لماذا أعاد السيسي طرح فكرة إقامة دولة فلسطينية "منزوعة السلاح"؟
في خضم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، طرح رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي حلا للقضية الفلسطينية عفا عليه الزمن واندثر مع الوقت وتجاهله الجميع لصعوبة تطبيقه.
وشدد السيسي في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، على أهمية إقامة دولة فلسطينية، معربا عن الاستعداد أن "تكون منزوعة السلاح وبضمانات وجود قوات أممية أوروبية أو أميركية".
جاء ذلك في مؤتمر صحفي مشترك عقده السيسي بالقاهرة مع رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز (الذي تترأس بلاده الاتحاد الأوروبي) ونظيره البلجيكي، ألكسندر دي كرو (الرئاسة المقبلة)، لبحث تطورات الأوضاع في قطاع غزة.
أصل الفكرة
وخلال المؤتمر، قال السيسي: "لا بد أن تكون هناك دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو وعاصمتها القدس الشرقية، جنبا إلى جنب مع إسرائيل"
وأضاف: "إننا مستعدون أن تكون هذه الدولة منزوعة السلاح، وأن يكون هناك ضمانات بوجود قوات سواء من الناتو (حلف شمال الأطلسي) أو الأمم المتحدة أو قوات عربية أو أميركية حتى نحقق الأمن لكلتا الدولتين، الدولة الفلسطينية الوليدة والدولة الإسرائيلية".
في تصريحات منزوعة الدسم والمنطق، وبعد التضحيات والآلام، السيسي يخرج ويطالب بفكرة دولة فلسطينية " منزوعة السلاح " وكأن تخاذله وغالبية العرب والمسلمين عن نصرة غزة لم تكفي حتى يخرج علينا بفكرة، لا أظنها دارت بذهن الصهاينة أنفسهم !
من يده على الزناد هو من يقرر مستقبله
لا من خذله.. pic.twitter.com/AgPjWNBie5— د.عـبدالله العـمـادي (@Abdulla_Alamadi) November 24, 2023
لكن، ما معنى "دولة منزوعة السلاح" وما أصل هذه الفكرة؟ ولماذا يطرحها السيسي في هذا الوقت؟ وهل يمكن تطبيقها بالفعل؟ وما رأي الأطراف الفلسطينية فيها؟
بحسب الأمم المتحدة، فإن المناطق المجردة من السلاح هي التي يحظر فيها وجود أي مقاتلين أو أسلحة أو معدات أو مرافق عسكرية والتي لا يجوز أن تنطلق منها أي أعمال أو نشاطات عدوانية تساند أو ترتبط بالعمليات العسكرية.
ومن الناحية العملية، فإن هذا يعني ضمنا تفكيك الأسلحة والذخيرة والقوات المسلحة ونفوذ الجيش من أجل وضع دولة ومجتمع معين خارج نطاق الاستخدام العسكري.
كما أن المنطقة "منزوعة السلاح" يكون متفقا عليها بين أطراف النزاع المسلح، ولا يجوز احتلالها أو استخدامها لأغراض عسكرية من قبل طرف ما، حسب موقع "الصليب الأحمر".
أما المفهوم الأوسع فيشمل منع تطور تهديدات عسكرية متماثلة وغير متكافئة ضد إسرائيل – بما في ذلك الحرب التقليدية والإرهاب وحرب العصابات – من وعبر أراضي السلطة الفلسطينية ودولة فلسطين المستقبلية.
ومع ذلك، فإن مصطلح "نزع السلاح"، كما هو مفهوم بشكل شائع (أي الحد من المواد الحربية)، يجرى تعريفه بشكل ضيق للغاية ولا يغطي بشكل كافٍ النطاق الكامل لاحتياجات إسرائيل الأمنية، وفق ما يقول مركز "القدس للأمن والعامة" (عبري).
ومن ثم فإن التجريد من السلاح هو وسيلة لحماية أمن إسرائيل، وليس غاية في حد ذاته، بحسب ما زعم المركز في دراسة سابقة مطولة نشرها حول هذه القضية.
وأول طرح لفكرة الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح كان من قبل إسرائيل منذ إعلان المبادئ عام 1993، الذي كان بمثابة الأساس لاتفاق أوسلو للسلام في نفس السنة وإنشاء السلطة الفلسطينية في العام التالي.
ونصت اتفاقية أوسلو على أنه “لضمان النظام العام والأمن الداخلي للفلسطينيين بالضفة الغربية وقطاع غزة، سيشكل مجلس الأمن قوة شرطة قوية، في حين ستواصل إسرائيل تحمل مسؤولية مواجهة التهديدات الخارجية”.
