"أوفيك 19".. هل أحكمت إسرائيل السيطرة المعلوماتية والتجسس على المنطقة؟

إسماعيل يوسف | منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

منذ إطلاق إسرائيل قمرها التجسسي الأول "أوفيك-1" أو “أفق” عام 1988، تحسنت قدراتها العسكرية والاستخبارية بصورة كبيرة، وكان لسلسلة الأقمار التي أطلقتها لاحقا، خاصة "أوفيك 13" دورا حاسما في حروبها الأخيرة خاصة مع إيران.

لكن القمر "أوفيك 19" الذي أطلقته من قاعدة "بلماخيم" شمال أسدود، في 3 سبتمبر/أيلول 2025، سيزيد إحكام دولة الاحتلال السيطرة المعلوماتية على المنطقة العربية والشرق الأوسط، وفق ما تروج له بصفته “ذروة تطور نوعي أكبر”.

تقارير إسرائيلية تتحدث عن تعاظم قدرات التجسس بهذا القمر، وكيف أنه سيلعب دورا أكبر في سياسة التوسع التي يتبناها التيار “المسياني اللاهوتي اليهودي” المتطرف الحاكم، للسيطرة على فلسطين وأراضٍ عربية بواسطة هذا التفوق المعلوماتي والتكنولوجي.

لكن تقديرات أخرى تشير إلى تعمد إسرائيل تضخيم قدراتها التجسسية وقدرات هذا القمر، بهدف “الإرهاب”، رغم أهميته في مزيد من التفوق الفضائي والمعلوماتي الإسرائيلي على الدول العربية وخصومها في إيران وتركيا.

وترى أن هذا القمر سيعزز التفوق المعلوماتي لإسرائيل، لكنه لا يعني السيطرة المطلقة لها على المعلومات في المنطقة في ظل وجود منافسين، خاصة تركيا وإيران.

القدرات والأهمية

"أوفيك 19" هو قمر صناعي مزود برادار (SAR)، وهو من نوع الأقمار التي يمكنها توفير صور مفصلة وعالية الدقة للأشياء على الأرض ويمكنها الرؤية حتى سطح الكوكب من خلال السحب وفي جميع ظروف الإضاءة والأحوال الجوية.

ووفق تفاصيل نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 3 سبتمبر، يقوم القمر 19 بالتصوير من ارتفاع نحو 500 كيلومتر مغطيا الكوكب؛ حيث يدور حول الأرض كل 90 دقيقة.

وسيكون القمر قادرا على متابعة تحركات حركة البشر أو المعدات بدقة 50 سم، ما يعطي الاحتلال أسبقية تكتيكية كبيرة، و"يوسع ويعزز السيطرة الإسرائيلية من الفضاء على الشرق الأوسط".

وقال موقع "هافينغتون بوست" الأميركي في 3 سبتمبر 2025: إن القمر الإسرائيلي مُجهز بكاميرا كهروضوئية عالية الدقة، قادرة على تصوير مساحة 15 كيلومترا مربعا في كل لقطة -وهي لقطة قمر صناعي مميزة- بدقة 50 سنتيمترا ومن ارتفاع 600 كيلومتر. 

أما الهدف الرئيس منه فهو توسيع قدرات إسرائيل في التعقب ومراقبة دول تُصنف ضمن "الدائرة الثالثة"، أي التي تُشكل خطرا فوريا، مثل إيران واليمن. 

ونقل الموقع عن مسؤولين أمنيين إسرائيليين قولهم: إن "للقمر قدرات جديدة لم يسبق أن كانت لدينا، وهو أمر مهم بشكل خاص في هذه المرحلة حيث تشتبك إسرائيل في سلسلة حروب". 

ووفقا لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" و"هافينغتون بوست"، القمر مجهز برادار قادر على الرصد ليلا ونهارا وتحت مختلف الظروف الجوية، بالإضافة إلى كاميرا عالية الدقة (electro-optical) تحقق دقة تبلغ أقل من نصف متر لكل بُقعة تصوير بحجم يصل إلى 15 كيلو متر مربع.

ولبيان أهمية ومستوى تقدم هذا القمر، ذكرت وزارة الدفاع الإسرائيلية أن وحدة الاستخبارات السرية 9900 شاركت في صناعته، وهي المسؤولة عن جمع المعلومات الاستخبارية الجغرافية والمرئية ورسم الخرائط والتخطيط للحروب. 

وتتألف "مديرية المخابرات العسكرية" في جيش الاحتلال من 3 وحدات رئيسة هي الوحدة 8200، والوحدة 504، والوحدة 9900.

ومهمة الوحدة الأولى هي رصد وجمع المعلومات والاستخبارات من المصادر المفتوحة بمختلف أنواعها، وتخصص الثانية لتجنيد العملاء في الدول العربية.

أما الوحدة 9900 فتعمل على توجيه الأقمار الصناعية ومنها أقمار "أوفيك" لالتقاط صور لمنشآت عسكرية لأي دولة في المنطقة، أو أية حركة غير عادية للجيوش العربية، والخلايا المسلحة، بواسطة بث مباشر من القمر وتسجيلها وتسليمها للجيش.

