الدعم الإسرائيلي الأميركي وقوى إقليمية عربية".
ثم تحطيم السيسي كل الأنفاق التي كانت تعطي أهل غزة فرصة للتنفس تحت الحصار الإسرائيلي القاتل وتهجير أهالي رفح وسيناء في المنطقة ج التي تجاور الأراضي المحتلة مباشرة لخدمة إسرائيل، ما أفقد مصر أوراق قوتها.
‼️هل تخابر السيسي مع اسرائيل ؟ نعم
‼️هل يشارك السيسي في قتل وابادة أهل غزة ؟ نعم
‼️هل انهى السيسي أي دور للشعب المصري ولمصر في أن تكون فاعلة كما كانت في ملف فلسطين ؟ نعم
��عندما اعلن الجنرال المنقلب انه سيكون حاضرا في صفقة القرن في تصريح مسجل اثناء وجوده مع ترمب في البيت…— مصطفى عاشور Mostafa Ashoor (@moashoor) October 14, 2023
مصدر فلسطيني مقرب من حماس، قال لـ "الاستقلال" توضيحا لأمر نقل مصر معلومة اقتحام حماس المستوطنات إلى إسرائيل، أن ما دار من حديث بين مصر وإسرائيل "ليس نقل معلومات" وإنما "تقدير" للمخابرات المصرية.
قال ما جرى هو "تحذير من الجانب المصري للجانب الإسرائيلي من أن حماس غير راضية عن خطوات الترضية من الجانب الإسرائيلي وأنها قد تقدم على عمل عسكري إذا لم يتحسن الوضع".
"لكن الإسرائيليين استخفوا بالأمر وأدخلوا الموضوع في إطار مسألة التقدير وليس المعلومة"!!
قال: "المصريون تحدثوا من باب التقدير وليس من باب المعلومة، ضمن مساعيهم للحفاظ على التهدئة التي يتوسطون بها!!.
أكد أن معلومة الاقتحام الكبير يوم السابع من أكتوبر، ما وصلت الأشقاء المصريين ولا غيرهم، ولا حتى كثير من القيادة السياسية لحماس والعسكرية للقسام، إلا لمستويات محدودة في القيادة السياسية وفي القسام من القيادة في الصف الأول.
أوضح أن هناك تصورا عاما وشبه معلن كان عند كل القيادات السياسية والعسكرية منذ سنتين بأن عملية كهذه ستجرى بأي وقت ويحيى السنوار قائد حماس في غزة صرح جهارا نهارا بعد حرب سيف القدس مايو 2021 في كل خطاباته بأن هذا سيحدث.
كما أن كتائب القسام كانت تجري مناورات علنية منذ سنتين وعلى الحدود الفاصلة من السلك الزائل بين غزة وأراضينا المحتلة عام 1948، لكن العدو الصهيوني بغطرسته كان يستخف بكل هذه الدعوات وهذه التهديدات من القيادة السياسية والعسكرية لحماس.
مع هذا قال أستاذ قانون جنائي لـ "الاستقلال" إنه سواء ما تم نقله هو "معلومات أو تقدير" فهو يعد إفشاء لأسرار عسكرية يعاقب عليه القانون خاصة أنه جرى تداولها مع "عدو" ضد "غزة" التي كانت تحت رعاية مصر.
"تخابر مرسي"
كان الرئيس الراحل مرسي يحاكم في 5 قضايا هي: "أحداث الاتحادية" -التخابر مع حماس -الهروب من سجن وادي النطرون خلال ثورة يناير -التخابر مع قطر -إهانة القضاء.
وقد حصل مرسي على 4 أحكام نهائية بالسجن في "أحداث الاتحادية" 22 أكتوبر 2016 (حكم نهائي بالسجن 20 عامًا)، و3 سنوات سجن في قضية إهانة القضاء 15 أكتوبر 2018، وحكم بالسجن 25 عاما بتهمة "قيادة جماعة" عقب تبرئته من التخابر مع قطر، في "قضية التخابر" سبتمبر 2017.
وكانت تتم إعادة محاكمته في قضيتي التخابر مع حماس (صدر حكم أولي بالسجن 25 عاما ألغته محكمة النقض) والتي سقط خلالها وتوفي 17 يونيو/ حزيران 2019.
رغم أن حصيلة 4 أحكام نهائية أصدرها القضاء المصري على الرئيس مرسي في قضايا ذات اتهامات سياسية، روجت لها الصحف على أنها "تخابر" مع حماس وقطر، بلغت 48 عاما، فلم تدنه مع ذلك المحاكم سواء بالخيانة أو تتعرض لذمته المالية أو تتهمه بقتل أي متظاهر.