وفي العام 1994، جرى توقيع اتفاقية غزة-أريحا التي أتاحت نقل السلطة من إسرائيل إلى الفلسطينيين في المدينتين المذكورتين، ونصت على أنه “باستثناء الشرطة الفلسطينية والقوات العسكرية الإسرائيلية، ينبغي عدم بناء قوات مسلحة أخرى”.
لم ينته الأمر عند هذا الحد، بل جرى التطرق لنفس القضية في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 لإنهاء الصراع التي أجراها رئيس الوزراء آنذاك إيهود باراك مع رئيس السلطة الفلسطينية وقتها ياسر عرفات والرئيس الأميركي حينها بيل كلينتون، وفق ما قال المركز الفلسطيني للإعلام في تقرير نشره عام 2009.
ونص الموقف الإسرائيلي على أنه ينبغي تعريف فلسطين بأنها “دولة منزوعة السلاح”، في حين اقترح الجانب الفلسطيني “دولة محدودة التسلح”، وكحل وسط، اقترح كلينتون عبارة “دولة غير مسلّحة”.
ووقتها، لم يتعارض هذا الاختلاف في المصطلحات من حيث الجوهر مع الاتفاق الرئيس الذي يستوجب فرض قيود على القدرة العسكرية للدولة الفلسطينية المستقبلية.
وتضمنت اتفاقات جنيف غير الرسمية، التي وقع عليها سياسيون فلسطينيون وإسرائيليون من خارج الحكم عام 2003، فقرة نصّت على أن “فلسطين ينبغي أن تكون دولة غير مسلّحة وتتمتع بقوة أمنية قوية (المادة 5، القسم 3 ii)".
كما اتفق الجانبان على “الامتناع عن الانضمام إلى أي تحالف أو منظمة أو حلف ذي طابع عسكري أو أمني، أو التشجيع عليه أو التعاون معه إذا كانت أهدافه أو نشاطاته تتضمن شنّ هجوم أو القيام بأعمال عدوانية أخرى ضد الطرف الآخر”، بحسب المركز الفلسطيني للإعلام.
وقبل طرح السيسي، كان قد جرى التطرق إلى نفس المقترح آخر مرة مع حديث إسرائيل والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن خطة لتصفية القضية الفلسطينية تعرف باسم "صفقة القرن" عام 2020 وتنص على نزع أي سيادة من الفلسطينيين.
وفي مواجهة ذلك، أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية عن تقديم "مقترح فلسطيني مكون من أربع صفحات ونصف الصفحة، ينص على قيام دولة فلسطينية ذات سيادة ومستقلة ومنزوعة السلاح" إلى الرباعية الدولية، التي تضم الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا والولايات المتحدة".
التوقيت والتطبيق
تصريحات السيسي تجاوزت الحل الروتيني المعتاد بالنسبة للدول العربية بشأن القضية الفلسطينية والذي يتلخص بدولتين تعيشان جنبا إلى جنب فيما يعرف باسم "حل الدولتين".
ويقوم هذا الحل المعروف على إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 وعاصمتها "شرق القدس" وتحظى بسيادة كاملة.
لكن السيسي قفز بهذا المقترح الذي ترفضه أطراف فلسطينية كثيرة وإسرائيل كذلك، على الحل المعتاد عبر جزئية "منزوعة السلاح".
وأثارت مواقف رئيس النظام المصري حفيظة كثيرين خلال العدوان، فلم يكتف بإغلاق معبر رفح ومنع المظاهرات المتضامنة معها، بل اتخذ أيضا موقفا سلبيا من قضية مصير أهالي القطاع أثناء تنفيذ جيش الاحتلال عمليات قصف واسعة واجتياح بري كبير.
وقال السيسي خلال مؤتمر صحفي مشترك مع المستشار الألماني أولاف شولتز في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إن ما يحدث في قطاع غزة هو “محاولة لدفع السكان والمدنيين إلى النزوح نحو مصر”.
ولفت إلى أنه “إذا كان من الضروري نقل مواطني القطاع خارجه حتى تنهي إسرائيل عمليتها المعلنة للقضاء على الفصائل المسلحة، فيمكن لها نقلهم إلى صحراء النقب وبعد ذلك يمكنها إعادتهم لو رغبت بذلك”، في إشارة إلى موافقته على التهجير بشرط ألا يكون إلى سيناء.