وبحسب "هيئة البث الإسرائيلية"، تخطط هذه الوحدة "للوحدات المقاتلة عملياتها العدوانية بواسطة جهاز يحاكي ساحة القتال"، كما تقوم بتشغيل عشرات الطائرات بدون طيار.

لذا ذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 3 سبتمبر 2025، أنه عقب الفحوصات المُخطط لها مسبقا وعقب دخول القمر الصناعي الخدمة التشغيلية، ستُنقل مسؤولية تشغيله بعد ذلك إلى الوحدة 9900 في الجيش المتخصصة في الاستخبارات البصرية.

وتنقسم الوحدة 9900 إلى مجموعات مختلفة لمراقبة الدول التالية، إيران ومصر وسيناء وسوريا وغزة الأردن ولبنان، وفق موقع "الخنادق" المختص بالشؤون الأمنية بمنطقة غرب آسيا في 14 فبراير/ شباط 2023.

دور حاسم

وكان المدير التنفيذي للصناعات الجوية الإسرائيلية، بوعاز ليفي، واضحا وهو يعلن عن إطلاق القمر رقم 19 من سلسلة "أوفيك" في إيضاح أهميته في الحروب التي تخوضها إسرائيل حاليا على عدة جبهات.

وربط بين قدرات القمر الجديد والحرب التي شنتها إسرائيل على إيران في 13 يونيو/ حزيران 2025، واستمرت 12 يوما، مشيرا إلى أن هذه القدرات تتيح نقل المعلومات من الفضاء مباشرة إلى المقاتلين الميدانيين أو طياري سلاح الجو.

وأوضح أن القمر يوفر صورة بصرية وأخرى رادارية، والمزج بينهما يُضيف قيمة للمراقبة والاستطلاع الفضائيين، ما يعني أنه "ستتوفر لدينا رؤية استخبارية أفضل حول دول معادية مثل إيران واليمن". بحسب "يديعوت أحرونوت".

أيضا قال ليفي للقناة 13: إن القمر الصناعي “سيمنح إسرائيل عيونا مهمة في الفضاء”، وأوضح أنه يمكنه تصوير أجسام يقل عرضها عن 50 سنتيمترا، ليلا أو نهارا.

وقال وزير الدفاع، يسرائيل كاتس: إن "القمر أوفيك 19 يبعث برسائل واضحة للأعداء مفادها أننا نراقبكم بكل ساعة وبكل حالة".

ولبيان أهميته، ذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست" في 3 سبتمبر، أن “القمر الصناعي لعب دورا حاسما خلال حرب إسرائيل مع إيران؛ حيث تمكن من التقاط ما يقرب من 12 ألف صورة فضائية للأراضي الإيرانية، استفادت منها وزارة الحرب”.

وقد سمح هذا القمر لإسرائيل بالحصول على رؤية شبه فورية لما يحدث في إيران، مما أدى إلى تقصير وقت رد الفعل للكشف عن إطلاق الصواريخ وتوجيه العمليات الجوية التي تتم فوق مساحة تبلغ حوالي 1.6 مليون كيلومتر مربع من أراضي الجمهورية الإسلامية. وفق الصحيفة الإسرائيلية.

وقال رئيس قسم نزع السلاح بوزارة العدل الإسرائيلية، دانيال غولد: إن القمر الجديد سيضيف لنجاحات إسرائيل بعد نجاحاتنا غير المسبوقة في زمن الحرب.

وأشار إلى التقاط أكثر من 12 ألفا صورة فضائية للأراضي الإيرانية خلال الحرب الأخيرة، ونشر قمر صناعي متطور مزود بأحدث قدرات جمع المعلومات الاستخبارية، بحسب موقع شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية (IAI).

ما يعني أن أوفيك 19، الأحدث من "13" سيكون أكثر فائدة لجيش الاحتلال في وقت يجري الحديث فيه عن جولة صراع ثانية مع إيران، وربما حزب الله، بخلاف المعركة الفاصل مع حماس في مدينة غزة والحوثيين الذين باتوا يشكلون خطرا.

إحكام السيطرة

وهي تصف عملية إطلاق القمر الإسرائيلي، ذكرت "يديعوت أحرونوت" في 3 سبتمبر، نقلا عن مسؤولين أمنيين إسرائيليين أن "من حضر في غرفة القيادة والتحكم شاهد مركبة فائقة تنطلق للفضاء بهدف إحكام السيطرة المعلوماتية على الشرق الأوسط".

ونقلت عن الرئيس التنفيذي لشركة صناعات الفضاء الإسرائيلية، بوعز ليفي، قوله: "لقد اتخذنا خطوة استثنائية لتعزيز قدرات إسرائيل كقوة فضائية حقيقية، ومع مرور السنين وتطور التكنولوجيا، سيُعزز هذا قدراتنا".