وهذا ما أكده خبراء القانون ومحامو الرئيس مرسي، بعدما سعت وسائل إعلام حكومية مصرية لتشويه صورة الرئيس الراحل واتهامه بأنه كان "جاسوسا" وتخابر مع أعداء مصر، وأنه قتل متظاهرين خلال الاعتداء على قصر الاتحادية.
المحامي علاء علم الدين عضو هيئة الدفاع عن الرئيس محمد مرسي، أكد "أن مرسي لم يكن جاسوسا ولا خائنا، وهو بحكم القضاء، بريء من التخابر والقتل ولا تشوبه شائبة بذمته المالية".
"علم الدين" قال في بيان أصدره 18 يونيو 2019 على حسابه على فيسبوك ونشرته "وكالة الأناضول"، ضمنه شهادته القانونية "للتاريخ وللأبناء والأحفاد، ولكل من يريد الحق والعدل والإنصاف"، أن الرئيس مرسي "لم يكن جاسوسا ولا خائنا لبلده وظلموه حيا وميتا".
محامي مرسي أثبت في شهادته سلسلة حقائق "من واقع الأوراق الرسمية والأحكام القضائية النهائية والباتة"، هي:
أن الدكتور محمد مرسي حصل على حكم نهائي وبات هو وأعضاء فريقه الرئاسي بالبراءة من تهمة التخابر مع قطر، ومن تهمة إفشاء سر من أسرار الدفاع عن البلاد إبان فترة حكمه، وبالتالي فلم يكن جاسوسا ولا خائنا لبلده كما ظلموه حيا وميتا.
الدكتور مرسي تم فحص الذمة المالية عقب عزله هو وأعضاء فريقه الرئاسي فلم تشبها أي شائبة، ولم يتهم هو أو أي من أعضاء فريقه الرئاسي بالكسب غير المشروع، ولم تمتد يده أو أي من أعضاء فريقه الرئاسي لجنيه واحد من أموال الشعب المصري.
بل ثبت أنه لم يكن يتقاضى راتبه كرئيس للجمهورية طوال السنة التي قضاها، رغم أنه كان يسكن في شقة بالإيجار.
أكد ذلك أيضا أستاذ القانون الدستوري، فؤاد عبد النبي الذي أكد خلال نظر قضية التخابر يونيو 2016، في تصريحات صحفية نشرها موقع "مصر العربية" المتوقف حاليا أن الأحكام الصادرة في قضية التخابر ضد الرئيس مرسي، تتعلق بانتمائه لجماعة "إرهابية" وأنها برأته من التخابر مع قطر، رغم أن المحاكمة بها أخطاء قانونية.
أكد أنه فيما يتعلق بتهمة تسهيل عملية التخابر مع قطر أو غيرها، كان محمد مرسي رئيسا للبلاد آنذاك وقطر دولة عربية تتعامل معها مصر وليس بينهما عداوة أو حروب، ولذلك برأته المحكمة من التخابر في الحكم النهائي.
وكان متوقعا أيضا أن تصدر أحكام على مرسي في قضية حماس لنفس السبب، وهو أنه قيادي بجماعة الإخوان لا بدعاوى التخابر مع حماس، حيث كشف مرسي الطرف الثالث الذي قتل متظاهري التحرير في ثورة 2011، وهو "السيسي".
وقال مرسي خلال محاكمته في قضية التخابر مع حماس إن لجنة تقصي الحقائق التي شكَّلها عند توليه الرئاسة "تضمنت شهادات مديري بعض الفنادق بميدان التحرير تدين ضباطًا من جهة أمنية سيادية كانوا يعملون تحت أمر رئيس المخابرات الحربية وقتها (عبد الفتاح السيسي).
قال إن هؤلاء مسؤولون عن قنص المتظاهرين خلال 25 يناير وعن الأحدث كافة بعدها وحتى توليه الرئاسة في يونيو 2012، وبالتالي ما قيل عن مشاركة حماس في القتل بميدان التحرير أكاذيب.
وحين سأله قاضي الإعدامات شعبان الشامي عن سبب عدم القبض على المتهمين (التابعين للجيش ومخابرات السيسي)، قال مرسي: "كنت حريصًا على المؤسسات التي ينتمي إليها هؤلاء المدانون، وكنت أريد أن تتم محاكمتهم بشكل قانوني دستوري عن طريق القضاء".
وأردف قائلاً: "لم أتسرع في إلقاء القبض عليه (السيسي) وقتها، كي أحافظ على المؤسسة العسكرية من التجريح.
"وحتى لا يقال إن رئيسها مجرم"، وانتظرت نتيجة التحقيقات حتى تبقى المؤسسة مصانة، ولذلك هم خافوا (وقاموا بالانقلاب)، مؤكدا أن "الأسماء موجودة والكارنيهات السيادية موجودة".