السيسي: يمكن نقل الفلسطينيين إلى صحراء النقب
واشنطن بوست
+
رفض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مجددا فكرة ما وصفها بالتهجير القسري للفلسطينيين من غزة إلى مصر وقال خلال مؤتمر صحفي مع المستشار الألماني أولاف شولتز في القاهرة يوم الأربعاء، إن الأحداث الحالية في غزة ليست مجرد… pic.twitter.com/trVifuNFTe— ZaidBenjamin زيد بنيامين (@ZaidBenjamin5) October 18, 2023
وبعد فشل مخطط التهجير، جاء هذا المقترح الجديد مشفوعا بحقيقة أن حل الدولتين لم ينجح على مدار السنوات السابقة، وكأن السيسي يقول إن علينا أن نجرب فكرة جديدة، وإن كانت أسوأ من سابقاتها.
وفي نوفمبر 2009، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أنه سيقبل بدولة فلسطينية "منزوعة السلاح"، طالما أنها لا تمتلك قوة عسكرية وتعترف بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي.
وكان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبلغ أكاديميين إسرائيليين في أغسطس/آب 2018 أنه يوافق على دولة فلسطينية منزوعة السلاح.
وقال عباس للوفد الذي زاره في مكتبه برام الله، آنذاك إنه يدعم دولة في حدود 1967 من دون جيش، مضيفا "أريد قوات شرطة غير مسلحة، مع هراوات وليس مسدسات".
وأضاف حسب تقارير صحفية لم تنفها السلطة الفلسطينية في حينه: "بدلا من الطائرات الحربية والدبابات، أفضل بناء مدارس ومستشفيات، وتخصيص الأموال والموارد لمؤسسات اجتماعية بدلاً من الجيش".
كما دعم عباس ذات الفكرة أثناء مفاوضات السلام عام 2013 و2014 بحسب ما أكدت وزيرة الخارجية الإسرائيلية سابقا تسيبي ليفني.
وحسب ليفني، فقد وافق عباس آنذاك على وجود قوات دولية، قد تكون من حلف الناتو، على حدود الدولة الفلسطينية، كما وافق على اقتراحات بوجود أجهزة إنذار في مناطق حساسة.
لكن نتنياهو وأثناء حكومته الثالثة رفض ذلك، وتمسك بوجود قوات إسرائيلية في المناطق الحدودية، ما أفشل المفاوضات آنذاك.
وفي تأكيد جديد على ذلك وضمن الرد على مقترح السيسي، علقت وزارة الخارجية الإسرائيلية في 25 نوفمبر بالقول: "إسرائيل لا توافق على قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح".
وإضافة إلى إسرائيل، ترفض الفصائل الفلسطينية في غزة فكرة تجريدها من السلاح وتعد المقاومة المسلحة سبيلا مشروعا لاسترداد فلسطين من البحر إلى النهر، وهو ما يعني صعوبة تطبيق هذه الفكرة.
ردود الفعل
لقيت تصريحات السيسي ردود فعل عربية واسعة، عبر منصة "إكس" في 24 و25 نوفمبر، تستنكر هذا الطرح الذي يجعل الفلسطينيين "لقمة سائغة" أمام وحشية الاحتلال الإسرائيلي دون رد من المقاومة كما يحدث اليوم.
وقال الإعلامي حافظ المرازي: "لو افترضنا قبول الشعب الفلسطيني دولة منزوعة السلاح، فهل الدول العربية الشقيقة التي تقترح هذه التنازلات نيابة عنه، لاستمرار التطبيع مع إسرائيل، ستقدم ضمانات للفلسطينيين باتفاقات مكتوبة بالدفاع عن دولتهم لو انتهكتها القوات الإسرائيلية؟!".
وأردف "مصر، صاحبة الاقتراح، أنفقت في بضع سنوات دون حرب 45 مليار دولار من اللحم الحي للمصريين في التسليح، أما السعودية التي تريد الانتهاء من صداع الفلسطينيين لإكمال صفقة التطبيع، فتريد ضمانات من أميركا بأن تدافع عنها لو تعرضت لاعتداء، رغم ميزانية التسليح السعودية الضخمة!".
لو افترضنا قبول الشعب الفلسطيني دولة "منزوعة السلاح" فهل الدول العربية الشقيقة التي تقترح هذه التنازلات نيابةً عنه، لاستمرار التطبيع مع اسرائيل، ستقدم ضمانات للفلسطينيين باتفاقات مكتوبة بالدفاع عن دولتهم لو انتهكتها القوات الإسرائيلية؟!
مصر، صاحبة الاقتراح، انفقت في بضع سنوات…— حافظ المرازي (@HafezMirazi) November 25, 2023
بدوره، غرد محمد هلال قائلا: "عسكري وصل للحكم بقوة السلاح وبانقلاب عسكري بالسلاح.. يقترح دولة فلسطينية منزوعة السلاح! تخيل أن هذه الدولة تاريخيا حررها الناصر صلاح الدين… والآن مطلوب تكون منزوعة السلاح وبداخلها كيان محتل يمتلك أقوى سلاح واحتلها بالسلاح.. هل يمكن أن تقوم هذه الدولة أساسا؟".
عسكري وصل للحكم بقوة السلاح وبانقلاب عسكري بالسلاح ..بيقترح دولة فلسطينية منزوعة السلاح!
تخيل أن هذه الدولة تاريخياً حررها الناصر صلاح …
والآن مطلوب تكون منزوعة السلاح وبداخلها كيان محتل يمتلك أقوى سلاح واحتلاها بالسلاح هل يمكن أن تقوم هذه الدولة أساساً؟ pic.twitter.com/owmV0yErlI— محمد جمال هلال (@gamal_helal) November 24, 2023
وتساءل الناشط الفلسطيني أدهم أبو سلمية: "من الذي يُعطي الحق للسيسي ليقول إنه يقبل بدولة فلسطينية منزوعة السلاح؟! طبعا إلى جانب إسرائيل النووية".
وتابع: "لماذا يُصمم بعض الزعماء العرب على فرض الهزيمة على الشعب الفلسطيني؟! لماذا يحاول هذا البعض أن يُكرر النكبة من جديد عبر فرض الهيمنة الصهيونية على شعبنا.. إن كنتم عاجزين فلا تكونوا متآمرين".
من الذي يُعطي الحق للسيسي ليقول أنه يقبل بدولة فلسطينية "منزوعة السلاح"؟! طبعاً إلى جانب اسرائيل النووية!!!
لماذا يُصمم بعض الزعماء العرب على فرض "الهزيمة" على الشعب الفلسطيني؟!
لماذا يحاول هذا البعض أن يُكرر النكبة من جديد عبر فرض الهيمنة الصهيونية على شعبنا..
إن كنتم عاجزين… https://t.co/rVsmoO9Ktn— أدهم أبو سلمية ���� Adham Abu Selmiya (@adham922) November 24, 2023
كما تساءل وزير الخارجية التونسي الأسبق رفيق عبد السلام: "ما الداعي لهذه السرعة في دخول سوق البيع والشراء، ودم الشهداء لم يجف بعد، والمهجرون لم يرجعوا لبيوتهم بعد، وشبح الحرب مازال يتهدد غزة؟ هل هو الرغبة في قبض المساعدات المالية؟ الحماية في الانتخابات القادمة أم ماذا؟"
ما أريد أن أفهمه حقيقة، حتى لو افترضنا أن خيار تكوين دولة منزوعة السلاح وتحت إشراف ورقابة الحلف الاطلسي خيار صحيح ( أي تحت اشراف الاحتلال)،كيف يمكن للمفاوض أن يبدأ مفاوضاته من نقطة ما دون الصفر؟ فإذا انطلق المفاوض من هذه الهوة السحيقة فما الذي بقي به أن يفاوض عليه؟ قميصه أم… pic.twitter.com/etIX7RDU6Y
— Dr Rafik Abdessalem. د. رفيق عبد السلام (@RafikAbdessalem) November 25, 2023
وقال في تغريدة أخرى: "وعد من لا يملك لمن لا يستحق. يريد أن يبيع ما تبقى من أرض فلسطين للاحتلال بدولة منزوعة السلاح ومراقبة من قوات الأطلسي، أي محمية إسرائيلية لا تمتلك من الدولة إلا الاسم ولا ترتقي حتى لحكم رام الله".
وتساءل: "من فوض السيسي بهذا؟ ومن كلفه بهذه المهمة؟ هذه لم يقل بها أحد من المتقدمين ولا المتأخرين، وحتى نتنياهو وفريقه لا يتوقعون الأمور تنزل لهذا القاع، السيسي طايح أرض قبل الضربة".
وعد من لا يملك لمن لا يستحق. يريد أن يبيع ما تبقى من أرض فلسطين للاحتلال بدولة منزوعة السلاح ومراقبة من قوات الأطلسي، أي محمية اسرائيلية لا تمتلك من الدولة الا الإسم ولا ترتقي حتى لحكم رام الله. من فوض السيسي بهذا؟ ومن كلفه بهذه المهمة؟
هذه لم يقل بها أحد من المتقدمين ولا… https://t.co/ziQ4zca7Gm— Dr Rafik Abdessalem. د. رفيق عبد السلام (@RafikAbdessalem) November 24, 2023