ولدى إسرائيل تاريخ طويل في تطوير أقمار التجسس (سلسلة Ofek) كجزء من إستراتيجيتها الأمنية، والتي تركز على مواجهة التهديدات الإقليمية، وهذا الإطلاق هو استمرار لهذه الإستراتيجية، وليس بالضرورة تغييرا جذريا في التوازن الإقليمي.

لذا يشير تحليل التقارير التي نشرتها الصحف العبرية حول القمر الجديد أن إسرائيل تستهدف "توسيع" سيطرتها على الفضاء العربي والشرق أوسطي، لكن هذا لا يعني إحكام السيطرة الكلية على الفضاء.

المصادر الإسرائيلية والأميركية أكدت أن "أوفيك-19" يعزز قدرة إسرائيل على المراقبة الاستخبارية من الفضاء.

ووصفت هذه الخطوة بأنها محاولة لإحكام السيطرة المعلوماتية في المنطقة، وأن إسرائيل تقترب فعليا من احتكار القدرة الفضائية الاستخبارية الإقليمية.

لكنها أشارت ضمنا لوجود قدرات منافسة لدي إيران وتركيا ومصر، أقلها قدرة هذه الدول على التشويش على المعلومات التي يتجسس عليها القمر الإسرائيلي، في ظل غياب برامج فضائية استطلاعية موازية لدى جيرانها المباشرين.

إذ إن فكرة "السيطرة المعلوماتية المطلقة" على المنطقة أمر معقد، وهناك دول أخرى في المنطقة (مثل إيران وتركيا) لديها أيضا برامج فضائية واستخباراتية متطورة لذلك، فضلا عن التفوق الأميركي والروسي والصيني.

لذا يرى مراقبون أن من الصعب القول: إن إسرائيل "أحكمت" السيطرة بشكل مطلق، لكنها عززت بلا شك موقعها المتقدم في مجال السباق التكنولوجي الأمني في الشرق الأوسط.

ويرون أن هذه الخطوة قد تكون حافزا لردود فعل من دول معادية لإسرائيل، مما قد يؤدي إلى تصعيد في تطوير التقنيات المضادة.

برنامج "أوفيك"

برنامج "أوفيك"، سلسلة من الأقمار الصناعية العسكرية التي طورتها إسرائيل منذ عام 1988 بهدف التجسس وجمع المعلومات الاستخباراتية. 

وأطلق البرنامج أول قمر في 19 سبتمبر 1988، ومنذ ذلك الحين أصبح جزءا أساسيا من إستراتيجية إسرائيل في تحقيق التفوق المعلوماتي والاستخباراتي بالمنطقة.

وبحسب الجدول الزمني للأقمار "أوفيك" كان أوفيك-3 (1995) هو أول قمر صناعي ناجح للاستطلاع العسكري، ثم أوفيك-5 (2002) الذي عزز قدرة إسرائيل على التصوير الكهروبصري.

وأوفيك-7 (2007) الذي بدأ عمليات تطوير تقنيات التصوير بدقة عالية، وأوفيك-9 (2010) الذي تميز بدقة تصوير تصل إلى أقل من متر واحد.

وفي 10 أبريل/ نيسان 2014، أطلقت إسرائيل القمر الصناعي رقم 17 من سلسلة أقمارها الحربية التجسسية علي العرب، وهو أفق-10 (أو "أوفيك")، والقادر على تصوير أجسام بطول 70 سنتمترا حيث يعتمد على رادار الفتحة الاصطناعية (SAR) للتصوير ليلًا ونهارًا وفي مختلف الظروف الجوية.

ثم تم إطلاق أوفيك-11 عام 2016، والذي كان يحمل تكنولوجيا محسنة للاستشعار عن بعد، ثم عزز أوفيك-16 (2020) قدرات المراقبة البصرية عالية الدقة، واعتمد أوفيك-13 (2023) على تقنيات رادار متقدمة ولعب دورا في الحرب ضد إيران تفسر سرعة الرد الإسرائيلي على صواريخ طهران ثم قصفها.

ويرجع دخول إسرائيل لبرنامج الفضاء والأقمار الصناعية إلي عام 1959، بالتوازي مع بداية البرنامج النووي لها، دخلت إلى نادى الفضاء عن طريق أقمار الاتصالات وأطلقت أول قمر للتجسس وهو "1" ثم قمر صناعي آخر هو "أموس".

ثم تطور الأمر مع تطوير "اللجنة القومية لأبحاث الفضاء" وإنشاء معهد بحوث الفضاء بجامعة تل أبيب لسلسلة أقمار "أوفيك" أو "أفق".

وترجع أهمية هذا القمر في أنه يحقق التفوق الاستخباراتي، إذ يمنح إسرائيل إمكانية مراقبة جيرانها بشكل متواصل، كما أنه يشكل عامل ردع عسكري من خلال امتلاك معلومات دقيقة عن تحركات الخصوم.

والأكثر أهمية هو الاستقلالية التقنية حيث يضمن لإسرائيل الاعتماد على نفسها في جمع المعلومات بدلاً من الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة.

لذا تشير دراسات إسرائيلية إلى أن برنامج "أوفيك" ليس مجرد مشروع فضائي، "بل هو عنصر أساسي في إستراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي".